خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب الإمام الصادق المهدي في سنجة 18 ربيع الأول 1433هـ الموافق 10 فبراير 2012م

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

بمسجد الأنصار بسنجة

18 ربيع الأول 1433هـ الموافق 10 فبراير 2012م

 

الخطبة الأولى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد-

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز. قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وقال نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم): (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا). بعض الناس يحسبون أن ما أنزل الله أحكام وتعليمات دون إحاطة بكل ما أنزل الله لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). نعم أنزل الله القرآن وفي نفس القرآن قال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). هنالك أمور كثيرة نزلت مع القرآن:

أولها: الفطرة الإنسانية اذ قال تعالى لبني آدم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا).

ثانيها: الحكمة قال تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وهي تعني التسامح حينا والتشدد حينا كما يقتضي الحال.

وثالثا: الميزان: (وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي وزن الأمور وتحديد أولوياتها والتدرج في تناولها.

رابعا: ما في الإنسان من قبس روحي على حد قوله تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ). ومن هذا الباب الإلهام روى أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ ” قَالُوا : وَمَا المُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ). ومن هذا الباب رؤية الصحابي عبد الله بن زيد بالآذان وبإقامة الصلاة. وأمره (ص) بتحري ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان بناء على رؤى بعض الصحابة.

خامسا: العقل الذي أشار الذكر الحكيم على فضله في 49 موضع كقوله: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ووردت مفردة الفكر 18 مرة (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وفي الحديث: (خلق الله العقل وقال له اقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت شيئا أحسن منك بك آخذ وبك أعطي).

سادسا: وخلق الله الكون وأودعه سننا هي آيات ربانية (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى). وسنن الطبيعة من وجوه الحق (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ). وسنن الطبيعة هي قواعد تسخيرها. سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا ، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا ، وَتُقًى نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ).. وعندما أمر قوما ألا يؤبروا النخل ففسد قال لهم: (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ). سلف الأمة أدركوا هذه الحقائق وأقبلوا على تلك المواهب وطوروا منها معارف كثيرة: أعملوا عقولهم واستخدموا وسائل القياس والإجماع والاستصلاح، والاستحسان، والاستصحاب وأثمروا أدباً فقهياً عظيماً. ومارسوا المجاهدات الروحية فأثمروا أدبا روحيا لا مثيل له سجلته دفاتر الصوفية. صوفي على وزن عوفي أي عافاه الله. صوفي أي صافاه الله. ويومئذ لم يوجد تناقض بين مقولات مجتهدي الفقه والتصوف قال الإمام مالك: من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق. وقال الإمام الشافعي:

فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحداً فإِنـــي وحَقِّ اللّهِ إِياكَ أنصحُ

فذالكَ قاسٍ لم يذقْ قلبهُ تُقــــــىً وهذا جَهولٌ كيف ذو الجهل يصلحُ

سابعا: والجمال كالكمال من مقاصد الكون: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ). والقرآن نفسه نص فني معجز بما فيه من بيان، وطباق، وجناس، وتورية، ووزن. ومقولة النبي (صلى الله عليه وسلم) لحسان: (قل ومعك روح القدس). ومقولة ابن عباس: القلوب إذا ملت كلت وإذا كلت عميت أي لما يجب لها من ترفيه ما قال ابن الفارض:

فطَيْفُ خَيالِ الظلّ يُهْدِي إليكَ في كَرَى اللّهْوِ ما عنهُ الستائِرُ شُقّت

وما قال الإمام الغزالي: من لم يحركه العود وأوتاره والربيع وأزهاره فاسد المزاج ليس له علاج.

وطوروا ثقافة عقلية فلسفية أثمرت رؤى فلسفية استوعبت فلسفات الإنسان السابقة بصورة معجزة، وأتحفت الإنسانية بعطاء عقلي حمل رايته الفارابي وتعاقب عليها غيره حتى ابن رشد. وطوروا العلوم الطبيعية على يد عمالقة العلوم كابن سيناء وابن النفيس والخوارزمي. إن هذا العطاء الضخم هو الذي حمل لواء الاستنارة لكل الإنسانية وقد اعترف المنصفون من الأوربيين بذلك. هذا ما قاله مونتجمري واط وآخرون. ولكن في مقابل هذا التراث الحي نشأ فكر شكلي ظاهري متمسك بالنصوص دون إحاطة ودون تدبر وقياسا على النصوص كما فهموها كفروا كثيرا من أهل القبلة. علي بن أبي طالب إمام المتقين كفروه وقالوا لأنه خالف قوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) إذ أجاز التحكيم لبشر وقتلوه ومدحوا قاتله، قال ابن حطان يمدح ابن ملجم قاتل علي (رضي الله عنه):

يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ مـــــــــن ذي العرش قربانا

إنـــي لأذكـــــــــره يوما فأحسبه أوفـــى البريــــــة عند الله ميزانا

الخوارج ليسوا طائفة واحدة في زمان ومكان واحد وإنما هم كل مسلم خرج عن نهج التدبر الذي يوجبه الإسلام. إن الموقف الفقهي الإسلامي الصحيح في كل حالة هو أن يجتهد الفقيه في معرفة الواجب من نصوص الوحي وأن يعرف الواقع الذي يحيط بالأمر ويزاوج بينهما. الذهنية التي تنطلق من النهج دون تدبر ودون مراعاة للواقع هي التي تجعل صاحبها يتخذ موقف الخوارج. مثلا، في العصر الحديث وفي الجزائر؛ روى لنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله أنه كان يحاضر وقال حبذا لو أن الصحابيين عليا ومعاوية بدل الاقتتال احتكما لصناديق انتخابات فانتفض أحد الحاضرين وقال له: ليس هذا من السنة؟ فرد عليه الغزالي بقوله: وهل الاقتتال بين المسلمين من السنة؟

أصحاب هذه الذهنية الظاهرية وانطلاقا من فهم بلا تدبر للنصوص وبلا إحاطة بالواقع أنكروا دور العقل حتى قال قائلهم التفكير مثل التكفير تطابقت الحروف والمعاني. لذلك كفروا وفسقوا أساطين العقلانية من تراثنا الفلسفي بل وحتى مدارس الفقه التي استخدمت العقل كالأشعرية والمعتزلة كفروهم. وجنوا على أساطين تراثنا الروحي من الحسن البصري ورابعة العدوية في القرن الثاني الهجري والجنيد البغدادي وذو النون المصري في القرن الثالث وعبد القادر الجيلاني وأحمد الرفاعي في القرن السادس، وأبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي وأحمد البدوي في القرن السابع هؤلاء مصابيح الصلاح أنكروهم. وعندنا في السودان كفروا وفسقوا الصالحين وكان موقفهم مع الإمام المهدي مشهودا كفروه لخروجه على ولي الأمر وأن دعوته لا تتفق مع ما عندهم من نصوص حول أوصاف المهدي وأنه لا يجوز لأحد ادعاء مخاطبة النبي له. هذا مع أن الإمام السيوطي كتب في كتابه “تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك” وأورد حديثا أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (والذين أنكروا كون الإلهام طريقا للحقائق مطلقا أخطأوا كما أخطأ الذين جعلوه طريقا شرعيا على الإطلاق). هؤلاء المكفرون هم فقهاء السلطان ولكن أحد قادة الثورة العرابية وقد كان في السودان وكتب رسالة لأهل القبلة قال فيها إن حالة الدين سيئة وأوطان المسلمين محتلة وهذا الداعية الإمام المهدي يلبي طلب الأمة فعلينا نصره وصرف النظر عن المجادلة حوله. وأكبر إدانة لهذا النهج المقدس للنصوص بلا تدبر ولا مراعاة للواقع ما جاء على لسان الإمام ابن القيم الذي قال عن نهجهم أنهم سدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له. وفي السودان رفع انقلاب يونيو 1989م شعار التطبيق الفوري للشريعة تحت عنوان “شريعة سريعة” ولدى مواجهته الواقع أبرم اتفاقية نيفاشا متراجعا عن أهدافه، فوجدت تيارات فقه ظاهري فرصتها تطلق فتاوى تكفير عامة مثل: من قال بتقرير المصير أو انتخب مسيحيا أو امرأة فهو كافر وفسقوا المرأة غير المنقبة وكفروا الشيعة. وقلت إن من مقاصد الشرع الفصل بين الرجال والنساء في الصلاة ويمكن أن يكون الفصل عموديا بأن يكون جناح للرجال وآخر مفصول عنه للنساء كما في الحرمين المكي والمدني وقلت إن المرأة كاملة الإيمان كالرجل بنص قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وأن مشيّع الجنائز مأجور كما أن حضور عقد الزواج مأجور فلا يحرمن من هذا الأجر وكل الآراء التي قلتها مسنودة بآيات وأحاديث ولكن لأنها خالفت الفهم الضيق للنصوص كفروها، كما كفروا آخرين قذفا في عقائدهم، وهذا عبث بالدين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: (وأجمع الصحابة وسائر أئمة المسلمين على أن ليس كل من قال قولا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإن كان قوله مخالفا للسنة). وهم يصدرون أحكامهم هذه بغلظة وفظاظة ما سمعوا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ. المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى وسيرته عـدلا وأخلاقه حسناً

فبشره أن الله أولاه نقمة يساء بها مثل الذي عبد الوثنا

هذه المدرسة القميئة وجدت فرصة في كثير من بقاع الأرض وسمعنا في مصر عجبا: أن كرة القدم حرام ولا يجوز من الرياضة إلا ما كان في الصدر الأول منها سباحة ورماية وفروسية وقس على ذلك توسيعا للتحريم والتكفير. إن القانون يعاقب على قذف الأعراض وعلى إشانة السمعة، ومن باب أولى أن يعاقب على قذف العقائد. إن الحكومة تلعب بالنار إذ تطلق هؤلاء الجناة على خصومها كما فعل السادات في مصر فكان ما كان. عقائد هؤلاء تربط بين التكفير وسفك الدماء وقد فعلوها تكرارا ومرارا والجاني الحقيقي هم أصحاب الفتاوى كما قيل: (القاتل من وضع الفتوى بالقتل وليس المستفتى). قال ابن مسعود (رضي الله عنه): إن الشيطان قد كاد ابن آدم بمكيدتين لا يبالي بأيهما ظفر: الغلو والإفراط والثانية: التفريط. وقال نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) في حديث متفق عليه: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما).

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال تعالى: (مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). وقال: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ).

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز. النظام الحالي محاصر بنتائج سياساته الخاطئة:

· البلاد تواجه خمس جبهات قتال فعلية أو متوقعة.

· تكونت جبهة ثورية مسلحة من فصائل دارفور والحركة الشعبية جناح الشمال بهدف الزحف على الخرطوم.

· القوى السياسية غاضبة ومتحفزة.

· القضايا المطلبية اتخذت نهجا حركيا من اعتصامات ومواكب.

· عناصر كثيرة من أعمدة النظام رفعت يدها وصار موقفها موضوعيا إلى جانب المعارضة.

· الفساد صار قرصنة تجاوز ما جاء موثقا في تقارير المراجع العام وفساد رموز النظام وشركاتهم وصفقاتهم أزكمت مفرداته الأنوف: قضية شركة الأقطان، وقضية الحج والعمرة، وعقد مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، ومسألة السكر الهندي الفاسد، ومسألة سودانير، وهلم جرا.

· محاصرة أعمدة النظام عن طريق مواقف المحكمة الجنائية الدولية.

فما العمل؟ نقول الآتي:

أولا: للنظام الحاكم: إن الترقيع لا يجدي والمطلب الشعبي المشروع هو إقامة نظام جديد من أعلى النظام إلى أسفله والالتزام بسياسة جديدة لتصفية دولة الحزب وإقامة دولة الوطن. وفي هذا الصدد نخاطب كافة القوى الواعية والوطنية داخل المؤتمر الوطني بأننا على استعداد للاتفاق على ثوابت دينية هي: حرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتعايش السلمي مع الأديان، واحترام التعددية الثقافية في ظل دولة تكفل المساواة في المواطنة. والالتزام بثوابت وطنية هي: سيادة الوطن ووحدته، وكفالة حقوق الإنسان للكافة، ونبذ العنف في سبيل تحقيق مقاصدنا السياسية، ونبذ التناصر بالأجنبي والالتزام بالسلام العادل الشامل وإيجاد معادلة للتوفيق بين العدالة والاستقرار في أمر المحكمة الجنائية الدولية.

ثانيا: نقول لدولة الجنوب نحن ضد الحرب ولن نؤيدها إلا دفاعا عن النفس ونتطلع لعلاقة أخوية خاصة معكم ولدينا معادلات منصفة لحل المشاكل المعلقة بين دولتينا. ونقول إذا استعصت الحلول المتفق عليها فالبديل هو التحكيم الدولي. ونقول لكم لا ننكر حقكم في إقامة علاقات دبلوماسية مع من تشاؤون، ولكننا انتقدنا أن تقام العلاقة مع إسرائيل في إطار أنها دولة قدوة مع أنها تحتل أراضي شعوب أخرى وتتعامل بسياسة الفصل العنصري مع كثير من مواطنيها. إن جيران دولة الجنوب هم دول شمال أفريقيا والعلاقة معهم مهمة لتنمية وأمن دولة الجنوب وهذا يوجب أن تتخذ دولة الجنوب موقفا متوازنا مثلما تفعل دول جنوب الصحراء. إن إعلان علاقة خاصة مع إسرائيل دون توازن مع العرب يجر أزمة البحر الأبيض المتوسط إلى القرن الأفريقي.

ثالثا: نقول لفصائل الجبهة الثورية إن لأهل دارفور مطالب مشروعة اتفاق الدوحة لم يحققها ونرى أن نتفق جميعا عليها ونلتزم بها قوميا. كذلك لأهل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وأبيي حقوق مشروعة نرى أن نتفق عليها جميعا ونلتزم بها قوميا. وأنتم كقوى مسلحة تحتفظون بسلاحكم إلى حين إبرام اتفاق سياسي عادل وتدافعون عن أنفسكم إذا هوجمتم. ولكن ننصح مخلصين أن الانطلاق ضد الخرطوم من جوبا سوف يدعم شريعة انطلاق آخرين من الخرطوم ضد جوبا وبالفعل وردة الفعل ينتهي الأمر لحرب بين دولتي السودان، حرب مدمرة للدولتين وفي أثنائها تطمس قضية ما نريد من نظام جديد.

رابعا: نخاطب الحركة المطلبية بكافة فصائلها أن تقدم على نشاط حركي لدعم مطالبها فإنه ما ضاع حق قام عنه مطالب.

نحن مسرورون بزيارة ولاية سنار ذات التاريخ العريض والدور الوطني الحديث ولكن ما ساءنا تدني الإنتاج الزراعي، والارتفاع الجنوني في أسعار الذرة، وتعثر الحصاد لأسباب الحرب الدائرة وكذلك تعثر المراعي ما يوجب إغاثة عاجلة من المخزون الاستراتيجي كذلك إغاثة النازحين وسد حاجاتهم الإنسانية والإسراع بإنهاء هذه الحرب التي لا يستطيع طرف أن يحسمها بالقوة، ولا بد من حل سياسي عادل سوف نعمل لتحقيقه إنشاء الله. ونأسف كثيرا لما حدث لمواطني النيل الأزرق من معاناة بسبب الحرب، وساءنا كذلك أن شركة الأقطان التي أغرت المزارعين بسعر مجز للقنطار أخلفت وعدها مما يعرض المزارعين لمتاعب كثيرة مثلما حدث لمزارعي الرهد على يد شركة كنانة.

خامسا: ونخاطب الأسرة الدولية بدورها المهم في منع نشوب الحرب بين دولتي السودان وفي دعم ميثاق أهل السودان الوطني متى أبرموه وأعلنوه. نقول للأمم المتحدة: أعلني وبسرعة أنك ضد الحرب وأن من يبدأ الحرب سوف يقدم للمحكمة الجنائية الدولية متهما بشن الحرب العدوانية. وعلى الأمم المتحدة أن تعمل على منع الحرب بالوكالة بين دولتي السودان وأن تضع مراقبين في الحدود بين الدولتين.

سادسا: ولكافة القوى السياسية والمدنية نقول ينبغي أخذ الدرس من تجربة دول الربيع العربي التي أسقطت نظما ثم احتارت ماذا بعد؟ أو حاولت إسقاط نظم فانتهى الأمر لحروب أهلية طاحنة وتدخلات أجنبية واسعة. لذلك علينا التنادي لميثاق وطني حددنا مفرداته في الأجندة الوطنية ولكنه قابل للتفاكر للإجماع على بنوده. وبعد توحيد الهدف بصورة تضم كل أصحاب الرأي الآخر داخل وخارج السودان، على أن نلتزم جميعا بنبذ العنف وعدم الخروج على معطيات الجهاد المدني؛ ننظم تحركا واسعا لدعم أهداف ميثاقنا. تحركاً واسعا قوميا وخاليا من العنف حسب شعار الربيع العربي: سلمية.. سلمية. لتكن كلمتا السر المتفق عليهما هما إقامة نظام جديد ومنع الحرب. إذا وصلت التعبئة الحركية مرحلة معينة فإن النتيجة الواردة حتما ما حدث في دول أمريكا اللاتينية كما وصفتها ميشيل باشيله رئيسة تشيلي سابقا وما حدث في إسبانيا بل ما حدث في السودان نفسه في أكتوبر 1964م. إذا استطاع شعبنا بكل فصائله تحقيق هذين الهدفين فإنه سوف يسترد دوره المفقود شعبا معلما يحتل مكانة عالية في بستان الربيع العربي. إن السودان مستهدف وأوسع مدخل لخصومه هو سياسات مواطنيه الخاطئة. لقد آن الأوان أن نواجه التوتر الداخلي والتحفز الخارجي بموقف موحد هو حزب السودان لدرء الخطر عن الوطن. (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ). اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا. وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا وبارك في أرزاقنا وبارك في السودان والسودانيين وانصر الإسلام والمسلمين (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).

 

حي على الصلاة