رئيس حزب الأمة القومي الحبيب الإمام الصادق المهدي ل (الجريدة) 2-2

الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

كل الموبقات دخلت السودان خلال ال(29) عاماً الأخيرة

اعتبار رفع راية (لا اله الا الله) سبب الغلاء كلام فارغ واستهبال

الأزمة الاقتصادية لن تنصلح في وجود النظام وسياساته

النظام الشمولي لا يفتح أذنيه ولا عينيه لإيجاد الحلول

نسبة تعاطي المخدرات بالبلاد اقتربت من أمريكا اللاتينية

زيارة أردوغان للخرطوم عبرت عن الإخوانية لا عن تركيا الحديثة

 

حوار: إبراهيم عبد الرازق

 

الأحد 4 فبراير 2018

 

 

الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

اعتبر رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي أن الحكومة وصلت لأوضاع إقتصادية وسياسيٮة واجتماعية على العكس تماماًً من الذي أدعته في بداياتها، وسعت لتحقيقه عبر الإنقلاب، واستدل على ذلك بمائة من المفكرين المحسوبين على النظام قال إنهم أقروا بفشل تجربتها في الحكم، وأشار الى أنه سينشر أسماءهم، كما تناول في هذا الجزء الثاني من حواره مع (الجريدة) العلاقات مع مصر وتركيا وفق الإعلان عن خارطة طريق لتجاوز الخلافات بين القاهرة والخرطوم، وزيارة الرئيس التركي للبلاد مؤخراً:

 

* هناك من ينصح بعدم التفريط في الحكومة لتجنب أوضاع مماثلة لما حدث في سوريا كيف تقرأ ذلك؟

وما الذي وصل بالأوضاع في سوريا إلى ما هي عليه سوى طول مكث الحكم الشمولي، نحن على علاقة متواصلة مع السوريين وتحدثنا معهم حتى قبل الربيع العربي بإيجاد مخرج للشمولية وكذلك فى ليبيا، النظام الشمولي لا يفتح أذنيه ولا عينيه لإيجاد الحلول، من يقول هذا ويحذر من مصائر تقود للشرذمة يتكلم للحفاظ على مصالحه، على العكس طول مكوث الأنظمة الشمولية هو الذي يُحدث التشرذم، لذلك نقول لابد من استباق لمنع المضار من ذلك بالإجراء السلمي ومن المهم مراجعة المقالة الأخيرة التي كتبها بروفيسور الطيب زين العابدين في تقييم تجربة النظام الحاكم.

* كيف ترى أنت هذا التقييم للتجربة؟

ما يمارس الآن مختلف تماماً عن ما كان ينوي فعله عن طريق الانقلاب لذلك كل من شارك أو أيد أو وقف مع هذا النظام يرى ذلك، ونحن لدينا قائمة بمائة كاتب من المفكرين المحسوبين على هذا النظام وسننشرها من باب (شهد شاهداً من أهلها)، الآن يكتبون بلغة مختلفة وهؤلاء ليسوا القوى اليسارية أو العلمانية أو البعثية، مثل الطيب زين العابدين وحسن مكي وعبد الوهاب الأفندي وخالد التيجاني النور صاروا يكتبون بلغة المعارضة، وكانوا يمثلون القوى الفكرية المؤيدة لهذا النظام في بداياته، وكانوا من المتحمسين جداً لها لكنهم الاَن أدركوا فشل التجربة وصاروا يتحدثون بوضوح عن هذا الفشل حتى راشد الغنوشي وقد زارني في التسعينات عندما جاء إلى المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي القومي وكان معه المفكر الحامدي وقال لي لقد جئت خصيصاً لأطلبك لتؤيد هذا النظام حتى يتمكن من تنفيذ أجندته وزاد الغنوشي وأنا أنتقدت من قابلت من أهل النظام، وقلت لهم خطأكم الأساسي أنكم لم تشركوا السيد الصادق المهدي في مشروعكم الفكري، فقلت له يا أخ راشد معقول أنت لا تستنكر الانقلاب ولا تستنكر الشمولية ولا التمكين ولا الحزب الواحد الذي يربط بالإسلام وتستنكر عدم ضم السيد الصادق المهدي، وقلت لهم عليه أن يراجع الموقف ويقدم له النصح، الآن راشد الغنوشي يتكلم عن نظام الانقاذ بلغة تكاد تكون مطابقة لكلامي معك هذا ويقول إن التجربة أساءت إلى الإسلام وإلى التجربة الإسلامية، وهكذا من كانوا ينظرون إلى النظام بعين الرضا الاَن ينظرون اليه بعين فيها شكل واضح من الإدانة.

* الأزمة الاقتصادية المعيشية برأيك هل هي من صنع الحكومة أم فرضت عليها لاعتبارات خارجية؟

فُرضت عليهم لظروف سياساتهم، أولاً هذا النظام ارتكب أخطاء اقتصادية لا أول لها ولا آخر، الميزانية فيها عجز كبير جداً وهم يسدون هذا العجز بطبع نقود بدون مقابل، وفرضوا على بنك السودان ذلك وبنك السودان غير مسموح له بالاستدانة للحكومة الداخلية بأكثر من ۱٥ ٪ حسب قانونه، لكنهم فرضوا عليه تجاوز هذه النسبة لذلك صاروا يطبعون النقود بصورة غير منطقية وظهر ذلك في الكتلة النقدية والتي ديسمبر ۱۹۸۹ كانت ۱٤ مليار جنيه، وفي العام ۲۰۱٦ صارت ۱۲۱ تريليون جنيه، هذا بينما الدخل القومي للانتاج القومي تضاعف فقط ٦ مرات وهذا كارثي، ويعرف في الاقتصاد بنقود كثيرة تطارد سلع قليلة وهذا ينعكس على الأسعار، هذا هو الخطأ الأساسي الكبير المبني على الحكومة تصرف أضعاف أضعاف ما ينبغي أن تصرف حسب الضبط الاقتصادي والمالي، هذا أمر والآخر هو العجز في الدولارات، لذلك صارت الحكومة تشتري الدولارات وفي بداية الانقاذ كان الدولار قيمته ۱۲ جنيهاً، والآن وصل حوالي ٤٥ الف جنيه أي أنه تضاعف ۳۰۰۰ مرة وهذا انعكس على السلع لأن الكثير منها مستورد، فتم رفع قيمة الدولار الجمركي من ٦ إلى ۱۸ جنيهاً بزيادة ۳۰۰ ٪، هذه الأرقام التي جعلت المعيشة في السودان مستحيلة وبهذا الشكل لا يمكن للمهاجرين أن يضخوا الدولارات للبلاد عبر القنوات الرسمية لسبب بسيط لأن القيمة التي يعطيها لهم السوق الموازي أكبر، ووفقاً لهذه الظروف لن نستطيع أن نجذب استثمارات إلى البلاد لأن أصحابها يريدون تصدير أرباحها إلى الخارج، وهذا مشروع خاسر بسبب العملة السودانية والميزانية الكارثية.

* ما رأيك في المبررات التي أطلقها مسؤولون حول الأزمة الاقتصادية؟

طبعاً هناك من قال إننا نتعرض إلى مؤامرة اقتصادية لأننا رفعنا راية لا إله إلا الله، وبعض أئمة المساجد ذهبوا إلى أن الغلاء هو عقاب للمواطنيين لأنهم لا يخافون الله، وآخرون يرون أن التجار هم سبب الأزمة، وكل هذا كلام فارغ واستهبال، والأسباب التي ذكرناها هي التي أحدثت الغلاء المبالغ فيه، وبخصوص رفع راية لا إله إلا الله فقد سألت وأنا بالسجن بعض ضباط الأمن كانوا يزوروني، وقلت لهم وكان ذلك في ۱۹۹٥: » بذمتكم الشارع السوداني الليلة أكثر انضباطاً أم في ۱۹۸۹ قالوا لي في ۱۹۸۹ ، ومنذ تلك المساءلة وحتى الاَن تردت الأمور في السودان تردياً شديداً.

* هل تقصد التردي الاقتصادي فقط بمعنى إذا زالت الأزمة الاقتصادية ستنصلح الأمور؟

الأزمة الاقتصادية لن تنصلح في وجود النظام، فسياسياته هي السبب، وغير ذلك انتشرت في عهد الانقاذ المخدرات وجميع المخالفات الأخلاقية التي تقع تحت مسمى الموبقات بصورة غير مسبوقة، مثل تعاطي المخدرات والانتحار والالحاد، حيث أخبرني أحدهم أن النسبة اقتربت من امريكا اللاتنية المعنية المخدرات من حيث الرواج والتنوع، ووزير الداخلية تحدث عن وجود إنسان مدمن في كل بيت ويتم القبض على صغار التجار أم تجار الجملة، لم يقدم أحد إلى المحاكمة، ولذلك آخر الحاويات الكبيرة التي قُبض عليها لم يخبرنا أحد من وراءها لا سيما في أوساط الشباب الذين صوتوا بأقدامهم على صحة ما ذكرنا بالهجرة إلى الخارج، وبلغت النسبة أن ربع سكان السودان خرجوا في ظرف ۲۹ سنة الأخيرة، وكان خروجهم دون أي ضمانات لمصيرهم وتعرض عدد منهم للغرق في البحر ومن نجا يجمعون في شكل معسكرات، المشهد الأخلاقي تراجع بصورة كبيرة بزيادة نسبة العطالة وزيادة نسبة الطلاق وتراجع نسبة الزواج.

 

الشعب السوداني الثائر

 

* وماذا عن مستقبل المعارضة ووحدتها وفق الأحداث الأخيرة؟

هناك مشاكل بين قوى المعارضة ولكنها مقدور عليها، وفي رأيي أن الشعب السوداني سيتحد لأننا سياسيون ومواطنون نريد نظاماً جديداً وهذا سيحدث حتماً، وسيجتمع الناس على هذه الحتمية، لكننا نتمى أن يتم ذلك بوسائل سلمية.

* هناك دعوة لخارطة طريق للعلاقات السودانية المصرية كُشف عنها مؤخراً ما توقعاتكم لهذه الخطوة؟

العلة والمشكلة الاَن بين النظام السوداني والمصري هي الموقف من حركة الأخوان المسلمين وهذه الحركة في السودان مشتركة في السلطة، ومن هم في السلطة أغلبهم يعتبرون أنفسهم من خلفية إسلامية، وهذه الخلفية في السودان يتضامنون مع تركيا وقطر في إطار حضانة الحركة الأخوانية العالمية، طالما هذا موجود في وقت تصنف فيه مصر الحركة الأخوانية إرهاباً لا يمكن أن يحدث اتفاق بين النظامين، وكل ما يحصل الآن عبارة عن تسكينات، أما اتفاق حقيقي لا يمكن خصوصاً لأن الاستخبارات السودانية تتهم الحكومة المصرية بأنها تدعم المعارضة وكذلك الاستخبارات الأمنية المصرية تتهم السودان بأنه يحتضن الإرهابيين، يمكن الحديث عن هدنة أو توافق في بعض الأمور لكن الجوهر هو الموقف من الأخوان حتى الملفات مثل سد النهضة وحلايب هذه مشاكل حقيقية لكن الجوهر ما ذكرته لك.

* انتقدت شكل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبلاد هل هذا بسبب الموقف من الأخوان الذي تحدثت عنه؟

هناك استقطاب موجود لأن أردوغان عندما زار السودان جاء كأنه داعية للإخوانية العالمية، وكنت تحدثت مع أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية عندما كنت في إسلام أباد قبل شهر وهو حزب أردوغان، وقلت له انصحوا أردوغان لأن يعمل بإعادة هيكلة للخط الإسلامي في تركيا ليحدث مسألة توفيقية بين الإسلام والعلمانية بحيث يستطيع أن يعيش في المناخ التركي، لأن في تركيا كان هناك حزب أخواني يقوده نجم الدين أربكان، ورجب طيب أردوغان كان عضواً معه وفي كل مرة تظهر أحزاب أخرى يسمونه الرفاه والفضيلة وغيرها، كلما يأتي حزب من هؤلاء بأغلبية يقوم الجيش التركي بمصادرته لأنه يعتبر نفسه وريث على تراث مصطفى كمال أتاتورك، وحزب اردوغان يجب أن ينتقل من المفهوم الأخواني إلى مفهوم توفيقي إذ لا يستطيع أن يدعم المفهوم الأخواني على النحو الذي دعا اليه أربكان لأنه سيواجه بذات مشاكل الدولة العميقة والقضاء العميق والقوات المسلحة العميقة، وسيحدث اصطدام، إذا كان يريد أن يساعد الحركة الإسلامية الاخوانية فليساعدها على عمل نوع من التوفيق ليس بالضرورة مع العلمانية لكن قل مع النظام المدني، لا بد من إجراء ما، لكنه لم يفعل ذلك وجاء للسودان متبنياً للمشروع الأخواني، كما تتبناه الأخوانية العالمية ورفع شعار رابعة، وهو شعار في المفهوم السياسي المصري بأن ما حدث في رابعة مجزرة، وأن الرئيس الشرعي لمصر هو محمد مرسي، وأن ۳۰ يونيو إنقلاب، وأنه لا بد من الانتقام، هذه التربيعة لها معنى معين. وهذا كان خطأ كبير وكان من الممكن أن يعبر الرئيس التركي بشعار للعلاقة بين السودان وتركيا الحديثة.

 

 

 

الجريدة

 

 

الجريدة الأحد 4 فبراير 2018 العدد 2367 الصفحة رقم 5