ضرورة الحوار العربي الأوربي وضآلة نتائجه

بسم الله الرحمن الرحيم

ضرورة الحوار العربي الأوربي وضآلة نتائجه

19 مارس 2005م

 

إن للحوار العربي الأوربي مبررات قوية تاريخية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية، وجيوسياسية، كما أن لهذا الحوار أهدافا صائبة لتحقيق منطقة مشتركة للسلام، والاستقرار، والتنمية، والوفاق بين الشعوب وثقافاتها، وأديانها ومصالحها.

مع ذلك، فإن نتائج الحوار العربي الأوربي متواضعة أشبه ما تكون بمشروعات التضامن العربي الشهيرة بوثائقها، الشحيحة بواقعها. فما الذي يفسر ضآلة نتائج الحوار العربي الأوربي مع أهميته ومع حرص أطرافه عليه؟

أولا: النظم غير الديمقراطية تحرص على الدخول في اتفاقيات كوجه من وجوه العلاقات العامة ولكنها لا تستطيع أن تلتزم باتفاقيات قد تسبب تراخيا في القبضة الأمنية، أو قد تنطوي على اجتهاد سياسي يخرج على مرجعياتها السياسية الجامدة.

ثانيا: هنالك قضايا إقليمية متفجرة والحوار يدور حولها ولكنها تؤثر على جدواه أهم تلك القضايا في:

  • حوض الأردن.
  • حوض دجلة والفرات.
  • حوض الخليج.
  • حوض البحر الأحمر.
  • حوض النيل.

ثالثا: الحوار العربي الأوربي الحديث انطلق من إعلان برشلونة عام 1994م، وفي هذه الأثناء تغير الموقف الدولي من الحرب الباردة ( 1948 – 1989lم) إلى القطبية الواحدة. كانت القطبية الواحدة في البداية معتدلة ولكن أحداث 11/9/2001م أعطتها أجندة هجومية، أحادية، استباقية ذات تأثير كبير في المنطقة دارت حول أربعة محاور: حرب أفغانستان، وحرب العراق، والحرب العالمية ضد ” الإرهاب ” المعرف بصورة فضفاضة ليشمل حركات التحرير، وبروز الأجندة المشتركة الأمريكية الإسرائيلية.

هذه التطورات فرضت آثارها على كل أحوال المنطقة:

 في وادي الأردن: حاولت إسرائيل إبداء رؤيتها للسلام. وتصدت لها المقاومة الفلسطينية ووقع استقطاب حاد تزامن مع خوض الولايات المتحدة وحلفائها حرباً على العراق أدى إلى احتلالها وإسقاط نظامها الحاكم. وفي محاولة لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط أعلن عن خريطة طريق رباعية للسلام في مايو 2004م برعاية الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وروسيا، والأمم المتحدة، خريطة الطريق ولدت ميتة لأن إخراجها في قمتي شرم الشيخ والعقبة غيب ثلاثة من رعاتها مبقياً على الراعي الأمريكى وحده، ولأن ركنين من أركان عملية السلام هما سوريا ولبنان لم يحضراها ولأن الجانب الفلسطيني مثله رئيس وزراء قدم كأنه محل ثقة أمريكا وإسرائيل لا أهل فلسطين، ولأن المبادرة أوجبت وقف إطلاق النار، ووصفت الطرف الفلسطينى المعني بذلك إرهابيا.

أجهضت خريطة الطريق واتصل التصعيد بين ما تمليه إسرائيل من جانب واحد وترفضه المقاومة، إلى أن غيب الموت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004م.

وأجريت الانتخابات الفلسطينية وانتخب السيد محمود عباس رئيسا، وأعقب ذلك طائفة من الإجراءات التي أطلقت أملاً بإحياء عملية السلام، ولكن الأمر كله ما زال بين بين.

وفي وادي الرافدين:    سممت الحرب العراقية المختلف عليها المناخ الدولي، ونشأ استقطاب داخلي بين مهادني الاحتلال ومقاوميه، واستقطاب دولي بين الولايات المتحدة وحلفائها، والاتحاد الأوربي – ما عدا بريطانيا وسائر من تحالفوا مع الولايات المتحدة- وحلفائه.

بعد احتلال العراق عسكرياً واجه التحالف بقيادة الولايات المتحدة داخل العراق معارضة مدنية، ومقاومة مسلحة، وجبهة عراقية مع حركات الغلو الإسلامي. وقدرت الولايات المتحدة أن هذه المواجهات تجد سنداً من التحالف الإيراني السوري اللبناني فصعدت موقفها ضد إيران في أمر برنامجها النووي مطالبة بإحالة الأمر لمجلس الأمن، وضد سوريا مما أدى لإصدار مجلس الأمن للقرار 1559 لجلاء القوات السورية من لبنان والأجهزة الأمنية السورية، ونزع سلاح الميليشيات.

في لبنان تيار وطني يعلن أن دور القوات السورية قد اكتمل وبموجب اتفاق الطائف ينبغي انسحابها من لبنان. وهناك تيار آخر يرى ضرورة استمرارها في لبنان ما دامت الحرب مع إسرائيل مستمرة. الموقف الأول تدعمه قوى لبنانية كبيرة، وصار رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري رمزاً له، والموقف الثاني تدعمه قوى لبنانية أخرى يرمز لها رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود.

وفي 14 فبراير اغتيل الرئيس الحريري ففجر موقفاً واسع الاستقطاب السياسي في لبنان بين من اتهموا سوريا بتدبيره أو على الأقل العجز عن حماية الشهيد، ومن اتهموا اسرائيل بذلك. أدى هذا الموقف لتصعيد مشترك أمريكى – فرنسي لإجبار سوريا على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 وإلى مساجلة جماهيرية بين اللبنانيين حشد طرفاها حشوداً شعبية ضخمة لدعم موقفيهما.

–  العامل الثالث المؤثر على المناخ السياسي والدبلوماسي في المنطقة هو:

الموقف من الملف النووي الإيراني ما بين الأسلوب الأوربي الناعم لإقناع إيران بالعدول عن تخصيب اليورانيوم، والأسلوب الأمريكي الخشن لإجبارها على ذلك.

هذه العوامل الثلاثة خلقت مناخاً سياسياً ودبلوماسياً مثبطاً للحوار العربي الأوروبي.

رابعا: لا يمكن للحوار العربي الأوربي أن يفلت من تأثير السياسات الأمريكية في المنطقة.

لا شك أن ثمة رؤى غربية مشتركة بين الولايات المتحدة وأوربا. ومع ذلك فإن بينهما فوارق واضحة، أهمها أربعة: سياسات أمريكا الدولية أكثر طوباوية، وأكثر أحادية، وأكثر كونية، وأكثر انحيازا للوبيات الصهيونية.

والسياسات الأوروبية أكثر براجماتية، وأكثر تعددية، وأكثر إقليمية، وأقل انحيازا.

خامسا: كانت الولايات المتحدة مصدراً هاما في التاريخ الحديث لحقوق الإنسان وللنمط الديمقراطى إذ سبقت الثورة الفرنسية في ذلك وأثرت فيها وبادرت بمبادىء ولسون بعد الحرب الأطلسية الأولى وبادرت بالمبادىء التى أقامت نظام الأمم المتحدة بعد الحرب الأطلسية الثانية.

أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فإن حرصها على أمن البترول وعلى أمن اسرائيل جعلها تركن لتحالف مع دول غير ديمقراطية في المنطقة.

أحداث 11 سبتمبر 2001 غيرت الموقف الأمريكي من الديمقراطية، لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأمريكي اعتبرت أمريكا أن غياب الديمقراطية في المنطقة يخلق توتراً حاداً بين الحكومات وشعوبها وأن قوى احتجاج شعبية مؤثرة تستهدف باحتجاجها العنيف الولايات المتحدة لأنها الكفيل المساند للنظم غير الديمقراطية، وبدا للولايات المتحدة أن النظم غير الديمقراطية تدعم شرعيتها بالتركيز على النزاع العربي الإسرائيلي.

لذلك أطلقت الولايات المتحدة مبادرة الشرق الأوسط الكبير وفي لقاء “سى ايلاند” في يونيو 2004 انطلقت مبادرة الدول الثمانية. وفي ديسمبر 2004 عقد لقاء الثمانية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فأفضى إلى تكوين منبر الشراكة من أجل المستقبل لتعزيز التحول الديمقراطى والتعاون التنموى.

هذه الآمال والتطلعات والبرامج يهددها أمران:

الأول: حدة الاختلافات حول الأزمات الإقليمية لاسيما النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، والمشهد العراقي، وأمن الخليج، وحرب “الارهاب”.

الثاني:هذه البرامج تتعامل مع الطرف العربي ممثلاً في الدول العربية وحدها مع دور خافت مواز لبعض منظمات المجتمع المدني. والموقف الرسمي العربي أحرص على المحافظة على الأوضاع كما هي لا تغييرها.

سادسا: ليصبح الحوار مثمراً ـ المطلوب تمييز الموقف الشعبي المدني العربي من المواقف الرسمية، وتمييز الموقف الأوربي من الأمريكي، وتأثير هذين التطورين على منبر الشراكة من أجل المستقبل.

سابعا: الحوار العربي الأوربي ضروري وأهدافه صائبة ولكنه مشلول بسبب عدم التكافؤ بين دول ديمقراطية وأخرى أوتوقراطية، وغياب الشعوب العربية عن الحوار، وتأثير النزاعات الإقليمية، وتأثير السياسات الأمريكية.

ولكى يصبح الحوار مثمراً ينبغى الآتي:

–  أن يخرج الموقف العربي من حالة التشتت التي يعاني منها. ومن حالة الاستقطاب الرسمي الشعبي إلى حالة فيها توافق بين الشعوب وحكوماتها.

–  أوربا حققت إنجازاً تاريخياً باتحادها وبدستورها، والمطلوب أن يستقل موقفها الدولي من أجندة الصقور في الولايات المتحدة أو جر أمريكا بعيداً عن تلك الأجندة. والمطلوب كذلك أن لا يحصر الأوربيون علاقاتهم العربية في إطار الحكومات العربية دون مشاركة للشعوب. ينبغي أن يكون الحوار ذو ثلاثة أضلاع: ضلع أوربي، وضلع عربي رسمي، وضلع عربي شعبي مدني.

إذا توافرت هذه المقومات فإنها سوف تؤثر تأثيرا إيجابياً في نتائج الحوار العربي الأوربي والعكس بالعكس.