خطبة عيد الفطر المبارك 17 يوليو 2015م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الفطر المبارك

الجمعة غرة شوال 1436هـ الموافق  17 يوليو 2015م

الخطبة الأولى

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر

 

اللهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ وأَثـْنِي لَكَ الحَمـْدُ يَا جَلِيْلَ الذَاتِ ويَا عَظِيْمَ الكـَرَمِ. وأصلي وأسلم على نبيك وآله وصحبه الرسول الأعظم. أما بعد-

أحبابي في الله وأخواني في طريق المستقبل الوطني،

لنشكره سبحانه وتعالي الذي فرض علينا صيام رمضان مدرسة للصبر وجنة تمحو خطايانا، يتودد إلينا بنعمه ونتبغض إليه بالمعاصي فأبناء آدم خطأؤون ورب آدم رحمن رحيم رحمته وسعت كل شيء.

الواجب علينا قبل يوم العيد إخراج زكاة الفطر والقدر اليوم بـ 15 جنيه عن كل واحد وواحدة منا لصرفها لمستحقيها من المحتاجين والمحتاجات.

لقد تنادينا اليوم لإحياء سنة مؤكدة؛ صلاة العيد ذات الطابع غير المعتاد من حشد يؤمه رجال ونساء وأطفال حتى الحيض يعتزلن الصلاة ويشاركن في الدعاء. ليبارك الله فينا، في ذرارينا وأرزاقنا، وليرحم موتانا، ويشف جرحانا، ويأخذ بيد أوطاننا وأمتنا، فهي تعاني اليوم محنة فاقت الغزو الصليبي، والصهيوني، والإمبريالي. أوحت للشاعر المصري مقولة:

مَلْعُونٌ سَيْفَ أَخِي!

وللشاعرة السودانية مقولة:

في كلِّ عاصمة أدور من الصباح إلى المساء

عن ماردٍ من قمقم العرب الأُباةِ

يجيء يصرخُ بالنداء

عن أيِّ شيءٍ قد يعيد توازني

لكنني

من كلِّ عاصمة أعود بكربلاء !!

كلمة إرهاب ترجمة خاطئة لأنها تعني القوة الرادعة للمعتدي الافتراضي. وهذا هو المعنى كما في النص القرآني: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكمْ)[1] أي تردعهم عنكم قوتكم.

أما العبارة الصحيحة فهي إرعاب، وتعني العنف المباغت ضد المدنيين وحراسهم وأموالهم لتحقيق أهداف خاصة أو سياسية، أو الإرعاب الرسمي الذي يمارسه الطغاة ضد ضحاياهم.

هذا الإرعاب أو الترويع تطور من جيل أول مارسه أمثال الجماعة الإسلامية في مصر وخلية الدندر في السودان، إلى جيل ثان مثلته القاعدة بعد أن شاركت في طرد السوفيت من أفغانستان مستفيدة من دعم وتمويل وتدريب وتسليح دولي، ثم شرعت تمارس الإرعاب لإخلاء بلاد المسلمين من الوجود العسكري الأجنبي: قل الأمريكي؛  وجيل ثالث فيه تشبيك بمنهاج القاعدة تمدد في البلاد العربية، وفي آسيا الإسلامية وفي غرب وشرق أفريقيا. ثم وفي عام 2014م لأسباب معلومة ظهر الجيل الرابع من الإرعاب تمثله خلافة داعش التي لا تقاس بما سبقها لأنها صارت دولة غازية تدافعت لمبايعتها عشرات الحركات والإمارات: تخندقت في عاصمتها، الرقة السورية، ممتدة على ثلث سوريا وثلث العراق، وغرباً على سبع مدن ليبية أهمها سرت ودرنة، ومن أنصارها إمارة مزمعة في سيناء، وحركات: الشباب الصومالي، وبوكو حرام، وجماعة أبو سياف في الفلبين، وشبكة مجاهدي اندونيسيا، وأنصار الشريعة في تونس، ودعوة التوحيد  والجهاد في الأردن، والمعتصمون بالكتاب والسنة في السودان، وتمدد في اليمن، وغيرهم.

درج التحالف الدولي الستيني على قصف مواقع داعش عاماً من الزمان لم يفلح في تدميرها.

إلى جانب هذا القصف المسلح كثرت فتاوي العلماء محتجة ببطلان مناهج هذا الجيل الرابع. حجج أبطل مفعولها أن أصحابها لم يتصدوا بواجب النصح لدى السلطان الجائر.

هنالك تمرد شعبي عريض تعبيراً عن رفض للممارسات الآتية في بلداننا:

  • حكم الفرد وغياب المشاركة والمساءلة.
  • الاقتصاد العاجز عن توفير الضروريات ولجم العطالة.
  • النظام الاجتماعي المميز لفئة قليلة على الأكثرية.
  • العجز عن القيام بالأمن الوطني أو الطائفي.
  • الامتثال للغزو الثقافي.
  • التبعية للخارج وتغريب الثروة.

يمثل الإسلام لأسباب كثيرة ذكرناها في مجالها رأس المال الاجتماعي الأكبر في بلدان المسلمين.

تصدى لإزالة المظالم المذكورة حركات إسلامية مستصحبة أساليب الحداثة. ولكنها واجهت  عثرات ما فتح المجال لاجتهاد غلو إسلامي. هذا الغلو لم ينشأ من فراغ بل مستمد من نصوص في دفاتر الإسلام روج لها فقهاء بل جعلوها أساس الولاء والبراء في الإسلام.

قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[2].

قالوا: هذه الآية تعني أن كل مجتمع وكل نظام حكم لا يحكم بما أنزل الله يعتبر كافراً. وتجب مقاومته.

هذه الآية نزلت تتصل بواقعة معينة تتعلق بيهود في المدينة أنكروا ما في كتابهم من رجم الزاني، ولا تتعلق بالإمرة أي الحكومة التي لم ينص الوحي على شكل معين منها.

الحاضنة الدينية الثقافية المسوغة لحركات الغلو ويقول بها جمهور عريض وإن لم يحملوا السلاح تقول:

  • علة القتال في الإسلام هي اختلاف الملة. ما يناقض حقيقة أن علة القتال هي العدوان.
  • آيات القرآن تفسر بظاهرها ما يناقض واجب التدبر.
  • يعتبرون الخلافة أصل في الدين مع أن الخلافة كانت لأبي بكر الصديق (رض) ثم تسمى عمر (رض) أمير المؤمنين. وبعد ذلك توالت خلافة بني أمية ثم بني العباس وكانت نماذج صارخة من غياب الشورى والمساءلة المفروضة وعندما نادى الخوارج بالآية: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ)[3] قال الإمام علي (رض) إنها كلمة حق أريد بها باطل لأنهم يقولون الإمرة لله بينما الإمرة شورى بين المسلمين. وقد تأخذ أشكالاً مختلفة.
  • قتل المخالف أصل في الدين.

هذا الفهم للدين هو الحاضنة الدينية لداعش وأخواتها.

لا الحركات الإسلامية المعتدلة، ولا حركات الربيع العربي، استطاعت أن تحقق تصدياً فعالاً للمظالم المذكورة، ما أفرز فراغاً تمددت عبره حركات الغلو. حركات امتازت بقوة الاحتجاج حتى أنها جذبت إليها شباباً من الدول المتقدمة. إما احتجاجاً على خلل العولمة الرأسمالية أو الأجيال اللاحقة من مهاجرين مسلمين وجدوا أن المجتمعات المضيفة لن تقبلهم أنداداً.

يحاول بعض  الناس الدعوة لوسطية الإسلام بديلاً عن حركات الغلو.

نعم وسطية الإسلام هي طوق النجاة ولكن للوسطية أكثر من وجه. هنالك وسطية مستأنسة  همها إبطال حجة الغلاة والدفاع عن الواقع الذي أفرز احتجاجات الغلاة في المقام الأول. ولكن الوسطية التي تتصدى لإصلاح جذري لذلك الواقع هي التي تحصن أمتنا من عواصف الغلو. إنها الوسطية الإحيائية.

هنالك كثيرون الآن بعد أن جربوا اتجاهات أخرى صاروا ينادون بهذه الوسطية الإحيائية. ولكن بعض الناس يشكون في أوراق اعتمادنا في مجال الوسيطة الإحيائية. لهؤلاء نقول:

  • دعوة الإمام المهدي حررت فكرة المهدية من الشخصنة، أي شخص غاب وسوف يعود مهدياً. ومن التوقيت، أي ربطها بآخر الزمان. ولكن ربطها بوظيفة الإحياء: إنسان هداه الله وهدى به. هذه الوظيفة واجبة بنص القرآن: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[4]، وقوله: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ)[5].
  • بعض الناس وإن قبلوا فكرة الإحياء ينكرون الجانب الغيبي في قوله: أخبرني سيد الوجود. كثير من علماء الدين يقرون إمكانية هذا الخطاب الروحي كما أكد الغزالي والسيوطي وغيرهما، ولكن الإمام المهدي نفسه وضع لنا جميعاً ميزاناً إذ قال: ما جاءكم منسوباً لي إذا وجدتموه مخالفاً للكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط. وقال: طريقنا لا إله إلا الله محمد رسول الله ومذهبنا الكتاب والسنة. ما جاء من عند الله على رؤوسنا وما جاء من النبي على رقابنا. وما جاء من الصحابة إن شئنا عملنا به وإن لم نشأ تركناه.
  • قال الإمام المهدي ونردد: “إن أمرنا تبع لا بدع” هذا في الثوابت، وأما في المعاملات والعادات فقد أقر بضرورة الحركة المستمرة بقوله: “ولا تعرضوا لي بنصوصكم وعلومكم على المتقدمين. إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال”.

 

أحبابي في الله وأخواني في طريق المستقبل الوطني،

هذه الحروب المشتعلة غير مجدية ولن تحقق سوى الانتحار الحضاري الذي يغضب ربنا وتشقى به شعوبنا وتسعد أعداءنا. فالثورة السورية تحولت إلى حرب أهلية ذات أبعاد طائفية وتحالفات إقليمية. والحركة التأديبية في اليمن تحولت إلى حرب أهلية ذات أبعاد طائفية وتحالفات إقليمية. والثورة الليبية بدورها تحولت إلى استقطابات ومساجلات مسلحة قبلية. والمساجلات الدموية في مصر بين المطالبة بعودة الرئيس السابق محمد مرسي واجتثاث الأخوان تنذر بتصعيد دموي بروافد داخلية وخارجية. هذه المواجهات لن تحقق لأطرافها أهدافهم المنشودة بالقوة بل تمعن في التدمير المتبادل وتفسح المجال لداعش والقاعدة وأخواتهما لتقديم نظم حكم ظلامية في الداخل وعلاقة بالآخر الدولي تعتبره دار حرب ليس بيننا وبينه إلا ذلك الحديث الضعيف الذي رواه أحمد في مسنده: قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”. ما يناقض آيات القرآن المحكمة (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)[6] المعنى المكرر في عشرات الآيات وفي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لذلك يا قومنا لبوا هذا النداء: أوقفوا هذه المساجلات الدموية فوراً، وأفسحوا لنا دعاة الوسطية الإحيائية المجللة ببركة الوحي، وبوعي حكمائنا، أن نعمل لإيجاد مخارج توفيقية عادلة محققة للوعد الرباني. (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[7]:

فـإن كنْتَ تَبْغي النجحّ فابْغِ تَوَسّطاً          فـعندَ الـتّناهي يَـقْصُرُ المُتطاوِلً

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أقول قولي هذا واستغفر الله رب العالمين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية

 

الله أكبر.. الله أكبر… الله أكبر

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ)[8]. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[9]. أما بعد-

قال العز بن عبد السلام: أي عمل يحقق عكس مقاصده باطل.

انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م أعلن أنه جاء لينقذ الوطن ولكنه بفعله أجهز عليه.

نحن في وطن انقسم على نفسه، يعاني ويلات الحروب الأهلية، ويعاني من إحصاءات كارثية:

في التدهور الاقتصادي والعسر المعيشي، وعطالة بلغت 20%، وفساد ضم بلادنا مع أربع دول أخرى كأفسد البلدان في العالم، وصفة لا يشاركنا فيها بلد هي أن قيادة بلادنا مطلوبة للمحاكمة الجنائية أمام محكمة يؤيدها أكثر من ثلثي بلدان العالم ساقهم إليها قرار مجلس أمن رقم 1593 صادر في 31/3/2005م بإجماع 14 دولة. دولة واحدة امتنعت عن التصويت.

 

أحبابي في الله وأخواني في طريق المستقبل الوطني،

مساءلة القيادة السودانية أمام المحكمة الجنائية الدولية نالت قسطاً كبيراً من التهريج ما نشر قسطاً من التضليل وأوجب كشف الحقيقة. (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا  ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ ). لذلك (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ):

النظام الذي يحكم السودان الآن شارك في صياغة نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ووقع عليه في عام 1997م.

وفي سمنار في دار المحامين في 22/12/2004م أعلن وزير عدل النظام السيد علي محمد عثمان يس أنهم بصدد المصادقة على نظام روما. ولكن لم يصادقوا.

في يونيو 2004م زار وفد حزب الأمة القومي ولايات دارفور واجتمعنا بمجالس شورى القبائل في العواصم الثلاث، واجتمعنا بالنازحين في معسكراتهم، واستمعنا لرجال الإدارة  والأمن، ثم عدنا إلى أم درمان وفي 26/6/2004م أعلنت في مؤتمر صحافي في دار الأمة نتيجة رحلتنا، وقلت: لقد ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وما لم يجر تحقيق في الأمر ومساءلة لمحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا فإن الأسرة الدولية سوف تتحرك.

عينت الحكومة لجنة كلفت بهذه المهمة ولكن تقريرها ذهب أدراج الرياح.

في 18/9/2004م قرر مجلس الأمن إرسال بعثة لتقصي الحقائق في دارفور. لجنة زارت ولايات دارفور ورفعت لمجلس الأمن تقريراً يؤكد وجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتركت موضوع الإبادة الجماعية معلقاً ليقرر القضاء بشأنه واتهمت القضاء السوداني بأنه غير مستقل.

تداول مجلس الأمن هذا التقرير واتخذ قراره رقم 1593 بتاريخ 31/3/2005م وفحواه إحالة أمر المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية. وشرعت المحكمة في تحقيقاتها وفي 4/3/2009م قررت بناءاً على تحقيقها استدعاء رأس الدولة السوداني للمحكمة.

المحكمة الجنائية الدولية محكمة مستقلة وفي البلدان الديمقراطية كلها يقوم نظام الحكم على الفصل بين السلطات. هاتان الحقيقتان معناهما بصرف النظر عما تقرر الحكومات فإن السودانيين المتهمين عرضة للاعتقال بأمر المحكمة الجنائية وامتثال المحاكم في أكثر من مائة دولة. هذه الاحتمالات قائمة وربما قرر مجلس الأمن إذا شاء تنفيذ أمر الاعتقال. هذه الإجراءات المحتملة، واردة ولا يؤثر عليها أن السودان لم يصادق على نظام روما ولم ينضم للمحكمة الجنائية الدولية.

مقولة إن المحكمة الجنائية الدولية إنما  تستهدف القيادات الأفريقية داحضة للأسباب الآتية:

  • نعم كل المطلوبين للعدالة الجنائية الآن أفارقة. ولكن سبع من الحالات التسع حولت للمحكمة من قبل حكومات أفريقية. وحالة واحدة حولت للمحكمة من مجلس الأمن.
  • هنالك حضور أفريقي في هيكل المحكمة. فالمدعية العامة سيدة من غامبيا. ورئيس المجلس العام لأعضاء المحكمة وزير العدل السنغالي.
  • الحقيقة هي أن التجاوزات تقع بصورة أكبر في أفريقيا كما يحدث الآن في جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي ساحل العاج، وفي الصومال، والضحايا يطالبون بالإنصاف.
  • بخلاف ذلك فإن المحكمة تتابع تجاوزات حدثت في مناطق أخرى في أفغانستان، وكولومبيا، وجورجيا، والهندوراس، وكوريا الجنوبية، وأوكرانيا، والعراق، وبعد انضمام فلسطين للمحكمة سوف يتم التحقيق في جرائم إسرائيل.

ما دامت المحكمة الجنائية الدولية محكمة مستقلة. وما دامت هنالك محاكم مستقلة في بلدان العالم. فإن اعتقال القيادة السودانية الرسمية مسألة وقت هذا إذا لم يقرر مجلس الأمن اعتقالها.

الرئيس السوداني غادر جنوب أفريقيا بعد أن أصدرت محكمة بريتوريا الأمر بعدم مغادرته للبلاد. وأبلغ بالأمر عدد من المسؤولين في حكومة جنوب أفريقيا، جميع هؤلاء إذ شاركوا في خروجه من البلاد خرقوا القانون ما يعرضهم للسجن 8 سنوات. وقانون الهجرة في البلاد يوجب ألا يدخل شخص أو يخرج من البلاد إلا إذا كان الدخول والخروج مسجل لدى ضابط هجرة. عقاب عدم التسجيل هذا السجن عامين، والسجن 5 أعوم لأي مسؤول علم بذلك وعاونه. وإذا كان إخراجه تآمرياً بمعنى علم به وأخفاه وعاون عليه أكثر من شخص فالعقاب لهم 8 سنوات سجن.

هذه الحقائق تعني الآتي:

أولاً: أن رأس الدولة السوداني وبعض أعوانه قيد الملاحقة المستمرة. ومن يتعامل معهم بصورة طبيعية يعرض نفسه لمساءلة قضائية ومساءلة الرأي العام. هذه عقوبات قبل أية محاكمة.

ثانياً: ويعاقب السودان بأنه لن يقبل مفاوضاً في مشروع إعفاء الدين الخارجي كبلد فقير عالي المديونية، ولن ترفع عنه العقوبات الاقتصادية، ولن يحظى بالدعم التنموي الأوربي، ولن يرفع اسمه من قائمة دعم الإرهاب.

هذه الأمور تحرس استمرارها المحاكم في البلدان المعنية والرأي العام فيها.

هذا الموقف يجعل أمنامنا نحن قوى المستقبل الوطني خياران: الأول: أن نعتبر هذه الملاحقة الدولية لقيادة النظام رافعاً يدعم جهادنا المدني لعزل النظام مساهمة في تحقيق الانتفاضة السلمية المنشودة وقد تراكمت عوامل مولدها. والخيار الثاني: هو إذا استجاب النظام لمطالب الشعب المشروعة نستطيع أن نتفق على معادلة توفق بين المساءلة والاستقرار أي بين العدالة العقابية والعدالة الاستباقية، عن طريق فكرة المحكمة الهجين، أو عن طريق إحدى أساليب العدالة الانتقالية.

وجود القرار الدولي 1593 بشأن العدالة الجنائية، ووجود اليوناميد بقرار دولي بشأن حماية المدنيين في السودان، ووجود القرار الدولي 2046 بشأن محادثات السلام الجزئية في السودان يجعل أمرنا في السودان ذا أبعاد دولية شئنا أم أبينا. المهم أن نوظف هذه الأبعاد الدولية للمصالح الوطنية المشروعة.

في 16/11/2011م التقيت نائب أمين عام الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام السيد هارفي لادسوس في نيويورك. وبعد تداول الأمر قال لي: إذا طالب أهل الشأن أي أهل السودان تفعيل البند 16 من نظام روما يمكن لمجلس الأمن أن يستجيب.

هنالك من يقولون لا حوار بالشأن السوداني إلا داخل السودان. على من يضحك هؤلاء؟ كل مفاوضات اتفاقيات النظام جرت خارج السودان. وفي السودان 31 ألف جندي دولي لحماية المدنيين. يعتمد ملايين السودانيين على إغاثات دولية. وهنالك 62 قرار دولي بعضها مفروض على النظام وبعضها قبلها النظام. النظام السوداني الحالي هو أكثر نظام زج بالشأن السوداني للأفرقة والتدويل خلافاً لسلوك النظام الديمقراطي الذي تآمر عليه. نحن إذ نتطلع لإشراك البعد الإفريقي والدولي نفعل ذلك لمصلحة وطنية عليا.

إن حكام السودان اليوم في غيبوبة تامة يضعون أحلامهم مكان الحقائق، وقديماً قال  نابليون إن السياسي الذي لا يعلم مواضع الخطر يصبح هو نفسه موضعاً للخطر. ولا يسعني في هذا الموقف الواضح المعالم إلا أن أوجه نداءاً مثلما فعلت في ظروف مماثلة كثيرة أذكر منها: للعقيد معمر القذافي في عام 2011م. وللرئيس المصري السابق محمد مرسي في 2013م، ولطرفي الحرب الإيرانية العراقية في 1987م فلم يستبينوا النصح إلا ضحى غد. نداء لحكام السودان اليوم: إن استمرار نظامكم مستحيل وعدولنا عن مطالب الشعب المشروعة مستحيل، والبطش بسلاح المليشيات القبلية إذا حقق لكم مصلحة آنية فإنها مصلحة عارضة. اعلموا: ما ضاع حق قام عنه مطالب، واسمعوا لشاعر السودان:

وكذلك نحن إذا ثرنا يوماً

أو قلنا نحن نريد

فابحث لسلاحك عن هدف آخر

هيهات.. هيهات يفيد

ورغم كل الاحتقان وما يصحبه من مواجهات فإني أوجه للحكام في السودان نداء العيد: يا قومنا حكمتم البلاد بالقهر 26 عاماً، وبعد كل هذه المدة أنتم اليوم في أضعف حالاتكم، وتواجهون إخفاقاً في إدارة الأمن، والاقتصاد، والعلاقات الدولية. من الناحية الأمنية مهما كانت حالة المواجهات بين النظام والحركات المسلحة المعروفة فقد اشتعلت جبهات اقتتال قبلي بلغت أربعة عشر تكاثر قتلاها ومشردوها، فإننا نناشد أهلنا أطراف الاقتتال القبلي وآخرها ما بين الرزيقات والمعاليا والزريقات والهبانية نناشدهم أرضاَ سلاح (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).

وفيما يتعلق بالاقتصاد فقد بلغ التضخم 25% والعطالة زادت عن 20% وجنت الأسعار جنوناً. وفي المجال الدولي يتصدر السودان كل قوائم الإخفاق. وباسم القوى التي تآمرتم عليها، والقوى التي بطشتم بها، نناديكم لمخرج كسبي عادل؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة، والوعد الحق: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)[10].

أحبابي في الله وأخواني في طريق المستقبل الوطني،

بالعمد والتفريط أدت سياسات النظام الحاكم في السودان لانتشار منابر يدعو خطباؤها علناً للتكفير والعنف المصاحب له والانتماء لمراكزه خارج السودان.

وبالعمد والتفريط انتشر السلاح الفتاك وثقافة العنف المصاحب له، واستغلال العصبيات القبلية لحروب لوثت النسيج الاجتماعي في السودان، وانتشرت جبهات الاقتتال القبلي بصورة غير مسبوقة من الفتك والدمار.. جبهات اقتتال كان آخرها ما وقع بين أهلنا الرزيقات والهبانية رحم الله الشهداء وشفى الجرحى.

إننا نناشدهم جميعاً لجم السلاح والإقبال على الصلح وعزل المحرضين على الفتنة.

هذه الفتن التكفيرية والإرهابية والقبلية تودي بالأمن القومي وتوجب على كيان الأنصار القيام بواجبه الدعوي والإرشادي وباعتباره خط الدفاع الأجدى عن الدين والوطن الاستعداد للقيام بواجبه.

إني أوجه هيئة شؤون الأنصار تحديد ما ينبغي القيام به فالبيضة صارت مكشوفة.

نحن قوم متفائلون ونعلم تماماً (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[11]، ومن هذا المنطلق مع صلتنا بكل الأطراف ندرك أن السودان أقرب من غيره في محيطه لإيجاد مخرج من المستنقع.. فهلا غادر الجميع محطتهم الحزبية والمصالح الذاتية واعتمدوا البوصلة الوطنية لتقودنا إلى بر الآمان؟ بعض الناس يرون ذلك بعيداً، ولكننا نراه قريباً، كما في الأثر: تفاءلوا بالخير تجدوه! نعم نتفاءل ونعمل بكل ما يستطاع ولكل مجتهد نصيب.

أحبابي في الله وأخواني في طريق المستقبل الوطني،

أبارك لكم العيد ومع بعدي عن الوطن فإننا شركاء في وجدان جمعي واحد، فأعفوا عني وأقبلوا عفوي عنكم وعلى الله قصد السبيل.

[1]  سورة الأنفال الآية (60)

[2] سورة المائدة الآية (44)

[3] سورة الأنعام الآية (57)

[4] سورة لقمان الآية (15)

[5] سورة الأنعام الآية (89)

[6] سورة الكهف الآية (29)

[7]  سورة آل عمران الآية (110)

[8] سورة الأنعام الآية (1)

[9] سورة الأحزاب الآية (56)

[10] سورة الطلاق الآية (2)

[11]  سورة يوسف الآية 87