خطبة عيد الفطر المبارك 31 أغسطس 2011م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولله الحمد

خطبة عيد الفطر المبارك

الثلاثاء غرة شوال 1432هـ  الموافق 31 أغسطس 2011م

الخطبة الأولى

اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر

 

الحمْدُ للهِ الوالِي الكريمِ والصلاةُ على حبيبِنا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ مع التسليمِ، وبعدـ

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

انقضى شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فيه الصيام والقيام والوصال الاجتماعي وزكاة الفطر وهي خمسة جنيهات عن كل فرد من ذكر أو أنثى لسد حاجة الفقراء والمساكين. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ووفقنا لمكارم الأخلاق على هدي  (خُذ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). أنوار هذا الدين شقت ظلام الوثنية والغارات القبلية بنور الله وهداية الإسلام. واليوم الإنسانية قوية بكل أدوات التفوق المادي ولكنها متعطشة لجرعة روحية لا يرقى لبذلها إلا الإسلام لأنه:

  • دين توحيد خالص غير مخلوط بأوشاب.
  • لأنه يوفق بين حقائق الوحي ومدارك العقل.
  • لأنه يشبع الجوع الروحي ويخاطب العدل الاجتماعي.
  • لأن قرآنه هو النص المقدس الوحيد المتفق على متنه.
  • ولأن رسوله هو الوحيد بين الأنبياء الذي ظهر في وضح التاريخ فلا خلاف حول تاريخيته.
  • ولأن رسوله نجح في عالمين هما تأسيس الدين وبناء الدولة.

لذلك صار الإسلام القوة الثقافية الأكبر في العالم والحائز على رأس المال الاجتماعي الأكبر في البلدان الإسلامية. لذلك يتمدد الإسلام سلمياً في كل القارات. ولذلك حيثما نالت الشعوب حريتها عبرت عن أشواقها الإسلامية.

في هذا المناخ انطلق مفرّطون يعاكسون موجة التاريخ ويقولون بإبعاد الدين عن السياسة شرطاً للحاق بالعصر والتنمية البشرية. وفي المقابل انطلق مفرِطون يغالون في التعبير عن النهج الإسلامي ينفون أية قيمة في الملل الأخرى ويكفّرون من يخالف مذهبهم من المسلمين. هؤلاء التكفيريون لم يسمعوا: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ). ولم يسمعوا الرجاء في أهل الكتاب: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ).

هؤلاء المهووسون لا يدركون أن ثلث المسلمين يعيشون ضيوفا في بلدان غير إسلامية ولا كفالة لحقوقهم إلا في إطار حقوق الإنسان ما يضمن لهم أمنهم ويكفل للإسلام مزيداً من الانتشار.

هؤلاء المهووسون يرون أن الإسلام قد انتشر بالسيف ويرون أن من ينكر ذلك إنما ينكر فضيلة الجهاد. غاب على هؤلاء أن للجهاد معاني كثيرة وأنه لا يكون قتالياً إلا دفاعاً عن النفس أما الجهاد الفاتح هو الجهاد المدني الذي عناه الحق سبحانه بقوله عن القرآن: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).

أما مقولة: إبعاد الدين عن السياسة فأحلام خياليين لأن الدين مخالط للحياة ولم يفلح الذين حاولوا إبعاده. فكل البلدان حتى التي تعلن العلمانية تشهد تداخلا بين الدين والدولة، والدين والسياسة.

في وجه دعاة التفريط نقول إننا ندعو إلى الله بالتي هي أحسن ونوفق بين مرجعية الإسلام والمساواة في حقوق المواطنة. ونقول للتكفيريين إن نهجهم الإكراهي يناقض سماحة الإسلام وقد كانت التجربة السودانية الراهنة خير برهان على خطل التطبيق الإسلامي عن طريق احتلال المجتمع بالانقلاب العسكري. وقديما سُئل الإمام الألباني عن شرعية الانقلابات العسكرية فقال: (هذه الأفعال لا أصل لها في الإسلام وهي خلاف المنهج الإسلامي في تأسيس الدعوة وإيجاد الأرض الصالحة لها وإنما هي بدعة كافرة).

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

إن عهد الاستيلاء على الحكم بالانقلاب وحكم الفرد وتحكم حزب في مؤسسات الدولة وتسخير الأمن والإعلام والاقتصاد له قد ولى ليخلفه فجر جديد معالمه المشتركة في كل الأوطان العربية والإسلامية، تتطلب:

  • فكراً يوفق بين التأصيل والتحديث.
  • ونظاماً سياسياً يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
  • ونظاماً اقتصادياً يحقق الكفاية والعدل ومستقبلا واعدا لشبابنا.
  • ونظاماً يقيم العلاقات البينية العربية، والأفريقية، والإسلامية على أساس وحدوي.
  • ويقيم العلاقات الدولية على الندية والمصالح المشتركة بلا تبعية.

هذه هي معالم الفجر الجديد الذي ننادي به لبلادنا ولسائر البلدان الشقيقة. إنها دعوة تقوم على معرفة الواجب والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما.

دعوة الإمام المهدي عليه السلام في السودان فتحت طريق الإحياء الإسلامي بالتخلي عن الالتزام باجتهادات الأقدمين.وجعلت وظيفة الهداية مستمرة تحقيقا للوعد الحق: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ). وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ). مهديتنا هي وظيفة إحياء الدين في كل زمان ومكان على نحو مقولة صاحبها: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين.

 

الخطبة الثانية

اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

 

بلادنا تقف على شفا حفرة مفرداتها:

  • أصابها تطبيق فوقي للإسلام أدى لانقسام في الجسم الإسلامي. واستعدى غير المسلمين فاستنصروا بالخارج وقامت لهم مراكز تدعمهم ووقع انقسام حاد في الجسم الوطني.
  • وانفصل الجنوب لدولة غالباً عدائية.
  • وتأزم حريق دارفور تؤججه أربعة عوامل أفرزتها سياسات خاطئة في السودان هي: الإثنية المسيسة- وتعديات على حقوق الإنسان- والمأساة الإنسانية بنزوح ولجوء نحو ثلاثة ملايين من سكان دارفور- وتدويل للشأن السوداني في دارفور تجسده قوات دولية وقرارات مجلس الأمن ضد حكومة السودان-.
  • اتفاقية السلام المسماة شاملة تكشفت عيوبها لا سيما في أمر المناطق الثلاث المستثناة أي أبيي- وجنوب كردفان- وجنوب النيل الأزرق فصارت هذه المناطق جبهات قتال فعلي أو منتظر.
  • سياسات اقتصادية خاطئة وسعت بصورة ورمية المصروفات على القطاعات غير المنتجة الأمنية، والإدارية، وصفت دولة الرعاية الاجتماعية، وبددت إيرادات البترول في أولويات خاطئة محققة كل العلل المعروفة من لعنة البترول والمرض الهولندي والنتيجة: ميزانية داخلية وخارجية معجزة، وانكماش في القطاعات المنتجة، وتفشي العطالة، وانفجار الأسعار بصورة جعلت حياة أغلبية الشعب مستحيلة. أسعار اليوم أشعلت النار في كل الجيوب إلا جيوب قلة من الناس، لقد زادت أسعار السلع الاستهلاكية التي يعتمد عليها المواطن في معاشه اليومي بصورة مفزعة كالسكر والشاي والزيت هذا بالإضافة إلى التردي في الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء في عدد من المدن الكبيرة بالبلاد.
  • تغريب الشأن السوداني كله بحيث صارت كل قضايا السودان تبحث وتبرم في الخارج.

هذه الأزمات الست تحاصر نظام الحكم في السودان.

الحزب الحاكم يدرك الحاجة لإصلاح سياسي ولكنه يريده إصلاحاً محدوداً يواصل نفس السياسات التي أوصلت البلاد لما هي عليه الآن وبنفس الملاحين مع تعديلات بسيطة. إن نفس السياسات ونفس القادة لن يستطيعوا حل الأزمات حتى إذا أشركوا معهم أشخاصاً آخرين.

خيار آخر يطرحه معارضون يهدف إلى الإطاحة بالنظام الحالي وهو شعار ممكن التحقيق لأن الأزمات صارت عامة ولأن جبهة المعارضة صارت واسعة. ولكن هذه الإطاحة لن تكون مثلما كانت في أكتوبر 1964م، وفي أبريل 1985م بل في حالة وجود أحزاب مسلحة في الساحة السياسية فإن الفصائل المسلحة سوف تفرض رؤيتها بقوة السلاح على قياداتها السياسية. وهذا الخطر وارد ما لم يسبق قيام نظام جديد يفرج أزمات الوطن.

في ظروف احتقان مماثلة أقدم الفريق إبراهيم عبود على إجراء حوار وطني مع معارضيه في أكتوبر 1964م فاتفق الجميع على تلبية مطالب الشعب. وفي كثير من بلدان أمريكا اللاتينية حدث استقطاب حاد بين النظم الحاكمة ومعارضيها فأقدمت النظم على محاورة معارضيها واتفقوا على مخارج ديمقراطية للأزمات الوطنية كما حدث في تشيلي والأرجنتين.

والآن في السودان ينبغي أن يدرك النظام الحاكم أنه قد أخفق في تحقيق مقاصده: لم يقم نظاماً إسلامياً مجديا، ولم يحافظ على وحدة السودان، ولم يحقق السلام؛ ويواجه الآن تأزماً اقتصادياً كاسحاً وعزلة دولية شاملة. إذا أدرك قادة النظام هذه الحقائق فلا مفر من التخلي عن نظم وسياسات فاشلة والإقدام على إقامة نظام جديد تجاوبا مع التطلعات الشعبية ومواكبة للفجر الجديد الذي تتطلع إليه الشعوب العربية.

خلاصة الفجر الجديد هي:

  • لا لحكم الفرد.
  • لا لدولة الحزب.
  • لا لإعلام طبال.
  • لا لأمن جلاد.
  • لا لاقتصاد المحاباة والفساد.

وفي ظروف بلادنا يقوم النظام الجديد على ثمان:

  • دستور جديد لسودان عريض.
  • علاقة توأمة خاصة مع دولة جنوب السودان. فدولتا السودان يمكن أن يدعما بعضهما بالوعي أو يقوضا بعضهما بالجهل.
  • حل قومي لأزمة دارفور بموجب إعلان المبادئ العشرة.
  • حل فوري لمناطق التأزم الثلاث: جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وأبيي.
  • إجراء إصلاح اقتصادي جذري.
  • كفالة الحريات العامة.
  • التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية بما يوفق بين العدالة والاستقرار.
  • إقامة حكم قومي يحرر أجهزة الدولة من هيمنة الحزب، وإعادة هيكلة أجهزة الدولة من الرئاسة إلى آخرها لكفالة قوميتها.

هذه هي الأجندة الوطنية التي نحاور بها كافة الأطراف ونرجو أن تكون بديلا لنظام فاشل وأن تكون وقاية من نظم تقيمها مغامرات غير محسوبة العواقب.

ونقول لقيادة الحزب الحاكم لقد انفردتم بأمر السودان لأكثر من عقدين وبشأن الإسلام وها هي النتيجة التي لا يختلف اثنان في سوئها وفي أنها تتيح لأعداء الوطن تحقيق مقاصدهم لتدميره وتدويله. ومع ذلك نحن لا نسعى لعزلكم، ولا لملاحقتكم، بل لهندسة نظام جديد تشتركون فيه على أساس قومي يوقف السقوط في الهاوية ويدرأ البدائل التي لا تؤمن عواقبها.

وفي هذا المجال نكرر التهاني للشعب الليبي على ما حققت ثورته، ونرجو أن تسارع القيادة الجديدة بإبرام مصالحة وطنية وإجراء مساءلات عادلة، ورسم خريطة طريق نحو تحول ديمقراطي، ونوصيكم بضيوف ليبيا من أشقائكم لا سيما السودانيين. يا ثوار ليبيا الأحرار تجنبوا النزعة الانتقامية الحمقاء كما حدث في العراق، ورحبوا بتعاون كل العناصر العاقلة من النظام السابق، فالنزعة الانتقامية تخلق ردود فعل غاضبة. وسارعوا بطي الدور الأجنبي المساند لأن الشرعية لا تكون إلا بالسواعد الوطنية.

ونناشد كافة الدول العربية والإفريقية التي ما زالت تواجه استقطابا بين الحكام والمعارضة الشعبية إجراء تفاوض جاد لوضع خريطة طريق نحو مستقبل ديمقراطي. فعهد الاستبداد احتلال داخلي ولى مثلما ولى قبله الاحتلال الخارجي.

اللهم بارك لنا في عيدنا، وارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا، واهدنا واهد أبناءنا وبناتنا. اللهم اجعل لنا من كل هم أصبحنا أو أمسينا فيه فرجا ومخرجا، وخذ بيد وطننا المأزوم ليتجاوز معاناته نحو الصلاح، والنجاح، والفلاح، آمين.