زعيم حزب الأمة القومي وإمام الأنصار الصادق المهدي في حوار الصراحة والمكاشفة مع “التيار” 1-2

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس نداء السودان وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

مفاصلة الشعبي لاتعني إعفائه من الجرائم السابقة.

هناك حاجة لمراجعة المسيرة كلها من قبل القوى السياسية.

الحكومة الانتقالية تواجه صعوبات يشيب لها رأس الوليد.

المهدي للمؤتمر الشعبي: على نفسها جنت براقش

 

جملة من القضايا طرحناها استفسرنا حولها رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، تتصل بتقييم أداء الحكومة الانتقالية خلال مائة يوم من عمرها، بجانب سير عملية السلام إضافة للجدل الدائر حول قوات الدعم السريع والتجاذبات داخل قوى الحرية والتغيير، وكان الرجل كعادته صريحا في إجاباته.
فإلى مضابط الحوار:

 

حوار: علوية مختار

 

 

بعد أقل من أسبوعين تكمل الحكومة الانتقالية مائة يوم منذ إعلانها وتسلم مهامها، كيف تنظر لأدائها خلال هذه الفترة؟
أولا أبدأ بأن أقدم شهادة في حق صحيفة التيار وأعتقد أنها صحيفة مؤكد متسمة بالمهنية “لا شماته ولا طبالة” وأفتكر هذا دور جيد ونتمنى لها مزيدا من العطاء.
الحكومة الانتقالية الحالية تواجه صعوبات يشيب لها رأس الوليد لأنها جاءت بعد نظام حطم كل شيء اقتصاد، سياسة، العلاقات الخارجية وهكذا، ولذلك ليس من العدل الحكم عليها بسرعة لأنها أصلا تواجه صعوبات عنيفة جدا، إنما يصنف هذا الوضع أنه واعد لأن نوايا الأطراف المشتركة فيه طيبة مع الالتزام باهداف الثورة، صحيح، حتى الآن الأداء فيه درجة من العثرات، وهذا في رأيي يتطلب مزيد من الصبر لأن المستقبل واعد والنوايا طيبة.
أنا الآن بعثت لكل زملائنا في العمل السياسي المشترك تقييمًا لن أعلن عنه الآن، لأنه سيكون محصورا في القوى السياسية المعنية بالثورة وحظوظها، لكن الفكرة الأساسية أنه الآن؛ يجب أن نقرر ما هي الإنجازات التي تمت ونحددها، وماهي الإخفاقات التي ظهرت وكيف نتطرق لها.
وعلى مستوى الإعلان كل مايمكن أن أقوله أنه “نعم” هناك إنجازات وهناك إخفاقات وهناك حاجة لمراجعة المسيرة كلها من قبل القوى السياسية المعنية.

تحدثت عن عثرات تواجه الحكومة ما هي؟ وهل ترى أنها وضعت لبنة تمهِّد لإحداث تغيير في حياة المواطن.. خاصة البسيط؟
كما قلت لك، التطرق للعثرات الآن علنا غير صحيح، لأننا بصدد بحثها بصورة مشتركة مع كل من يعتبرون أنفسهم داعمين لهذه الحكومة، خصوصا وأنه للأسف هناك الآن ما أسميها بقوى الردة، هؤلاء ظلموا الناس وأفسدوا البلاد وشوهوا الإسلام، ومع ذلك ودون أن يشعروا بحياء يتحدثون ويتصرفون كانهم أبرياء ويتطلعون ويطالبون بحقوق بعد أن أهدروا حقوق الناس جميعا، فأي حديث عن عيوب هذه الحكومة وهذا النظام بالصورة العلنية يساهم في تعزيز حملة جائرة تقوم بها قوى الردة.

بالتأكيد تقصد بقوى الردة المؤتمر الوطني؟ وإن كان ذلك صحيح هل أنت مع عزله، برغم معارضة البعض للخطوة تحجُّجا بالديمقراطية التي تتطلب وجود حكومة ومعارضة لتقويم المسار؟
تكون في حكومة ومعارضة هذا تطلع مشروع جدا وتكون هناك حريات للكافة مشروع جدا، لكن ماذا إذا كانت الجهة مجرمة؟، لابد أن تحاسب على هذه الجرائم، يعني النظام السابق هذا بدأ بخدعة كبيرة للمواطنيين وظلمهم جميعا، حل الأحزاب والنقابات ومصادرة الأموال كلها وليس لهم حق، فلم يأتوا بثورة حقيقة وانقلبوا على حكومة منتخبة انتخابا حرًّا، فإذن المطالبة بأن يعاملوا كأن شيئا لم يكن وبحقوق المواطنة كاملة، مطالبة في غير محلها، لابد من إجراء أول ضدهم وهو المساءلة والمحاسبة للجرائم التي ارتكبت.
أنا منذ جاء التغيير ناشدت ناس المؤتمر الوطني وقلت لهم مفروض تدركوا أن إجراءات ضدكم ستحدث، و(مش) ممكن أن لا يحدث، لأنهم قاموا بإجراءات ضد أناس منتخبين وشرعيين، ويتوقعوا أنه بعد الثورة تتخذ ضدهم إجراءات من الثورة التي تمثل ثورة الشعب كله وتعبر عن مشاعره. لذلك مناشدتي لهم كانت ولا زالت قبل ما يحدث الإجراء القانوني الجديد، أن يجروا نقدًا ذاتيا، ويعترفوا بخطأ الانقلاب باعتباره جريمة دستورية إضافة للاعتراف بخطأ إقصاء الآخرين بجانب الاعتراف باتخاذ الإسلام كسلَّم نحو السلطة، المهم هم تغافلوا عن ذلك كله ويتصرفوا ببرءاة الأطفال في أعينهم، كأنما لم يرتكبوا كل ذلك، ولذلك أنا في رأيي كان ضروريا جدا وما زال ضروريا جدا التصدي بالقانون لهؤلاء والمؤسف الآن أنهم سيتحدثون بلغة عنف سنفعل وسنفعل من جماعة سموا نفسهم بالدفاع الشعبي، هذه لغة جنائية وكذلك تصريح الآخرين من قيادات هذه المجموعة، عليهم أن يدركوا أنهم أجرموا في حق الدين والوطن ويجب أن يحاسبوا.

هل تعتقد أن لديهم قدرة في تنفيذ تلك التهديدات؟
يا أستاذة مجرد التهديد هو عنف لفظي، يعني أنا كم مرة حبست، أنا حبست في عهد الإنقاذ عدة مرات لأني قلت خطبة أو لأني قابلت صحفي، الكلمة كما قال إستالين أقوى من الرصاص لأن الكلمة تمهد الطريق للرصاص، والكلمة لها أثرها ولابد أن يحاسب الذين يتحدثون بلغة العنف لأن ذلك يعطي شرعية للعنف.
أنا لا أدري مدى قدرتهم، لكن مؤكد هم كانوا ثلاثين عاما في السلطة ولديهم لا شك أشياء مخبوءة، مالية وعسكرية، إلى آخره وطبعا هم بلا شك يفكرون بمنطق انتقامي، رغم أن المدهش أنهم كانوا إلى حد كبير أثناء حكمهم مدركين أن الوضع الذي أقاموه فاشل.
المهم ما أريد أن أقوله إنهم حتى أثناء حكمهم الاعتراض عليه والنقد كان كبيرا للغاية ولم يهتموا به واستمروا فيه.
أتدري مع موقفنا نحن الذي كان يراه الجميع يحمل درجة من التسامح مع كل (دا ) لما أعلن النظام انقلابه لم يوجه غضبه على الحكومة أو التحالف وقتها، وإنما فقط على شخصي أنا الصادق، وثلاثيين عاما استمر هذا الكيد والغضب لدرجة أن هناك عشرة بلاغات مفتوحة ضدي، عدد كبير منها عقوبتها الإعدام، إذن مع هذا كله يعني مع التسامح والنظرة القومية عوملت بصورة العدو الأول لهم حتى آخر لحظة، فأنا الآن لما أتحدث، لا أتحدث بلغة انتقامية وإنما بلغة فيها تمييز، الحزب كحزب لا شك ارتكب جرائم كثيرة ولكن الأفراد يجب أن يحاسبوا بالقانون، ولا يعتبر الإنسان مجرد أنه كان ينتمي لهذا الحزب مجرم إلى أن يطوله القانون.
وعليهم أن يدركوا أن قانون التمكين وحل حزب المؤتمر الوطني لديه مبرر، كما سيكون هناك قانون من “أين لك هذا” لأنه فعلًا في نهب كثير وأموال مخزنة في الداخل وطبعا في الخارج بدبي وفي ماليزيا وفي بريطانيا. سيكون هناك قانون العدالة الانتقالية لأنه مهم جدا للنظر في الجرائم التي ارتكبت في درافور وكردفان والنيل الأزرق وبورسودان والعيلفون وسبتمبر 2013 ممن قتلوا وهم يتظاهرون سلميا.

معروف أنك كنت قائد خط محاكمة مطلوبي الجنائية الدولية والبشير خاصة بمحكمة هجين هل لا زلت في رأيك رغم إعلان قادة من الحرية والتغيير بالتوافق حول تسليم الرئيس المعزول للجنائية ضمن اخرين؟
أنا رأيي في هذا الموضوع ببساطة شديدة، أولا يجب الانضمام للمحكمة الجنائية، لأنها تمثل تطورا في القانون الجنائي الدولي، فلابد من الانضمام لها، وإذا لم ننضم لها ستحجب عن البلاد منافع كثيرة بموجبها، منها الاستفادة من اتفاقية كوتنوا التي تشترط الدعم بالانضمام للجنائية بجانب إعفاء الديون، فالسودان مدين بما يزيد عن الخمسين مليار دولار نصفها أي مايقارب الـ26 مليار دولار يمكن تعفى ضمن برنامج الدول الفقيرة المديونة التي تتطلب الانضمام للنظام الدولي.
والجنائية عادلة، وهي ليس كما يعتقد البعض انها موجهة فقط للأفارقة، لا هي عندها أربعة جرائم تحاكم فيها “شن الحرب العدائية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية”، ويبقى السؤال هل يسلم البشير أم لا؟
المحكمة نفسها تعطي خيار أن يحاكم محليا أو يحاكم خارجيا، البشير وآخرون ارتكبوا جرائم غير الأربعة جرائم التي تختص بها الجنائية ولذلك يبقى هناك ضرورة للتوفيق بين المحاكمة حول الجرائم لأن الأربعة المحددة ليس وحدها التي ارتكبت، إذن كيف يمكن أن نسائل أو نحاسب موضوع الجرائم الأخرى، إذن هناك ضرورة للمساءلة عن الجرائم الأخرى إضافة إلى الجرائم اختصاص الجنائية، وليكون هناك محاكمة داخلية مرضية يجب أن يطهروا القضاء الذي لُوِّث في الإنقاذ، فيصبح هناك ضرورة لقضاء نزيه لتحقيق مساءلة عادلة…

…بالنسبة لموضوع القضاء القوانين السودانية غير مضمنه لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في فترة ارتكاب البشير لذلك الجرم ليحاكم بها داخليًّا؟

صحيح، المشكلة هي أن القوانين الحالية هي قوانين النظام وقوانين النظام لا تصلح لمحاكمة المجرمين في النظام، ولذلك أصلا لو في محاكم داخلية يجب إجراء إصلاح قانوني أولًا…

…أيضا قضية الإصلاح القانوني لا تنطبق على حالة البشير فالقانون لا يطبق بأثر رجعي؟
أيوااا صحيح، لكن قوانين النظام السابق قوانين نفسها غير شرعية، يعني أنت ما ممكن تقول مثلما يقولون هم الآن القوانين الجنائية لا تنطبق علينا لأن هذه القوانين من قوانينهم، النقطة المهمة الآن لابد بمفهوم التغيير الثوري الذي حدث لا نعتبر القوانيين التي يساءل بها هؤلاء هي القوانين القائمة ولكن على أي حال بأي منطق الاعتداء على الدستور جريمة وهم اعتدوا على الدستور حتى قانونهم فيه اعتداء على الدستور حل الأحزاب واستلام السلطة وتقويضها، المهم المشكلة هنا في رأيي حتكون خلطة سياسية قانونية.

ماذا تقصد بخلطة سياسية قانونية؟
سياسيا يجب الاعتراف بأن القوانين التي أصدرها النظام غير الشرعي غير شرعية لأنها فعلا غير شرعية أي هي قوانين حزبية ضيقة، ولابد من التطابق بين العدالة والقانون لأنه يمكن أن يكون القانون غير عادل فهذه القوانيين غير عادلة، فبما إنها غير عادلة فهنالك مرجعية أسمى وهي العدالة…

…هل يُفهَم أنك مع سن قوانين تتيح محاكمة البشير بالداخل؟
سيكون هناك ضرورة لقانون العدالة الانتقالية ولقانون”من أين لك هذا؟” وهذه هي القوانين في رأيي تصلح لأن تكون أساسا للمحاكمات المطلوبة.

أفهم من ذلك أنك ضد التسليم للجنائية؟
الآن القوى السياسية ونحن معها قررت أن يُسلَّم البشير إلى الجنائية، لكن أنا أتحدث عن أن عملية التسليم ليست تلقائية، في الأول يجب الانضمام للمحكمة وبعد ذلك يجب التوفيق ما بين الجرائم المحلية والجرائم التي تحاكمها الجنائية الدولية..

..هناك من بدأ بطرح فكرة أن تحاكم الجنائية نفسها البشير داخليا هل تؤيدهم؟
ما نحن سبق واقترحنا محكمة “هجين” أي دولية ووطنية، على كل حال هذا الأمر برمته لابد من اتخاذ قرار سياسي بشأنه لأنه بهذا الشكل هناك اضطراب حول ما ينبغى عمله، وبعدين لا يوجد شك في ضرورة الاهتمام برأي أهل الدم باعتبار أنه في الشريعة هناك ثلاث خيارات للجرائم، خيار القصاص وخيار الدية وخيار العفو وفي هذه الحالة الخيار الأفضل والأمثل القصاص، ولكن على أي حال لابد من الاستماع لأهل الدم، لأنه لايوجد شك أنه ارتُكِبت في درافور وبمناطق الحرب جرائم فظيعة جدًا.

خطوات بدأت الآن لمحاكمة المشاركين في انقلاب الإنقاذ كيف تنظر للخطوة؟
صحيح بعد المفاصلة 1999 صار المؤتمر الشعبي معارض للنظام لكن هذا لا يعفي الشعبي من الجرائم التي ارتكبت قبل ذلك، هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وجريمة الانقلاب نفسها وبيوت الأشباح والتعذيب الذي حدث هذه كلها جرائم ارتكبت وهم موجودين في السلطة لعشرة أعوام وأيضا لو كانو فعلًا تبرؤوا عن الانقلاب وعن كذا وكذا كان يمكن أن يشفع لهم، لكنهم لم يتبرؤوا حتى آخر لحظة يقولون أن الانقلاب كان مستحقًّا ولذلك في الحقيقة “جنت على نفسها براقش”.

بالعودة إلى ملف الحكومة مرة أخرى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أعلن أنه لم يستلم برنامجا من قوى الحرية والتغيير لتسيير الحكومة، فكيف يستقيم ذلك ومعظمكم أصحاب تجارب في ديمقراطيات سابقة جاءت بعد انتفاضة شعبية؟
الحقيقة نحن في حزب الأمة قدمنا مصفوفة بتاريخ عشرين يوليو الماضي والمصفوفة لم تكن حديثا “فارغًا” وإنما مدروس، فيها حوالي ثلاثين بند حول ما ينبغى عمله، لكن لا يمكن حزب واحد مثلنا أن يقدم ويؤخذ به دون مشاورة الآخرين لذلك حدث نوع من المشاورات.
ونحن من الأشياء التي نعتبرها “عيب” أن الحرية والتغيير تراخت جدًّا في موضوع الاتفاق على مجلس قيادي مرجعي لاتخاذ القرارات في تلك القضايا وهذا قاد إلى تأخير ولكن في النهاية اتفق وقدم للحكومة من الحرية والتغيير برنامجا محدد، لكن صحيح تأخر البرنامج وفي رأيي هذا من العيوب التي أشرنا إليها.

 

 

صحيفة التيار