فلسطين بين وعد بلفور والوعد الإلهي بقلم الحبيب الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة

المؤتمر العالمي لعلماء المقاومة

تحت عنوان : (فلسطين بين وعد بلفور والوعد الإلهي)

“معاً نقاوم معاً ننتصر”

 

1-2 نوفمبر 2017م- بيروت

 

مقدمة:

نتيجة للحرب الأطلسية الأولى (1914-1918م) خططت الحكومتان البريطانية والفرنسية لتقسيم تركة الخلافة العثمانية في الشرق الأوسط، ما أدى لاتفاقية سايكس بيكو، وكان الالتزام بوعد بلفور بوطن لليهود في فلسطين، الوعد الصادر في 2/11/1917م، جزءً من ذلك التقسيم.

1. كانت هنالك عوامل إستراتيجية لا مجرد تعاطف مع اليهود وراء هذا الوعد، أهمها:

‌أ) استمالة يهود أوربا لجانب الحلفاء.

‌ب) الشعور بما لليهود من قدرات إبان الثورة الروسية، والحرص على كسب تأييدهم..
ولكن كالعادة في كل ظروف الاستعلاء الإسرائيلي فإن عدداً من اليهود بعيدي النظر اعترضوا على الوعد، أهمهم: ادوين مونتاغيو (وزير الدولة لشؤون الهند)، وقريبه هربرت صموئيل، وروفوكس إيزاكس (لورد ردينج)، اعترضوا على إصدار الوعد بحجة أن اليهودية ديانة لا قومية.

‌ج) ولكن ما رجح إصدار الوعد أن الدولة اليهودية سوف تكون حصان طروادة لصالح النفوذ الإمبريالي في المنطقة العربية. إجراء من شأنه تدمير السلام الإقليمي في المنطقة. هذا ما قاله المؤرخ الأمريكي مايكل أورن في كتابه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من 1776م حتى الآن. قال: “النقاد منذ الحرب العالمية الأولى وبعدها أنذروا أن الدعم الأمريكي لقيام دولة يهودية سوف ينتج حروباً لا تنتهي، وسوف يدمر علاقات أمريكا بالعالم الإسلامي”[1]. وقد صح الاستنتاج، واندلعت الحروب، وكان لهذه السلسلة من الحروب أثراً مهما في التوتر، والغلو والإرهاب في المنطقة.

قال غراهام فوللر في مجلة الشؤون الخارجية عدد يناير/ فبراير 2008م: المنطقة زاخرة بهجمات انتحارية، وسيارات مفخخة، واحتلالات عسكرية، ومقاومات نضالية، وأعمال شغب، وفتاوى، وأعمال جهادية، وحروب عصابات، وأشرطة فيديو تهديدية، وهجمات 11 سبتمبر بحد ذاتها.. هذه الأنشطة نسبت للإسلام. ولكن حتى إذا كان سكان هذه المنطقة غير مسلمين فإن ما فعلنا بها وبأهلها سوف يؤدي لنتائج مماثلة.

لم يعد هناك خلاف في أن وعد بلفور وتنفيذه كان كارثة في المنطقة، وسبباً في تدمير الأمن والسلام الدوليين. وكما قال ارنولد توينبي إن ضحايا المحرقة عندما أقاموا دولتهم شرعوا يمارسون نفس تلك المظالم على الفلسطينيين.

وفي ذكرى المحرقة عام 2016م قال الجنرال يائير قولان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إن جلدي يقشعر عندما أشهد مفردات المحرقة في أوربا تتكرر في بلادنا.

2. نعم هناك يهود على سنة أنبياء بني إسرائيل يخطـّـئون الغطرسة والظلم الذي يمارس في أوساطهم. مثلاً:

قال إزايا برلين، وهو يهودي: إن إسرائيل سوف تمضي منتصرة نحو الهاوية.
وكان سيمور هيرش هو مؤلف الكتاب الذي كشف عن ترسانة إسرائيل النووية وهو يهودي.
وكان نورمان فنكشتاين اليهودي هو مؤلف كتاب المتاجرة بالمحرقة.

ولكن في المقابل فإن الطبقة الحاكمة في إسرائيل تمارس غطرسة فريدة جعلت رئيس حكومتها يتحدى الرئيس الأمريكي السابق في عقر داره، ويتعامل مع الرئيس الحالي كمرشد سياسي، يدعمه في ذلك لوبي واسع النفوذ في أمريكا، كما كشف الأستاذان ستيفن والت وجون مير شايمر في كتابهما عن سطوة اللوبي الإسرائيلي في توجيه سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إنه لوبي تدعمه حقائق موضوعية تجعله يؤثر على الحياة السياسية والانتخابية بدليل أنه ومع أن نسبة اليهود في أمريكا 2%، لكن:

– 16 من أغني 40 أمريكي يهود.
– 20% من أساتذة الجامعات الكبيرة كذلك.
– 40% من الشركاء في الشركات القانونية الكبيرة.
– وكذلك النفوذ في البنوك وفي أجهزة الإعلام، إذ قال لي وليام فلبرايت في نيويورك وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس: أنا لا أضمن أن تنشر أقوالي في الإعلام.

هذه هي حالة الغرور والغطرسة الظالمة التي وصفها ازايا برلين بالاندفاع منتصرة نحو الهاوية. والحديث القدسي: “الْكِبْرِيَاءُ لِي وحدي من شاركني فيه قصمته”.

بعد كل هذه المآسي، مدهش جداً، ومستفز أن تقرر رئيسة وزراء بريطانيا الاحتفال بذكرى قرن على وعد بلفور:

لِكُلِ شيءٍ دَواءٌ يُستَطَبُ بِهِ إلا الحَمَاقَةَ أعيت من يُداويها

3. قال تعالى في سورة الإسراء الآيات: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)[2]. ثم الآية الخامسة، فالسادسة والسابعة، فالثامنة ونصها: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا). الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، والمعنى أنكم إذا أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها، قاعدة متكررة. والنتيجة: إن عدتم للإفساد عدنا.

كان موسى عبداً شكوراً آتاه الله الكتاب وجعله هدىً لبني إسرائيل، وأوصاهم بالتمسك به، ولكنهم نقضوا الوصية. وتاريخياً عادوا للفساد وتعرضوا للبطش، ثم عادوا لقوتهم أكثر من مرة. نذكر منها: كانوا في نعيم وأفسدوا فغزاهم الآشوريون في القرن الثامن قبل الميلاد. ثم عادت لهم قوتهم وفرطوا فغزاهم نوبخت نصر ملك بابل في القرن السادس قبل الميلاد ونسف دولتهم ونفى أكثرهم لبابل. وأعادهم لفلسطين ملك الفرس كورش الذي أطاح ببابل، وأعادوا دولتهم، ولكنهم عادوا للغطرسة. وكانت آخر ضربة بطشت بهم على يد الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي.

هذه قصص شعب مميز ولكنه لا يحتمل النعم فيدركه وهم الاستعلاء. المكانة العليا دائماً تتطلب التزاماً أخلاقياً فإن أصاب أهلها الغرور والاستعلاء تسقط. المثل الإنجليزي يقول: العجب يسبق السقوط.

وفي ألمانيا قبل الحرب الأطلسية الثانية كان للهيود سيطرة مرموقة على الاقتصاد والمجتمع الألماني ما أغرى بهم بطش النازية.

بعض الناس دفعتهم حالة العلو الإسرائيلي وحالة تفكك الأمة لحالة من اليأس، ولكن ما ضاع حق قام عنه مطالب. (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[3].

4. جدير بنا أن نقيم سداً معنوياً منيعاً بإبرام معاهدة المقاومة، وبيانها عشر نقاط:

أولاً: المسلمون والمسيحيون واليهود أهل كتاب تجمعهم الملة الإبراهيمية، ولكن الصهيونية والصليبية حركتان إمبرياليتان علينا التصدي لأصحابهما بالرفض والمقاومة.

ثانياً: حقوق الشعب الفلسطيني هي حق العودة، وحق الدولة ذات السيادة، ولا تعامل مع إسرائيل إلا بموجب رد الحقوق المغتصبة لأهلها.

ثالثاً: مقاومة الظلم حق شرعي وإنساني ودولي.

رابعاً: في النظم الدولية والمنظمات المتخصصة مجال لمقاومة بالقوة الناعمة يجب خوض غمارها خاصة المقاطعة، وعدم الاستثمار، والعقوبات BDS.

خامساً: إن لمقاومة الاحتلال أبعاداً وطنية، وقومية، وإسلامية، وإنسانية؛ علينا التنسيق بينها.

سادساً: علينا تمييز حركات التحرير من الإرهاب، مع تعريف الإرهاب لإزالة الالتباس والعمل لدحره.

سابعاً: التوتر والحروب الراهنة تصرف النظر عن القضايا الجوهرية. علينا العمل على وضع حد عادل لها.

ثامناً: علينا الحرص على إبعاد الموقف المشترك من المقاومة من أية تصنيفات طائفية أو أيديولوجية.

تاسعاً: أن نكون مجموعة عمل لمتابعة أهداف هذه المعاهدة، والتنسيق على كل المستويات بين مؤيديها.

عاشراً: علينا الحرص على إبرام معاهدة أمن وتعايش وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بين مكونات المنطقة العربية، والإيرانية، والتركية.

هذا وبالله التوفيق،،

_____________________________________________________

 

[1] Power, Faith and Fantasy : America in the Middle East, 1776 to the Present [Michael B. Oren]

[2] الآية الرابعة من سورة الإسراء.

[3] سورة يوسف الآية 87