شاهد على العصر الحلقة السادسة عشر

شاهد على العصر الحلقة السادسة عشر

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

برنامج شاهد على العصر مع الإمام الصادق المهدي

 إعداد وتقديم الإعلامي الأستاذ أحمد منصور

قناة الجزيرة- الحلقة السادسة عشرة

الأحد  8 نوفمبر 2015م

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في هذه الحلقة الأخيرة من شهادة الإمام الصادق المهدي، إمام الأنصار، وزعيم حزب الأمة، ورئيس الوزراء الأسبق في السودان على العصر، فضيلة الإمام مرحباً بك.

الإمام: الله يبارك فيك.

منصور: بعد خمس شهور من اتفاقية الحزب الوطني الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية التي أنت وافقت عليها منذ البداية واعترضت الحركة الإسلامية ثم وافقت، جرت جولة جديدة من المباحثات في شهر يونيو حزيران عام 1989م، قبيل أيام من الانقلاب الذي جرى عليكم، وحددتم موعد للجلسة الثانية في 4 يوليو 89 لكن انقلاب 30 يونيو حال دون ذلك. كنت متفائلاً بهذه الاتفاقية؟

الإمام: نعم.

منصور: كان يمكن أن تضع أوزار الحرب بين الشمال والجنوب؟

الإمام: نعم.

منصور: وكان يمكن أن تساعد في عدم انفصال الجنوب عن الشمال بعد ذلك؟

الإمام: نعم، نعم.

منصور: ما يمكن أنها كانت مجرد اتفاقية زي الاتفاقات السابقة وتنقض؟

الإمام: لا أنا في رأيي الحركة الشعبية نفسها كانت قد وصلت إلى نهاية ما يمكن أن تحققه، وكان واضحاً أنه ما عاد هناك مجال لتتقدم حقيقة. احتلوا الكرمك، وبقوا فيها مدة من الزمن وطُردوا منها. احتلوا مدينة توريت وكان الجيش بصدد أن يبعدهم، وما كانوا بعد ذلك قد احتلوا أية مدينة أخرى إلا توريت. فأعالي النيل لم يكن لهم وجود فيها احتلالي، ولا بحر الغزال، فقط توريت في الاستوائية. ففي رأيي وصلوا إلى هذا النوع من الإدراك، وكان الأمريكان ينصحوهم بضرورة أن يحصل اتفاق لوقف الحرب، ففي رأيي كان وارداً جداً أن يحصل اتفاق خصوصاً ونحن اتفقنا أن نعطيهم ما يريدون. لم يكن هناك مطلب تقرير مصير، ما كن في مطلب غير..

منصور: (مقاطعاً) المطالب الخمسة..

الإمام: أيوة، ولذلك نحن مستعدين للاستجابة لهذه المطالب. ثم..

منصور:  (مقاطعاً) كنت متفائلاً.

الإمام: كنتُ متفائلاً، نعم.

منصور: هناك محاولة انقلاب انتو اجهضتوها في شهر يناير، وهناك المذكرة التي تقدم بها قادة الجيش وانت تعتبر نفسك أيضاً أجهضتها إلى حدٍ ما.

الإمام: نعم.

منصور: لكنك أعلنت في 18 يونيو عام 1989م، قبيل اثني عشر يوماً فقط من انقلاب عمر البشير عليك وعلى حكومتك، بأن هناك محاولة انقلابية قمتم بإجهاضها كانت بقيادة العميد صلاح الضوي من سلاح المظلات، والعميد علي يوسف، والمقدم محمد أبو سن. وأعلنتم أن هذه المحاولة الانقلابية أيضا كانت لصالح جعفر نميري. ممكن تقول لينا تفاصيل المحاولة دي؟

الإمام: لا أنا ما بعتقد إنها كانت جادة لأنه كان واضح لي ولغيري أن عهد نميري صار مشيطناً في الرأي العام.

منصور: هل كانت هذه المحاولة كما جاء في بعض الدراسات والتحليلات أنها كانت للتضليل على المحاولة الحقيقية التي كانت الجبهة الإسلامية رتبت لها مع العميد الركن عمر البشير وضباط آخرين وقاموا بها بالفعل في 30 يونيو؟

الإمام: لا صلة بينهما.

منصور: لا صلة بينهما؟

الإمام: نعم.

منصور: في 30 يونيو حزيران 1989م قام عمر حسن البشير بانقلاب على النظام الديمقراطي في السودان الذي كنت ترأس حكومته، ونصّب نفسه رئيساً لمجلس قيادة الثورة. قبل أن أصل إلى الانقلاب وتفاصيله ما هي الأجواء التي سبقت انقلاب عمر البشير على حكومتك أنت الصادق المهدي؟

الإمام: في رأيي ما كان هناك أي مبرر لهذا النوع حتى أنا قلت.. لأن قضية الأسلمة وصلنا لصيغة لها، قضية السلام وصلنا لصيغة لها، الإدارة الديمقراطية كانت ناجحة كما ذكرت لك، الوضع الاقتصادي في ذلك العام بالذات كان أفضل من أي فترة مضت في تاريخ السودان. كان القرار الوطني السوداني مستقلاً، لا طعم أو نوع من النفوذ عليه، لا من أمريكا ولا من ليبيا ولا من إيران ولا من مصر، كان مستقلاً تماماً. شيء مدهش في المنطقة لأنه استقلال القرار الوطني في بلدان فقيرة مثل السودان غريب. ففي رأيي كانت هذه كلها كانت محامد، ليس هناك برنامج ممكن أن يطبقه انقلاب ضد هذه المحامد الوطنية في رأيي.

منصور: يعني كانت السودان تخطو في عهد حكومتك نحو الديمقراطية التي لو استمرت إلى اليوم من وجهة نظرك كانت تصبح السودان ربما أقوى دولة ديمقراطية في المنطقة؟

الإمام: نعم، ونموذج، زي ما قلت لك كان عملنا الاتفاقية الإستراتيجية مع اليابان، والاتفاقية الإستراتيجية مع الصين، الأوربيون كانوا معنا فيما نفعل، صحيح الأمريكان معاكسين لكن كانت معاكستهم محدودة..

منصور: أنت كنت تشعر بأمان واطمئنان أن الجيش لا يمكن أن يتحرك ضدك.

الإمام: وأنه مافي منطق، أنا حتى بقول مافي إنسان عاقل مع ظروف السودان التي فيها يمكن أن يسعى لأن ليحتل السلطة.

منصور: أين كنت حينما وقع الانقلاب؟

الإمام: كنت في منزلي في ودنوباوي في أم درمان.

منصور: نفسه الذي آتي لك فيه؟ كنت آتي لك فيه؟

الإمام: نعم، وكانت حاجة مدهشة، كنت في فجر ذلك اليوم أصلي الصبح، جاءني ابني صديق.

منصور: اللي هو الآن مستشار الرئيس؟

الإمام: لا، لا هذا موقفه ..

منصور: معارض؟

الإمام: معارض شديد، فجاءني وقال لي هناك ناس مطوقين، عساكر مطوقين البيت، طوالي أنا أدركت أن هذا انقلاب..

منصور: أدركت إزاي ان دة انقلاب وانت بتقول إنك كنت مطمئن ..

الإمام: لا ما خلاص، ناس مطوقين البيت! بعد كدة ما عايزة درس عصر. المهم..

منصور: فكرت مين اللي ممكن يقوم بالانقلاب؟

الإمام: أيوة فكرت لأنه افتكرت أنه كانت هناك إرهاصات أن هناك بعثيين عايزين يعملوا انقلاب، أقرب إلى أن هذا انقلاب قد يكون بتاع بعثيين، ولكن قد يكون أيضاً بتاع مصريين، يعني هو أصلاً فكرتي كانت إما هذا أو ذاك.

منصور: لكن لم تفكر على الإطلاق إن الحركة الإسلامية والدكتور الترابي هم الذين نسقوا مع العسكر للقيام بالانقلاب.

الإمام: لا، بالعكس لأنه هو عمل اتصالات بي مخادعة. الانقلاب كله في رأيي كان مبني على درجة عالية جداً من الخداع. ومن..

منصور: إيه أشكال الخداع؟

الإمام:  ما الخداع أنه مثلاً أنا أذهب للقصر.. أي البشير يذهب إلى القصر رئيساً، وأنا أذهب إلى السجن حبيساً، هذا  جزء من الترتيبات التي عُملت في الموضوع عشان يضللوا الناس..

منصور: آه إنت تقصد أن الدكتور الترابي يروح حبيساً..

الإمام: أيوة نعم هو أعلن كدة.. وفي رأيي دة اللي حصل.

منصور: لا أنا لسة الآن انت في البيت وصليت الصبح ولقيت العسكر..

الإمام: أيوة أحاطوا بالبيت، أنا قررت أخرج، فيما بعد..

منصور: والحراسة بتاعتك فين؟

الإمام: ما حراسة في الانقلابات بتعمل إيه، بتجي قوات هائلة يعني. المهم..

منصور: تخرج تروح فين؟

الإمام: استنى حأقول لك، ما أنا عشان كدة أنا ذاتي بقول لك في حاجة مدهشة حصلت. أنا قررت أخرج من البيت، والبيت محاط كالسوار بالمعصم، خرجت عادي جداً.. بباب.

منصور: ما شافوكش؟

الإمام: الله أعلم، ما شافوني، مؤكد ما شافوني.

منصور: إنت شايفهم؟ كنت شايفهم؟

الإمام: شايفهم، كيف ما شايفهم، هم جايين في رأيي في ذلك الوقت أن يعتقلوني وعندهم تعليمات أن أُصفى.

منصور: لااا، إيه دليلك بقى على كدة..؟

الإمام: الدليل على كدة إنه الشخص الذي جاء قائد هذه القوة لما رجع لوحدته قتلوه عشان يموت بسره، زي ما عملوا للناس اللي حاولوا اغتيال السيد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر السابق، نفس الشيء الجماعة اللي كانوا مكلفين بالاغتيال لما جاءوا السودان، الخرطوم، صُفوا، قتلوا، ففي رأيي كانت هذه الفكرة. على كل حال دة..

منصور: لكن ماعندكش دليل عليها.

الإمام: لا ما عندي دليل، لكن في رأيي لأنه قتل هذا الرجل، ما في سبب يقتلوه. المهم .. أنا خرجت.

منصور: اسمه إيه هو؟

الإمام: مين..

منصور: العقيد اللي..

الإمام: لا أدري لكن علمت أنه قتل لما رجع لوحدته قبل أن يبلغ..

منصور: خرجت من البيت،

الإمام: أنا خرجت من البيت.

منصور: كنت وجهتك فين؟

الإمام:  اقول لك، أقرب حاجة جاءت في ذهني أنه حاجة ما عادية ما طبيعية ليه لأنه أنا خرجت والبيت محاصر ومشيت الشارع مائتي متر،

منصور: ما حدش شافك ولا وقفك..

الإمام: ولا أي حاجة.. أصلاً.

منصور: وانت لوحدك.

الإمام: وأنا وحدي.

منصور: ولابس لبسك دة وماشي..

الإمام: لبس عادي، يعني ما عندي عمة يمكن عشان ما عندي عمة..

منصور: يمكن يكونوا ما عرفوكش في الضلمة بالليل؟

الإمام: لالا ضلمة إيه الوقت دة صبح يعني خلاص الفجر انبثق انا شايفهم وهم شايفني لكن.. المهم.

منصور: فطمسنا على أعينهم يعني؟

الإمام: بس إلا كدة، أنا ما عندي تفسير، المهم كان مفروض هم أنا خرجت من بيتنا ورحت اتجاه جنوب أنا عندي استراحة كانت في حي الملازمين، ذهبت إلى هناك، وهناك قررت أن أختفي، وقلت أنا بختفي أولاً لأنه كان عندنا اتفاق لحماية الديمقراطية، نعطي فرصة لهذا الاتفاق يفعل شيء.

منصور: إن إذا تم الاعتداء على الديمقراطية من العسكر الناس اللي إنت متفق معاهم دول يخرجوا ويرتبوا الأمور.

الإمام: أيوة، ثانياً أنا قلت لمن معي بعد ما التقيت ببعض الناس سراً إذا الانقلاب هذا سوداني أنا ساظهر لهم وأفاوضهم، وإذا كان مصري أو بعثي أنا حاختفي نهائي ونشوف كيف نثير الناس ضدهم. بعد أسبوع بدا لي..

منصور: (مقاطعاً) انت فضلت مختفي أسبوع؟

الإمام: أسبوع، بدا لي..

منصور: فين في نفس الاستراحة دي؟

الإمام: لا في حتة تانية.

منصور: فين ما أهو أصل كل حاجة اتكشفت.

الإمام: لا حتة تانية في أم درمان.

منصور: لكن جوة أم درمان.. مين اللي كان بيروح ويجيلك وبتتصل بمين بقى؟

الإمام: كان اللي بيتصل بي السيد عبد الرحمن فرح.

منصور: مين عبد الرحمن فرح؟

الإمام: عبد الرحمن فرح كانت عنده مسؤولية في الأمن وهو كان نائب من نواب حزب الأمة في البرلمان. المهم وأنا هناك ظنيت أن هذا الانقلاب انقلاب سوداني، وما دام هو سوداني كتبت مذكرة، وفي المذكرة قلت لهم إن مشاكل السودان مش سببها الأحزاب: الجنوب، والتنمية، السودان عنده مشاكل قومية أنتم لا تستطيعون حل هذه المشاكل وحدكم. دعونا نتفق أنتم معكم السلطة ونحن معنا الشرعية، عندما قبضت اعتقلت..

منصور: لا استنى أنا عايز هنا. انت في خلال الأسبوع دة طبعاً صدرت بيانات من البشير، أعلن قادة الانقلاب أنهم الحركة القومية لتصحيح الأوضاع، اتهموكم أنتم بالفساد وأنكم سبب الكوارث والأحزاب السياسية والسياسيين هم سبب البلاء، أطلقوا على أنفسهم ثورة حزيران، ثم ثورة الإنقاذ الوطني.

الإمام: نعم..

منصور: البيانات المتتالية التي صدرت عنهم أعلنت الإطاحة بحكومة الصادق المهدي، تعطيل الدستور، حل المجلس النيابي والأحزاب السياسية، مجلس رأس الدولة، حكومات الأقاليم، جميع النقابات، مصادرة  أملاك الأحزاب، إلغاء رخص الصحف، حل كل الجمعيات غير الدينية، عين عمر البشير نفسه رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للوزراء ووزيراً للدفاع وقائداً للقوات المسلحة.

الإمام: نعم.

منصور: دة أول يوم كل دة، تاني يوم أعلن العفو العام وإيقاف إطلاق النار، ونشاط عمليات الإغاثة.

الإمام: نعم.. المهم..

منصور: دة كل دة إنت كنت بتابعه وبتحاول تبني موقف عليه.

الإمام: نعم..

منصور: أول دولة اعترفت بالانقلاب كانت مصر، لأن كان حسني مصر بيجهز لانقلاب في السودان، فتخيل إن هؤلاء رجاله الذين عملوا الانقلاب في السودان.

الإمام: أيوة نعم، المهم أنا مع هذا كله اعتبرت هذا الانقلاب سوداني، وقلت ما دام سوداني سأظهر لهم وقلت لهم في الورقة.

منصور: حتظهر إزاي، إيه شكل الظهور؟

الإمام: التقيهم، أكتب لهم مذكرة ويُرتب لقاء.

منصور: مين اللي راح يوصلها؟

الإمام: مفروض يوصلها عبد الرحمن فرح.

منصور: معنى كدة إن عبد الرحمن فرح حيبقى عارف مكانك؟

الإمام: أيوة نعم هو عارف مكاني.

منصور: لا بالنسبة لهم هم.

الإمام: أيوة نعم، المهم أنا ما كان فارق معي بعد ذلك أن أعتقل لأنه اعتبرت انه سنتفاوض.

منصور: حتقعد لك يومين وتتفاوض وتخلص.

الإمام: نعم فأنا قلت في المذكرة مشاكل السودان أكبر منكم وأكبر منا ويجب أن نحل مشاكل السودان.. إلى آخره، ودة مش عشان ما تحاكمونا، أي واحد من جماعتي ووزرائنا إلى آخره تحاكمونه بدون عفو عنه ولكن خذوا في بالكم مشاكل السودان أكبر منكم. ما وصلتهم المذكرة.

منصور: ليه..؟

الإمام:  لأنه قبضت قبل أن نسلمها. لقوها في جيبي.

منصور: كيف قبضوا عليك؟

الإمام: لقوها في جيبي أنا كنت في، أنا نقلت من أم درمان إلى الخرطوم، وفي الخرطوم لا شك البيت الذي دخلت فيه كان هناك شخص بلغ أنه أنا هناك، قبضت في هذا المنزل.

منصور: كيف قبضوا عليك؟

الإمام: يعني لقوني هناك وقبضوا عليّ.

منصور: يعني ما أهانوكش وهم بيقبضوا عليك؟

الإمام: لا أبداً ما عملوا أي إجراء فيه عنف.

منصور: طيب انت في الأسبوع الأولاني دة تم القبض على كل رؤساء الأحزاب والسياسيين بما فيهم الدكتور حسن الترابي نفسه الذي هو كان وراء الانقلاب، وهذا أكد لك أن الترابي زيه زيك.

الإمام: يعني لما دخلنا السجن ما أنا قبضت يوم 5 يوليو.

منصور: 5 يوليو 1989م.

الإمام: أيوة 5 يوليو دة باين يعني شؤم، فالمهم قُبضت ومن هناك نقلت إلى كوبر

منصور: مباشرة.

الإمام: حيث وجدت الترابي وقادة الأحزاب كلهم هناك، كل قادة الأحزاب.

منصور: قابلتهم؟ شفتهم ولا عرفت إنهم موجودين؟

الإمام: لا ما سجنا مع بعض.

منصور: آه يعني دخلوك نفس الغرفة؟

الإمام: نفس الحوش. وأنا هناك..

منصور: إنت ما جالكش شك ولا لحظة واحدة ان الترابي وراء الإنقلاب.

الإمام: لا في ذلك الوقت لا، لكن بعد حين، لأنه كنا لما نتناقش في الحاصل إيه بيكون يعني عنده عطف نحو الجماعة وهكذا.. المهم في يوم 2 أكتوبر ونحن في هذا السجن المشترك.

منصور: كان عندك برضو راديو وكتب وحاجات؟

الإمام: أيوة وعاملين ليهم تلفزيون، وما كان في.

منصور: مش سجن يعني..

الإمام: لا سجن، لكن فيه هذه التسهيلات، ما في..

منصور: وقاعدين مع بعض طول النهار وتحكوا..

الإمام: أيوة.. لكن في يوم 2 أكتوبر.

منصور: 89 بعد 3 شهور.

الإمام: الساعة 2 صباحاً، أُخذت بالليل.

منصور:وانت طول الفترة دي ما حدش قال لك انت فين؟ لا تحقيق ولا كلام ولا سلام..

الإمام: لا مافي أصله ما عملوا أي تحقيق. أخذت لحتة لما ركبت العربية في ذلك الوقت ما كانوا قد اهتدوا لسة لمسألة تظليل العربات، فوضعوا جرائد على العربية عشان ما أعرف أنا ماشي وين، وفعلاً أخذوني لحتة خلوية، وفي نص الخلا في بيت وفيه لمبة واحدة حمراء. فدخلت هناك لقيت 3 أشخاص واحد ضابط لابس عسكري، واثنين أمن بدأوا معي تحقيق.

منصور: حول؟

الإمام: حأقول لك.. أجلسوني في كرسي من ثلاث قوائم حتى لا أرتاح في الجلسة.

منصور: من غير مسند للظهر؟

الإمام: لا فيه، لكن ما فيهوش.

منصور: بثلاث رجلين بس؟..

الإمام: بثلاث أرجل عشان أنا أكون معتمد على أرجلي، بعد التحقيق يا فلان نحن عاوزنك تسجل اعتراف بفشل الديمقراطية، وتقول لنا هذا الكلام دلوقتي، ونحن محكمة ميدانية..

منصور: الساعة 2 بالليل؟

الإمام: الساعة 2 بالليل.

منصور: وجوههم كانت باينة؟ كانت في إضاءة؟

الإمام: لا باينة في إضاءة نعم.

منصور: عرفتهم من هؤلاء؟

الإمام: عرفتهم نعم.. عايزنك تسجل هذا وحنطلق سراحك. وإلا حنعمل لك محاكمة ميدانية.

منصور: تسجل هذا تلفزيونياً ولا كتابة؟

الإمام: أسجل تلفزيونياً عشان يذيعوه.

منصور: يعني جايبين لك كاميرا وكل شيء؟

الإمام: أيوة. قلت لهم الديمقراطية لم تفشل أجهضتوها أنتم، وأنتم ستفشلون فشلاً ذريعاً. والديمقراطية راجحة وعائدة. احتاروا ماذا يفعلون لأنه افتكروا أنه لو ضغطوا علي بالإعدام سأمتثل، فما عرفوا يعملوا إيه، ركّبوا معي يعني بعد ما خلاص أنا قلت لهم أنا مش مستعد.

منصور: كم ساعة قعدت دي؟

الإمام: يعني زي ثلاث ساعات.

منصور: وانت بتدوروا في نفس المحور؟

الإمام: أيوة، وأنا قعدت أقول ليهم كيف انتو حتفشلوا وكيف نحن ناجحين إلى آخره، المهم ركّبوا معي عساكر أو أشخاص أمنيين ولكن في رأيي هؤلاء معبأين عشان يستفزوني عشان أنا أضاربهم، أشرد منهم، أعمل حاجة..

منصور: ويتخلصوا منك..

الإمام: ويتخلصوا مني.

منصور: هرب أثناء نقله من كذا إلى كذا، وأثناء هروبه أطلق عليه الرصاص وقتل.

الإمام: أيوة، أولاد سُفَها، سفها، يعني بمعنى الكلمة.

منصور: سبوك، شتموك؟

الإمام: سبوني وسبوا أبي وسبوا المهدي ذاته. يعني كان كلامهم كدة، وأنا برضه لأنه أدركت أنه عندهم مهمة أصلاً ما استجبت لهم. والدليل على إنهم ما كانوا عارفين يعملوا إيه، وصلوني كوبر.

منصور: مرة أخرى.

الإمام: مرة أخرى، لكن ما ودوني في كوبر لجماعتي الذين كانوا معي، وضعوني في غرفة الإعدام، اسمها زنزانة الإعدام، اللي هي زنزانة مقفلة كلها..

منصور: ولبسوك أحمر؟

الإمام: لا لسة، ما لسة عندهم عشم أني أستجيب، وأنا هناك أرسل وزير الداخلية لي..

منصور: من كان؟

الإمام: لا أذكر اسمه دلوقتي اللي هو وزير الداخلية أرسل لي كمندان السجن ليقول لي يا فلان..

منصور: طبعاً البشير شكل حكومة في 10 يوليو89.

الإمام: (مواصلاً) ليقول لي يا فلان، نحن تعلمنا وسائل ضغط من إيران، هذه رسالة وزير الداخلية، وهذه الوسائل ستطبق عليك. نرجوك توفر على نفسك العذاب وتعمل للجماعة الذين حققوا معك ما يريدون. قلت له، للكمندان، أنا أنتظر أنك تأتي أنت بكلام قانوني، أنت انسان مهتمك أن تكون كمندان سجن بقانون.

منصور: أنا عايز منك حاجة لأن إحنا بنوثق للتاريخ.. انت عارف أسامي الناس دي؟ قول لي أساميهم لو سمحت.

الإمام: لا والله ما بعرف أسماءهم، معروف من كان الكمندان لأنه معروف كمندان السجن. المهم هو رجع بخفي حنين لوزير الداخلية، بعد ساعات من هذه الرسالة المهببة زي ما بيقولوا أخوانا في مصر، جاءني عسكري من داخل السجن.

منصور: وانت في زنزانة الإعدام؟

الإمام: وأنا في زنزانة الإعدام. (قال لي) يا فلان أنا معك، عايزني اعمل لك إيه؟ أهربك أي حاجة انت عايزها..

منصور: آه، محاولة ثانية يعني.

الإمام: أنا مستعد.. لا أنا في رأيي دة كان صادق.

منصور: كان ضابط ولا عسكري ؟

الإمام: لا عسكري، أنا قلت له ما عايز منك أكثر من أنك توصل هذه الورقة للسيدة سارة.

منصور: زوجتك؟

الإمام: زوجتي.. وطبعاً كنت انا في أثناء السجن عندنا شفرة خاصة نتحادث بها، فكتبت بهذه الشفرة كل الذي حصل، وقلت للسيدة سارة هذا يجب غداً يذاع في العالم كله. وفعلاً في العالم كله أذيع كل اللي حصل في تلك الليلة.

منصور: انك اتهددت وانك؟

الإمام: وكل شيء، جن جنونهم. بسرعة رجعوني لجماعتي وقفلوا هذا الباب. منذئذٍ أنا بديت (الكتابة في) كتاب الآن مطبوع اللي هو كتاب الديمقراطية راجحة وعائدة، وانا هناك، وهذا الكتاب ألفته وخرج وانطبع.

منصور: أنا عايز أسألك هنا انت متى تيقنت أن الانقلاب قد نجح وتمكن من الإمساك بمفاصل الدولة وأن الديمقراطية التي قاتلت من أجلها أنت والآخرين قد وئدت.

الإمام: أيوة من أول يوم، ما كان واضح أنه ما كانت في ردود فعل، أصله هو الانقلاب العسكري إذا تحرك بطريقة محكمة مش ضروري يكون عنده شعبية. لأنه بيوقف الـ يحتل

منصور: مفاصل الدولة..

الإمام: أيوة، وطرق الحركة، المهم واستمريت أنا هناك.

منصور: على فكرة الانقلابات العسكرية بقت علم ليه كتب.

الإمام: ما في شك..

منصور: وبرضه إجهاض الانقلابات العسكرية علم له كتب وله وسائل..

الإمام: نعم. فأنا هناك عدت لكوبر وهم بعد كدة استمروا يواصلوا العمل. ما في شك.

منصور: كم سنة قعدت في هذه الفترة؟

الإمام: أنا اعتقلت في 5 يوليو 1989م وأطلق سراحي في أبريل 1992م.

منصور: يعني تقريباً قعدت سنتين.

الإمام: أيوة في أثنائها ألفت كتابين، وطبعا ونشرا واحد في الحياة وواحد في الشرق الأوسط.

منصور: إيه الكتاب الثاني؟

الإمام: الثاني تحديات التسعينيات.

منصور: آه عندي..

الإمام: وأنا بعد ما أطلق سراحي.

منصور: الأول انت امتى عرفت أن الترابي هو الذي وراء الانقلاب؟

الإمام: لا بدري، حتى كان بعد قول بالكثير ستة شهور.

منصور: وهو خرج، مين اللي بقى معاك في السجن؟

الإمام: كل القوى السياسية.

منصور: بقوا.

الإمام: نعم.

منصور: يعني فقط الدكتور الترابي هو الذي خرج لوحده؟

الإمام: لا ما هم بعد ستة شهور أطلقوا سراحنا بمعنى أنه أخرجونا من كوبر إلى الإقامة الجبرية..

منصور: إلى الإقامة الجبرية في البيوت. قل لي ابتداء من 92 باختصار يعني، إلى بداية الخلاف بين الترابي والبشير في 99 إيه الحاجات الجوهرية التي قمت بها؟

الإمام: أهم حاجة جوهرية أنه طبعا يعني نحن قررنا الاتفاق مع الحركة الشعبية وتم اجتماع في أسمرا توصل إلى إعلان اتفاق القضايا المصيرية..وأعلن

منصور:سنة كم؟

الإمام: 95، وأعلن كذلك تكوين التجمع الوطني الديمقراطي.

منصور: طبعاً الأحزاب كانت محلولة وانت الآن..

الإمام: اعتقلت ثاني كصدى لاتفاق..

منصور: اتفاق أسمرا؟

الإمام: أيوة..

منصور: قعدت قدر إيه المرة دي؟

الإمام: حاجة مدهشة اللي حصل النظام كان متورط في محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك، فلما فشلت كانوا يريدون إخفاء الأثر، غيروا الطقم المسؤول عن الأمن، الطاقم المسؤول عن الأمن لما تغير جاء واحد لواء في الجيش اسمه الهادي عبد الله، قال أنا مش حاستلم سجون ناس مسجونين بدون محاكمة.

منصور: دة رجل دة مافيش حد في الأمن بيعمل كدة، موقف تاريخي يعني.

الإمام: موقف تاريخي، المهم قال كدة، اطلق سراحي نتيجة لهذا، أنا فوجئت بإطلاق السراح لأنه ما ليه معنى لكن السبب هو هذا الإجراء. المهم طبعاً 96 كان البشير قد عُمل دستور اسمه دستور توالي، عمله لهم الدكتور الترابي، وأجرى انتخابات. في هذه الانتخابات فاز وأرسل لي يريد مقابلتي.

منصور: دي أول مرة كنت تقابله؟

الإمام: لا، قابلته سنة 92.

منصور: بعد ما خرجت في السجن؟

الإمام: بعد ما خرجت من السجن، في واحد اسمه حسن صباحي هو من قبيلة المسيرية وعنده بيته في الكلاكلة عمل لنا لقاء، والمدهش في هذا اللقاء البشير كان في طول هذه الفترة يشتمني، يشتم على كيفه، لكن الأخ هذا رتب لنا لقاء في بيته والتقيت أنا وهو فقط.

منصور: ما هي خلاصة ما دار بينكم؟

الإمام: أيوة، لما أنا جايي أسلم عليه، هو جاء وأنا جايي أسلم عليه، أصيب بكحة قعد يكح كح كح، واتجه نحو الحيطة، عنده عضم في حلقه، فهذا العضم بعد تلك الكحة خرج، جاء أول كلمة قالها: هذه بركاتك يا مولانا، (ضاحكاَ) أنا بركاتي هي اللي خلته يتخلص من العظم، قال هو مخنوق بالعظم هذا من الظهر أكل أكلة كدة وهذا العظم صار في حلقه ما قادر، المهم لما قال كدة،

منصور: البشير في لقاءاتك معه.. ودود جداً.

الإمام: جداً. يتكلم وينكت وكدة.

منصور: جلست معه كثيرا وعملت معه لقاءات..

الإمام: بس لما يطلع منبر يرمي بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر.. المهم

منصور: اللقاء كان ودود،

الإمام: كان ودود و..

منصور (مقاطعاً): والآن التقى بك مرة تانية بعد دستور 96م.

الإمام: قال لي الآتي نحن نريد أن تشترك أنت وحزب الأمة معنا..

منصور: ماذا قلت؟

الإمام (مواصلاً): ومستعدين نناصفكم.

منصور: يعني انتو تاخدوا الحكومة ورئاسة الحكومة؟

الإمام: ما بعرف بس كلام كدة عرض كبير، قلت له نفس الكلام الذي قلته قبل كدة لنميري، يا أخ الرئيس أنا ما ممكن أشترك في حكومة لا أرضى دستورها، عشان ما نشترك في قهر الناس. أنا مستعد نتفق على دستور ديمقراطي نشترك أما غير كدة لا..

منصور: قفلت الباب..

الإمام: افتكر انه انا ما فهمت عرض زي دة، كثير من المثقفين في السودان لما تقول لهم الوزارة..

منصور: يجري

الإمام: ينسوا كل حاجة..

منصور: بالذات مع العسكر، العسكر استخدموا الناس دول..

الإمام: أيوة، فقام أرسل لي عثمان خالد في البيت.

منصور: مين عثمان خالد ..؟

الإمام: عثمان خالد دة اللي كان زميلنا في العمل بالخارج كممثل للجبهة الإسلامية القومية.

منصور: أيوة فهمت. عرفته.

الإمام:  هو محامي وكان قاضيا فجاءني في البيت (وقال لي) يا أخي انت فهمت العرض؟ هو افتكر أنا ما فهمت العرض لأن العرض حاجة مفروض تكون.. قلت له أيوة فهمته. أنا رأيي ولا ممكن أقبل حكم البشير نفسه أو مكانته عشان أحكم الناس بالقوة. المهم الموضوع دة مات لكن أنا لما كنت في الاعتقال لأول مرة قبل أن يطلق سراحي، لأول مرة قررت أخرج من السودان. ليه؟ لأنه لما اعتقلت التقى معي جماعة الأمن وعلى رأسهم السيد صلاح قوش.

منصور: دة في المرة الثانية؟

الإمام: قبل أن يطلق سراحي. أنا بقول لك الذي أدخل في ذهني فكرة أنه يجب أن أخرج برة البلد. فقال لي كلام معناه أنه أنا سابقى في السجن ما دام حلفائي في الخارج قايمين بالعمل مع الحركة الشعبية. فقلت له يعني رهينة؟ قال لي أيوة. يعني قلت ليه زي آل حميد الدين اللي بيعملوا فيه قال لي أيوة. ما كان..

منصور: دة نظام الأئمة في اليمن زمان؟

الإمام: أيوة بيمسك الـ..

منصور: بيمسك العائلات والناس يحبسهم..

الإمام: عشان رهينة يعني، قال لي أيوة افهمها كدة. أنا في ذلك الوقت قررت أنه لازم أخرج..

منصور: من السودان.

الإمام: من السودان..

منصور: خرجت 96؟

الإمام: خرجت في ديسمبر 96.

منصور: رحت فين؟

الإمام: ارتريا.

منصور: آه العدو اللدود.

الإمام: أيوة ارتريا، وهناك في إرتريا  وجدت أن كل الأخوة في التجمع الوطني الديمقراطي هناك فصرنا نخطط للعمل.

منصور: عمل عسكري؟

الإمام: العمل كان سياسي عسكري وهذا فيه كان يقود جماعتنا ابني عبد الرحمن الصادق.

منصور: قعدتو لقدر ايه؟

الإمام: قعدنا لغاية 1999م، في 1999م..

منصور: (مقاطعاً) وقع الصراع بين البشير والترابي.

الإمام: أيوة، وقرر الترابي أن يلتقيني، ووسّط أو توسط في هذا اللقاء السيد كامل الطيب إدريس الذي كان مدير الوايبو.

منصور: إيه الوايبو؟

الإمام: الوايبو دي منظمة الملكية الفكرية في جنيف، هو قال لي إن الترابي قال له فلان مش حيجي.

منصور: فين حددتو ميعاد اللقاء؟

الإمام: في جنيف. أنا كنت متردداً إيه قيمة هذا اللقاء ولسة ما عارف أبعاد الخلاف..

منصور: بين البشير والترابي.

الإمام: بين البشير الترابي. لكن اتصل بي السيد عمر سليمان.

منصور: مدير المخابرات المصرية.

الإمام: وقال لي لا تذهب.

منصور: هو عرف إنه في لقاء؟

الإمام: إنه في لقاء زي دة. (قال) دول ناس غشاشين، لا تذهب.

منصور: طبعا كان في صراع بين المصريين وبين حكومة البشير استمر إلى الآن.

الإمام: نعم. كلامه هذا هو الذي جعلني أقرر أمشي، لأنه أنا ما بسمح لإنسان ياخد قرار لي، لذلك مشيت واتكلمنا مع الترابي.

منصور: ماذا دار بينك وبين الترابي؟

الإمام: الذي دار أنه هو لازم نتفق ولازم نـ..

منصور: (مقاطعاً) اعترف إنه أخطأ بدعم هؤلاء؟

الإمام: لم يعترف، هو ما بيتكلم يعني حتى اليوم لا يعترف بأننا أخطأنا.

منصور: لا اعترف لي في شهادته على العصر.

الإمام: كويس خلاص، لكن المهم لم يعترف علناً بيقول الحصل وبيعطوا أعذار يعني..

منصور: اعترف بكل أخطائه في شاهد على العصر وإن شاء الله تبث وتشاهد..

الإمام: أيوة لكن الكلام كان هو، يعني قالوا من ضمن الأسباب الغريبة قالوا الجيش كان عايز يخرجنا من الحكومة وعشان كدة نحن عملنا التحكم.

منصور: متى قررت العودة إلى السودان؟

الإمام: عندما اتفقنا بعدما حصل الكلام مع الترابي حصل اتصال بيننا، اتصلوا بنا جماعة البشير وطلب منا ان نلتقي أو اتفقوا معنا ان نلتقي في جيبوتي، وهناك في جيبوتي اتفقوا معنا على ما سميناه نداء الوطن، وفيه اتفقنا على حوار ينتهي إلى تحول ديمقراطي.

منصور: رجعت إلى السودان، وكان منصب الإمامة خالياً منذ وفاة عمك الهادي المهدي في مارس 1970م، والآن عملتوا انتخاب، مين اللي نافسك على منصب الإمام؟

الإمام: في عمي السيد أحمد يعتبر أن الإمامة وراثية لأبناء الإمام عبد الرحمن، هو يعتبر كدة، بينما هناك لكلام اللي جاء من والدي الإمام الصديق أن الإمامة تكون بالانتخاب. اللي حصل لما التفاوض حول نداء الوطن تم لما حصل هذا التفاوض، كُلّف السيد مبارك الفاضل أن يدير هذا الحوار مع النظام جاب هو من النظام عرض.

منصور: ما هو.

الإمام: بالمشاركة وبدون تغيير أساسي في الدستور. حزب الأمة رفض بالإجماع بمن فيهم مبارك، بالإجماع، رفض المشاركة ولكن في ذلك الوقت كان البشير حريصاً على المشاركة لأن هذا سوف يعوضه عن خروج جماعة الترابي.

منصور: هذا الذي أدى للانقسام في حزب الأمة؟

الإمام: وكان القذافي حريصاً جداً على أن حزب الأمة يدخل في الحكومة. فالسيد مبارك هذا اتفق مع البشير ومع القذافي على أن يُدعم وأنه يستطيع أن يجر حزب الأمة كله، وهذا الذي أدى إلى أنه خرج معه جماعة ولكن كل هذا البناء تهدم.

منصور: انت ايه تقييمك لستين عاماً من العمل السياسي والصراعات والأسرار التي كشفتها للمرة الأولى ولتفاصيل الانقلابات، وفترة الحكم بتاعك، وآمال الشعب السوداني التي ضاع كثير منها ووصل الأمر بالسودان إلى أن يقسم ويجزأ إلى دولتين رغم أن من أول الشهادة إلى آخرها ونحن نتكلم عن السودان الموحد والمحاولات المختلفة التي جرت في هذا الأمر.

الإمام: شوف، الرد على هذا السؤال (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)، أنا حاقول لك كلام واضح جداً، انقلاب الإنقاذ هذا أسوأ ما حصل للسودان وللإسلام لأنه ارتكب في رأيي الموبقات العشر.

منصور: ما هي الموبقات العشر؟

الإمام: الموبقات العشر: أولاً انقلاب عسكري بالخداع باعتبار انه كما قال الشيخ الألباني الانقلاب العسكري شيء خارج عن نظام الإسلام. ثانياً: تشويه الإسلام نفسه لأنه ربط الإسلام بالاستبداد الفاشستي. ثالثاً: اساءة التطبيق، التطبيق الذي فيه انك تطبق عقوبات على مجتمع ليس فيه أي ضمانة إسلامية ولا فيه عدالة ولا ولا.. أنه البيعة، عملوا البيعة للنظام بعد سنة من ممارسة السلطة. بعدين الاقتصاد: قالوا نحن قمنا بالانقلاب عشان الدولار حيبقى 20 جنيهاً، الدولار دلوقتي تسعة ألف وخمسمائه جنيهاً. النزوح، السودانيون نزحوا من البلد لغاية دلوقتي 13 مليون. الـ 13 مليون هؤلاء.

منصور: خلال فترة الإنقاذ فقط؟

الإمام: نعم، 90% منهم خلال هذه الفترة. فصل الجنوب، نعم فصل الجنوب كانت هناك بذرة له لكن فصل الجنوب في الوضع الحالي مسؤولية النظام. حريق دارفور، دارفور قبل هذا النظام ما كان فيها ولا بندقية واحدة ضد السلطة المركزية. حروب المنطقتين: في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هذا سوء تطبيق للاتفاقية. تبديد أموال البترول، أصلا هذا البترول كانت اكتشفته شيفرون ولكن لم تستغله هم استغلوه، لكن الأموال التي جاءت منه هناك من يقول 80 من يقول 70 مليار دولار بددت في كلام فارغ، أبراج، تضاعف الصرف الأمني..

منصور: 80 مليار دي تبني بلد من الصفر.

الإمام: مش كدة؟ سبعة مرات تضاعف الصرف. الوحدات الإدارية عشان يستخدموها للقهر تضاعفت 1800 مرة. مؤسسات الدولة القضاء وكلها قضي عليها.. ودلوقتي..

منصور: طيب..

الإمام: حأكمل ليك العشرة..

منصور: أخطاءكم أنتم السياسيين كم هي؟

الإمام: ما تقول أخطاء السياسيين، هذه  أخطاء هؤلاء المجرمين.

منصور: وانتو برضه غلطتوا.

الإمام: ما تقول انتو برضه غلطتوا، ما قلت ليك غلطنا ذكرناه، لكن هذه جريمة غير مسبوقة في إساءة للإسلام وإساءة للسودان. بعدين قاموا تدمير مؤسسات الدولة الآن العمل الدفاعي تقوم به مليشيات قبلية في تهميش للقوات المسلحة السودانية.

منصور: وانت قلت الكلام دة وحاكموك عليه.

الإمام: بعدين الآن السودان ملاحقة قيادته دولياً كمجرمين، هذه لأول مرة في تاريخ السودان، ما في حاجة زي دي.

منصور: كيف تنظر لمستقبل السودان بعد ستين عاماً. يعني أنا الحقيقة الستين سنة دول عشتهم، ما كنتش بنام وكنت بنام أحلم بالسودان وبالانقلابات وبالسجون وبكل شيء.

الإمام: أقول لك. السودان واعد للغاية. المنطقة كلها في رأيي ستواجه مشكلة حقيقية.

منصور: ما هي؟

الإمام: هي ضرورة أن يقوم الحكم على المشاركة، ضرورة أن تقوم التنمية على أساس فيه توفيق ما بين الأصل والعصر: ضرورة فكرية، ضرورة أن تتم عدالة اجتماعية، ضرورة أن تحترم الكرامة الإنسانية، ضرورة أن يكون النظام قابلا لأن يوفر الضرورات وأن يكون مستقلاً في التعامل مع الآخر الدولي.

منصور: باختصار كيف تنظر إلى مستقبل ثورات الربيع العربي والتغيرات القائمة في دول المنطقة؟

الإمام: انا اعتقد ثورات الربيع العربي أصلاً كانت ضرورية، وسيظل التطلع للتغيير موجود طالما مافيش مشاركة، مافيش عدالة، مافيش تنمية ما فيش كرامة في التعامل مع الآخر، ولكن هذا يحتاج إلى تحضير لأن الثورات هذه تمت بدون تحضير كافٍ للبديل، وبدون كوادر مستعدة لتقديم البديل، وفي رأيي ستأتي موجة..

منصور: ثورية جديدة..

الإمام: نعم، تحقق التغيير بتحضير أكثر للبديل.

منصور: الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار، رئيس الوزراء الأسبق، زعيم حزب الأمة أرهقتك إرهاقاً شديداً وأنا أكثر منك إرهاقاً وتعباً أيضاً.

الإمام: بس أنا عايز أقول ليك كلمتين.

منصور: تفضل.

الإمام: الأولى أنني أنا الآن في ناس محتارين لماذا أنا قاعد برة السودان، أنا قاعد برة السودان لأنه عندي أربعة أجندات.

منصور: ما هم؟

الإمام: في خلاصة بسيطة. عايز أجمع كلمة المعارضة السودانية في اتجاه ممكن أن يجد للبلاد مخرجاً سلمياً. وفي ناس كثيرين جداً بيفتكروا أنا ليه عايز مخرج سلمي؟ انا مش لأنه أقل من الناس مرارة ولكن لأنه اعتقد أنه الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس هم أفضل، ثم أنا عايز أنقذ هؤلاء الفي السلطة أنفسهم.

منصور: ثانياً؟

الإمام: ثانياً أنا رئيس المنتدى العالمي للوسطية هذا المنتدى ممكن يكون هو المفاعل لأفكار تجسر الهوة بين التيارات المختلفة. ثالثاً أنا مع نادي مدريد ونادي مدريد هذا مائة..

منصور: رئيس دولة ورئيس حكومة منتخب سابق..

الإمام: أنا عايز اعمل وحنعمل مؤتمر نبحث فيه الآتي أسمعوا إلى موقف الإسلام الصحيح واعلموا أن  الإسلام الصحيح كذا وكذا، ورابعاً وأخيراً أنا عضو في المجلس العربي للمياه، وهذا المجلس العربي للمياه أنا فيه مع أني مش مهندس مياه لأني كتبت كتابا عن..

منصور: مياه النيل الوعد والوعيد..

الإمام: ولذلك أنا ساعي عشان نعمل عبر هذا المجلس إزالة المواجهة ما بين دول المجرى والمصب ودول المنبع، وفي رأيي هذا ممكن يحصل، لازم يحصل، لأنه إذا ما حصل حيكون الوعيد المسيء لنا جميعاً.

منصور: الإمام الصادق المهدي أشكرك شكراً جزيلاً على هذه الشهادة المطولة وعلى صبرك عليّ طوال هذه الفترة وعلى الجهد الذي بذلته معي حتى تظهر هذه الحقيقة أو هذه الحقائق إلى الناس.

الإمام: أنا في رأيي أنت تقدم لنا جميعاً خدمة كبيرة لأنه نحن عادة لا نحب أن نتحدث عن أنفسنا.. وللأسف هذا على حساب.

منصور: وهذا ما لاحظته انت كتبت 50 كتاب ما كتبتش عن نفسك حاجة.

الإمام: أيوة، وهذا للأسف

منصور: وأرهقتني في البحث عن سيرتك وحياتك.

الإمام: وهذا للأسف سببه نوع من الحياء، أن الناس إذا عندك عيوب فحقك حسب (الثقافة أن) تسترها وإذا عندك محامد ألا تتكلم عنها لأنه ولا تزكوا أنفسكم. المهم عشان كدة الخواجات في الحتة دي أحسن مننا، أي واحد يدخل في تجربة يكتب مذكراته. أنت تساعد ثقافتنا بأن تزيل بعض هذا النقص بهذه الشهادات، وأنا أعتقد أنها ستكون جزء من التاريخ الحي لمن تقدمهم للمستمعين والمشاهدين باللغة العربية.

منصور: أشكرك شكراً جزيلاً وأتمنى أن أكون كذلك وأن ينتفع الناس بما أقوم به، وأن يجعله الله في موازين أعمالي أولا وأخيراً.

الإمام: آمين..

منصور: شكراً جزيلاً، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، حتى ألقاكم في حلقة قادمة مع شاهد جديد على العصر. هذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي