سلام على حواء: في يوم عيد وفي كل يوم .. بقلم: الحبيب الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

9/3/2017م

1. قال لي أحدهم كيف تتحدث عن يوم المرأة فهذه بدعة ذميمة.

الإمام القرافي قال كلمة حق هي: “أن البدعة تكون في أمر الدين وشعائره أما المعاملات والعادات فهي متجددة” وما قصده ابن القيم من تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال.

روى لنا الشيخ محمد الغزالي أنه في محاضرة في الجزائر قال: “حبذا لو أن الإمام علي ومنافسه احتكموا لصناديق انتخاب بدل الاحتكام للسيف” فقال قائل هذه بدعة ليست من السنة. قلت له: وهل اقتتال المسلمين من السنة؟

البدعة في شعائر الدين ولا تقاس عليها العادات والمعاملات حتى لا تمنع حركة المجتمع.

استصحاب النافع من تجارب الآخرين ليس بدعة وقد اتخذ الصحابة العملة ولم تكن معروفة وأسسوا الديوان ولم يكن معروفاً واستخدموا في حروبهم كثيراً من تجارب الآخرين مثل إحاطة المدنية بخندق للحماية من تحالف الأحزاب.

الناس فيما قبل الإسلام في بلاد العرب وفي السودان يربطون أحداثاً بأيام فإن كانت سعيدة أعادوا ذكراها.

في عام 1907م في الولايات المتحدة نشب حريق مدمر في مصنع نسائي. وفي عام 1910م في أمريكا اتخذوا من ذلك اليوم 8 مارس يوماً للمرأة.

وفي عام 1977م قررت الأمم المتحدة اعتباره يوماً عالمياً للمرأة. نحن أعضاء في الأمم المتحدة وهذا الإجراء لا يناقض أمراً دينياً وهي مناسبة للحديث عن أحوال المرأة بغية ذكر مشاكلها وما ينبغي عمله للإصلاح.

هذه الوقائع تفسر الحديث عن يوم المرأة. والقول بالرفض تعنت لا معنى له.

2. نفس الإنكار قال به بعض المسلمين حول عيد الحب في 14/فبراير. عبارة حب اكتسبت صيتاً سيئاً لارتباطها بالحب الآثم.

ولكن الحب عاطفة نبيلة جاء في حقها قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ”[1]. بل روى طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لم نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح” (أخرجه ابن ماجة).

وقد أسهب في قضايا الحب كثير من العلماء فابن حزم في كتابه “طوق الحمامة” تحدث عن علامات الحب بين المحبين. وابن القيم في كتابه “روضة المحبين ونزهة المشتاقين” وصف أحوال المحبين وظاهرة إيثار المحبوب على جميع المصحوب.

وكذلك جلال الدين السيوطي في كتابه “شقائق الاترنج في رقائق الغنج”.

وفي كل هذا الأدب فإن الحب حقيقة حلالها حلال أي تلك العفيفة والتي تتوج بالزواج.

مناسبة 14 فبراير مناسبة نبيلة فالقس فالنتاين خالف أوامر الإمبراطور الروماني الذي عطل الزواج لكي يتفرغ الشباب للمشاركة في حملاته القتالية. وكان هذا القس يزوج الشباب سراً وعندما علم الإمبراطور بهذه المخالفة حكم عليه بالإعدام وأعدم. فيما بعد الكنيسة اعترفت بفضل القس فالنتاين وعمدته قديساً. لذلك درج الناس في الثقافة الغربية يتخذون من يوم إعدامه عيداً للحب. الحب عاطفة نبيلة والمناسبة مناسبة عظيمة ولكن صارت تحدث بعض الممارسات الذميمة. لا غبار عن ذكر المناسبة وربطها بعقد زواج المتحابين وفي نفس الوقت رفض الممارسات الذميمة. للقديس فالنتاين الرحمة وللإمبراطور الروماني سوء الختام.

3. تحرير المرأة في السودان ليس كما يزعم بعض الناس من الثقافات الوافدة فالشيخ فرح ود تكتوك كان يوصي بتعليم المرأة. والشيخ أبو دليق خلف بنته عائشة. والشيخ حمد ود أم مريوم منع خفض الإناث (المسمى ختاناً). ورائد تعليم المرأة في السودان هو الشيخ بابكر بدري الذي وجد دعماً قوياً لإصلاحاته من الإمام عبد الرحمن. جميع هؤلاء شخصيات من صميم التراث الأصيل في السودان.

وأضيف أن رائدة تكوين العمل الإصلاحي للمرأة الوالدة رحمة عبد الله إذ كونت مع زميلات جمعية ترقية المرأة وجمعية نهضة المرأة قبل كل التنظيمات المماثلة.

وشهادة لله فإن الفكر المستنير نحو المرأة الذي ناديت به والذي نادى به د. حسن الترابي ينسب الفضل فيه لها هي التي علمتنا بقدوتها وأقوالها احترام المرأة والدفاع عن حقوقها.

فالثقافة التقليدية في السودان ناصرت حقوق المرأة. لذلك بعد ثورة أكتوبر 1964م اجمعنا على الاعتراف بحقوق المرأة السياسية ولم يقف في طريق ذلك معترض.

4. عندما أشرقت دعوة الإسلام كان وضع المرأة الإنساني والاجتماعي في كل الحضارات القديمة متدنياً وفي الجزيرة العربية توأد الطفلات وتعامل المرأة في الزواج في المجتمع كعبدة.

وفي التقليد اليهودي هي من أغوى آدم وهي مخلوقة من ضلعه الأعوج وحيضها هو عقاب لها على خطيئتها.

إيمانية المرأة وإنسانيتها في نصوص الإسلام ومعاملات النبي محمد صلى الله عليه وسلم بوأتها مكانة سامية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[2]. (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍۖ)[3]. ومقولة نبي الرحمة: “إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ”[4]. ولكن فقهاء استشهدوا بنصوص وتأثراً بالبيئة الثقافية المحيطة بهم استنبطوا فقهاً لدونية المرأة.

ووضعت أحاديث رواها آحاد حطت من مكانتها بصورة مناقضة تماماً لرقيها القرآني: “إنها ناقصة عقل ودين، ولا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلقت عنها سبعة من أبواب النار وفتحت لها ثمانية من أبواب الجنة تدخل أيها شاءت بغير حساب، إذا غسلت الزوجة ثياب زوجها كتب الله لها ألف حسنة وغفر لها ألف خطيئة واستغفر لها كل شيء طلعت عليه الشمس ورفع لها ألف درجة، أيما امرأة كلحت في وجه زوجها فأدخلت عليه الغم فهي في غضب الله إلى أن تضحك في وجهه فتدخل عليه السرور” وهلم جرا.

هذه حيثيات فقه ذكوري في ظروف البيئة الثقافة المعاصرة تنفر النساء من الدين تفتنهن عن دينهن وقد حدث لكثيرات.

5. في عام 1948م اتفقت الدول على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان رفضت بعض الدول احتجاجاً بأنه في بعض بنوده ينافي الشريعة. وفي نوفمبر عام 1998م قدمت محاضرة طبعت بعنوان (الميثاق العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي) ترافعت عن أن ما فيه من نصوص بتأويل سليم لا يتناقض مع مقاصد الشريعة.

وفي عام 1979م صدرت معاهدة (سيداو) أي إزالة كافة أنواع التمييز ضد المرأة بعد أن اجتازت الشروط الدولية اللازمة. قبلت المعاهدة دولتان من عالمنا جزر القمر وجيبوتي ولكن أغلبية دولنا تحفظت على ستة بنود هي:

المادة (2) وفحواها حظر التمييز ضد المرأة في الدساتير.

المادة (7) وهي إلزام الدول بالقضاء على التمييز ضدها في الحياة السياسية.

المادة (9) وهي حقهن وأطفالهن في الجنسية لبلادهن.

المادة (15) وهي المساواة كمواطنة أمام القانون.

المادة (16) المساواة في الحقوق والواجبات الزوجية.

المادة (29) وهي التحكيم بين الدول في هذه المعاهدة.

وفي يوليو 2004م نظمت هيئة شؤون الأنصار ورشة درست هذه المعاهدة وأوصت بقبولها لا سيما وإذا وجدت نصوص متناقضة مع قطعيات الشريعة فالمعاهدة نفسها تبيح التحفظ عليها.

إن أكثر الدول تعارض منظومة حقوق الإنسان لأنها تمنع الممارسات السالبة لحقوق الإنسان ولحقوق المواطن في: الكرامة، والحرية، والعدالة، وهي حقوق تحرص النظم الاستبدادية على نفيها حفاظاً على الاستبداد ولكنها تفعل ذلك بحجة الخصوصية الدينية والثقافية. لا خصوصية في الإسلام تناقض الكرامة. ولا خصوصية تناقض الحرية (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْۚ)[5]. ولا خصوصية تنافي العدل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[6]. ولا خصوصية تنافي كرامة الإنسان من حيث هو إنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[7]. بل الإنسان سليل آدم عليه السلام فيه قبس من روح الله. وإنسان لا تعني الذكر بل هو والأنثى خلقا من نفس واحدة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَاۖ)[8].

6. في تكوينه الرجل وهب بسطة في الجسم ما يفرض عليه تجنب العنف في التعامل مع من هو أضعف منه امرأة أو طفل وهذا هو المفهوم الصحيح للقوامة فالمرأة اضعف بدناً وواجب الأمومة يجعلها حتماً تمر بفترات ضعف: الحيض، والحمل، والنفاس، والرضاعة، فالقوامة تعني القيام بواجباته تحوها.

إن للرجل فضلاً في القيام بواجبات الكسب والرعاية وللمرأة فضل كذلك في مجال الأمومة والرعاية علي نحو ما سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ”[9]. ينبغي أن نفهم أن هذا تفاضل تكامل لا تترتب عليه دونية إيمانية وإنسانية للمرأة.

هنالك الآن ممارسات عنيفة ضد المرأة والطفل تتطلب إصلاحاً تربوياً وأخلاقياً فان الحضارة تقاس بدرجة الرحمة المبذولة نحو القطاعات الأضعف في المجتمع.

العنف لا يقف عند حد البطش بهن بل زواج الطفلات وخفض البنات (هو خفض لا خفاض) عنف ضد المرأة يسلبها عضواً تناسلياً.

7. هنالك حاجة ملحة لصحوة تشريعية لصالح كل الناس في مجال حقوق الإنسان وفي مجال المواطنة فالمرأة مثل الرجل تعاني من الأوضاع الدستورية والقانونية الحالية ولكن يقع عليها قهر مضاعف باعتبارها امرأة. لذلك اقترحنا ميثاقاً نسوياً بموجبه نحقق المطلوب دستورياً وقانونياً لصالح المرأة. لا سيما في نطاق قانون الأحوال الشخصية المحمل بالعيوب وفي كتابي عن الحقوق الإسلامية والإنسانية للمرأة اقترحت مدونة للأحوال الشخصية مقتدية بالمدونة المغربية. وضع المرأة هو الأفضل في الدول المغاربية والأوسط في الدول المشرقية والأدنى في الدول الخليجية.

وفي نطاق ما سوف نصدر من ميثاق وطني ومبادئ للدستور المنتظر سوف نعمل علي إزالة كافة أنواع التمييز ضد المرأة إن شاء الله.

8. ومثلما نحرص علي حقوق المرأة ينبغي الحرص علي واجباتها في كل المجالات والتنبيه علي تجنب التشبه بالرجال أو التشبه بالأجانب فهي من حقيقة أنوثتها ومن داخل دينها وثقافتها بالفهم الصحيح تستطيع أن تنال حقوقها الإيمانية والإنسانية.

وهنالك جوانب أخرى تتطلب أن تنقي المرأة ألفاظها من عبارات الدونية المعلومة عبارات: سجمي ـ وكر علي ـ واجي وما يتماشي معها من أغاني هابطة.

وعلينا جميعاً أن نحرص علي تسمية بناتنا بأسماء تراثية مثل فاطمة وزينب وسعاد أو أسماء الفضائل مثل أمان، سلام، غفران، إتقان وتجنب الأسماء التي تفتح أبواب التحرش كالمأكولات الفواكه أو النزوات مثل: شجن وشهوة وغيرها. وهنالك الآن ممارسات خاطئة تخص كل الشباب ذكرتها في كتابي “أيها الجيل” .

وممارسات نسوية لتبيض الوجوه والأجسام.

هذه كراهية ذات وهي جنحة صحية المطلوب تجنبها.

ختاماً : في يوم المرأة ينبغي أن نطرد الذهنية المسيئة للمرأة كقول أحدهم:

لكل أبي بنت يُرجّى صلاحها ثلاثة أصهار إذا حُمد الصَّهْرُ
فَبَعْلٌ يوافيها وخِدْر يصونها وقبرٌ يواريها وخيرُهُمُ القبر

بل اهديها أبيات الأستاذة فاطمة عبيد:

أيـها الداعي بهنــدٍ والمنادي في تحدي
أنت كــم تظلم هنداً فـــوق ظلم المستبد
إنها صارت شعاعاً ومنــــاراً لك يهدي
فـــــارجع الطـرف تراهـا هي نداً أي ندِّ

——————————————————————–

[1] صحيح بخاري
[2] سورة التوبة الآية (71)
[3] سورة آل عمران الآية (195
[4] رواه أبو داود
[5] سورة الكهف الآية (29)
[6] سورة المائدة الآية (8)
[7] سورة الإسراء الآية (7)
[8] سورة الأعراف الآية 189)
[9] صحيح بخاري