دور خطبة الجمعة في معالجة القضايا السياسية والاقتصادية

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

 

بقلم: الإمام الصادق المهدي

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصبحه ومن والاه

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي المؤتمرين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد-

كان المسجد في الصدر الأول وعلى سنة النبي (ص) مرفقا متعدد الوظائف، كان مصلى، ومعهد تعليم، ومنبر إعلام، ومركز اجتماعات عامة، ومنتدى شورى، وغازيته إعلان لتوجيهات الدولة، ومشفى مرضى، وملجأ فقراء، ومآب للذين طلقوا الدنيا من أهل الصفة. إذن كان المسجد منارة الدين وعقل المجتمع وقلبه النابض بالحياة.

وكانت العلاقة بين ولي الأمر النبي (ص) وخلفائه وبين أفراد الأمة علاقة مباشرة يلتقون في صلاة الجماعة وفي كل المناسبات بلا حجاب وبلا صولجان، ولكن مرضت الجماعة الإسلامية بدءا الفتنة الكبرى ولجأ كثير من الصحابة لحسم الاختلافات بالقوة.

لقد كان مبدأ الشورى الذي نزل به الوحي: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[1] مبدأ عظيماً يليق بحقوق الإنسان الذي كرمه ربه. كل حقوق الإنسان التي تطلع إليها الفكر الإنساني بعد طول تطوره تنطلق من خمسة مبادئ هي: الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام. كلها ثابتة في دفاتر الإسلام.

قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[2]، وقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)[3]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[4]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[5]، وقال داعياً للسلام: (ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً)[6]. ومع وضوح هذه المبادئ تركت النصوص للأمة إيجاد الآلية المناسبة لتحقيق تلك المبادئ.

بعض ممارسات الصدر الأول اعتمدت النيابة عندما اختار أهل المدينة 12 شخصا نيابة عنهم بطلب من النبي، (ص) وكذلك بعض الممارسات اعتمدت رأي الاغلبية عندما اختار عمر (رض) ستة من الصحابة لاختيار الخليفة بعده ووجه أنه إذا تساوت الأصوات يكون لابنه عبد الله (رض) صوتاً مرجحاً على ألا يكون له من الأمر شيء. ولكن هذه الممارسات لم تتطور لتصير وسائل عامة لحسم الاختلافات، فالاختلافات سنة كونية: قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)[7] وقال: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً)[8] وفي هذا الباب قال الشيخ محمد الغزالي في مؤتمر كان عقد بالمغرب: حبذا لو أن الإمام علي بن أبي طالب والصحابي معاوية بن أبي سفيان احتكما لعملية انتخابية بدل الاحتكام للسيف. فقام أحد الحاضرين واعترض قائلا: ليست من السنة! فرد عليه قائلاً: وهل الاقتتال بين المسلمين من السنة؟

الفتنة الكبرى فتحت الباب: ما قام به المغيرة بن شعبة ناصحاً معاوية بفكرة التوريث لابنه يزيد قائلا: “لقد رأيت ما كان من سفك دماء واختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا منك، فلا تسفك دماء ولا تكون فتن”، وفي مجلس البيعة ليزيد بحضور زعماء العشائر قام يزيد بن المقفع وقال: أمير المؤنين هذا وأشار لمعاوية وإن هلك فهذا وأشار ليزيد ومن أبى فهذا واشار لسيفه فقال معاوية اجلس فإنك سيد الخطباء.

منذ ذلك الحين استصحب نظام الحكم في دولة المسلمين كثيراً من نظم وممارسات الأكاسرة والقياصرة. وفي ظل هذه النظم اختفى طابع المسجد المعروف في عهد الصدر الأول، وبرز وتأسس دوره المعهود اليوم: عمارة لأداء الصلوات، وتقلص بالتالي دور المسجد متعدد المرافق، وصار التغلب سمة الحكم على نحو ما قاله ابن حجر في فتح الباري: (أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه). صفة ذمها أبو العلاء بقوله:

طموح السيف لا يخشى إلهاً ولا يرجو القيامة والمعادا

خطبة الجمعة

تراجع دور خطب الجمعة في المجتمعات الحديثة، وصارت تبث في الغالب مواعظ تقليدية نمطية مع اختلاف في موضوعات يتناولها أئمة في اتجاه مذهبي أو في اتجاه حركي من وحي حركات إسلامية.

وأذكر أنني في سنوات المنفى عن وطني السودان حضرت صلاة الجمعة في عدد كبير من البلدان: في مصر، السعودية، والإمارات، وتونس، والجزائر، وباكستان، والأردن، وليبيا، ولندن، ونيويورك، فأدهشتني نمطية موضوعات خطبة الجمعة في قت فيه تغلي المجتمعات بمسائل كثيرة تفرضها المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحديات يفرضها تطور العلم في مجالات الفلك والفضاء وفي مجالات علوم الأحياء وعلوم الإنسان وكلها توجب إفادات من خطب الجمعة بما يجيب على التساؤلات المشروعة بهدي من الدين فلا يتبلبل الناس، ويقدم فقهاً ينير طريقهم، ومع أن فكر المسلمين تصدى عن طريق المؤلفات وأجهزة الإعلام لبعض تلك القضايا والتحديات فإن خطب الجمعة واصلت غالباً نهجها النمطي لا تحفل بالمستجدات. صحيح بعض الأنشطة الحركية الإسلامية خاطبت ببعض أفكارها بعض منابر الجمعة، بل فرت من قهر أجهزة الأمن ووجدت متنفسا في المساجد. هذه المخاطبات جعلت النظم الأمنجية المتخندقة تعمل عبر وزارة الأوقاف والشئون الدينية والأجهزة الأمنية على وضع المساجد تحت المراقبة بصورة وصلت إلى أوجها في تونس قبل الثورة، إذ صارت المساجد لا تفتح إلا لأوقات محددة للصلاة وصارت خطب الجمعة موجهة بأمر الحكومة.

وعامل آخر صار له أثر في خطبة الجمعة في كثير من البلدان متعلق بحرب باردة بين ثلاثة أضلاع في جسم الأمة: سنية وشيعية وصوفية، هذه الحرب الباردة صارت إلى حد كبير مدفوعة بتوجيهات وأموال رسمية من هذا البلد أو ذاك.

مصلحة الأمة العليا الآن في أن تتنادى أطراف الأمة الإسلامية لصحيفة تدعى صحيفة أهل القبلة فحواها:

قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)[9] وتحقيقا لهذا النداء الرباني وسدا لمداخل الفرقة بين أهل القبلة نلتف حول المبادئ الآتية:

أولاً: الالتزام بالقطعي وروداً والقطعي دلالة من الكتاب والسنة، واعتبار ما عدا ذلك أمورا اجتهادية تلزم أصحابها ولا تتعداهم.

ثانياً: في بلادنا مجموعات غير مسلمة ويعيش ثلث المسلمين في بلدان أغلبيتها غير مسلمة، علينا الالتزام بحرية العقيدة والمساواة في المواطنة في بلادنا، والالتزام بثوابت دينية هي: حرية العقيدة والضمير، الالتزام بقطعيات الشريعة، التسامح مع الاختلافات الاجتهادية بين أهل القبلة، والتعايش السلمي بين الأديان.

ثالثا: الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان كأصول ثابتة في هداية الإسلام والانتصار لها وهي: الكرامة، العدالة، الحرية، المساواة، والسلام.

رابعاً: الجهاد فريضة ماضية إلى قيام الساعة، ويعني بذل الوسع كله في سبيل الله، ويكون قتالاً لدرء الفتنة في الدين وفي صد العدوان. بعض المسلمين يمارسون عنفاً عشوائياً احتجاجاً على مظالم حقيقية ولكن للقتال في الإسلام ضوابط: فلا يستهدف المدنيين ولا العجزة ولا الأطفال ولا النساء. رد العدوان ومقاومة الاحتلال واغتصاب الحقوق قتالاً واجب، ولكن الإرهاب الذي يصيب الأبرياء حرام.

خامساً: ينهي الإسلام عن تكفير المسلم وهو أخطر أنواع التطرف والغلو وهو أصل البلاء وسبب استحلال الدماء والأموال والأعراض ولقد بليت به الأمة قديماً فأورثها بلاءً وشقاءً عانت منه قروناً، والواجب أن نمنع حدوثه مرة أخرى وكذلك علينا أن نعزل التكفيريين وأن ندمغهم بأقوى العبارات وأن نفعّل ونشرّع القوانين لمعاقبتهم على الطعن في عقائد الناس وعلى تجاوز اختصاص القضاء.

سادساً: هنالك نظم استجدت ينبغي تأصيلها إسلامياً. فالرابطة الوطنية تحقق مصالح السكان ونلتزم فيها بسيادة الوطن ووحدته والسلام والعدالة مع نبذ العنف في تحقيق الأهداف الدعوية والوطنية. والرابطة القومية تقوم على وحدة ثقافية ولغوية يعترف بها مع نبذ العصبية، والرابطة الإسلامية التي تنظم أممية إسلامية جامعة. قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[10].

سابعا: النظام الدولي المعاصر نشأ من وحي المعاملات الإسلامية وتطور مع منظمومة حقوق الإنسان في الحضارة الغربية، إن لهذا النظام في ديننا شرعية، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[11]. وقوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[12]. يقوم النظام الدولي الحالي على التعاهد والعدالة ولكنه الآن ناقص العدالة ما يوجب العمل على إصلاحه.

ثامناً: الاختلاف سنة كونية لذا لا يمكن إلغاؤه بل ينبغي التعامل معه. فما نراه من اختلاف بين الجماعات الإسلامية يجب أن يكون اختلاف تنوع وتكامل وليس اختالف تضاد ونفي للآخر.

تاسعاً: نحن أهل القبلة كافة نلتزم بما ورد في هذه الصحيفة ونعمل لتبرئة ديباجة الإسلام من أية ممارسات خاطئة باسمه.

قالى تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ ‏الْمُشْرِكِينَ)[13].

وإلى جانب هذا، التوجه نحو رؤية مشتركة لا تملى على أحد ولكن تبحث وتجاز في مؤتمر شعبي جامع لتلزم الكافة بإطارها العام.

نحن الآن في مرحلة صحوة الشعوب وحرصها على حرياتها العامة وكل الدلائل تشير إلى أن النظم الأمنجية المتخندقة سوف تطوى لصالح نظم تقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

إن التوجه الإسلامي حائز على رأس المال الاجتماعي الأكبر في أكثر البلدان الإسلامية، وسوف تعبر خطب الجمع عن هذه الحقائق، ولكن ينبغي التميبز بين هذا الحق وبين استغلال منابر الجمعة في الصراعات الحزبية السياسية التي سوف تتيحها الحريات العامة.

ومواكبة للإصلاحات المنتظرة ينبغي وضع ميثاق شرف يلتزم به أئمة المساجد كما ينبغي إجراء إصلاحات جذرية في مؤسسات التعليم الإسلامية كالأزهر، والمعاهد العلمية، لتصير مستقلة ومحكومة بنظم الشورى فلا تخضع لأية توجيهات إدارية.

هذه المعاهد هي التي تدرس وتدرب أئمة المساجد، وينبغي رفع درجات القبول للطلبة فيها والحرص على أن ينالوا إلى جانب العلوم الشرعية علوما عصرية في المجالات المختلفة، فإنهم يحظون بمنابر يقدسها الناس ويجلسون تحتهم على الأرض ويلتزمون الصمت التام على حد توجيه النبي (ص): “إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَيْت”[14] ومن لغى لا جمعة له. لا يوجد في العالم تجمع أكثر انضباطاً وأكثر اصغاءاً من هذا التجمع ولذلك يتيح فرصة نادرة للدعوة، والإرشاد والتبصرة.

إن خطبة الجمعة أهم منبر للخطاب الإسلامي، علينا نحن في مجال الوسطية أن نتناول خطبة الجمعة من زاوية الخطاب الإسلامي في العصر الحديث خطاب يؤكد:

إن الإسلام دين الوسطية بمعنى الأوسط أي الأفضل كما جاء في كتاب الله: قال (أَوْسَطُهُمْ)[15].

وأن علينا الإلمام بثمار الاجتهاد الذي يقوم على التفكر وهو النظر في الدليل، والتدبر وهو النظر في العواقب، والحكمة وهو وضع الشيء في مكانه الصحيح وزمانه المناسب ما يوجب الإحاطة بالواقع وفقه الأولويات.

بيان كيف أن أصدق مخرجات الفلسفة تعزز الإيمان بالله.

بيان القراءة الصحيحة للعلوم الطبيعية ودعمها للحقيقة الإلهية.

ضرورة الالتزام بثوابت الدين في التوحيد والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة. وفتح مجال الاختلافات الاجتهادية والتعايش مع الاختلافات المذهبية.

تأكيد عالمية مكارم الأخلاق وضمان الإسلام لها ودعمه لها بحقائق الوحي وبالجزاء الأخروي.

تأكيد عالمية حقوق الإنسان المنبعثة من الفروع الخمسة: الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام، وكفالة الإسلام لها وتعزيزه لها بحقائق الوحي والجزاء الأخروي.

تأكيد دور العدل المحوري في الإسلام ودعوته للنظم التي تحقق المشاركة والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

توضيح ما يتطلبه الإسلام من الكفاية والعدل في المجال الاقتصادي.

بيان أن الإسلام يتطلب علاقات تسامح بين الأديان والتزامه في هذا المجال بالتوجيه الرباني: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[16].

توضيح أن الإسلام يدعو لعلاقات دولية تحقق السلام والتعاون حسب التوجيه الرباني: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[17]

بيان فقه الجهاد وأنه رهبانية الإسلام وأنه قائم إلى قيام الساعة وأن مفهومه واسع يبدأ بجهاد النفس إلى العمل بكل الوسائل المدنية لاعلاء كلمة الله وأن لا يكون قتالياً إلا دفاعاً عن النفس وعن حرية العقيدة وحتى في القتال فإن له آدب يحافظ على حقوق الإنسان في الحرب.

ينبغي أن نسعى لتطوير دور المساجد أسوة بما كان عليه حالها في الصدر الأول لتصير من أهم قنوات الرعاية التربوية والاجتماعية في المجتمع.

وأن نسعى لتؤدي خطبة الجمعة وظيفتها الارشادية كذلك ليكون فيها باستمرار تناول لقضايا الساعة التي تهم الأمة.

وفي مجال هذه الصحوة ينبغي تنظيم العلاقة بين الإمام والمصلين بحيث تتكون لجان للمصلين ليتمكنوا من توصيل رأيهم للإمام فيما يدلي به وما يطلبونه منه من أفادات.

إننا الآن نعاني فوضى الفتاوي، فالفضائيات حاشدة بفتاوي من جهات سنية وشيعية وصوفية تغيب العقل مثلما تغيب فضائيات أخرى الفضيلة، فكأن حضارتنا تواجه هجوما على علقها وأخلاقها ما يوجب في إطار الدعوة الدينية تنظيم وسائل الفتوى والحيلولة دون ما تتعرض له الآن من فوضى. ومن وسائل تطوير خطاب الجمعة تكوين جمعيات جراب رأي (Think tank) لتقديم النصح باستمرار للأئمة بضرورة مراعاة من يخاطبون في الجمعة على أساس مقولة النبي (ص): “نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أمرنَا أَن ننزل النَّاس مَنَازِلهمْ ونكلمهم عَلَى قدر عُقُولهمْ”[18].

وينبغي أن يدرب الأئمة على فن الخطابة وما ينبغي أن يدخل في خطابهم من شواهد، وأدبيات، وقصص، ومُلح فالخطاب علم وفن وعلى حد قول سيدنا علي بن أبي طالب (رض): روّحوا القلوبَ وَابْتَغُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ، وقوله: “لا بأسَ بالفكاهة يخرجُ بها الرّجلُ عن حدّ العُبوس”.

القيمة الاضافية لهذا المؤتمر حول خطبة الجمعة ينبغي أن تكون إصدار توصيات واضحة قوامها:

إصلاح وسائل تعليم وتدريب أئمة المساجد.

اقتراح ميثاق شرف للأئمة.

اقتراح آلية للتواصل بين الإمام والمصلين.

تكوين مكتبة لمراجع توفر للأئمة مراجع الخطاب الإسلامي المطلوب.

تنظيم آليات الفتوى لمنع ما تتعرض له الآن من فوضى .

تقديم نقد موضوعي لما عليه حال خطب الجمعة اليوم بصفة عامة.

بيان لوظيفة المسجد.

بيان لوظيفة خطبة الجمعة.

اقتراح قانون ينظم وظيفة المسجد والخطبة على الأسس الجديدة.

تقديم خطة طوعية عبر مؤتمرات أهلية لأئمة المساجد ليتدارسوا ويشاركوا ويلتزموا بمطالب صحوة المساجد المنشودة.

 

 

_____________________________________________________________

 

 

الهوامش

 

[1] سورة الشورى الآية (38)

[2] سورة الإسراء الآية (70)

[3] سورة الكهف الآية (29)

[4] سورة النحل الآية (90)

[5] سورة الحجرات الآية (13)

[6] سورة البقرة الآية (208)

[7] سورة البقرة الآية (251)

[8] سورة هود الآية (118)

[9] سورة آل عمران الآية (103)

[10] سورة الانبياء الآية 92

[11] سورة الممتحنة الآية (8)

[12] سورة الإسراء الآية (34)

[13] سورة يوسف الآية (108)

[14] مسند بن حنبل

[15] سورة القلم الآية (28)

[16] سورة النحل الآية (125)

[17] سورة الممتحنة الآية (8)

[18] سنن أبي داؤد

قدمت هذه الورقة في مؤتمر خطبة الجمعة ودورها في بناء المجتمع

في الفترة من 23-22/09/2012م

المنتدى العالمي للوسطية

بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية

والجامعة الأردنية ودائرة الإفتاء العام