دروس من حرب العبور:رمضان أكتوبر1973م

بسم الله الرحمن الرحيم

دروس من حرب العبور:رمضان أكتوبر1973م

9 أكتوبر 2005م

 

منذ قرنين من الزمان كانت المواجهات العسكرية بيننا وبين الغرب مساجلات غير متكافئة تدل على ذلك واقعات التل الكبير بمصر، وكرري بالسودان، وكافة الغزوات التي شنها الاستعمار الأوروبي الذي قال عنه صمويل هنتنجتون إنه «حقق سيطرته على العالم بموجب التفوق العسكري لا الديني ولا الثقافي ولا الفكري».

كان غرس إسرائيل في فلسطين جهداً صهيونيا، وجد دعماً دولياً قادته بريطانيا ثم أميركا ثم سائر المنظومة الدولية التي اتخذت قرار قيام إسرائيل عام 1948م. تداعيات الحرب الباردة، والموقف التحرري الذي اتخذته قيادة القومية العربية أدى منذ الستينات من القرن العشرين إلى تمكين إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة وجزء لا يتجزأ من جبهة المواجهة بين الغرب والشرق.

كان مشهد يونيو 1967م دليلاً على سوء إدارة المواجهة سياسيا وعسكرياً، فأدى ذلك إلى إهانة وهزيمة الموقف القومي العربي وإلى تعزيز التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي الغربي. وينبغي أن تحسب حرب الأيام الستة ضمن عدد المواجهات العسكرية المذلة للمنطقة.

كان التقصير في 1967م سياسياً، لأن القيادة السياسية انفردت بالقرار السياسي الخالي من المشاركة والمساءلة مع الشفافية. وكان التقصير عسكرياً لأن الجيوش التي تتحول لأحزاب سياسية لا تحارب، لأنها تشغل نفسها بما لا يعنيها، وبما لا تحسنه وتنصرف عن ما يعنيها وما تحسنه إن شغلت نفسها بالانضباط والتدريب على نحو ما تفعل القوات المسلحة في البلدان الديمقراطية. لا أجد في دفاتر الأدب السياسي المعاصر تعبيراً عن هذه الحقيقة أبلغ مما جاء على لسان الشاعر المصري أمل دنقل إذ قال:

قلت لكم مرارا

إن الطوابير التي تمر

في استعراض عيد الفطر والجلاء

فتهتف النساء في النوافذ انبهارا

لا تصنع انتصارا

إن المدافع التي تصطف

على الحدود والصحارى

لا تطلق النيران إلا حين تستدير للوراء

إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء:

لا تقتل الأعداء

لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا

تقتلنا وتقتل الصغارا!!

ولكن منذ كارثة 1967م قررت القيادة المصرية نهجا جديداً، ووضعت على قيادة القوات المسلحة قيادة ملتزمة بمهنية المؤسسة العسكرية، بعيدة عن الخوض في قضايا الحكم والسياسة. لذلك كان أداؤها في أكتوبر 1973م أداءً عسكريا مميزاً.

حرب أكتوبر/ رمضان 1973م تلقى علينا أربعة دروس:

الأول: أن التفوق العسكري الغربي كما تمثله إسرائيل والحلف الذي يدعمها ليس مطلقا بل يمكن قهره.

والثاني: أن الجيوش التي تقاتل حقيقة هي التي يعصمها الضبط والتدريب عن الخوض في الحكم والسياسة. ولكن انتصار أكتوبر سلب من كثير من ثماره السياسية والدبلوماسية..

الدرس الثالث: هو أن قرار الفرد في المجال السياسي معرض للخطر. ينبغي أن يصحب إبعاد القوات المسلحة عن القرار السياسي والحكم إيجاد آلية للمشاركة والمساءلة. إن غياب هذه الآلية رهن القرار السياسي للانفراد المحفوف بالمخاطر وعرض القيادة السياسية للخداع الذي تعرضت له القيادة المصرية. وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر خدع الرئيس أنور السادات.

الدرس الأخير: الدول العربية تقف اليوم غالبا مشلولة إزاء أهم القضايا التي تهم المنطقة لأسباب:

تفجر مشاكلها الداخلية.

تناقض مواقفها مع حليفها الإستراتيجي الأميركي الذي صار موقفه خطراً على سلامتها لسببين:

الأول: لتبنيه التحول الديمقراطي.

والثاني: لتطابق موقفه مع إسرائيل وتأثره سلباً بسياساتها في الأرض المحتلة.

العجز العربي الرسمي خلق فراغاً تمددت فيه حركات الاحتجاج الإسلاموية أي الغلاة. وتمددت فيه حركات التحرير بأساليبها الراديكالية حيثما يوجد احتلال أجنبي.

تراجع الموقف الرسمي وأفسح المجال للحركات الراديكالية الشعبية للتعبير عن الاحتجاج، وتطلعات التحرير الراديكالية الإسلامية العربية هي المقابل الاستراتيجي للراديكالية الغربية الإسرائيلية. وهما في الوقت نفسه يفسران بعضهما بعضا، بل ويبرران بعضهما بعضاً ومهما كانت مساجلات العنف فإن فلسفة الطرفين توجب المواجهة حتى النهاية على نحو ما جاء في أقوالهم:

  • المسلمون لا يعادوننا بسبب أفعالنا أو سياساتنا إنهم ضدنا لذواتنا.
  • الغرب لا يعادينا بسبب سياساتنا ولكنها صليبية متأصلة (محمد قطب).

هنالك خيار ثالث مقدماته على الصعيد السياسي استنارة واعتدال السياسة الغربية ملحقة معها الإسرائيلية، وانعتاق شعوب المنطقة بحيث يؤدي اجتهادها السياسي الحر وتمكينها الديمقراطي من صنع القرار فيمثل بديلا عن العجز الرسمي الحالي وبديلا عن أطروحات الغلاة. إن لهذا الرأي صلة مباشرة بذكرى حرب رمضان/أكتوبر، لأن إيجابيات ما تحقق فيها تمثل شقاً من قرار إبعاد المؤسسة العسكرية من الحكم والسياسة لتجيد أداءها، والشق الآخر هو فتح باب الاجتهاد السياسي والمشاركة والمساءلة الديمقراطية لكي تتمكن الشعوب من التخلص من رأي الفرد وخطورته لتنعم بالقرارات الصائبة.

هذا ما يوجبه النقل والعقل.

قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ـ سورة الشورى الآية 38. وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم) رواه أحمد والترمذي. وقال المصطفى صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا «لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا». وجاء في الأثر: نصف رأيك عند أخيك، وما خاب من استشار. وقال الحكيم:

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به           رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها.