كلمة الإمام الصادق المهدي في الاحتفال بالأمينين صديق وإبراهيم

الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين

بسم الله الرحمن الرحيم

حفل تكريم الأمين العام لحزب الأمة السابق الفريق صديق محمد إسماعيل واستقبال الأمن العام الجديد د. إبراهيم الأمين

19 أبريل 2012م- دار الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

اخواني واخواتي، أبنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة الله

وأنا أخاطبكم هذا المساء في فرحة بالممارسة الديمقراطية في حزبنا، ولكن البلاد تحترق، ونحن إذا نشهد هذه المشاهد مكتوفي الأيدي لأن السلطة في أيدي غيرنا، والسلطة هي من نسجت لنفسها هذا النسيج، ونجد أنفسنا الآن للأسف في دولتين متجاورتين مصرتين على الإضرار ببعضهما الآخر، بلا حكمة ولا مراعاة للشعب الذي سيعاني من هذه القرارات الطائشة. نسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة الواسعة للشهداء، وسرعة الشفاء للمصابين، وأن تنقشع هذه الموجة من البله التي نواجهها في بلادنا لنتجه لبناء الوطن الذي هو الآن في أمس الحاجة لطي صفحة الماضي وفتح الصفحة الجديدة.

ولكن بعد الحديث عن هذا المشهد المأساوي الذي نشهده، أود أن أتحدث بعض الشيء عن حزبنا أجد كثير من الناس يتحدثون بالتعميم عن الأحزاب السياسية، والغريب جدا أنهم يعممون تجاربهم الفاشلة في أحزاب فاشلة على كل القوى السياسية، دون أدنى محاولة حتى أن يعرفوا حقيقة الأمر.

حزبنا يقوم على خصائص واضحة:

– الديمقراطية والمؤسسية واللامركزية: لم ولن يتخذ أي قرار في حزب الأمة إلا قرار يمثل رأي الجماعة. هذا ديدن حفظناه وعرفناه وراعيناه، وكل وثائقنا وكل وقائعنا التي دونت تؤكد هذا المعنى: الديمقراطية والمؤسسية واللامركزية، بمعنى أن حزبنا الآن له وجود في كل الولايات حي يتفاعل مع الأحداث. فقط في اليومين الماضيين زارني عدد من الوفود يؤكدون ذلك. جاءنا وفد المناصير وقالوا لنا نحن أتينا لنشكر حزب الأمة ولكن أيضا نشكر حزب الأمة في ولاية نهر النيل لأنهم أول من آوانا بينما الناس خايفين ومرتجفين، في اليوم الأول آوونا وأعطونا وأكرمونا وأسكنوننا في اليوم الأول ونحن نقصد أن نقوم بعملية الاعتصام. بعدهم مباشرة جاء وفد بقيادة ناظر البني عامر ومعهم قيادة حزب الأمة بالقضارف، قالوا لنا أنه منذ أن جاء الحكم على ابننا شفا تحرك كيان حزب الأمة هناك بكفاءة عالية ونحن جئنا لنشكر حزب الأمة ونشكر هذا الكيان الذي استطاع أن يتحرك بهذه الصورة، والمعنى الذي أعجبهم أن رئيس حزب الأمة بالقضارف (أخونا مصطفى داؤد) هو من الفور وابننا المحكوم عليه شفا من البني عامر. المهم إن حزبنا في الولايات صار له كيان لا مركزي متحرك، والجماعة الذين جاءوا فقط ليشكروا حزب الأمة اللامركزي في وقوفه معهم في هذه القضايا اللامركزية.

– التوازن: العمري، والنوعي، والجهوي وهذه توازنات نراعيها في كل تكويناتنا إن شاء الله.

– الصمود أمام الاستهداف: لا شك أن حزب الأمة في كل تاريخه مستهدف فالعسل أصلا يجذب الذباب “العسل بلم الضبان” وعلى هذا الأساس كان الذباب دائما ما يلم فينا، ولكن الحمد لله هناك ثلاثة عوامل طردت الذباب “حاحت الضبان” ووضعته في حجمه:

• قاعدة من الأسمنت المسلح عندها إيمان وتصميم واستطاعت عبر كل المحن والامتحانات أن تصمد.

• قيادة تعتبر نفسها مبيوعة للوطن شاءت أم لم تشأ ولذلك تقدم في سبيله الغالي والرخيص بصورة ليس فيها تهاون أصلا، حراسة لمشارع الحق.

• اجتهاد مستمر لاستيعاب المستجدات فلا نقف في محطة واحدة، بل محطة داينامية متحركة مع أهداف البلاد ومصالح العباد.

لذلك استطعنا أن نقف في وجه الأعاصير كلها. الحزب الآن يقف ولله الحمد قويا مستشرفا المستقبل. لمت علينا محنٌ بعد المؤتمر الخامس ثم بعد المؤتمر السابع ولكن الشعلة ظلت بنفس المعنى الذي قاله الإمام المهدي: “ناري هذه أوقدها ربي وأعدائي حولها كالفراش كلما أرادوا أن يطفئوها أحرقوا بها وصار أمري فاشي”.

هذا هو المعني الذي استطاع حزبنا أن يعبر عنه وجسدته الهيئة المركزية، كثير من الناس قياسا على أحزاب أخرى ظنوا ما ظنوا ولكن ولله الحمد كانت التجربة تجربة كسبية ليس فيها خاسر لأن الرابح فيها هو حزب الأمة والديمقراطية والمؤسسية.

أود أن أودع الحبيب الفريق صديق ليس في حزب الأمة، سيكون له دور قيادي ولا في الزمالة، سيكون مكانه في الزمالة مستمراً، ولكن في الموقع الذي كان يواصل عمله منه، أودعه شهادة بإنجازات ثلاثة:

أولا: لا شك أنه ساعد أن يجعل التنظيم في حزب الأمة أفضل مما كان عليه التنظيم عندما دخل هو في هذا الموقع.

ثانيا: قام بعملية مهمة في التواصل بين القاعدة والولايات مما جعل صلة مستمرة بين القيادات الإقليمية الولائية والقيادات المركزية، وجعلت بينهم تعارف وتفاكر وتعاون ليس فقط عن طريقة المراسلات ولكن عن طريق الحضور.

ثالثا: كذلك استطاع أن يواصل الولاء للمؤسسية بحيث تكون المؤسسية هي المقياس للتعامل، وأنا اعتقد هذا رأس مال لما حقق من إنجاز وجدوى.

أما الحبيب إبراهيم فأنا أقول:

– أول بادرة تدل على الفأل هو أنه جاء لهذا الموقع ليس بترشيح نفسه وإنما بترشيح آخرين له. فهو إذن لم يزك نفسه بل زكاه آخرون.

– كذلك الحبيب إبراهيم كادر سياسي في العمل الحزبي له في هذا تاريخ عبر الأجيال والمواقع. هذه صفة تجعل سهلا عليه الانفتاح على الكوادر السياسية الأخرى العاملة في الساحة السياسية السودانية، لأن مسألة الكوادر هذه ليست مسألة ممكن أنت تكون ثانوية بل هي مسألة مكتسبة في السجون، في الاتحادات الطلابية، في الأنشطة النضالية، في الإضرابات النقابية، وهي عمق لتاريخ نضالي يكتسب بموجبه الكادر كادريته وقدرته على الانفتاح على هذا المجال.

– وكذلك هو بالإضافة إلى هذه الصفات وبانفتاحه ممكن أن يساهم في التشبيك مع القوى السياسية خارج الإطار السوداني: العربي والأفريقي والإسلامي والدولي، وهذه كلها معان مهمة جدا لتضيف لعملنا الذي نحن بصدده.

هناك من يتكلم كأنما حزب الأمة فقير في الرجال والنساء، هذا غير صحيح، إننا نتيح فرصا تدريبية حقيقية وليس مجرد كلام لقياداتنا ليكونوا رؤساء وكل مؤسساتنا يرأسها غيري، الرؤساء الآخرون يرأسون أي اجتماع يحضرونه ولكني أحضر كل الاجتماعات كعضو عادي أطلب الفرصة للحديث لو أردت، المؤتمر العام له رئيس غيري وأنا فيه عضو والآخرون يرأسون مؤتمراتهم، الهيئة المركزية لها رئيس ولست رئيسها بل عضو فيها، والمكتب السياسي له رئيسة ولست رئيسه ولو رغبت الكلام أطلب الاذن في الاجتماعات، حتى في الأنصارية أنا مبايع إمام وأحضر اجتماعات هيئة شئون الأنصار مرؤوسا يرأسني رئيس مجلس الحل والعقد واستأذن منه ليعطيني الإذن لأتكلم، وهذا كله تدريب لتكون لدينا قيادات وكوادر، والآن أقول والناس يعتقدون أن هذا كلام ليس صحيحا ولا واضحا، يمكنني القول إذا كنا نريد رؤساء اعتقد في حزب الأمة لدينا خمسة، ستة، سبعة ممكن يكونوا رؤساء، إذا كنا نريد أمناء عامين لدينا في حزب الأمة خمسة ستة سبعة أمناء عامين، ولو عايزين رؤساء للمكتب بالسياسي عندنا خمسة ستة سبعة رجال ونساء، وهذا ليس مجرد كلام بل هي تمارين يتمرنونها في حزب الأمة والحزب الآن لديه ثروة بشرية قادرة على أن تدير أمره في كل هذه المستويات وتشارك، وهذه من أهم الانجازات أن لدينا ثروة بشرية قادرة علي أن تدير هذه الأنشطة وهذه الأجهزة، وهذا ليس أمرا سيكون في المستقبل بل هو كائن الآن عبر هذا التدريب، ونفس التدريب موجود في هيئة شئون الأنصار باعتبار أن لدينا الآن مجلس الحل والعقد وأيضا فيه أكثر من شخص ممكن يكونوا رؤساء، وفيه أكثر من شخص ممكن يكونوا أمناء عامين لهيئة شئون الأنصار، فهم أيضا شباب دربته على طول فترة طويلة من الزمن وهم قادرون على تلك المهام، هم حفظة قرآن وخريجو معاهد مدنية وصاروا أيضا كادر للعمل الديني، هذا رأس المال الحقيقي عندنا سواء في كيان الأنصار أو في حزب الأمة.

البعض يقولون إن الأحزاب ليس فيها قيادات “وفلان ليس هناك غيره” وأقول ليس فقط سيكون هناك غيره بل الآن هناك غيره، قائمون بهذه الأنشطة والمواقع والمسئوليات.

الحبيب إبراهيم ستكون أمامه تحديات كبيرة جدا:

– أول تحدٍ تكملة التنظيمات، وهذه مهمة جدا، وسيكون فيها طبعا وجهات نظر مختلفة وعليه أن ينظر كيف يوفق بين القديم والجديد ويحافظ على التوازنات، وهذا هو الامتحان وفيه يكرم المرء أو يهان، ونأمل ونتطلع أن يُكرم لأننا نريد أن نواصل لا أن نرجع للوراء.

– وأمامه الآن أن يعقد ورشة المؤتمر الثامن فأمامنا هذا المؤتمر الثامن ولا بد أن نحضر له بمراجعة الدستور ومراجعة البرنامج، ولدي أفكار جديدة للبرنامج القادم هذا إن شاء الله لأننا نعتقد أن البرنامج القادم إن شاء الله سيكون برنامج يخاطب الديمقراطية المستدامة القادمة في السودان وهذا يجعلنا لازم نستعد لها.

– قضية الجهاد المدني وكيف نسوقه إلى أن يحقق النظام الجديد، وهذا تحدٍ لكن لا بد منه فنحن نريد نظاما جديدا. وقد قدمت معطيات تدل على أن النظام الحالي لم يعد بالإمكان استمراراه.

– الإعلام واحد من مشاكلنا، لدينا كلام ابتدائي مع جهات إعلامية لأخذ مساحات معهم لكن لا بد من أن يعمل أثر مباشر في المجال الإعلامي.

– المسألة المالية: حقيقة الموضوع المالي مشكلة كبيرة جدا ولا بد من أن يبذل مجهود كبير جدا في مساهمة شعبية بدءا من العاصمة، لا بد أن تكون لدينا مساهمة شعبية، وهذا تحدٍ كبير جدا، وعليه الإمساك بقرني هذا الثور، وأقول له يمكنني أن أتكفل بمقدار (20%) من ميزانية العمل التنفيذي والبقية (80%) يجب أن تكمل من القاعدة. هناك سبيلان: التبرعات والمساهمة الشعبية. هذا تحدٍ كبير جدا لأنه لن يكون لنا حزب مؤسسي ما لم نضبط مسألة المال.

– ولا شك أنه لا يتم عمل بدون وسائل اتصال ومواصلات، لدينا وسائل اتصال تحققت في الفترة الماضية ولكننا محتاجون على الأقل لعربية لكل ولاية وعربية للتنظيمات الشعبية: المرأة- الطلاب – والشباب أي حوالي 13 عربية يجب أن نبحث سويا ونتعاون في كيفية توفيرها وهي مهمة جدا إذا كنا نريد أن ننطلق في المرحلة القادمة بالصورة التي تمكننا من أن نعمل أثرا، لأننا في مرحلة ما سنصعد الضغط الذي يمكن أن يؤدي للاعتصامات المليونية في عدد من الولايات وهذا كله لا يكون بكلام من الخرطوم بل بالعمل الدؤوب، وهو ليس مسئوليته وحده بل مسئوليتنا المشتركة جميعا، وعليه المهمة المباشرة أن يقوم بالعمل التنظيمي الذي يحقق هذا العمل.

– القيام بتشبيك كبير جدا داخلي وخارجي.

– مشكلة التعامل مع القوى السياسية الأخرى وهي مهمة جدا لأننا لا نمشي وحدنا بل اسمنا حزب الأمة القومي بمعنى أننا منفتحين على الآخرين:

العلاقة مع المؤتمر الوطني

المؤتمر الوطني نحاوره، نفاوضه، ولكن ننتقد سياساته الخاطئة لأن في سياساته الخاطئة دمار الوطن. يعني هل من المعقول أخطأ الرئيس سلفا كير بأن احتل هجليج وكان خطأ كبيرا منه وخسر به رأيا عاما في السودان وفي الرأي العالمي، وكأنما قيادة المؤتمر الوطني حسدته على ذلك ولذلك قالت كلاما يخسرها الإجماع الوطني والتأييد الدولي، لم أر حالة من الإنسان “يطبظ عينه” بيده كهذا ولم أقرأ عن حالة كهذه من قبل. فحينما تقول إن واجبنا أن نسقط حكومة جوبا في جوبا تتكلم لغة لا نقف معك فيها ولا العالم، تعزل نفسك من القوى المعنوية التي يفترض أن أي إنسان في المؤتمر الوطني لديه ذرة من العقل يقول الحمد لله ربنا أخرجنا من العزلة الداخلية والخارجية، حقنا نشكر سلفا كير في أن قام هذا العمل ليس لأن هناك تضحيات عسكرية، وهناك تضحيات عسكرية كبيرة حدثت، فما يحسم هذا الأمر ليس التضحيات العسكرية وإنما القوى المعنوية السياسية والدولية وهذه كانت إلى حد كبير ضد الإجراء الذي عمله سلفا كير في النداء الذي وجهته له، كيف بعد أن وضع نفسه في هذا الموضع نقول نحن في السودان أن واجبنا إسقاط الحكومة في جوبا. الحكومة في جوبا يسقطها أهلها وليس نحن، وأي كلام أننا نقوم بها نوحد الجنوبيين معها ويدعمها فأي كلام أننا نريد أن نسقط حكومة جوبا سيأتي لها بتأييد من أهل جوبا لأن هذا معناه غزو أجنبي، فكيف نقول كلام هكذا؟

وكون بعض القيادات يتكلمون عن أهلنا في جنوب السودان بلغة عنصرية بغيضة هذا من أكبر الأخطاء. يا أهلنا في جنوب السودان نعتذر لكم عن هذا الكلام، أنتم أخواننا وأهلنا وإذا فرقتنا الآن السيادة والسياسة ستجمعنا المصالح، وأي كلام عنصري عن الجنوب والجنوبيين جاهلي، كما قال الصحابي أبو ذر كلاما عنصريا لبلال في حضرة رسول الله (ص) فقال له الرسول: أنت امرؤ فيك جاهلية. كل من يتحدث بالأعراق والأنساب والأحساب والإثنيات إنما يتحدث حديث الجاهلية. نحن بُرآء من حديث الجاهلية. هناك شاعرة سودانية (روضة الحاج) قالت في لوحة تشكيلية:

أنا العروبة في عرق الزنوجة

في فرادة ضمت كل الأفانين

كنا انزرعنا في هذا التراب معا

منوعين كألوان البساتين

نحن هكذا، أي إنسان يتكلم عن السودان بغير هذه اللغة إنما يزرع الفتنة. نحن كنا نقول هذا الكلام ضد منبر السلام العادل لأننا نعتبره يمثل هذه الجاهلية، لكن الآن المؤتمر الوطني بقياداته صار منبر سلام عادل كأنما منبر السلام العادل كان ضميرا لهذا العمل.

نقول إن القيادة الجنوبية أخطأت في احتلال أي أرض مختلف عليها بالقوة، ونقول لهم هذا إنما يعمل على توحيد الشعب السوداني والرأي العام العالمي ضدكم، لكن أن نقول نريد تحرير جوبا؟ فهذا خطأ. نحن نريد أن نحرر أرضنا ونحن نقول ذلك وسنعمل ونقول للجهات المسئولة الآن سياسيا في اتخاذ القرار نحن مستعدين أن نكمل الناقص بكل الوسائل للدفاع عن أراضي الوطن وسيادة الوطن، هذا ليس لدينا فيه كلام نحن مع الوطن وليس مع الوطني. والوطني نساءله ونقول له إن اللغة التي تتكلم بها هذه تخسرك أهل السودان، وتخسرك شعب الجنوب وتخسرك أشقاءنا في أفريقيا، وهذه اللغة التي تتكلم بها لغة جاهلية نتائجها ضارة للغاية، نحن لسنا أوصياء على الجنوب ولن نغير حكومته ولا نريد أن نعمل ذلك، وحكومته إذا كانت ستتغير فسيغيرها الجنوبيون وحينما نقول نحن نريد أن نغيرها سنوحد الجنوبيين وراءها، ولذلك نقول (القيادة الجنوبية) أخطأت نعم، نواجه أخطاءها نعم، نحرر بلدنا نعم، نضحي في سبيل ذلك نعم، ولكن أبدا لا نقول أي كلام فيه لهجة عنصرية، ولا أي كلام فيه أننا نحن أوصياء على الجنوب نحن لسنا أوصياء على الجنوب، وإن كان الذين يتكلمون الآن أنهم يريدون أن يغيروا ويفعلوا في حكومة الجنوب إن كانوا قادرين فقد كانت لديهم فرصة أكبر، حينما كان الجنوبيون في الحركة الشعبية معهم ست سنوات وما استطاعوا أن يعملوا في هذا الشيء، وبالعكس عملوا كل ما يمكن عمله لتمكين الحركة الشعبية لأنهم اعتقدوا أن تتمكن الحركة الشعبية في الجنوب لكي يتمكنوا هم في الشمال، واتفاقية السلام أصلها كانت قائمة على ذلك، وقد كنا انتقدناها ومن ضمن انتقاداتنا لها أن فيها: أنتم تستأثرون بالجنوب ونحن نستأثر بالشمال، ففي اتفاقية السلام أصلا صفقة من هذا النوع، الآن فقط اكتشفوا أنهم عملوا هذه الصفقة؟ إنها صفقة عقدوها منذ أن وقعوا اتفاقية السلام أنهم سملوا الجنوب للحركة الشعبية مقابل أن الجنوب يسلمهم الشمال، وهذا هو البله الذي وافقت عليه الأسرة الدولية التي اعتقدت أن السلام ممكن يقوم حينما يسلموا الحركة الجنوب ويسلموا المؤتمر الوطني الشمال. على كل حال نحن نقول بوضوح تام نحن مع الوطن ومستعدين للتضحية في سبيل هذا بكل ما يمكن عمله من تجييش وتحشيد وعمل، ولكن نحن ندين سياسات المؤتمر الوطني المسئولة عن هذا الذي حدث.

والمدهش جدا كان معروف منذ أوائل شهر أبريل أنه سيكون هناك هجوم علي هجليج، فماذا عملوا؟ كيف تنتظر حتى تقع الحكاية وأنت عارف أن هؤلاء الناس قادمون؟! وأي عسكري يعرف أن الدفاع عن موقع أسهل بكثير جدا من تحريره بعد أن يذهب. من المسئول عن هذا التفريط في هجليج بسهولة جدا أمام غزو أجنبي كان معروف منذ أوائل أبريل، من المسئول؟ هذا موضوع لا يمكن ندعه يمر وسنتكلم عنه بوضوح تام لأن فيه استهتار بأرواح الناس. هجليج أهم مدينة اقتصادية في السودان الآن، وانت عارف أن هجليج وهي أهم مدينة اقتصادية سوف تُغزى فماذا عملت؟

نحن الآن مع كل العمل لتحرير أي شبر من أرضنا، ولكن نحن لا بد أن نتساءل من المسئول عن التفريط الذي أدى إلى هذا العمل؟ لا بد من جهة وناس مسئولين لأنه كان معروف منذ أوائل أبريل وكثير من الناس كانوا يتكلمون أن هناك نية بتحرك، وهذا موضوع مهم جدا لن نفرط فيه إن شاء الله ولا بد من مساءلة الوطني، ولكن لا بد من التحشيد للدفاع عن الوطن وأن نميز تماما بين الوطن والوطني هذا هو موقفنا الواضح في هذه المسألة.

هذا فيما يتعلق في العلاقة مع المؤتمر الوطني الذي نريد أن نحاوره لكي نستطيع عمل نظام جديد، فالجهاد المدني والحوار كلاهما لا يقطع الآخر.

العلاقة مع أحزاب المعارضة الأخرى

أخواننا في أحزاب المعارضة نحن نتعاون معهم كلهم من أجل البرنامج الديمقراطي، ولكن لدينا كلام واضح، فهناك البعض منهم حينما كانوا مسئولين لم يقصروا في الشمولية والدكتاتورية والبطش بالمدنيين، وهذا كله لا يجعلنا نقول لن نتعاون معهم لتحقيق الديمقراطية، لكنه يمنعهم أن يصيروا لنا أساتذة في درس الديمقراطية. نحن ضحاياهم في عهد مايو وفي عهد الإنقاذ وناضلنا حتى حررنا البلاد منهم في الماضي، ولا يمكن يصيروا لنا أساتذة في موضوع الديمقراطية. نحن نرضاهم حلفاء ولكن لا نرضاهم أساتذة ونقول لهم لا أستاذية لكم، وأولى بكم أن تتواضعوا وتندموا على ما بطشتم بالشعب السوداني في الظروف المايوية أو الإنقاذية ولا بد أن يكون هناك وعي من هذه الناحية. لقد كان سلوكنا واضحا جدا في السلطة لم نعتد على إنسان ولم نأكل حق ناس ولم نبطش بالناس:

حكمنا فكان العدل منا سجية *** فلما حكمتم سال بالدم ابطح

كل من في يده دماء المواطنين ومن بطش لا نقول لهم نريد منكم شهادة براءة، وسنتعاون في سبيل تحقيق الديمقراطية، ولكن لا نسمح لهذه المدارس أن تصير أستاذية لنا فهذا ليس ممكنا ولا معقولا. نحن نعمل على التعاون مع كل القوى السياسية حتى أولئك الذين نعرف كيف حكموا باطشين، لأننا الآن بصدد قضية أكبر، فقط نقول إن هذا التاريخ لا يمنعنا نتعاون معهم ولكن يمنعهم أن يصيروا أساتذة لنا في قضية الديمقراطية.

الجبهة الثورية:

أخواننا في القوى الثورية نحن نتصل بهم ونتكلم معهم ونقول لهم إن لكم قضية ونحن مستعدون نتعاون في تحقيق هذه القضايا ولكن في إطار السودان الموحد، هذا كلام نحن نتكلم معهم فيه لأننا نريد الآن اتفاقية سلام جديدة تعالج هذه المشاكل مع بعض.

المطلبيون والمحتجون

وفي هذا الأثناء فإن حزب الأمة سوف يستمر يتبنى القضايا المطلبية والقضايا القومية بأقوى صورة ممكنة في سبيل تحرير الوطن.

ولا شك أنه عندما ينجلي وإن شاء الله ينجلي الموقف في هجليج، فسنقوم بدور كبير جدا في التفاهم مع القوى السياسية الحاكمة في السودانين: في الخرطوم وفي جوبا لكي نبرم اتفاق سلام شامل لكي يزيل احتمالات الحرب.

الحرب بين دولة السودان وبين دولة الجنوب حرب لن تكون لها نتائج أصلا إيجابية للطرفين ولذلك لا بد من وقف هذه الحرب. نحن سنعمل على ذلك بكل الوسائل واعتقد أن مجهودنا الكبير سيكون متجها الآن بأولوية كبرى لوقف الحرب، والتركيز المتوازي حول قضية السلام، وإذا استطعنا أن نوقف هذه الحرب المتصاعدة وينتهي فصل هجليج، لكي نتمكن من المرحلة القادمة.

وأعتقد أن الحبيب إبراهيم في كل هذه المجالات لازم ينشط هو و”الأتيام” المختلفة في الاتصالات مع كل الأطراف: المؤتمر الوطني، القوى المعارضة، القوى حاملة السلاح، النقابات، أصحاب الحركة المطلبية، القضايا القومية وكلها هي المسرح الواسع الذي سوف نتحرك فيه.

لا شك أننا نعتقد أن السودان الآن مواجه بأن يكون أو لا يكون، ولا شك أن الظروف كلها ترشح حزب الأمة بأن يقوم بدور وطني كبير، لأننا منذ وقت باكر قلنا إن اتفاقية السلام هذه يا أخواننا لن تأتي بسلام ولا وحدة ولا ديمقراطية، قالوا إنكم تقولون ذلك من باب “المديدة حرقتني”، و”الما بتلحقه جدعه”، هذا الكلام قلناه منذ عام 2005م وكل ما قلناه للأسف تحقق كما هو. قلنا لهم في جنوب كردفان أوقفوا هذه الانتخابات ولا معنى لها حينما يقول طرف “يا النجمة يا الهجمة” والطرف الثاني يقول “يا هارون يا القيامة تقوم” وهذا معناه ليس هناك انتخابات وهذا معناه حرب فأوقفوا هذا العبث وكتبنا للرئيسين أن أوقفوا هذا الكلام لأنه سيأتي بحرب، وجاءت الانتخابات وجاءت بالحرب.

في كل هذه المعطيات وسائلنا تدل على أنها كلها صحيحة وقبل مدة بعيدة تنبأنا بما سيحصل وللأسف يحصل ولا حياة لمن تنادي، على كل حال نحن أيضا في المرحلة الحالية نقولها لا ينبغي أن نقول نحن نريد أن نسقط الحكومة في جوبا ولا ينبغي أن نقول نحن نريد أن نتجاوز حدودنا في دولة الجنوب، لأن هذا بالعقل فقط سوف يوحد الجنوبين مع قيادتهم ويعطيهم عطفا دوليا، وهذا معنويا أقوى من أي سلاح في العالم الذي نعيش فيه. والغريبة أن هجوم القيادة الجنوبية على هجليج أعطى المؤتمر الوطني قيادة السودان الحالية لأول مرة فرصة أن تنعم بتأييد شعبي مطلق في هذا الموضوع، وبتأيد دولي “لكن الكديس برفس عشاه” نحن الآن نريد فعلا أن نرى كيف نخرج من حالة “رفسان العشا” هذه لأنها مسألة خطيرة جدا. صحيح قيادة الجنوب ارتكبت خطأ والقضية صحيح مشكلة كبيرة جدا وتثير فينا الحماسة لكنها تثير فينا الحماسة بطريقة محددة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ” الشديد هو الذي يصبر على الغضب ولا يدع الغضب يتملكه لأنه حينما يتملك الغضب إنسان يجعله يقول كلاما يضر مصلحته.

نحن الآن في موقف سنتكلم باسم الشعب السوداني بلغة العقل، لا بد من وقف هذه الحرب ونخاطب أخواننا في الجنوب أن ما قمتم به غلط، ولا بد أن ينتهي. وأن يعرفوا أن الكلام حول أنهم سوف يسقطون الخرطوم أو الخرطوم تسقط جوبا يضر. الآن الخرطوم عندها مشاكل كبيرة وجوبا كذلك عندها مشاكل، ولكن أي كلام من الخرطوم بأنها تريد أن تسقط جوبا أو جوبا أنها تريد أن تسقط الخرطوم ستدع الناس يقفون مع جوبا أو يقفون مع الخرطوم. قال الإمام العز بن عبد السلام: كل ما يؤدي إلى عكس مقاصده باطل، نحن نقول أي كلام على أننا نريد أن نسقط حكومة الجنوب في جوبا يمكّن حكومة جوبا أن تعتمد على تأييد جنوبي وليس جنوبيا فقط بل أيضا من جهات أخرى كثيرة جدا. كذلك أي كلام تقوله جهة من جوبا أنها تريد أن تسقط الخرطوم سيكون له نفس الأثر، سيأتي بأثر عكسي.

وهناك حادثة شبيهة، حينما كنا في القاهرة وكنا نستمع لأخبار مظاهرات في الخرطوم في أغسطس 1998م وجاءنا الخبر بأن الأمريكان ضربوا مصنع الشفا بالكروز، فوضعت يدي على رأسي وقلت: الله، إنه الصديق الجاهل! لماذا؟ لأنه بدلا عن التناقض بين الحكومة والشعب، سيتحول إلى تناقض بين الحكومة والأمريكان وفي هذا سوف يجدون تأييدا وهذا ما حصل فعلا، والآن أي كلام عن أننا نريد أن نسقط حكومة جوبا أو حكومة جوبا تريد أن تسقط الخرطوم ستكون النتيجة عسكية. كذلك في مثل هذه الأشياء حتى من يريد أن يفعلها لا يقولها، هكذا هو نظام الدول، وهكذا هو النضج السياسي، إنك في مثل هذه المسائل حتى لو أردت عملها لا تقول لأن العبارة: “اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ” أصلا هذا هو المعنى فيها. هي أشياء إذا كنت تريد عملها، وبرأيي ما كان يجب التفكير فيها هكذا لكن إذا كنت تريد عملها لا تتكلم بها.

نحن الآن في حالة مؤسفة، نحن لازم نحرر أرضنا ونحن نقف مع القوات المسلحة لتحرير الأرض بكل الوسائل ونعد أنفسنا إن شاء الله وندرس كيف نتجاوز التقصير، ولكن يجب أن نتحدث فقط في إطار الدفاع ولا نقول نحن سنهاجم ونفعل وغير ذلك، هذا غلط. إذا ستوجد مشاكل في جوبا بين حكومة جوبا وآخرين فستكون وهي موجودة بين الحكومة في جوبا وبين ناس جوبا الجنوبيين أنفسهم وليس منا نحن. وكلامنا مع الجنوبين لازم يستمر بأننا نريد المودة والإخاء ولكي نعزل الصقور الذين زجوا بهم في هذه المغامرة الخاطئة الظالمة.

لذلك فإني أقول نحن في حزب الأمة أمامنا مهام خطيرة جدا ولا شك الحزب الآن بعد ممارسته الديمقراطية والمؤسسية في الهيئة المركزية سيكون إن شاء الله قادر أن يندفع في هذا الاتجاه ونحضر للمؤتمر الثامن لكي يكون إن شاء الله مؤتمر التحضير للديمقراطية المستدامة والسلام المستدام.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ملحوظة: ألقيت الكلمة شفاهة وقمنا في مكتب الحبيب الإمام الصادق المهدي الخاص بتفريغها من التسجيل المرئي.