رسالة الاثنين (العشرون) 10 ديسمبر 2018م

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الاثنين (العشرون)

الإمام الصادق المهدي

10 ديسمبر 2018م – لندن

 

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

السلام عليكم، وبعد-

غبت عنكم عاماً إلا قليلاً بجسدي ولكنني كنت معكم بروحي وعقلي وقلبي، يؤرق غربتي ما اسمع من شقاء أهلي وافتقارهم للغذاء والدواء وسائر ضرورات الحياة، ما أجبر ربع سكان الوطن على ركوب المخاطر طلباً للجوء في كل أجزء العالم وآخرون بالملايين يعيشون نازحين داخل الوطن مشردين من ديارهم، عذابات حاضرة في ليلي ونهاري:

وسنة الله في الأحباب أن لهم                وجهاً يزيد وضوحاً كلما ابتعدا

إن الذين منعوا دخولي مصر قد خدموني دون قصد لأن كل مصري عليم بالشأن السوداني تعاطف معنا واعتذر لنا ما دل على متانة روابط الإخاء التي غرسناها في مصر باقية كرأسمال للعلاقة بين الشعبين، وبعد الصد من مصر آستنا دولة الإمارات ثم قصدنا بريطانيا حيث عاشرنا وجوداً سودانياً مميزاً عدداً ونوعاً، وهنا نما غرس سوف يساهم في جعل الوجود السوداني خارج الحدود مركز تنمية بشرية تساهم في بناء الوطن المأمول.

ولدى عزمي على الرحيل من بريطانيا طوقتني كل القوى السياسية والفكرية والمدنية والصحافية والنسوية بآيات عظيمة من العرفان.

وتابعت ما صدر من القوى السياسية والمدنية والفكرية وكرام المواطنين من كل ميادين الحياة في السودان ترحيباً بعودتي. مشاعر أشكر أصحابها شكراً جزيلاً. وكل رجائي أن يوفقني الله أن أحقق لهم ومعهم الآمال الجسام التي عقدوها في عطائي وقد قال الحبيب المصطفى عليه السلام: “تَفاءَلُوا بِالخيْرِ تَجدُوه”.

أخواني وأخواتي في الوطن العزيز وأحبابي في الله

أعود للوطن وأدرك أن ما يقابلني من ترحيب وحشد ليس لشخصي ولكن لمعان أجسدها. رجائي أن يكون هذا التعبير حضارياً بريئاً من عنف أو تخريب، معبراً بقوة عن رفض المظالم وعن وحدة الكلمة لبناء الوطن في فجر جديد.

المعاني التي تدل عليها العودة الحفية شعبياً هي:

أولاً: أن كياننا السياسي والدعوي الذي استهدفه النظام بالاختراق والبطش صمد صموداً بطولياً كبولاد الحديد يتمدد في الحرارة.

ثانياً: تأييد ثمار الغيبة عن الوطن في المجالات العربية، والأفريقية، والإسلامية، والدولية. ومجال الوطن وبناء تحالف جامع لقوى المركز والهامش، مجسدين الصلة الوثيقة بين النهر والظهر، تحالف سيكون له  ثمار يانعة في إدارة التنوع الثقافي والجهوي في المستقبل.

النظام هو الذي أفرز بسياساته الظالمة تكوينات مسلحة، تكوينات لم نتحالف معها لشن الحرب، بل تحالفت معنا لبناء السلام ما أكسبهم اعترافاً أفريقياً ودولياً وهم الآن في كل المجالات في الدوحة، في جوبا، في أديس أبابا، في برلين يسارعون في الاستجابة لمبادرات وقف العدائيات ونقل الإغاثات الإنسانية.

كل المقاييس تدل على أن الوطن يحتضر، وواجب كل وطني أن يعمل من أجل تحويل الاحتضار إلى مخاض لفجر جديد.

وجهت لنا الآلية الأفريقية الرفيعة الدعوة لحوار وطني في أديس أبابا كنت مستعداً لتلبيتها يوم السبت الماضي لولا أن أصدقائي وأقربائي من أطباء وطبيبات ألحوا أن أجري فحوصات أمكننا أن نجريها يوم الأحد 9/12/2018م في ويلز لاستحالة إجرائها في لندن في عطلة نهاية الأسبوع. والآن أنا مستعد للسفر لأن نتائج الفحوصات إيجابية ولله الحمد وسوف أسافر بأسرع فرصة إن شاء الله.

أعلن الوفد الحكومي على لسان رئيسه أنهم قادمون بإيجابية وصدر مفتوح وهم يطرحون مسألتي الدستور والانتخابات.

القضايا التي سوف نحرص على بحثها تتعلق بإجراءات المناخ المناسب للحوار الجامع ككفالة الحريات العامة، والحوكمة القومية التي لا تعزل أحداً، وبأسس السلام العادل الشامل، وباستحقاقات الدستور واستحقاقات الانتخابات.

الاتفاق حول هذه القضايا هو الطريق الوحيد لتوحيد الكلمة من أجل بناء الوطن وهو الطريق الوحيد للخلاص الاقتصادي، وهو المدخل الوحيد للقبول الدولي.

إذا توافرت الجدية والواقعية فإن أطراف الحوار الجامع هي التي تتفق على أجندة مستهدية بمعاني خريطة الطريق، إذا استشعر الجميع خطورة الموقف الوطني من الممكن إبرام اتفاق حول الحكم والسلام والدستور.

أما إذا أصر النظام على إملاء موقفه فإن الشعب سوف يملي موقفه عبر ربيع سوداني ثالث مهما تعثر الطريق إليه.

عقلاء الوطن في كل مكان يفضلون حكمة السنة أنه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وكذا قال الحكيم:

ملكت بحلمي فرصة ما استرقتها    مِنَ الدّهْرِ مَفتُولُ الذّرَاعَينِ أغلبُ

أمام القوى السياسية السودانية فرصة لاختراق تاريخي مثل ما كان عشية الإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان.

وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما        يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا

إذا تحقق ذلك فإنه سوف يكون أفضل تحية للعيد السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسيكون أقوى تزكية لقيام السودان بدور المصلح في مناطق أفريقية، وعربية، وإسلامية تعاني من أزمات مصيرية وتتطلع لنموذج قدوة.

في الختام أجدد العزم على العودة للوطن في 19 من هذا الشهر إن شاء الله ويرجى من النظام كفالة حرية التعبير ومن القوى الشعبية الحرص على سلامية التعبير.

ولا يفوتني أن أترحم على العمدة الزين أبو الكرام المخلص للدعوة وللوطن الصامد طول حياته في حراسة مشارع الحق رحمه الله رحمة واسعة وأحسن عزاء أسرته.

وأترحم على الحبيب محمد ناصر عبد القادر هباني الوفي المخلص تقبله الله مع الصالحين وأحسن عزاء أسرته، كما أترحم على روح الحبيب أبوبكر عبد المنعم عبد السلام، أحسن الله عزاء أسرته كافة.

كا أترحم على وفاة والي القضارف ومن معه في حادث تحطم المروحية أحسن الله عزاء أهلهم أجمعين.( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).1 هذا الحادث يؤكد مرة أخرى عيوب الصيانة في طائرات البلاد وقد حظرت المفوضية الأوربية لسلامة الطيران 12 شركة سودانية باعتبارها دون مستوى الكفاءة المطلوبة.

قطع الغيار مرتبطة بالانفتاح التجاري على العالم وهذا ناقص لسببين وضع السودان في قائمة رعاية الإرهاب وطلب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وقف الحروب وكفالة الحريات، إن للتطبيع مع العالم  تجارياً شروطاً غائبة الآن.

 

 

هذا وبالله التوفيق.