رسالة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

 

رسالة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم

 12 ربيع الأول 1440هـ الموافق 20 نوفمبر 2018م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

أيها الأحباب

أحييكم رجالاً ونساءً وأطفالاً، راجياً أن يجمع الله شملنا في هدايته وفي وطننا. وأثمن احتفالكم بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما قامت به هيئة شؤون الأنصار من تنظيمه في أقاليم بلادنا وفي الحاج عبد الله.

إن للاحتفال بمولده مقاصد أهمها  بيان سيرته قدوة للأجيال، ومصباحاً منيراً للإنسانية، ومناسبة ابتهاج عامة. ففطرة البشر في الاحتفال بما يعظمون قائمة ومستمرة، وحتى الآن توسعت؛ يوم لكل ما يراد تعظيمه: يوم للطفل، يوم للمرأة، يوم لحرية الصحافة، يوم للمعوقين، إلى آخر هذه الأشياء هي من فطرة الإنسان، أن يوالي تعظيم وذكر ما يهتم به.

كذلك إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم جزء من سلسلة النبوة، “أنَّ الْأَنْبِيَاءَ أُخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّىٌ”[1]. وهذا يعني أن الرسالة المحمدية هي جزء مكمل للرسالات السابقة، والرسالات السابقة في نصوصها الخالية من أية تحريف تبشر بالرسالة المحمدية/ وتمهد لها وهذه النصوص قد أوضحتُها في مجالات كثيرة.

ولكن الخطأ أن كثيراً من كتاب السيرة يخلطون، ويجعلون الرسالة المحمدية بصورة ما تكرر ما سبق، لا، الرسالة المحمدية فيها مفارقة مما سبق في أشياء. فالدعوة الإسرائيلية أقامت ما جاء في الرسالة بوسائل قتالية. والرسالة المسيحية فيها كذلك المعاني المُعْجزة، ولكن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة كاملة الإنسانية، حتى تكتمل القدوة به صلى الله عليه وسلم.

وسيرته من حيث هي، مع إنسانيتها، فيها الإعجاز: اليتيم الذي صار أباً للجميع، الأمي الذي أتى بالقرآن وما فيه من معارف، الدعوة بالتي هي أحسن جهاداً وقتالاً دفاعياً (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواۚ)[2].. الرسالة المنيرة للإنسانية باستمرار (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)[3].

الرسالة تستصحب السابقات، ولكن تنيرها، وتنير معناها بأن كل هذه الأمور في الواقع متعلقة بالاسلام، وكلها إذن في هذا المعنى متفقة. متفقة في التوحيد، في النبوة، في مكارم الأخلاق، في المعاد. هذه المعاني فيها مكررة وموحدة وإن اختلفت في الشرائع والأحكام.

الرسالة المحمدية بها توفيق قوي جداً بين النقل والعقل. ففيما يتعلق بالنقل كتاب الله  الذي أنزله للبشرية، وفيما يتعلق بالعقل الكتاب المنشور وهو الطبيعة، ولذلك قال تعالى عنه عن هذا المعنى: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)[4].

هذا الوجود خاضع لنواميس يكتشفها العقل، تكتشفها التجربة، وهذه النواميس من آيات الله سبحانه وتعالى وليست مخالفة لهذه الآيات.

الرسالة المحمدية كذلك تقيم توفيقاً لطيفاً ما بين الثابت في الشعائر، وما بين المتحرك في المعاملات وفي الأحكام المتعلقة بالمعاملات والعادات، بحيث يكون هناك توفيق مستمر ما بين هذا وذاك. هناك معنى واضح: تتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال. المستمرات الشعائرية واضحة: التوحيد، النبوة، مكارم الأخلاق، الأركان الخمسة، هذه المعاني ثابتة، ولكن الذي يتغير والذي يتبدل حسب ظروف الزمان والمكان هو الأحكام المتعلقة بالمعاملات.

هذا يجعل هذه الرسالة ضوء مستمر يوفق ما بين النقل: الأشياء التي هي وراء الغيب، والعقل والتجربة: الأشياء التي يمكن أن نشاهدها وأن نكتشف نواميس الكون فيها. لذلك قال الشاعر عنها:

لما أراد الله جل جلاله أن             يخرج الكون من الظلمات

اهداك ربك للأنام يا حبنا             فيضاً من الأنوار والرحمات

بمثل ما نتحدث عن الرسالة المحمدية كضوء مستمر للإنسانية بحسب هذه الأسس والمعاني، نتحدث أيضاً عن المهدية باعتبارها قبس من ذلك النور.

دعوتنا، الدعوة المهدية، تقول لا للشخصنة – لشخص غاب ويعود، ولا للأزمنة – تحديد زمن محدد، بل وظيفة إحياء دائمة.

الإمام المهدي عليه السلام المؤسس لهذا الفهم المسنود نصاً: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)[5]. وهذا المعنى واضح. مهدي بمعنى هداه الله وهدى به، هذه هي الوظيفة التي تجعل المهدية دعوة مستمرة لإحياء الدين، لا دعوة لطائفة معينة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ)[6].

إذاً رسالتنا في الكون في السودان وخارج السودان أن الرسالة المحمدية ضوء مستمر للإنسانية، وليس لزمن معين، ولا لأمة معينة، ولا لفئة معينة، إنها للإنسانية لكل زمان ومكان. المهدية قبسٌ مستمر لإحياء ذلك الضوء. هذه هي المعاني التي ينبغي أن نركز عليها في مناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا المعنى هو الذي أرجو من أنصار الله أن يحيوه وأن يتبعوه.

هذا مع سلامي لكم جميعاً ودعائي أن يجمع الله شملنا في هدايته، وفي وطننا.

 

[1] صحيح مسلم

[2] سورة الحج الآية (39)

[3] سورة الأحزاب الآية (45، 46)

[4] سورة الأحقاف الآية (3)

[5] سورة الأنعام الأية (89)

[6]سورة الصف الأية (14)