كلمة أمام الجمعية النسوية لمكافحة الايدز في أفريقيا والبرنامج القومي لمكافحة الايدز في الاجتماع التشاوري للتحضير للمؤتمر التاسع حول المرأة والأطفال والايدز والمزمع عقده بالخرطوم في مايو 2002م.

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة أمام الجمعية النسوية لمكافحة الايدز في أفريقيا والبرنامج القومي لمكافحة الايدز في الاجتماع  التشاوري للتحضير للمؤتمر التاسع حول المرأة والأطفال والايدز والمزمع عقده بالخرطوم في مايو 2002م.

قاعة الصداقة- الخرطوم

18 يونيو 2002م

 

السيدة رئيسة الاجتماع، السيدات والسادة أو بعبارة أكثر حميمية الاخوة والأخوات. طاب مساؤكم.

عندما طلب مني الحديث إليكم تأملت وفكرت في أية حكمة يمكن أضيفها لعلمكم الواسع حول موضوع الإيدز طاعون العصر الحديث لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء.

إذا لم تجد شيئا سديدا تقوله    فصمتك عن غير السداد سداد

وباستعراضي لأدبياتكم الغزيرة حول الموضوع، فلا شيء عندي لأضيفه لطبيعة المشكلة العلمية ولا المقاييس الإحصائية للوباء. كذلك ليس في استطاعتي أن اضيف إلى معرفتكم شيئا عن الفقر والجهل كعوامل تفاقم من المشكلة. ومع ذلك فهناك ثمان نقاط أريد أن أشرككم فيها في سياق التعامل مع وباء الايدز:

النقطة الأولى: الايدز ونمط الحياة:

سمعت بالمرض في الثمانينيات (تم اكتشافه في يونيو 1981م) كان ذلك من مدير فندق لندن الذي أخبرني بأنه من المثليين جنسيا  وأن هناك مرضا جديدا ابتلى أمثاله. مرض لا علاج له سلطه الله على أمثاله ولذلك قرر التخلي عن سلوكه غير الطبيعي، ومنذ ذلك الوقت تابعت الموضوع. إن نسبة هذا المرض لأسباب فوق طبيعية أو خارقة للطبيعية له نتائج سالبة لأن هذا النهج يشجع على الغموض والتعتيم والإبهام حول المرض.

وتبقى مسألة منشأ الفيروس قيد البحث: هل هو نتيجة لتجارب علمية خاطئة أم نتيجة لانتقاله من بعض فصائل القرود العليا؟ لكن المؤكد أن انتقال المرض نتيجة لأنماط حياة معينة.

إن علاقة الله بالعالم لا تنفي السببية الطبيعية، فقوانين الطبيعة نفسها من إرادة الله (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[1].

الايدز نتيجة لنمط حياة غير منضبط ولاستعمال المخدرات، ولذلك فإن مكافحته تقع كليا في استطاعة واختصاص الإنسان. ومع ذلك فإن قول هذا الكلام أسهل من فعله، لأن السلوك الجنسي لا سيما لدى الرجال جامح، بالإضافة إلى أن الضغوط التي تحيط بالإنسان تخلق ظروفا تجعله يبحث –بدرجات متفاوتة- عن مهرب. المخدرات والكحول ينتميان لهذه المتلازمة من الأعراض.

يجب تعبئة كل القوى المعنية: النفسية، والفكرية، والأخلاقية، والروحية، والاجتماعية في المسعى للتخلص من أنماط الحياة المنكرة.

النقطة الثانية: غياب الثقافة الجنسية:

عندما نشأت كان علىّ الاعتماد على نفسي كليا في تعلم جوانب هامة في الحياة –الثقافة الجنسية- وهذا النقص هو جزء من السيرة الذاتية لكل أبناء جيلي. وتقع مسئولية إقصاء الثقافة الجنسية من التربية الطبيعية على المحرمات الجنسية (التابو).

ومع أن النوع هو الأساس الأول للهوية الشخصية ومع أن الجنس هو أكثر الظواهر البيولوجية طبيعية إلا أن الموضوع يتم لفه وتدثيره كمومياء فرعونية! هذا النقص ساعد على زيادة كل الأوجه السالبة حول التناسل والأمراض المنقولة جنسيا.

لقد قررت تناول الموضوع وأنا على يقين بأن التعليم الجنسي والثقافة الجنسية تمثل حجر الزاوية للأفراد والمجتمع.

النقطة الثالثة: الإيدز وتعاليم الدين:

الدين يدعو للعفة ولا شك أن هذا ساعد في مقاومة كثير من التجاوزات. ولكن دائما هناك نسبة معينة من الناس تنحرف. هناك رأي كنسي يدين أي نشاط جنسي لا يتم بغرض التكاثر وهذا الرأي يرفض أية ممارسة جنسية بغرض المتعة. الإسلام يعترف ويشجع المتعة الجنسية داخل إطار الزوجية. ولكن هل يسمح بأية توجيهات للمجترئين والمقتحمين لذلك خارج إطار الزوجية؟ في سياق وباء الايدز فإن سلوك هؤلاء الجنسي الخاطئ يعرض أرواحهم ويعرض المجتمع كذلك للخطر. يمكن مخاطبة هؤلاء عبر القواعد الصحيحة التالية:

  • قاعدة ارتكاب أخف الضررين.
  • التحذير (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[2].
  • قاعدة لا ضرر ولا ضرار.

وعليه فإن من واجبنا الوعظ بالتعفف خارج إطار الزوجية. وفي حالة الفشل: مراعاة أهون الشرين وأخف الضررين.

النقطة الرابعة: دور الدكتاتورية:

هناك عدة صفات تميز الدكتاتورية ذكرتها في مكان آخر. من هذه الصفات: أنها تحاول تعويض افتقادها للشرعية برسم صورة وردية من الإنجازات وتستغل الإعلام لادعاء أمجاد كاذبة ويترتب على هذا إلغاؤها لكل نقد. والسلوك النموذجي الذي تنصح به هو سلوك القرود الثلاثة في المثل المشهور. وشعارها: صه، صه، الشفافية بالنسبة لها لعنة وهي تعادل التخريب. وهذا ما جعل مالاوي د. باندا مثالا سيئ الصيت:

يثرب يحكمها وال شديد المراس

فالقول في يثرب همس

والمشي فيها احتراس

هناك قدر من الشفافية في يوغندا وأكثر منه في السنغال لذلك هناك نهج أكثر  استنارة في السياسات المتخذة حيال الإيدز. يجب أن تصنف الدكتاتورية مع الفقر والجهل كقوى صديقة للإيدز.

النقطة الخامسة: النساء والسلوك الجنسي:

يجب أن يعترف الرجال فيما يتعلق بالجنس أن النساء هن الحارسات، وكلما تم تمكينهن من الوقوف في وجه الثغرات كلما قل الاختراق.

النقطة السادسة: الإسلام يقلل معدل الإصابة:

بينما يمثل سكان أفريقيا جنوب الصحراء 10% من سكان العالم، تقع بينهم 70% من إصابات الإيدز في العالم وهذا أمر سيئ. هناك 16 دولة غالبها في شرق وجنوب أفريقيا بها معدل إصابة يبلغ 10% ويصل لـ 35% في بوتسوانا. يعلل بعض العلماء معدل الاصابة المنخفض نسبيا في غرب أفريقيا بانتشار ختان الذكور (بوسطن قلوب 5/ 11/99 وصنداي تايمز 26/ 3/2000م)

ختان الذكور لا يؤثر على السلوك الجنسي. الأقرب أن يكون ذلك بسبب تأثير الإسلام على أنماط الحياة.

النقطة السابعة: أثر الحرب:

يخلق النزوح الناجم عن الحرب و المجاعة مناخا اجتماعيا يؤدى  لسوء السلوك الجنسي .  إن على القارة أن تركز على إنهاء الحروب كأولوية صحية. إن حروب القارة الأفريقية ستستمر في تدمير كل برامج التنمية والصحة في القارة. وما بين الدكتاتوريين الذين يحرصون على الحكم بدون شرعية ولوردات الحرب المستفيدين من النزاعات، تم تدمير الشعوب الأفريقية بأربعة عشر نزاعا لم تتم تسويته بعد وهي ضمن كوارث أخرى تغذي وباء الإيدز.

النقطة الثامنة: الوضع في السودان:

مسرح الإيدز في السودان جزء من مسرح الحرب من حيث الإصابات بين الجنود وحركة المواطنين المتسارعة. وحسب إفادات البرنامج القومي لمكافحة الإيدز فإن عدد المصابين الآن يبلغ نصف مليون مصاب. ونسبة تفشي بين البالغين تبلغ 1.6%. هذا يمكن أن يكون قمة جبل الجليد، فالموقع الجغرافي وظروف الحرب والحركة السكانية العالية كلها تؤدي لإصابات أكثر. المطلوب مجهود عالي قومي ودولي لإنقاذ الوضع.

ختاما: يجب أن يسعى اجتماعكم ومؤتمركم المزمع عقده لتأمين موقف فكري مشترك في موضوع الإيدز. وأن يسعى لتصعيد الموضوع ليصبح برنامجا قوميا للدول الأفريقية وأن يعمل في اتجاه تحالف الدول والمجتمعات والمنظمات الطوعية الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتنسيق الجهود لمكافحة وباء الايدز في أفريقيا.

وبصفتي عضوا في المجتمع المدني السوداني فإنني أعد بتقديم كل الدعم المطلوب لكم وأن أدعو لكم بالنجاح المستمر.

 

شكرا لكم

 

[1]  سورة طه، الآية 50.

[2]  سورة البقرة، الآية 195.