زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي في حوار مع السوداني

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس نداء السودان وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

حاوره: فتح الرحمن شبارقة

تصوير: سعيد عباس

 

قلت للإمام الصادق المهدي أثناء هذا الحوار ظهيرة أمس إن أسئلتي ساخنة ولك أن لا تجيب على بعضها – إن شئت. فقال برحابة صدره المعهودة: (أنا يا حبيب بفتكر أنك لما تسألني أسئلة مؤكد ستكون في ذهن ناس آخرين، ومن الأحسن إجلاؤها لأن الحجر المدفون هو البكسر المحرات، ونحن ما دايرين حاجة مدفونة). فكانت أسئلة (السوداني) من هذا القبيل.. ألا يرى أن حزب الأمة القومي بمشاركته في قانون تفكيك الإنقاذ والمؤتمر الوطني يكرر ذات تجربة حل الحزب الشيوعي في الستينيات؟.. هل تحول الحزب الذي يتزعمه من ضحية للديمقراطية والعسكرية معاً، إلى لعب دور الجلاد هذه الأيام؟.. كيف ينظر الإمام إلى استبدال تمكين الإسلاميين بتمكين الحرية والتغيير الآن؟.. ولماذا لا يمتد قانون تفكيك التمكين لنجله اللواء عبد الرحمن الصادق الذي كان مساعداً للبشير؟.. هل صحيح أن سعادة اللواء انتقل موخراً لقوات الدعم السريع لتدشين تحالف كبير بين الحزب صاحب الجماهير الأكبر في الديمقراطية الثالثة، وبين هذه القوات التي تمتلك القوة، والمال الضروري لأية انتخابات محتملة؟.. وعلى كل تلك التساؤلات الساخنة، كانت اجابات الإمام حاضرة وواثقة كما سنرى:

 

 

*دعنا نبدأ من الآخر، من قانون تفكيك التمكين وحل المؤتمر الوطني؟
المؤتمر الوطني حزب ارتكب جرائم كثيرة جداً، وأي كلام غير هذا غير صحيح. فالثورة لم تقم من فراغ وإنما كانت موجهة ضد أعماله. وأنا نصيحتي للمؤتمر الوطني أنهم لا يعتبرون أنفسهم وكأن شيئاً لم يكن بعد الجرائم التي ارتكبوها، فلابد أن يجتمعوا ويعترفوا بخطأ الانقلاب وخطأ إقصاء الآخرين والجرائم الحربية، ويجب أن يساءلوا مساءلة قانونية ويحاسب كل من ارتكب جريمة بالقانون. ومن لم يرتكب جريمة عنده حق أن يعمل في تكوين سياسي جديد حتى يستطيع أن يشارك في بناء الوطن. فالأشياء التي ارتكبها (الوطني) في حق المواطنين كبيرة وكثيرة، ولن يرضى الناس إذا هو لم يعترف وتخلى، لذلك أنا أعتقد أن الإجراءات التي تمت للمؤتمر الوطني مستحقة، وهم يقولون إن هذا انتقام وتشفٍّ، لكن هذه عدالة ومساءلة عن جرائم دستورية وقانونية أُرتكِبت.

 

*ألا ترى أنكم تكررون نفس خطأ حل الحزب الشيوعي في الستينيات؟
لا غير صحيح. فحل الحزب الشيوعي كان نتيجة لـ (فورة) حصلت، وأنا شخصياً لم أكن مع الفكرة ذاتها، وهناك طالب قال كلام فيه إساءة للسيدة عائشة وهذا أثار الناس، ووضعت هذه الإثارة في شكل مظاهرة أمام الرئيس أزهري، والرئيس أزهري قال لهم أنا سأعطي السلطة التشريعية القائمة أسبوعا وإذا لم يتخذوا إجراءً أنا بنفسي سأنزل معكم في الشارع. وأصبحت هناك موجة غضب شعبي ونتيجة لذلك حدث فعلاً تغيّر للتيار في داخل الأحزاب وأنا رأيي أن هذا ليس الحل.

* إذن رأيك لم يكن مع حل الحزب الشيوعي وقتها، ولكنك مع حل المؤتمر الوطني الآن؟
هذا مختلف، ففي حالة الشيوعي هنالك فرد ارتكب جريمة في الماضي، أما الوطني فكله أرتكب جرائم كحزب في حق الشعب، ولغاية نهاية النظام، البشير (كان رافع على 10 قضايا) فيها تجريم، وحتى آخر لحظة كانوا مؤيدين الإجراءات التي تتخذها الحكومة في ذلك الوقت ولا يمكن مقارنة ذلك بجريمة ارتكبها فرد كان يمكن أن يحاسب. والناس الذين قاموا بالانقلاب دخلوا لحزب المؤتمر الوطني الذي كان منفرداً بالسلطة وحل الأحزاب والنقابات وكل شيء.

 

*لماذا كنت على اتصال بهم رغم كل هذا السوء الذي تتحدث عنه في (الوطني) وقادته السيد الإمام؟
كنا على اتصال بهم بهدف ايجاد مخرج للبلد لكن في كل مرحلة هم قفلوا الطريق أمام الاصلاح، وعلى طول الوقت كانت هنالك نكسة بعد أي خطوة نخطوها بسبب اصرارهم على السياسة والبرامج الانعزالية الاقصائية التي أتبعوها حتى آخر لحظة.

*هل تمت مشاورتكم في قانون تفكيك التمكين أو عُرِض عليكم؟
نعم، فالقانون اشتركت فيه قوى الحرية والتغيير.

*في الأيام الماضية شرعت السلطات العدلية في محاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو.. هل أنت سعيد بأن ترى هذا اليوم بوصفك من أكبر ضحايا الانقلاب؟
المسألة ليست سعادة ولا شقاء، هي عدالة. والانقلاب جريمة ونتائجها جريمة، لأنهم بعده أعلنوا سياسات اقصائية.. فإذا كان خرق الدستور وعزل الأخرين ليس جريمة، فما هي الجريمة إذن؟!

* هل أنت جاهز لتقديم شهادتك في انقلاب 30 يونيو؟
أنا قدمت شهادة فعلاً.

*أعني شهادتك للجهات العدلية؟
نعم أنا دُعيت وقدمت شهادة مرتين.

*البعض رأى أن يتم التحقيق معك بتهمة التفريط في حماية الديمقراطية؟
(لما الحرامي يسرق يحققوا مع سيد البيت؟!).
=يضحك=

*بصورة مباشرة السيد الإمام.. هل يمكن أن تصفح عن من ظلموك من مدبري انقلاب الانقاذ؟
الآن توجد ثورة ولها أهدافها، والناس المغبونون عندهم أهدافهم، وأنا في هذه الحالة كل الذي أقوله هو أن نعامل الناس بالقانون وليس الانتقام، لكن لابد أن يكون هناك قانون لمحاسبة المجرمين.

 

* يقال إن حزب الأمة هو ضحية للديمقراطية بالانقلاب عليه، ولـ(العكسرية) بالتضييق عليه كذلك.. فهل تمارسون الآن دور الجلاد بدلاً عن الضحية بالنظر لقانون تفكيك التمكين؟
– تساءل باستغراب:
الجلاد ؟؟؟
ثم قال: هذا ظلم.. دور حزب الأمة الآن أقل من حجمه لكي نشرك الآخرين بالقدر الكافي، وهنالك أشياء كثيرة جداً تحدث نحن غير موافقين عليها. لكن المرحلة الحالية مرحلة شراكة ولا نستطيع أن نفعل فيها ما نريد إلا إذا وجدنا تفويضا شعبيا عبر انتخابات حرة.. وهذا القانون ليس اسمه (جلاد) وإنما هو لتحقيق العدالة. فالجلاد هو من يتصرف مع الأبرياء بصورة انتقامية، ونحن الآن لا نتصرف بصورة انتقامية وانما نتكلم عن ضرورة محاسبة المجرم.

*ألا ترى أن شعار الثورة (حرية سلام وعدالة) مازال بعيداً عن الواقع حتى الآن؟
الآن هنالك مجهود، ولا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها في يوم واحد. لذلك هي مرت بمراحل.. مرحلة أولى هي المجلس العسكري.. والثانية هي الشراكة المدنية العسكرية.. والثالثة ستكون مرحلة الانتخابات العامة الحرة، فإذن هي أصلاً ممرحلة. وسيكون في هذه المرحلة إجراءات تتطلب وقتاً. فالقوى السياسية الموجودة حالياً تمثل مجموعة من الأحزاب والقوى السياسية. وإذا تناولنا الشعار.. نجد أولاً أن الحرية أُتِيحت الآن.. ومشروع السلام ماضٍ لكي يصل الناس إلى نتيجة.. والعدالة تتحقق كذلك..

* لكن البعض يرى أن ما يحدث هو استبدال لتمكين الاسلاميين بتمكين الحرية والتغيير؟

نحن نقول إنه يجب أن يشترك كل الذين اشتركوا في التغيير، وأن لا يكون هناك تمكين لأية جهة. لكن هذا لا يعني مشاركة المجرمين قبل أن يُساءلوا وتتم محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها، وليس صحيحاً أن هنالك تمكينا بدل تمكين.

*هل ترى في بقاء قيادات النظام السابق بالمعتقل إجراءً مطلوباً لمنع الثورة المضادة؟
لا، وأنا لا أسميها ثورة مضادة وإنما هي ردة. وهذه الردة في رأيي يمكن تعزز فرصها كلما يحصل فشل، لذلك نحن نرى أنه لابد من مواجهة القضايا الخاصة بالسلام والأمن والاقتصاد فهذه هي الأشياء التي يمكن أن تؤدي للردة. والمعتقلين والمتحفظ عليهم مافي شك أنهم كانوا رموزا للجرائم، وأنا رأيي أنهم يحاكمون بسرعة جداً أو يطلق سراحهم وهذا هو الخط الصحيح. طبعا المشكلة في المحاكمة أن القوانين الموجودة هي قوانينهم ولذلك تظل هنالك مشكلة بأي قانون سيحاكمون؟. فهؤلاء الناس أجرموا في حق الوطن ولا شك في ذلك.

*يرى البعض الآن أنكم النغمة النشاذ في سيموفنية علمانية؟
ليس صحيحاً. هنالك أفراد يطلقون مواقف خاطئة. ونحن قلنا إن قضية الدين والدولة لا تبحث في هذا الوقت، فهي ينبغي أن تُبحث في مؤتمر دستوري، ونحن رأينا إن أي كلام عن علمانية في السودان (كلام فارغ)، بل بالعكس يعطي زخيرة لقوى معينة للهجوم. وأنا رأيي أنه لابد من أن يعمل الناس معادلة تجعل الطرح الإسلامي فيه تقدير حقوق المواطنة للجميع والمساواة في المواطنة للجميع وتكفل الحريات الدينية للجميع وهذا خطنا الذي نسميه (التقدمية المؤصلة). لكن صحيح في هذا الأثناء هنالك ناس من حلفائنا يقولون (كلامات) في رأينا غير صحيحة، وفيها اتاحة فرصة. فعندما يتكلم ناس عن المسائل التي فيها إبعاد للدين أو يتحدث القراي عن المناهج، فكل هذا غير صحيح أن يتحدث عنها الناس في هذه الفترة، لأننا قلنا إن موضوع الدين والدولة والدين والسياسة يؤجل ليُبحث ويتفق عليه في المؤتمر القومي الدستوري..

 

*عفواً للمقاطعة.. لكن هل ترى حتى في موضوع المناهج أنه يجب تأجيل النظر فيها الآن؟
أنا في رأيي أن ما قاله واتخذه الأستاذ عمر القراي خطأ جسيم لأنه بالنسبة لنا نحن نقول إن المسائل الخاصة بالتعليم يجب أن لا تترك لقرارات فردية مهما كان الشخص لذلك نحن نحضّر لمؤتمر قومي للتعليم يتناول كل وجوه التعليم في السودان وفيها أخطاء أساسية (التعليم العالي والتعليم الفني والتعليم العام وتعليم الخلاوى) وكل وجوه التعليم الموجودة حالياً تريد اصلاحا، لكن ليس اصلاحاً فردياً ولابد أن يكون هناك مؤتمر للتعليم ليضع برنامجاً أساسياً لإصلاح التعليم في السودان.

*أليس لديكم شعور الآن بأنكم مقطورون بواسطة اليسار ربما؟
أبداً، اليسار الآن في حالة اضطراب شديد جداً..

*عفواً.. كيف يكون مضطرباً وهو الأعلى صوتاً الآن؟
هو الأعلى صوتاً لأن هناك ناساً يريدون أن (يُحبروا) صوته لكي يهاجموه. لكن أنا في رأيي أن الحزب الشيوعي الآن في حالة من انعدام الوزن لأنه يعلم بأنه معارض ويقول كلاما أشبه بكلام (الجماعة الأخوانيين)، ثم يحاول من جهة أخرى أن يشترك في السلطة، فهو محتاج لتوضيح موقفه من الفترة الانتقالية.

*كأنك تريد أن تقول إنه يريد أن يجمع بين الأختين (الحكومة والمعارضة)؟
لا أعتقد ذلك، هو فقط في حالة اضطراب.

* هل أنت راضٍ عن أداء حكومة حمدوك حتى الآن؟
أنا في رأيي أن أهم تحدٍّ لحكومة حمدوك أنها جاءت في حالة وعرة بما في ذلك المشاكل التي خلقها النظام. ولكن نواياها طيبة ونحن نؤيدها، ونعتقد أن الوفاق المدني العسكري الذي حدث الآن كان ضرورة ونحن نؤيده.. وصحيح هنالك انجازات واخفاقات كذلك، ونحن الآن نناقش على مستوى القوى السياسية حول ما ينبغي عمله لمواجهة الاخفاقات ولدعم الانجازات.

*في وقت سابق أشرت إلى احتمالية قيام انتخابات مبكرة.. فمن الذي يملك حق الدعوة لانتخابات مبكرة؟
نحن لم ندعوا أصلاً لانتخابات مبكرة، ونقول الآتي: نحن نحضر أنفسنا منذ الآن لانتخابات في أي وقت، والنظرة للانتخابات لازم تكون نظرة ممرحلة، يعني ليس ضرورياً أن تنتظر الانتخابات المحلية والولائية لحين الانتخابات العامة ويمكن أن يبدأ الناس بالانتخابات المحلية باعتبارها أمراً ضرورياً لمواجهة مطالب الناس. لكن نقول إن هنالك من يريدون افشال الفترة الانتقالية بحيث إنها تعجز ويرتبوا على عجزها أن البلد في فوضى وهذا يعطيهم حجة للانقلابات العسكرية. ونحن نقول إذا أصلاً كان هنالك عجز فلا يسمح له لكي يؤدي لهذه النكسات، ويكون الحل في هذه الحالة قفزة للأمام بالانتخابات العامة. والانتخابات هي علاج استثنائي إذا اتضح أن هنالك عجزاً لكن نحن سنواجه كل العجز الموجود بدعم الحكومة الانتقالية لأننا لا نريدها أن تفشل.

 

*على وجه التحديد ما هي الجهة التي يمكنها الآن أن تدعوا لانتخابات مبكرة الآن؟
الآن القرار رهن مجلسي السيادة والوزراء، فهما الجهتان اللتان يمكن أن تتخذا قراراً بهذا الشأن، هذا إذا هم اقتنعوا لسبب أو آخر إن المرحلة الحالية عاجزة، لكن ما دام هذا ليس وارداً الآن (مافي داعي ليهو).

* على ذكر الانتخابات لا يستبعد البعض أن يكون هنالك تحالف بينكم وبين مجموعة الدعم السريع باعتبار أنكم القوى الجماهيرية الأكبر وهم القوى العسكرية والمالية الأكبر؟
طبعاً مكونات الدعم السريع من قبائل في الغالب منتمية لنا، وهذه حقيقة. وأنا سمعت بعضهم يقولون إن البشير لكي يمنع أي نوع من التقارب بيننا اعتقلني وأراد أن يحاكمني في قضية متعلقة بكلامي عن الدعم السريع، وهو كان يريد الفرقة بيننا لأنه كان خائفاً من حدوث تقارب بيينا. على كل حال نحن بصفة عامة نتخذ موقفا ايجابيا من العناصر المسلحة، هم والقوات المسلحة، فهم انحازوا للتغيير الثوري. أما هل هذا يفتح الطريق لكي يحصل أي نوع من التفاهم بيننا وبين أية جهة، فأي نوع من التفاهم نحن نربطه بالمصلحة الوطنية ولا يمكن أن نعمل شيئاً تآمراً على المصلحة الوطنية، ومقياس أي تعامل مع المكون العسكري أياً كان سيكون معتمدا على أن هذا يحقق مصلحة للوطن.

* في هذا السياق كان هنالك حديث في الأيام الفائتة عن التحاق ابنك اللواء عبد الرحمن بقوات الدعم السريع؟
لم يحدث ذلك. وهو ضابط في القوات المسلحة.

* هل عاد للقوات المسلحة بعد التغيير لأنني رأيت له صورة حديثه وهو يرتدي زياً رسمياً؟
هو ضابط (لواء) في القوات المسلحة ولم يُعْفَ من دوره في القوات المسلحة..

* ألا يمكن أن يشمله قانون تفكيك التمكين باعتبار أنه كان مساعداً لرئيس الجمهورية المعزول؟
ممكن جدا يكون هناك قانون يمس الجهات المختلفة، وهو ليس وحده وإنما معه موسى محمد أحمد وجعفر الميرغني وكلهم كانوا مساعدين. وعلى كل حال، هو كمواطن سوداني عرضة لأي قانون يمس المواطنين السودانيين.

 

 

 

صحيفة السوداني