رد السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء على مذكرة الجيش فبراير 1989

رموز ضد النسيان الصادق المهدي زعيم الديمقراطية
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

رد السيد رئيس الوزراء على مذكرة القوات المسلحة 22/2/1989م

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من مجلس الوزراء

التاريخ: 16 رجب 1409هـ

الموافق 22فبراير 1989م

 

نص رد السيد الصادق المهدي

رئيس الوزراء على مذكرة القائد العام

 

 

أيها الأخوة

 

اعضاء القيادة العامة وقادة قيادات القوات المسلحة.

اجتمع بكم هذا الصباح للرد على المذكرة التي تفضلتم بتقديمها لمجلس رأس الدولة بصورة لي وسيكون الرد في مقدمة وسبع نقاط.

 

المقدمة

لا شك أن ظروفا غير عادية يمر بها الوطن ومجهودنا الدفاعي أملت اجتماع الاثنين 20/2/1989م مما أجب مخاطبة غير عادية للسلطة السياسة. رأيت أن يكون الرد بأسلوب مباشر وهذا التداول لا يخرج من حقيقة أن التداخل معهود بين المسئوليات السياسية والعسكرية لا سيما في ظروف القتال. ولدينا في التاريخ المساجلة التي وقعت في هذا الصدد بين تشرشل وديغول عندما قال الأول إن الحرب من الأهمية بحيث لا تترك للجنرالات وحدهم، ورد الثاني بأنها من الأهمية بحيث لا تترك للسياسيين وحدهم. تصرفت كذلك يقال لها أنت قوة منضبطة والمطلوب الآن أن نستفيد من تجاربنا ونقيم التعامل على أساس تكامل المسئولية والتناصح في ظل مبدأين هما الالتزام بالشرعية الدستورية والالتزام بالانضابط العسكري. إننا نستطيع عن طريق التجربة والممارسة تحقيق معادلة سودانية قويمة.

 

النقاط السبع: 

النقطة الأولى:

هنالك نقاط وردت في المذكرة لا خلاف عليها هي:

  • أن الجبهة الداخلية غير موحدة مما يؤثر سلبا على مهام الدفاع.
  • إن الحرب الحالية تدور في غير مشاركة كاملة من الشعور العام في البلاد.
  • إن القوات المسلحة تنقصها مقومات أساسية لا سيما في السلاح الجوي والدفاع الجوي والبحرية.
  • إن التمرد في الجنوب يحظى بظروف تأييد دولي غير عادية من مصادر مختلفة.

النقطة الثانية:

أود أن أعلق على سبع فقرات بعينها في المذكرة التي ارسلتموها:

الفقرة الأولى: جاء فيها:

“… وأخيرا توقفت كل المانحة عن تقديم أقل احتياجاتنا الحيوية..”

أقول: الدول التي دعمتنا عسكريا في عهد مايو بعد فترة الانحياز توقفت عن هذا الدعم، والسبب الثاني لخفض العون العسكري الأمريكي للسودان هو أن السودان لم يعد كما كان منحازا للأهداف الاستراتيجية الأمريكية بل يتبع سياسة عدم انحياز.

أما الدعم العسكري السعودي فقد بلغ مبلغا كبيرا في 1976 ولكنه لم يتصل بعد ذلك بحجم كبيرة.

الآن السودان يحظى بدعم عسكري كبير من ثلاثة دول عربية وبصفقات تسليح كبيرة من الدول الوسطى.

الفقرة الثانية: جاء فيها: ” لقد وظفت الدول الغربية وبعض المنظمات الطوعية كل إمكانياتها للتأثير على الدول المانحة للسودان ويمكن رؤية ذلك بوضوح في موقف السوق الاوربية المشتركة تجاه السودان..” أقول: إن السوق الأوربية المشتركة لم تدعم السودان عسكريا ولكن دعمها المدني للسودان لم ينقطع بل تزايد في المجالات الآتية:

  • في مجال مشروعات التنمية.
  • في مجال إعادة تأهيل المشروعات.
  • في مجال إعادة التعمير.
  • وفي مجال الإغاثة.
  • في مجال غوث اللاجئين.

في هذه المجالات جميعا توجد برامج محددة تجد سندا ماليا وعينيا.

الفقرة الثالثة: جاء فيها: “في هذا الجانب يجب أن نقف قليلا ونخلص إلى أن ما يشهده السودان اليوم على صعيد جبهته الداخلية مؤشر واضح لخطر داهم مستقبل الوطن”.

  • الاختلاف الحزبي.
  • الاختلاف المنهجي.
  • الاختلاف العقائدي.

أما الاختلاف الحزبي في السوان فحقيقة قائمة منذ استقلاله وهو اختلاف صار أكثر اعتدالا مما كان عليه في الستينات. أما الاختلاف المنهجي فمرده إلى وجود قوى لها وزن سياسي واقتصادي أكبر من حجمها العددي مما يفتح المجال لبعض القوى العقائدية ذات العدد المحدود لمحاولة الضغط عن طريق هذه القنوات للحصول على مزيد من النفوذ السياسي.

أما الاختلاف العقائدي فقد صار يدور الآن حول دور الإسلام في السياسة وهذا الموقف بالإضافة لأسباب الاختلاف الأخرى تشكل واقع اختلاف له مرتكزاته ويمكن للظروف أن تجعل الاختلافات أقل حدة أو أكثر حدة ولكن لا سبيل بمحوها بجرة قلم.

الفقرة الرابعة: جاء فيها: “إلا أن ذلك كله لم يحقق النتائج الإيجابية المأمولة والمطلوبة لتوفير كافة احتياجات القوات المسلحة اللازمة للقتال لأنها اصطدمت بواقع مرير سببه السياسات الداخلية والخارجية للدولة.

اقول: إن الدعم العسكري للدولة السودانية بحجم كبير كان كالآتي في الماضي:

الصفقة السوفيتية في عام 1970 كان حجمها 200 مليون – (مأتين مليون) وقصتها بدأت بطلبي لها في عام 1967م كرئيس للوزراء واستجابة القيادة السوفيتية للطلب ومواصلة السيد محمد أحمد محجوب للأمر ثم تنفيذ سلطة مايو له في عام 1970م.

دعم عسكري سعودي للسودان بلغ 200مليون دولار.

الميزانية الراهنة للدفاع تزيد عن أربعمائة مليون دولار(400)، وهذا يعني أن حجم التمويل بالعملة الصعبة لاحتياجاتنا الآن أكبر منه في أي مرحلة مضت. ولكي نحسم كل خلاف حول هذه النقطة أرى أن نعين لجنة فنية لمراجعة وبيان هذه الحقائق.

الفقرة الخامسة: جاء فيها: “أننا جميعا قيادة وقاعدة منتشرون في كل بقاع السودان يجب أن نؤكد بوضوح لا لبس فيه أننا مع خيار الشعب السوداني الأصيل في الحفاظ على الديمقراطية كما أكدنا ذلك في السادس من أبريل وأننا نرفض كل أنواع الديكتاتورية وسنظل أبدا أوفياء لواجبنا المقدس في حفظ وصون سيادة الوطن” أقول: هذا التزام إيجابي في حد ذاته كذلك لا بديل له فالانقلاب العسكري ممكن وسهل والثورة عليه ممكنة وحدثت وعلينا أن نجنب بلادنا هذه الدوامة.

الفقرة السادسة: جاء فيها: “تماسك الجبهة الداخلية وما تتطلبه من توسيع قاعدة المشاركة في الحكم للخروج من هذا المنعطف الخطير” أقول: هذا مبدأ صحيح وقد سعينا إليه وحققنا منه درجات وأخيرا انسحب أحد الأطراف لأنه اشترط شرطا إملائيا وهذا يحول دون الاتفاق. والآن لعل الخطر المتزايد على البلاد يجعل القوى السياسية تفكر بحرص وجدية أكثر لتوحيد الجبهة الداخلية.

الفقرة السابعة: جاء فيها: “وعليه مع تأكيد الولاء لله وللأرض وللشعب لاتخاذ القرارات اللازمة في ظرف أسبوع من اليوم”.

أقول: هذه نهاية غير موفقة لأنها تشبه الإنذار وتفتح باب ملابسات. فالذين يريدون أحداث انقلاب عسكري سيجدون منها مدخلا.

القضية الأولى: السياسة الخارجية

إن المحورية في السياسة الخارجية هي التي جرت لنا على عهد مايو كل المشاكل في أمننا القومي. لقد تمحور السودان وانحاز في عهد مايو ما أدى لخلق محور مضاد منحاز في الاتجاه المضاد هو محور عدن الذي تبنى حركة التمرد تمويلا وتسليحا وتدريبا وخلق ما خلق لنا من أضرار.

لقد رمينا بانحياز لإيران وهذا غير صحيح فقد دعونا لوقف الحرب عندما كانت ترى استمرارها وراهنا على اتجاه تغلب الإسلام داخل إيران وقد حدث أكدنا في كل مجال أننا من حيث المذهب سنة ومن حيث الانتماء عرب ولكننا نرى ضرورة التعايش المذهبي والقومي وهذا ما تتجه إليه الآن البلاد العربية واتهمنا بانحياز لليبيا والحقيقة هي أن بلادنا جربت أضرار العداء لليبيا ورأينا أن تقوم علاقاتنا على التفاهم وقد حدث واستطعنا أن نلعب دورا إيجابيا في الصلح الليبي التشادي ونعمل الآن للصلح المصري الليبي وأكدنا أن علاقتنا بهذه الجارة لا تتم المصالح المشتركة لا على التبعية.

المملكة العربية السعودية تبادلنا اطيب المشاعر وإن كان دعمها العسكري لبلادنا لم يرق بعد لمستوى تلك المشاعر.

مصر. أكدنا لها الحرص على العلاقة واتفقنا على ذلك ولكن لسبب ما تقف مصر على بالحياد من حربنا في الجنوب.

إننا ننطلق في السياسة الخارجية من عدم الانحياز ومن عدم المحورية ومن التوازن وقد وضعنا برنامجا مفصلا للسياسة الخارجية أعطيكم صورة منه ومستعد لأي رأي محدد حوله طالما لا يدعو ذلك الرأي للعودة للانحياز أو المحورية.

القضية الثانية: قضية الإمكانيات التي اتيحت للقوات المسلحة.

إن بعض الانطباعات تصور أن ما بذل لا يسوى شيئا أقول: إن قواتنا تحتاج وتستحق المزيد ولكن ما أتيح أنطلق من اهتمام بالغ باحتياجاتها وتسخير كبير لقدرات البلادب وخلاصة ذلك:

  • الدعم الذي قيمته بالعملة الصعبة هذا العام والعام الماضي تبلغ حوالي 400 مليون دولار في السنة.
  • مضاعفة ميزانية القوات المسلحة أكثر من عشرة أضعاف في عهد الحكومة المنتجة مما شمل المهمات والمرتبات والمعاشات وتحديد الوضع الأمثل للقوات المسلحة بين القوات النظامية الأخرى.

إن ما حدث من دعم بالعملة الصعبة وبالسوداني يفوق ما حدث أثناء الحكم المايوي واثناء الفترة الانتقالية.

القضية الثالثة: هي قضية السلام التي لم تذكرها مذكرتهم ولكن لها اهميتها تكلمة الصورة لها ودورها في انقسام الرأي السوداني. لقد ورثنا وضع فيه حرب وليس فيه تفاوض. وفتحنا باب التفاوض منذ كوكا دام حتى الآن عبر لقاءات واتصالات بلغت ست عشر وعبرها تحققت إيجابيات.

  • تحريك للسياسات الدولية في اتجاه السلام.
  • تحريك للعلاقات الإقليمية لا سيما بين السودان وأثيوبيا، بين الحركة والحزب الاتحادي الديمقراطي وعندما استعرضنا هذا الاتفاق وجدناه مكونا من خمسة بنود قبلناها وهي البنود ( أ- ب- ج – د-هـ) وكان البند – أ- مكونا من أربعة بنود -1-2-3-4 وكان رأينا أن البند -2- لا داعي له لأنه لا توجد اتفاقية تقيد السيادة الوطنية في السودان وأن النبود 3و4 ينبغي أن يعكسا بحيث يسبق وقف إطلاق النار رفع حالة الطوارئ أو أن يترك الترتيب للجنة فنية مشتركة. إن قدر لهذا الاتفاق أن ينال اتفاق الجميع فإن هاتين الملاحظتين سيؤخذان في الحسبان والحوار جار في هذا الصدد.

القضية الرابعة: التي أريد أن أتحدث عنها هي المسألة الاقتصادية وتحت هذا العنوان أريد أتحدث عن أربعة مسائل هي:

  • التنمية: وأقول إنها الآن تخضع البرنامج الرباعي للإصلاح والإنقاذ والتنمية وتسير سيرا محمودا من حيث المشروعات الجديدة ومشروعات إعادة التأهيل بحيث يبلغ الصرف عليها ما لا يقل عن -3 بليون دولار.
  • الانتاج: هو منذ سقوط الديكتاتورية يسير في اتجاه التحسن وهذا العام الانتاج وفير في كل المجالات ولا سيما الزراعية.
  • الصرف: إن ضبط الصرف هدف لم نتمكن من تحقيقه لسببين: الانفجار المطلبي ولوازم القتال: الأول علاجه الميثاق الاجتماعي والثاني علاجه السلام.
  • التموين: إننا نعتقد أن إمكانيات البلاد الداخلية والخارجية يمكن أن تحقق مددا تموينيا للشعب ولكن تمزقها ثلاثة عوامل:

التوفيق بين الالتزام الإسلامي وحقوق المواطنة للجميع. وهذا هو الذي تتجه إليه التجربة السودانية وهو الذي يتجنب الاستقطاب ويحقق الوفاق في ظل الديمقراطية.

القضية السادسة: وهي ماهية برناج الحكومة الآن لمواجهة التعبئة العامة وإعداد الجبهة الداخلية لواجبات المرحلة. لقد اتخذت الحكومة بعد التعديل الاخير برنامجا شمل قضايا الدفاع- السلام- التعبئة الداخلية- القوى البشرية- الدعم المادي- الدعم المعنوي- التعبئة السياسية- التربية– الإعلام- التوجيه الديني- الخطوات القانونية– التموين- الإسكان– المواصلات وهو برنامج عمل محدد كونت له الحكومة غرفة عمليات وزارية شرعت في تنفيذه وهذه صورة منه لعلمكم تفصل ما قررناه في هذه المجالات الحيوية.

النقطة الرابعة:

ما دمنا نتحدث بصراحة فهنالك قضايا عسكرية فنية أبدى لكم ملابسات حولها تتعلق بأداء التوجيه المعنوي والأداء الاستخباري والجهد الشعبي لدعم القتال والاستغلال الأمثل للقدرات المتاحة وهي ملاحظات مفصلة أرجو أن تدرس ويستفاد منها إننا نتعامل مع القوات المسلحة بتوفير الدعم السياسي والمعنوي والمادي الممكن وترك إدارة القتال لقياداتنا كقوة منضطبة وما لم تحدث من تغييرات ملتزم بهذه المبادئ إلا إذا حدث خلل يوجب المساءلة.

النقطةالخامسة: (لم تكن هذه الفقرة واضحة في النسخة المصورة التي تم الحصول عليها).

النقطة السادسة: إن المجال المتاح لتداول الرأي السياسي العسكري هو مجلس الدفاع والقائد العام عضو فيه وهو يعلم ما يدور في هيئة الأركان وهي تعلم ما يدور في القيادات ويمكن أن يوسع مجلس الدفاع الوطني ليوحد الرؤية حول السياسية الدافاعية ويحول دون تباعد وجهات النظر.

النقطة السابعة:

إذا نحن شجبنا وأبعدنا التآمر والتزمنا جميعا حسن النية والموضوعية والوطنية فإننا نستطيع أن نبحث كل شئ بلا حرج فالمصلحة الوطنية فوقنا جميعا. وانطلاقا من ذلك أرى أن نقر ونلتزم بالآتي:

  • أن نقر ونلتزم بالشرعية الدستورية وبالانضباط وأن نتشاور في إطاريهما ونتجنب الاستقطاب.
  • أن نقر أن أوسع قاعدة هي الأفضل على أن يتحقق ذلك في إطار الشرعية الدستورية.
  • أن نقر أن واجبنا الاول هو الدفاع عن وطننا وأن نجعله دائما أولوية توجهاتنا الأولى.
  • أن تدرس القيادة العامة الملاحظات ذات الطابع العسكري الفني باهتمام تحدد كيفية علاجها.
  • أن تدرسوا برنامج السياسة الخارجية وتقدموا ما ترون من ملاحظات في إطار عدم الانحياز واللامحورية والتوازن.