كلمة الإمام الصادق المهدي في المؤتمر الصحفي رقم 54

الأمطار والسيول الاستثنائية والإجراءات الاستثنائية المطلوبة لدرء الخطر

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

مؤتمر صحافي رقم (54)

الأمطار والسيول الاستثنائية

والإجراءات الاستثنائية المطلوبة لدرء الخطر

الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب

13 أغسطس 2013م

 

مقدمة:

 

منذ هطول الأمطار والسيول في بداية هذا الشهر كون الحزب فرقاً تتفقد المناطق المنكوبة، ويمكن لممثلي هذه الفرق أن يعطوا بيانات بالمناطق المتأثرة، وعدد الضحايا، والجرحى، والمنازل المدمرة، وتدهور البيئة، وتلوث المياه، وعدد المشردين في العراء؛ ولا شك أن حجم الدمار كبير، وهبت جهات كثيرة أغلبها أهلي وبعضها رسمي تتفقد الأحوال وتقدم بعض الإغاثات.

 

وكنت بصدد السفر إلى عمان للمشاركة في مؤتمر نظمته مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي لتقديم محاضرة بعنوان: (مشروع دولة ذات مرجعية إسلامية قابلة للاستمرار ومستدامة)، ولكن نظراً لظروف المصيبة الحالية اعتذرت عن السفر، وأنبت الأمير عبد المحمود أبو لإلقاء محاضرتي.

ما سبب الدعوة لهذا المؤتمر؟

1. أولا: لنقول إنه لا معنى لما يصرح به مسؤولون بأن الموقف ليس كارثياً وأنه تحت السيطرة. البيانات تؤكد أن الموقف كارثي، وأنه ليس تحت السيطرة، بل حجم الخيم المتاحة والمشمعات والأدوية والإغاثة من ماء وغذاء لا يساوي عُشر المطلوب.

2. ثانياً: بناءات البنية التحتية من طرق رصفت، وكباري شيدت، بنيت بطريقة فيها تقصير من المهندسين والمقاولين المنفذين ما يوجب تحقيق فني لتحديد المسؤولية عن هذه العيوب.

3. ثالثاً: بعض المساكن المخططة خططت ووزعت لأصحابها في مجاري السيول وهذه مساءلة ثانية مستحقة.

4. رابعاً: مساءلة ثالثة مطلوبة: الإرصاد الجوي نبه إلى غزارة الأمطار المتوقعة، ولكن كثير من المصارف لم تطهّر، وبعض المصارف لم تفتح للمصبات، ما ساهم في تراكم المياه وحصارها للمساكن والطرق.

الدولة مسؤولة أن تحقق في هذه العيوب وتحاسب المخطئين، نحن من جانبنا سوف نقدم بيانات عن هذه العيوب وما نعتقد من أخطاء ارتكبت.

ولكن نحن نقدر أن إدارة الأزمة دون المستوى المطلوب، ونعتقد أن احتواءها فوق طاقة إمكانات الإدارة الروتينية وفوق إمكانات البلاد ما يوجب الاعتراف بحجم الكارثة واتخاذ إجراءات استثنائية لإدارتها. ما هي تلك الإجراءات الاستثنائية؟

الحكم غير المساءل لا يهتم كثيراً بالرأي العام في تصرفاته، لأنه يتصرف بمنطق لا يسأل عما يفعل؟ ما يفسر المسافة الكبيرة الحالية بين تصريحات الرسميين ورأي المواطنين، لا سيما المنكوبين، في الأمر.

وللمقارنة والمطالبة بالاستفادة من التجربة، أذكر كيفية إدارة الأزمة قبل ربع قرن في ظل حكومة المشاركة والمساءلة والشفافية.

قال بعض المسؤولين إن حجم الأمطار والسيول والفيضان الحالي يزيد حوالي 50% مما كان عام 1988م، ومهما كانت الحقيقة فإننا يومئذٍ اعتبرنا الحالة استثنائية وواجهناها بإجراءات استثنائية كالآتي:

1. أعطى رئيس الوزراء صلاحياته لوزير المالية (د. عمر نور الدائم رحمه الله)، وفوضه لتكوين لجنة عليا أعطيت صلاحيات استثنائية لإشراك الوزارات المعنية، والقوى السياسية والمدنية، والقوات النظامية، وفوضت لاستخدام كل إمكانات السودان، ولاستقطاب العون من الأشقاء والأصدقاء لمواجهة الظرف الحرج، فأقبلت اللجنة على عملها بهمة شديدة مواصلة الليل بالنهار، متفقدة أحوال الناس بصورة مباشرة في العاصمة والأقاليم. نجحت اللجنة في الآتي:

· توزيع الخيام لإيواء الذين سقطت منازلهم.

· توزيع الغذاء للناس والماء بدقة.

· احتواء الأوبئة حتى أنه لم ينتشر وباء واحد.

· استخدمت القوات المسلحة في استلام وتوزيع الإغاثات فوزعتها بكفاءة عالية.

· أشرف نواب الجمعية على تكوين لجان شعبية في المناطق المختلفة للتأكد من عدالة توزيع الإغاثات.

اعتمدت اللجنة العليا غالباً على مخزون السودان الغذائي لدرء الكارثة، ولكن جاءتنا نجدة سريعة من الأشقاء، وإلى حد من الأصدقاء من: الخيام، الغذاء، والدواء،: المملكة العربية السعودية، والعراق، ومصر، والجزائر، واليمن، وسوريا، والأردن، وإيران، وتركيا، ونيجيريا، والدول الصديقة، وذلك استجابة لنداء الكارثة.

وبعد نجاح الإجراءات الاستثنائية هذه، واحتواء الآثار المباشرة للأمطار والسيول والفيضانات، اتخذ مجلس الوزراء إجراءاً استثنائياً آخر بتكوين لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء لإحصاء الخسائر ووضع خطة لإعادة التعمير، اجتمعت هذه اللجنة وكونت لجنة برئاسة الاستاذ أبو زيد محمد صالح لإحصاء الخسائر في كل أنحاء السودان، بسرعة فائقة أحصت اللجنة الخسائر وقدرتها بمبلغ 14 بليون جنيه سوداني في كل أنحاء السودان، اجتمعت اللجنة الوزارية العليا واعتمدت حجم الخسائر ووضعت برنامجاً لإعادة التأهيل وإعادة التعمير بمشاركة الوزارات المعنية، ثم خاطب رئيس الوزراء البنك الدولي لدراسة حجم الخسائر والبرنامج الذي وضعناه لإعادة التعمير، وكانت تلبية البنك الدولي سريعة جداً فانعقد مؤتمر دولي في الخرطوم في نوفمبر 1988م أي بعد ثلاث أشهر من وقوع الكارثة، واستعرض المؤتمر حجم الخسائر ومقترحاتنا لإعادة التعمير، وكونت لجان تخصصية اشترك فيها الخبراء والإداريون السودانيون وانتهى المؤتمر للقرارات الآتية:

أ‌. اعتماد برنامج تأهيل وإعادة تعمير الخسائر في حدود (407) مليون دولار.

ب‌. إنشاء جهاز خاص لمتابعة أعمال إعادة التعمير بصورة تتناسب مع سرعة الإنجاز المطلوبة على أن يكتمل في ظرف عامين.

ت‌. تدفع الأسرة الدولية 90% من التكاليف ويدفع السودان 10% منها.

ثم دعا البنك الدولي لمؤتمر عالمي في باريس في ديسمبر 1988م حضرته إلى جانب الدول الغربية المانحة أمريكا، واليابان، والسعودية، وصندوق النقد الدولي، وفيه حددت هذه الأطراف مساهمتها لتمويل البرنامج المذكور في حدود (407) مليون دولار، فكان هذا تجسيداً عملياً لنجاح سياسة السودان الخارجية والمكانة التي يستمتع بها بين الدول.

وبدأ تنفيذ هذا البرنامج في بداية عام 1989م ولكنه كان ضمن انجازات أخرى ضحية لانقلاب 30 يونيو 1989م.

أمام الحكومة الآن الاستفادة من تلك التجربة وإجراء الآتي:

أولاً: وضع حد لمحاولات التستر بادعاء أن في الأمر مبالغات، وادعاء أن الأمر تحت السيطرة، والاعتراف بالكارثة لا سيما في مناطق معينة.

ثانياً: تكوين آلية عليا بصلاحيات استثنائية لتسخير إمكانيات البلاد لاحتواء الكارثة. هذه الآلية تتخذ طابعاً قومياً وتعترف بالأنشطة الشعبية العاملة حالياً فقد أثمرت الأزمة نشاطاً أهلياً محموداً يرجى تشجيعه وتنسيق أعماله.

ثالثاً: وضع حد للحرب الباردة المتبعة مع منظمات الإغاثة الإنسانية العالمية، وإلغاء طردهم ودعوتهم للمساعدة، ولديهم إمكانات موجودة في البلاد يمكن استخدامها فوراً هنا وفي مناطق الحروب.

رابعاً: سياسة السودان الخارجية عزلته، ولا يرجى أن نجد تجاوباً مع حل مشاكلنا لا في احتواء الكوارث ولا في إاعفاء الدين، ولا في إلغاء العقوبات ما لم نخاطب أسباب العزلة الخارجية بشجاعة وبحرص على المصلحة الوطنية.

خامساً: وقف العدائيات المتبعة والملاحقات بحق المجتمع المدني السوداني ومنظماته المستقلة عن الحكومة، وفتح الباب لها لتلقي التمويل من المؤسسات العالمية بشفافية، وتفعيل المجتمع المدني بشقيه الحكومي والمعارض.

هذه هي الإجراءات المطلوبة عاجلاً لرفع المعاناة عن أهلنا المنكوبين، ولكن مهما كان تصرف الحكومة فمن جانبنا سوف نواصل تفقد الأحوال وتقديم ما يستطاع من نجدة ونشيد بكثير من المجهودات الأهلية لا سيما شباب نفير الذين قدموا أنموذجاً حميداً لشباب أفاضل. كذلك الأنشطة الشبابية الأخرى.

ختاماً:

نأسف جداً لآخر حلقة من حلقات الاقتتال القبلي في دارفور بين أهلنا الرزيقات وأهلنا المعاليا، وقد كانت نذر الإحتراب متوافرة ما جعلنا نوجه نداء لهم في خطبة العيد، والآن سنرسل وفداً مؤهلاً للمساهمة في احتواء الفتنة، ولكن للأسف توجد عوامل هيكلية ما لم تعالج فإن حجم الاقتتال القبلي إلى ازدياد.

تلك العوامل هي:

‌أ. التدخل في أوضاع حواكير القبائل بالصورة التي أحدثت ربكة.

ب. تسييس الإدارة الأهلية وإخضاعها لإرادة وإدارة الحزب الحاكم ما حجم نفوذها وهز مكانتها.

ج. انتشار المليشيات القبلية المسلحة والمدربة واتباعها لأجندات قبلية.

ما لم تعالج هذه العيوب الهيكلية التي فرضتها سياسة التمكين، والإجراءات الإدارية الخاطئة، فإن الاحتراب القبلي سوف يستمر.

ولكننا على أية حال وإلى حين قيام النظام الجديد المنتظر أن يحقق سلاماً عادلاً شاملاً في دارفور سوف نواصل مجهوداتنا لاحتواء الاقتتال وتحقيق المصالحات بين القبائل.