رئيس المنتدى العالمي للوسطية الحبيب الإمام الصادق المهدي"يا أخوة الإسلام والعروبة إنما الدين النصيحة "

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

لأسباب كثيرة فإن الدولة الوطنية تتآكل أمام أعيننا، ومع أننا بمثلنا العليا ومصالحنا نتطلع لكيانات أوسع عربية وإسلامية فإن الدولة الوطنية إذا تماسكت عتبة مجدية نحو المجالات المتعدية للحدود القطرية.

إذا استمرت عوامل التعرية الحالية فإن دول المنطقة القطرية مرشحة للتشظي على أسس طائفية، وإثنية، وجهوية، فتتباعد التطلعات الوحدوية الكبرى وتتفتت المنطقة محققة لأعدائها أغلى أمانيهم.

العوامل التي أوصلتنا إلى هذه الحالة لا تغيب عن كل من (كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) ويرجى أن يتنادى المفكرون والمثقفون ورجال ونساء الدولة إلى منبر مؤهل من شأنه أن يشخص الحالة ويضع مشروعاً نهضوياً لنجدة الأمة. هذا أو يستشري السرطان ونحقق بـأيدينا لأعدائنا “نصراً بلا حرب”.

هبات الربيع العربي وإن لم تحقق مقاصدها سوف تبقى تطلعات محتملة ما دامت نظم الحوكمة في المنطقة مغيبة للمشاركة والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، هذه المبادئ أمنيات القوى الاجتماعية الجديدة وهي دقات نبض التاريخ.

هبة الربيع العربي في اليمن التي انطلقت في فبراير 2011م شاركت فيها عناصر كثيرة وأدى ما فيها من اضطراب إلى مخاوف على أمن البلاد واستقرارها. عقدت القوى السياسية اليمنية مؤتمراً للحوار الوطني في مارس 2013م، وقعت اختلافات في هذا المؤتمر لا سيما حول تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم أم إلى إقليمين فقط، ولكن قدم مجلس التعاون الخليجي مبادرة حققت تسوية تراضٍ في اليمن. الرئيس السابق على عبد الله صالح قبل المبادرة الخليجية قبولاً سطحياً، أما الحوثيون وهم زيدية اليمن فقد رفضوا المبادرة الخليجية ولم يوقعوا عليها بحجة أنها لا تحقق مطالب الثوار.

هذا الموقف المشترك من رفض المبادرة الخليجية والترتيبات التي أقامتها تلك المبادرة هو الذي أدى إلى تحالف بين أعداء الأمس الرئيس السابق علي عبد الله صالح والجماعة الحوثية ضد النظام الذي على رأسه الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي أنتخب للرئاسة بموجب ترتيبات المبادرة الخليجية، وجمع بينهما كذلك موقف مضاد لحزب الإصلاح (الأخواني).

الحوثيون بدعم من جماعة الرئيس السابق على عبد الله صالح السياسية والعسكرية زحفوا من مناطقهم التقليدية في صعدة وحجة إلى عمران ثم إلى صنعاء وذمار والحديدة والبيضاء إلى مأرب وعدن.

الفرقة الزيدية هم أقرب فرق الشيعة لأهل السنة فهم يقبلون الخلفاء الراشدين الأربعة بترتيبهم التاريخي، ويوقرون آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم كافة، ويوقرون عامة الصحابة ولا يلتزمون بسلسلة الإمامة الإثنى عشرية، وهم يقرون بالخروج مع أي فاطمي (من ذرية السيدة فاطمة (رض)) يخرج ضد الظلم أي أنهم لا يقرون بالمدرسة المهدية الإثنى عشرية. هنالك عشر مدارس مهدوية في التراث الإسلامي بعضها شيعية وبعضها سنية.

مدرسة المهدية في السودان التي قال بها الإمام محمد أحمد سنية تعترف بالخلفاء الأربعة، وتوقر آل البيت كافة، وكذلك الصحابة، وتعتبر المهدية هي وظيفة إحياء الدين على أساس إحياء الكتاب والسنة، ولا تقول بمهدية آخر الزمان ولا بمهدية شخص غاب وسوف يعود مهدياً، أي أنها نزعت من عقيدة المهدية التوقيت والشخصنة.

غالبية أهل اليمن أهل سنة شافعية، وهم من أكثر أهل السنة توقيراً لآل البيت.

لذلك كان التعايش الطائفي بين الزيدية والشافعية في اليمن قوياً ومستمراً، ولكن النزاعات الإقليمية أدخلت عوامل مستجدة على الزيدية والشافعية باعدت بينهم، وأشعلت توتراً أعاد للأذهان التوتر المعهود بين أهل السنة والشيعة الذي انتعش في المنطقة بسبب ما حدث في العراق، وسوريا، ولبنان.

كانت المملكة العربية السعودية أيام الانقلاب الجمهوري بقيادة السلال في 1962م داعمة للإمامة الزيدية، ولكن عوامل الاستقطاب الجديدة في المنطقة جعلت الحوثيين في الطرف الآخر من الاستقطاب ما جعل المملكة العربية السعودية تعتبر استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن بالقوة ضد الشرعية التي أقامتها المبادرة الخليجية، مع ما هو معروف من موقف الحوثيين من الاستقطاب السني/ الشيعي في المنطقة، خطراً على الأمن القومي السعودي، ما أدى إلى انطلاق عاصفة الحزم بهدف وقف الزحف الحوثي وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المستقيلة احتجاجاً على الزحف الحوثي، ولكن المستأنفة لدورها بعد أن استطاع عبد ربه الخلاص من الأسر الحوثي إلى عدن.

ومع أن تحالف عاصفة الحزم مفهومة كحركة لمنع فصيل وطني الاستيلاء على السلطة بالقوة وهي كذلك استجابة لطلب ما بقي من الشرعية في اليمن فإن هذا التحرك لم يجد سنداً من مجلس الأمن.

التحرك السعودي المتحالف وجد تأييداً من أغلبية مجلس القمة العربي الذي اجتمع في شرم الشيخ.

الموقف القانوني إذن هو:

عدم جواز استيلاء الحركة الحوثية وحلفائها على السلطة في اليمن بالقوة، والتحرك السعودي ضد ذلك الاستيلاء يعتمد على مبررات سياسية واضحة.

ولكن بصرف النظر عن الاعتبارات القانونية فإن اليمن في الواقع الجيوسياسي مشدود لثلاثة ولاءات تقسمه: ولاء زيدي (حوثي) في الشمال، وولاء سني (شافعي) في الوسط، وولاء جهوي (عدن) في الجنوب.

الحوثيون لا يستطيعون حكم اليمن بالقوة، وعاصفة الحزم لا تستطيع إقامة نظام يجتث الحوثيين بالقوة، والحقائق الطائفية والتاريخية، والجيوسياسية تبرز اليمن منقسماً إلى ثلاثة أقسام سوف تحترب حروباً غير حاسمة وسوف تجذب إليها الاستقطاب الإقليمي لتواصل احترابها بالأصالة وبالوكالة، وبينما يحترب هؤلاء فإن القاعدة في جزيرة العرب وسائر ظواهر الاحتجاج الجديدة سوف تجد في احتدام هذه النزاعات فرصة للتمدد بالمخططات الراديكالية الغريبة على روح العصر، كما تمارسها القاعدة، والنصرة، وداعش وأخواتها.

الحرب في اليمن لن تؤدي لانتصار الحوثيين على الكافة، ولا إلى استسلام الحوثيين وسوف تكون هذه الحرب هي السابعة بعد حرب: 2004م و 2005م 2006م، و2007م و2008م 2009م. ولكنها هذه المرة أوسع وأعمق وسوف تجر إليها الفتنة المذهبية المشتعلة الآن في العراق، وسوريا، ولبنان، فتنة سوف تشد إلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة دول المنطقة كافة.

لم يعد الاستقطاب حول الحرب في اليمن محصوراً في نطاق دول الجوار ولم يعد محصوراً في النطاق العربي بل تعدى الاستقطاب دول الجوار والنطاق العربي وسيكون لكل من طرفي الاستقطاب حلفاء على الصعيد الدولي.

الحرب في اليمن لن تكون نزهة لأحد بل يمكن أن تتحول إلى مواجهة طائفية، جيوسياسية، تعيد ما حدث في حرب 1980/ 1989 بين العراق وإيران ولكن هذه المرة بصورة أعمق وأوسع.

إنها حرب يتمناها أعداؤنا وهم يتمنون ألا ينتصر أحد طرفيها وسوف يكون لهم ما تمنوا فبعد سفك الدماء أنهاراً، وإتلاف الأموال إهداراً، وتدمير البنيات التحتية تقويضاً، فالمصير إلى معاهدة سلام بمبادرة إقليمية أو دولية لأن قضاء أحد الطرفين على الآخر بالضربة القاضية مستحيل.

لا يوجد في دفاتر الاحتراب الطائفي بين البشر ما هو أسوأ من احتراب الأوربيين طائفياً، ولا يوجد في دفاتر الاحتراب الأيديولوجي ما هو أسوأ من احتراب الأوربيين، ولا يوجد في دفاتر الاحتراب الوطني ما هو أسوأ من احتراب الدول الأوربية رغم ذلك ها هي أوربا تتعايش في سلام وتستظل بالوحدة.

العاقل من اتعظ بغيره لنقدم على صرف النظر عن المساجلة الحربية ونسعى لإبرام اتفاق سلام وطني، وقومي، وإسلامي يعطي كل ذي حق حقه.

إني أقترح أن تتكون لجنة خماسية من الجزائر، وعمان، ولبنان، وأندونيسيا، وماليزيا لتقوم فوراً بعملية تحكيم يدعمها مجلس مستشارين من 10 شخصيات من العدول للقيام بهذا التحكيم وتقديم معادلة تخاطب:

1. التنوع اليمني والمشاركة العادلة لمكوناته.

2. احتواء الاحتقان الطائفي.

3. تقديم معادلة للأمن الإقليمي من ثلاثة أضلاع: عربي، وإيراني، وتركي.

العمدة في كل هذا النهج: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[1]. وقال العز بن عبد السلام: كل أمر أدى إلى عكس مقاصده باطل.

هذا أو الطامة الكبرى.

 [1] سورة الحجرات الآية (9)