كلمة الإمام الصادق المهدي في احتفال ذكرى بدر الكبرى وأبا الأولى بمدينة الهدى

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه إمام أنصار الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هئية شئون الأنصار
أمانة الدعوة والإرشاد

الاحتفال بذكرى بدر الكبرى وأبا الأولى بمدينة الهدى

 

 

 

الجمعة 17/ رمضان 1439هـ الموافق 1 يونيو 2018م

 

الحمد لله. والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

أحبابي في الله وأصحابي على سكة الفلاح والصلاح. السلام عليكم من مسافة بعيدة تقربها:

وَسُنَّةُ اللهِ في الأحبَابِ أَنَّ لَهُم وَجْهَاً يَزِيدُ وُضُوحَاً كُلَّمَا اْبْتَعَدَا

 

أحبابي، أشارككم الاحتفال بيوم الجهاد في الهدى طبيقة الجزيرة أبا وأقول:

 

أولأً: أحييكم في يوم ذكرى بدر الكبرى وأبا الأولى فقد تشابها شكلاً وموضوعاً، وقيل فيهما:

يا صنو بدر في الزمان ويا أخا النصر الشهير

ثانياً: كياننا كيان الأنصار كيان مجمر، مر بأربع مراحل عظمت فيها التضحيات، ولكنه اتسم فيها كلها بالصمود سنة الصبر على رضا الحبيب حتى يقول الناظر العجب العجيب. المرحلة الأولى: مرحلة التحرير من الاحتلال والتحرير من التقليد لإحياء الدين. والمرحلة الثانية مرحلة بناء الدولة التي غالبت التحديات حتى تكالبت عليها الامبريالية. والمرحلة الثاثة مرحلة التوفيق بين التأصيل والتحديث. ومرحلتنا هذه الرابعة مرحلة التأصيل التقدمي.

ثالثاً: هذه المرحلة الرابعة تدفعها حيويتها نحو التوسع في مشاركة الشورى، والتوسع في مخاطبة كافة أهل القبلة لنبذ التفرق الذي يراهن عليه العدو كما جاء في مقولة كسنجر بعد حرب 1973م إذ قال : يجب العمل بقوة على عدم تكرار قيام الدول العربية بشن هجوم مرة أخرى على دولة إسرائيل وذلك من خلال انشغال العالم العربي بحروبه المحلية بهدف نهائي هو تقسيم العالم العربي رأسياً وأفقياً وإعادة رسم خارطة دوله.
مرحلة تتسم بالحرص على وحدة أهل القبلة، وبإقامة شبكة للتعليم بمناهج توفق بين التأصيل والتحديث، وتحرص على توطين التكنولوجيا الحديثة، وإقامة شبكة صحية مبسوطة في كل مكان، وحرص على بسط التمويل الأصغر على أوسع نطاق: نهج إصلاح اجتماعي يصحبه تطوير لرابطة شباب الأنصار كمؤسسة كشافة تربوية.. هذه الرؤى يرجى أن تدرسها ورش متخصصة ليقرر بشأنها المؤتمر العام الثاني لهيئة شؤون الأنصار.

رابعاً: كل الطغاة الذين حكموا السودان رغم أنف أهله استهدفونا، ولكن عصفت بهم مقولة: ناري هذه أوقدها ربي، واعدائي حولها كالفراش، لكما أرادوا أن يطفئوها أحرقوا بها وصار أمري فاشي.
كل الطغاة ابتداء من الغزاة، إلى طغمة 17 نوفمبر، وطغمة 25 مايو، وطغمة 30 يونيو وجهوا سهامهم ضد كيان الأنصار، وبعد كل هذا الابتلاء تراجعت أكثر الكيانات بالتردي أو بالتدجين وظلت رايتنا مرفوعة تجسيداً للكرامة التي ذكرها الإمام المهدي عليه السلام.

خامساً: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، فكل الخير في الدنيا والآخرة مرتبط بجهد، ومشتقاتها من اجتهاد وجهاد. الجهاد تربية للنفس وهو بذل الوسع لإعلاء كلمة الله. والاجتهاد هو تدبر نصوص الوحي لمعرفة الواجب والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما، ولا يصير الجهاد قتالاً إلا بموجب قوله تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[1] .

سادساً: نحن بالاجتهاد والجهاد المدني سوف ننفي عن الدين ما علق به بسبب الثالوث المقيت: التقليد، والركون للطغيان، وتغييب العقل البرهاني. وكما قال محمد أسد: رغم العقبات التي خلقها تخلف المسلمين فالإسلام هو أعظم مستنهض للهمم عرفه البشر.

سابعاً: ومهما كانت الشبهات حول المهدية فأنا كحامل لتلك الراية أقول في أمر دعوات المهدية: لا معنى لانتظار شخص غاب منذ قرون أن يعود مهدياً فهذا ضد طبيعة الأشياء: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)[2] ، ولا معنى لشخص يأتي مهدياً آخر الزمان (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ)[3] .
ولكن للمهدية بمعنى وظيفة إحياء استثنائي للدين منطق عقلي: منطق الخلاص، ومنطق نقلي: (إِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)[4] وآيات أخرى ذات معان مماثلة. بهذا المعنى الوظيفي قال الإمام المهدي عليه السلام أنه خوطب خطاباً غيبياً، ولكنه ضبط مقولاته بأن تعرض على الكتاب والسنة فإن خالفتهما يضرب بها عرض الحائط. أقواله أعطت شرعية لثلاثة مناهج هي: الاتباع في الثوابت الشعائرية، والتجدد المستمر في المعاملات والعادات، ورفض أية وصاية أجنبية على مصير الأمة الإسلامية.
شهد للإمام المهدي بأهمية وجدوى هذا النهج الوظيفي كثير من العلماء من غير الأنصار أذكر منهم المشايخ: أحمد العوام، سعد محمد حسن، عبد العلم السبتي، محمد أحمد إسماعيل، محمد عمارة، وصاحبا العروة الوثقى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.

ثامناً: رسالتنا تقوم على تربية جهادية بمعاني الجهاد الواسعة، وتشمل الاستعداد للقتال بضوابطه الدفاعية، والالتزام بالجهاد المدني لإزالة تمكين الأشرار وما شوهوا به الإسلام، ولتقديم دعوة الإسلام بتدبر نصوصها والإحاطة بالواقع المعاصر أي التأصيل التقدمي والحرص على وحدة أهل القبلة فيما يجمع بينهم وتعايشهم مع اختلافات اجتهاداتهم.
هذا النهج يلزمنا كذلك معاملة أهل الكتاب كأخوة لنا في ملة إبراهيم عليه السلام، والتعامل مع سائر الملل على أساس (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[5] ونهج (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ)[6] .

تاسعاً: سئلت متى عودتي للوطن؟ أقول أرجو متابعة الفتوحات التي نحققها في هذه الأسفار، وسوف أعود إن شاء الله بعد نهايتها غير آبه بالبلاغات الكيدية التي دبرها الانقلابيون ضدي لاغتيالي قانونياً.
هذه هي المرة الرابعة التي يستهدفني بالاغتيال القانوني الانقلابيون. ولكن (لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِۚ)[7] ويرجى أن يرد الله كيدهم في نحرهم. يقذفونني بالحجارة وهم في خيمة واهية من الزبد، فهم قتلى نصوص واتهامات موثقة في القانون الجنائي الدولي بحيث تتصيدهم المحكمة وتلاحقهم حيثما حلوا في بلاد قضاؤها مستقل، ما رموني به كيداً لا يبلغ عشر معشار ما يلاحقهم حتماً.

هذا البلاء تزكية ترفع شأن صاحبها وطنياً ودولياً، ولكن كما قال اينشتاين شيئان لا حدود لهما: الفضاء والغباء الإنساني:
على قَدْرِ فضل المرءِ تأْتي خُطُوبُه ويُحسنْ فيه الصَّبْر فيما يُصِيبهُ

عاشراً وأخيراً: رسالتي هي رسالتكم، فالقضية أمانة تاريخية تجري مجرى الدماء وأنتم مثلي تحمونها بعزيمة فدائية استعصى على الطغاة تهوينها أو تدجينها. بل كل الذين أرادوا رسالتنا بسوء سقطوا في مزبلة التاريخ وبقيت الرسالة تصونها الهمة والعزيمة والوعد الحق (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[8] .

في الختام لا يفوتني أن أعبر لكم عن قلقي على الموسم الزراعي الذي هطلت أمطاره دون أن تتوافر المدخلات الضرورية لا سيما الوقود. وأبدي استنكاري لبيع أراضينا مئات آلاف الأفدنة، وقد كانت في عهدنا ممنوعة قانونياً ولكن حكام اليوم استباحوها لدعم ماليتهم المعجزة وليستميلوا بها المؤلفة جيوبهم الميتة ضمائرهم. صفقات باطلة لا نعترف بها.

أبارك لكم في الختام شهر الصيام مولد القرآن، تقبل الله صيامنا وقيامنا، وأبارك لكم ذكرى يوم الجهاد لنجدد العزم في مسيرتنا الجماعية فما ضاع حق قام عنه مطالب، ومن سار على الدرب وأخلص الهمة وصل، والسلام.

 

 

 

__________________________________________________

 

 

[1] سورة التوبة الآية رقم (13)

[2] سورة الزمر الآية رقم (30)

[3] سورة الأنعام الآية رقم (158)

[4] سورة الأنعام الآية رقم (89)

[5] سورة البقرة الآية رقم (256)

[6] سورة النحل الآية رقم (126)

[7] سورة فاطر الآية رقم (43)

[8] سورة يونس الآية رقم (62)