الورقة التي قدمت في مؤتمر التصوف الراشد: الجذور والآفاق ودوره في بناء الحضارة الإنسانية

الإمام الصادق المهدي في مؤتمر التصوف الراشد بعمان
مؤتمر التصوف الراشد: الجذور والآفاق ودوره في بناء الحضارة الإنسانية - عمان الأردن

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤتمر الدولي الذي يقيمه المنتدى العالمي للوسطية

بعنوان:

التصوف الراشد: الجذور والآفاق

ودوره في بناء الحضارة الإنسانية

18-19 سبتمبر 2019م

الإمام الصادق المهدي

 

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

 

السلام عليكم مع حفظ الألقاب والمقامات. أما بعد،

 

أجزل الشكر للمحضرين والحاضرين للمشاركة في هذا الموضوع المهم.

أمتنا اليوم مقسمة دولاً، ومذاهب، وقوميات، وطرق صوفية.

للطرق الصوفية اليوم كثرة عددية بين أعداد أمتنا التي بلغت ملياراً ونصف.

مر على التاريخ فترة في القرن التاسع عشر الميلادي ظن الفكر الغالب عالمياً أن الدين مرحلة طفولة إنسانية توشك أن تختفي ليحل محلها العلم الوضعي كما قال أوقست كومت وكررت تصوراته رواية “أولاد حارتنا” حذوك النعل بالنعل.

ولكن مع زحف العلمانية والعولمة في الربع الأخير من القرن العشرين، شهدت كل الأصوليات الدينية صحوة مشهودة، لا سيما الإٍسلام فهو بلا مقارنة أكثر المنظومات الملية معقولية، وأكثر الإيمانيين تقديراً للعقل، ما جعله القوة الثقافية العالمية الأكبر، وجعل الكتاب غير المسلمين يصنفون نبيه الأول في تاريخ الإنسانية، بل جعل كاتباً عالماً بالأديان المقارنة يؤلف كتاباً بعنوان “هل كان المسيح مسلما؟” وأجاب في الكتاب بنعم. هذا ما قاله روبرت شدنقر في كتابه.

ولكن عوامل في الواقع العالمي جعلت السيدة أنجيلا ميركل تقول في دهشة: سكان الصين والهند معاً يبلغ عددهم 2,5 مليار نفس وهم يتبعون 300 ملة و150 إلهاً يعيشون في سلام مع بعضهم، بينما المسلمون يدينون إله واحد وكتاب واحد ولكن بلدانهم ملطخة بالدماء، القاتل يقول الله أكبر، والمقتول يقول الله أكبر. وذلك نتيجة لانتشار حركات  الغلو والعنف.

إن للتصوف الراشد دوراً مهماً في نهضة الأمة، وفي بناء الحضارة الإنسانية كما سوف نبين في هذه الرسالة عبر عشر نقاط:

أولاً: الإنسان جزء من الطبيعة ومفارق لها في ثلاثة أمور: أن فيه قبساً من روح الله: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ)[1]. ووهب العقل البرهاني: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[2]. ومنح حرية الإختيار: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْۚ)[3].

الإنسان بفطرته الروحية مستعد ليقظة روحية، وهو كذلك محكوم بمطالب مادية وغرائز كسائر الحيوانات. هذه العوامل تدفع نحو الإقبال على الدنيا واتباع الشهوات. لذلك انبرى قوم للاهتمام بالفطرة الروحية والزهد في الدنيا ولبسوا الصوف الخشن من الثياب. هذه التسمية للزهد ظهرت في القرن الثاني من الهجرة.

اتسم بالزهد القراء وكذلك أهل الصفة وبعض الصحابة كأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.

إلى جانب حياة الزهد اهتم هؤلاء بتأويل نصوص القرآن عدولاً عن ظاهرها، وبنصوص تعد المؤمنين بجزاء روحي في الدنيا قال تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[4].

هذه النزعة نحو الزهد والمعاني الروحانية ظاهرة تدعمها أحاديث مثل الحديث القدسي: “ما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها”[5].

ثانياً: في الصدر الأول كانت نزعة الزهد والروحانية موجودة في توازن مع حكم الشورى والعدل الاجتماعي والتآخي بين المؤمنين. ولكن أربعة عوامل هزت ضمير المسلمين وغذت التطلع لواحات روحانية تطيب قسوة الظروف.

العامل الأول: اغتيال خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما عثمان بن عفان، وعلي بن علي طالب رض الله عنهما، فانطلقت فتنة بين المؤمنين واشتبكوا في اقتتال دامٍ مزق الاخاء بينهم، بل جعل كثيرين يتفاخرون بسفك دماء الخلفاء، قال عمران بن حطان يمدح قاتل الإمام علي:

يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا             إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا

العامل الثاني: صارت الخلافة ملكاً عارياً من الشورى يقوم على التغلب في نهج اعتمده الفقهاء كما قال ابن حجر العسقلاني: أجمع الفقهاء على طاعة المتغلب والقتال معه. فصارت ولايتهم بعيدة عن وجدان الناس كما قال الشاعر:

خَليفَة ٌ ماتَ لم يَحزنْ لَهُ أَحدٌ                 وآخرٌ قامَ لم يفرحْ بهِ أحدُ

فمرَّ هذا ومرَّ الشؤمُ يتبعهُ            وقامَ هذا فقامَ الشؤمُ والنَّكدُ

العامل الثالث: مع حرص نصوص الإسلام على العدل الاجتماعي تفشت طبقية وترف طبقي حتى قال قائلهم:

مهر الفَتَاةِ بِأَلْفِ أَلْفٍ كَامِلٍ            وَتَبِيْتُ سَادَاتُ الجُيُوْشِ جِيَاعَا

لو لأبي حفص أقول مقالتي           وأقص ما سأقصكم لارتاعا

العامل الرابع: فزع كثيرون من الترف وفساد الأخلاق الذي صوره الشعراء:

بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ             إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ

ضَاعَتْ خِلَافَتُكُمْ يَا قَوْمُ فَالتمسُوا  خَلِيفَةَ اللَّهِ بَيْنَ الزقِّ وَالْعُودِ

ورسمت أشعار عمر بن أبي ربيعة وأبو نواس صوراً فظيعة:

قال عمر:

قَالَتْ: وَعَيْشِ أَبي وَحْرْمَةِ إخْوَتي        لأُنَبِّهَنَّ الحَيَّ إنْ لَمْ تَخْرُجِ

فَخَرَجْتُ خَوْف يَمينِها فَتَبَسَّمَتْ                فَعَلِمْتُ أَنَّ يَمِينِها لَمْ تَحْرُجِ

فَلَثمْتُ فاها، آخِذاً بِقُرُونِها               شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ

أما أبو نواس فقد تجاوز كل الخطوط الحمراء في همزيته الماجنة وغيرها:

عاجَ الشقِيّ على دارٍ يُسائِلُها          وعُجتُ أسألُ عن خَمّارَة ِالبلدِ

في هذه الظروف تطور التصوف من بدايات تلقائية بسيطة، إلى مقولات تفسر نصوص الوحي تأويلاً روحياً، حتى تحدثوا عن تمييز علم الباطن من علم الظاهر، وميزوا الانتماء للنهج الصوفي بالدخول في سير يبدأ بالتوبة، ثم الترقي الروحي، حتى يصل المريد إلى مقام الفناء أي الفناء في الذات الإلهية كقولهم:

قلوبُ العاشقينَ لها عيونٌ   تَرى ما لا يَراهُ الناظرونَ

وأجنحةٌ تطيرُ بغيرِ خفق    إلى ملكوتِ ربِّ العالمينَ

من باب هذا الطيران أتى أفراد أقولاً وأعمالاً شاذة سميت الشطحات. هذا الخروج الواضح عن الشرع أدى لقيام علماء صوفيون كالإمام الغزالي الذي أوجب أن يكون الإنسان عالماً بعلوم الشريعة والعلوم العقلية قبل خوض غمار التصوف.

ثالثاً: في القرن السادس الهجري ظهر اتجاهان أحدهما شعبي والآخر صفوي.

معلوم أن الكيان السياسي للأمة الإسلامية ضم في حدوده ثقافات الشرق الأسط الكبير، وهي ثقافات ذات مرجعيات هندية، وفارسية، ويونانية. وحدة الوجود عقيدة هندية وهي تقول إن الله هو الحقيقة وإن كافة المخلوقات تجليات للذات الإلهية.

الاستشهاد بالمخلوقات لوجود الخالق معلوم (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[6]. لذلك قيل:

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ            تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

ولكن ابن عربي قال:

وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية ٌ           تَدُلّ على أنّهُ عينه

ونفس المعنى قال به ابن الفارض في تائيته المشهورة:

ففي الصّحوِ بعد المَحْوِ لم أكُ غيرَها

وذاتي بذاتي إذ تحَلّتْ تجَلّتِ                            

وما زِلْتُ إيَّاها وإيايَ لَم تَزَلْ

ولا فَرْقَ بل ذاتِي لذاتي أحَبَّتِ

وحدث تأثر بالفكر اليوناني الذي يقول: إن الله لم يخلق الكون مباشرة لأن الله كامل والكون ناقص، وصدور الناقص من الكامل محال. قال أفلاطون: الله واجب الوجود تصدر عنه النفس الكلية أو العقل الأول. إن بين الإله والكون واسطة هي النفس الكلية أو العقل الأول. هذه الفكرة أثرت في مقولة ابن عربي عن الحقيقة المحمدية وهي القوة المدبرة للكون منذ الأزل وإلى الأبد. هذا دور للنبي صلى الله عليه وسلم قبل مولده ومستمر بعد وفاته كما قال الشاعر:

لولاهُ ما كانَ أرضٌ لا ولا أفقٌ           ولا زمانٌ ولا خلقٌ ولا جيلُ

الحقيقة المحمدية هذه مدبرة لشئون الكون، واتصالها بالناس عن طريق الأولياء، ولهم في كل زمان رئيس هو الغوث وهو الواحد موضع نظر الله من العالم في كل زمان. تحت الغوث الأوتاد الأربعة، وتحتهم النقباء ثلاثمائة، ثم النجباء أربعون. هذه دولة كاملة غيبية ويدخل فيها من بلغوا مقام الحضرة وهي اجتماع روحي تنكشف فيه حقائق الأمور.

وعندما حل القرن العاشر الميلادي صار صوفيون يقدمون تفسيراً كاملاً للوجود ومكانة الإنسان فيه، وعلاقة الإنسان بالله. ومن لوازم هذا التفسير أن أولياء الله هم الواسطة بين الله والناس. وحول الأولياء يلتف المريدون بحيث يكون الاتصال بين الولي والمريد حلقة أساسية ينبغي أن يسعى إليها كل مريد لأنه بذلك يتصل بسلسلة الأولياء التي تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فمن لا شيخ له شيخه الشيطان.

على هذا الأساس قامت الطرق الصوفية فأقبل عليها الناس حتى كادت تضم الأكثرية في القرن الثالث عشر الميلادي.

رابعاً: الطرق الصوفية أتاحت للناس حلقات انتماء يرأسها شيخ ما، وفر لهم تعليماً وتربية إنتماء لجماعة تردد الأذكار بصورة جماعية، وتنشد المدائح، وتحرق البخور وتدق الطبول، وتستخدم وسائل الفنون الشعبية المستمدة من البيئة الاجتماعية.

في كتابه عن سوسيولوجيا الدين ذكر ماكس فيبر أن تدين الناس يحكمه مستواهم العقلي والاجتماعي ما يجعل تدين العامة متأثراً بعوامل الفولكلور المحيط بهم، بل يجعل هؤلاء يفسرون حقائق الدين بما يناسب عقلياتهم من غيبيات وقصص. لذلك يمكن أن يقال إن الطرق الصوفية أتاحت للجماهير تديناً شعبياً  في حمى الإسلام.

خامساً: إن للتصوف الراشد دوراً مهماً في مصير الأمة ولكن فتح الباب للغيبيات، وادعاء الكرامات، وسلطة الشيوخ المطلقة مع المريدين فتحت الباب لمساويء أضرت بالتصوف.

ولكن التصوف الرشيد قال باحترامه أئمة الاجتهاد كما قال الإمام مالك: من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق.

وقال الإمام الشافعي:

فَقيهاً وَصوفِياً فَكُن لَيسَ واحِداً     فَإِنّي وَحَقُ اللَهِ إيّاكَ أَنصَحُ

فَذَلِكَ قاَسٍ لَم يَذُق قَلبُهُ تُقىً                  وَهَذا جَهولٌ كَيفَ ذو الجَهلِ يَصلُحُ

سادساً: هنالك مسائل متعلقة بالتصوف على المستوى الشعبي فإن القيادة الفردية المطلقة لشيخ الطريقة فتحت الباب واسعاً لإدعاءات وخرافات وأوهام بخصوص قدرات الشيخ، واعتبار الشيخ واسطة بين المريد والله يلغي حقيقة العلاقة المباشرة التي يوجبها الإسلام بين العبد وربه.

والتسامح مع نظم الحكم سمح للطرق الصوفية في كثير من الأحيان التعايش مع الطغيان، ونفس هذا التسامح مع الطغاة سمح لبعض الطرق الصوفية مناهضة حركات التحرير ضد الامبريالية. والتعايش مع البيئة الثقافية المحلية فتح الباب لممارسات دجل وطقوس سحر ذميمة. وبدا كأن شيخ الطريقة بدعوى علم الحقيقة يستطيع أن يفعل ما يشاء دون ضابط شرعي على نحو ما روت طبقات ود ضيف الله في سودان السلطنة الزرقاء عن حادثة الشيخ الهميم الصوفي والقاضي دشين الفقيه. قال القاضي دشين لقد تزوجت خمساً والآن جمعت بين أختين عقدك هذا أنا فسخته، قال له الشيخ الهميم الله يفسخ جلدك. وقالت الرواية: فانفسخ جلده.

سابعاً: إن للتصوف محامد لا تنكر أهمها:

  • التركيز على مكارم الأخلاق والحرص عليها بين المريدين.
  • بسط التسامح ساهم في قبول الآخر والعدول عن التكفير الذي يمارسه آخرون.
  • في حالات قيام سلطة معادية للدين كما حدث في الاتحاد السوفيتي وتركيا الكمالية فإن الطرق الصوفية وفرت للناس فرصة بيات شتوي للمحافظة على العقيدة دون صدام مع السلطة.
  • أتاحت مساجد الطرق الصوفية وخلاوي القرآن فيها فرص تعليم شعبية ساهمت في محو الأمية وتعليم القرآن والواجبات الدينية.
  • التصوف بشر الناس برجاء رحمة الله فالمذنبون يصيبهم اليأس والله غفور رحيم كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[7].

وقال البصيري في ميمية مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:

لعَـلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا    تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ

  • في علم اليوم يعيش بين المسلمين ملل أخرى ولا يتحقق السلام الاجتماعي إلا بقدر كبير من التسامح الذي يمارسه التصوف. كذلك يعيش ثلث أمتنا وسط شعوب أخرى غير مسلمة. هنالك نهج يشعل الصدام كما أباح يونس الأسطل للمسلم قتل المدنيين الغربيين لأنهم ظهر لحكوماتهم الجائرة. ورغم أننا نعيش ضيوفاً وسطهم قال محمد الفاسي: نحن نعيش وسطهم ونعمل أعمالاً دونية ولكنها دار حرب الأموال والدماء فيها مستباحة.. تسامح التصوف هو الذي يناسب هذه الظروف.
  • التصوف أوحى بكثير من الآداب والفنون لا سيما في الشعر كأشعار رابعة العدوية وأشعار ابن القارض، أشعار مغذية للآداب والجماليات.
  • كان للتصوف دور مهم كقوة ناعمة للإسلام استطاعت أن تنشر الإسلام بالحسنى في أفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب شرق آسيا في ظروف فيها كيان الأمة السياسي والإستراتيجي ضعيف.
  • في عالم اليوم حيث تسيطر منظومة حقوق الإنسان بإرادة من الشعوب، يرجى تحقيق أعلى درجة من التعايش بين مذاهب المسلمين، فالحروب الدينية غير مجدية، كذلك تحقيق التعايش السلمي بين الأديان وتبادل المنافع والمصالح بين الثقافات والحضارات. في هذه المجالات كلها وهي مهمة لبناء الحضارة الإنسانية فإن للتصوف الراشد دوراً مهماً.
  • ثقافة التصوف ونهج أصحابه حفي بأعظم عاطفة إنسانية هي الحب. الحب لله ولرسوله، وفي العلاقة بين البشر، فعلاقات الناس التي تقوم على الاختصاصات والقوانين جافة. والنظر للعلاقة الزوجية من باب الالتزام جاف بل أن تقوم على المودة والرحمة. الثقافة الصوفية تهتم بعلاقة المحبة بين الناس. المحبة نعيم بين الناس في كل المجالات كما قال إيليا أبو ماضي:

قال قوم إن المحبة إثم       ويح بعض النفوس ما أغباها

أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي     وبالحب قد عرفت الله

والله تعالى يعرف الإيمان بشدة حبه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[8].

عاطفة يحتفي بها أهل التصوف كثيراً كما قالت رابعة:

أحبك حبين حب الهوى     وحب لأنك أهل لذاك

فأما الذي هو حب الهوى    فشغلي بحبك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له        فلست أرى الكون حتى أراك

ثامناً: نقول الراشد، وهذا يتطلب على المستوى الفلسفي الصوفي تجنب دعاوى الفناء في الله وهي عقيدة النرفانا الهندوسية. المطلوب المحبة لله باعتباره ذات (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ)[9]. والآية (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[10]. عقيدة وحدة الوجود تلغي الأخلاق المؤسسة على أن الإنسان ذات مسؤولة عن سلوكه.

وعلى صعيد التصوف الشعبي ينبغي ألا تطمس علاقة المريد بالشيخ المسؤولية الشخصية للمريد.

وينبغي قيد سلطة الشيخ بالشورى لأن في ممارستها بصورة مطلقة مضرة. والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

الطرق الصوفية تصلح لتصير وحدات مجتمع مدني تساهم في مجالات الصحة، والتعليم، والأنشطة الاستشارية وغيرها من مجالات الأنشطة المدنية.

يرجى أن تتنادى الطرق الصوفية إلى مؤتمر مراجعات يحدد إيجابيات التصوف وسلبياته، ويضع خريطة طريق لدور التصوف في نهضة الأمة، وفي بناء الحضارة الإنسانية.

هذه المراجعات على ضوء ما ذكرنا تحقق صحوة صوفية ترفد الصحوة الإسلامية وترفد بناء الحضارة الإنسانية.

تاسعاً: نحن أنصار الله بصدد عقد مؤتمر لإجراء مراجعات أساسية تعرف المهدية باعتبارها وظيفة إحياء الدين غير مرتبطة بشخص غاب ويعود. وغير مرتبطة بآخر الزمان بل بتوجيهات قرآنية (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)[11] وقوله: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[12]. وفي آخر الزمان (لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ)[13].

وفي سبيل الدعوة الوظيفية لا تكفير لأصحاب الاجتهادات الأخرى، بل يتعايش كافة المهتدين بموجب ميثاق ملزم للكافة.

ويرجى أن يعقد السلفيون كذلك مؤتمر مراجعات لتأكيد أن السلفية في الشعائر ملزمة للكافة فهي ثوابت، ولكن في أمر المعاملات والعادات فهي متحركة تتطلب من الفقيه أن يحدد الواجب اجتهاداً ويحيط بالواقع ثم يزاوج بينهما كما قال ابن القيم، كما ينبغي التخلي عن تكفير أهل الشهادة.

الحركات ذات المرجعية الأخوانية ينبغي أن تعقد مؤتمر مراجعات للتخلي عن الانقلابات سبيلاً للسلطة، وعن مبدأ الحاكمية القطبي فولاية الأمر شورية بين الناس. وعليهم جميعاً ضبط ولاية الأمر بمقولة أبي بكر رضى الله عنه لدى بيعته وهي مقولة ملتزمة بالأسس الأربعة للحكم الراشد: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

والشيعة الإثني عشرية ينبغي أن تراجع ولاية الفقيه العامة، فولاية الفقيه في المسائل الشعائرية صحيحة ولكن في المعاملات فإن الولاية للأمة. هذا ما قال به المصلحون من الشيعة الإثني عشرية.

ختاماً: قال محمد أسد: رغم العقبات التي صنعها تخلف المسلمين فالإسلام هو أعظم مستنهض للهمم عرفه البشر.

هذه المراجعات ضرورية لقيام الإسلام بدوره في نهضة الأمة وفي بناء الحضارة الإنسانية.

قال الصوفي الكبير محمد أقبال: يحتج بعض الناس بالقضاء والقدر لقعودهم. المؤمن الحقيقي يعتبر أنه قضاء الله الذي لا يرد.

وقد قال: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[14].

قال الشاعر السوداني الهادي آدم:

إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ       يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ

هذا وبالله التوفيق،،

[1] سورة السجدة الآية (9)

[2] سورة النحل الآية (12)

[3] سورة لكهف الآية (29)

[4] سورة الحديد الآية (28)

[5] صحيح بخاري

[6] سورة الذاريات الآيتان (19، 20)

[7] سورة الزمر الاية (53)

[8]  سورة البقرة الآية رقم (165).

[9] سورة البقرة الاية(165)

[10] سورة المائدة الآية(54)

[11] سورة الانعام الآية (89)

[12] سورة لقمان الآية (15)

[13] سورة الأنعام الآية (158)

[14] سورة الرعد الآية (11)