كلمة الإمام الصادق المهدي في الملتقى الشبابي التداولي

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

الأمانة العامة

الملتقى الشبابي التداولي

كلمة الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي

 

أيها الشباب

1. إن للسودان تاريخيا خصوصية إذ مر تاريخه على ثمان حقب مهمة:

  •  حقبة كرمة التي سبقت بحضارتها.
  •  وحقبة مروي التي جسدت الخصوصية الحضارية السودانية واستمرت ألف عام.
  •  الحقبة المسيحية في دولها الثلاث وهي: المقرة وعلوة ونوباطيا.
  •  حقبة الدويلات الإسلامية ودولها الخمس: الفور- الفونج – تقلي- المسبعات- الكنوز.
  •  الاحتلال العثماني.
  •  حقبة الدولة الإسلامية الواحدة (المهدية).
  •  الاحتلال الثنائي اسماً البريطاني حقيقةً.
  •  الحكم الوطني.

في كل هذه الحقب كان للسودان خصوصية مميزة: كرمة والسبق الحضاري، مروي والتفرد الحضاري والبقاء الأطول في تاريخ الحضارات الإنسانية، الحقبة المسيحية والصمود في وجه الغزو، الحقبة الإسلامية والوحدة الثقافية رغم التعددية الحكومية، والغزو العثماني والمقاومة الفاعلة، المهدية والتميز بهضم الثقافة الإسلامية ونقل المجتمع من درو المتلقي إلى دور المبادر، الحقبة الثنائية والمقاومة والمناورة الكبرى لتحقيق الاستقلال، والحكم الوطني والتقلب بين نظم ديمقراطية حافظت على الحقوق السياسية ولكنها فرطت في تحقيق التوازن، ونظم دكتاتورية استولت على أجهزة الدولة ولكنها لم تستطع الاستيلاء على الإرادة الشعبية.

2. هذه الخصوصية السودانية يجسدها حزبنا وكيان الأنصار وهما يختصان في مجال العمل العام بأنهما نبتا في التربة السودانية دون أن يكونا فرعا لأية رؤية وافدة.

هذا التجسيد للخصوصية الوطنية يلزمنا باستمرار بالتعبير عنها في العمل العام.

ولكن مهما كان لأية جماعة من أصول راسخة فإنها تموت إذا لم تنبت الجذور جذعاً، وفروعاً مورقة، وزهراً، وثماراً. ما لم يعبر الحزب السياسي عن سبع معالم فإنه يتلاشى، وهي:

  •  أن يكون له فكر واضح.
  •  وأن يكون له برنامج يخاطب قضايا الواقع المحيط به.
  •  أن يكون له كيان مؤسسي قادر أن يكون له نشاط حركي في الميادين المختلفة.
  •  أن يكون منفتحا على القوى السياسية الأخرى.
  •  وأن يكون منفتحا على المجتمع المدني.
  •  وأن تكون له علاقات واصلة بالمحيط الإقليمي والدولي.

إن التقصير في هذه المعالم يصيب الحزب السياسي بالضمور والتآكل ثم الفناء كما حدث لأحزاب كثيرة ويحدث الآن لأحزاب أخرى.

3. توافر تلك المعالم في حزبنا جعله يقوم باستمرار بالمبادرة في كل المراحل التاريخية وجعل مبادرته باستمرار مجدية في تحقيق تطلعات أهل السودان، وحصنه من آثار الاختراق، وكان حاله:

كم هز دوحك من قزم يطاوله

فلم يطله ولم تقصر ولم يطل!

الحكومة البريطانية دبرت ضده الحزب الجمهوري الاشتراكي، والحكومة المصرية دبرت ضده حزب التحرير، وكذلك فعل نظام مايو بأدوات معلومة، ونظام “الإنقاذ” بمؤامرات مشهودة دون جدوى.

4. من مهام حزبنا الكبرى أنه يمثل جسما جامعا للثنائيات السودانية:

  •  يمثل الحلقة الواصلة بين سودان وادي النيل وسودان غرب السودان.
  •  يمثل الجامع الواصل بين القطاع الحديث والتقليدي.
  •  يمثل الوصال المستنير بين الفكر والسياسة.
  •  يجسد التعبير عن التوفيق بين التأصيل والتحديث.
  •  يجسد التطلع لعمل وطني منفتح على الآخر الإقليمي والدولي.

إن على حزبنا أن يستشعر دوره في تحقيق هذا التجسيد في كل مجالات الثنائيات المذكورة.

إن لفكرنا جاذبية قوية في الأوساط المذكورة لا سيما في أوساط القوى الحديثة وهي تمثل الوعي الجهوي، والنوعي، والشبابي. ولكن هذا المستوى من التجاوب الفكري لا يوجد على المستوى التنظيمي ولا على المستوى الحركي ما يناسبه بل يوجد تفكك في الجسم الطالبي وترهل في الجسم الشبابي.

إن حالة الشباب والطلاب التنظيمية في حزبنا حالة غير مرضية ومع وضوح الرؤية الفكرية بل هي رؤية متقدمة، ومع وضوح الرؤية السياسية بل هي رؤية رائدة، لا يوجد مبرر للحالة التنظيمية المزرية خاصة وسياسة حزب الأمة التنظيمية في هذين القطاعين متقدمة إذ أنها تقوم على الأسس الآتية:

‌أ. أن يكون للشباب تنظيم جامع تغذيه قواعد تنظيمية فرعية وأن يكون لهذا التنظيم كيان ذاتي وأن تكون كافة المواقع القيادية بالانتخاب، وأن تدار أمور التنظيم بالوسائل الديمقراطية على أن يلتزم التنظيم بفكر وسياسة الحزب وإن أراد أن يعدل فيها فذلك عن طريق القنوات المؤسسية.

‌ب. أن يكون للطلاب كذلك تنظيم جامع تغذيه وحدات مكونة ديمقراطيا في كل مؤسسات التعليم العالي، وأن يكون لهذا التنظيم الجامع كيان ذاتي، وأن تكون كافة المواقع القيادية فيه بالانتخاب، وأن تدار أموره بالوسائل الديمقراطية على أن يلتزم التنظيم بفكر وسياسة الحزب وإن إراد أن يعدل فيها فذلك عن طريق القنوات المؤسسية. كنا قد قررنا أن نشاطنا الطالبي فيما دون التعليم العالي يتبع لهيئة شئون الأنصار ويركز على التربية.

إننا نرى أن للشباب دوراً محورياً في نشاط الحزب في المجالات المختلفة، وفي البرنامج الحركي من أجل تنفيذ الأجندة الوطنية ضمن حملة الجهاد المدني التي تستخدم كافة الوسائل عدا العنف.

كذلك فإن الدور الاحيائي الشبابي مطلوب بإلحاح لأن هذا الجيل من الشباب منكوب نتيجة للسياسات التعليمية التي رفعت الدعم عن التعليم ما أرهق الأسر والطلبة، ونتيجة للسياسات الاقتصادية التي قللت فرص التشغيل للخريجين. هذا الجيل من الشباب كذلك منكوب بغلاء المعيشة وتآكل قدرة الشباب أن يتزاوجوا وأن يجدوا السكن المناسب مما قلل فرص الزواج وزاد من نسبة الطلاق لمن يقدمون على الزواج. وهذا الجيل من الشباب منكوب لما ألم بهم من انتشار المخدرات، والأمراض الجنسية، والعنف الشبابي الذي بلغ درجة غير معهودة. لذلك لا غرابة أن يلجأ كثيرون لإعادة التوطين خارج البلاد أو أن يدفعوا لممارسات إجرامية داخل البلاد.

إن مشاكل الشباب التعليمية، والصحية، والاقتصادية، والنفسية توجب إقرار سياسات خاصة بالشباب تنفذ على الصعيد الشعبي والرسمي وتخضع لخطة قومية من أجل شباب الوطن سياسات يرجى أن يساهم الشباب في وضعها.

5. إن لنا في الإطار الفكري رسالة خاصة زادتها حالة البلاد التي صارت تواجه تشدداً إسلاموياً وآخر علمانوياً، الأول إقصائي للحقوق المدنية والثاني إقصائي للتوجه الإسلامي وكلاهما يعد المسرح لمواجهات دموية.

إن لنا بطاقة فكرية هي المخرج من هذا الاستقطاب الحاد:

‌أ. الدين جزء من كيان الإنسان النفسي وسوف يدخل حتما في وجوه الحياة، هذا التدخل قائم حتى في البلدان التي تعلن أنها علمانية، وفي الجنوب حيث يتوهم بعض الشماليين أن توجهه الدستوري علماني فإن للكنيسة الكاثوليكية، والبروتستنتية نفوذاً كبيراً، والدستور الجنوبي يشير إلى أن العرف من مصادر التشريع والعرف عندهم أساسه الديانة. وحيثما جرت محاولة لابعاد الدين عن الحياة العامة أخفقت التجربة:

  •  ففي تركيا الكمالية ركزت الدولة بصورة عدائية للدين ما جاء بنتائج عكسية لصالح التوجه الإسلامي.
  •  وفي دول الربيع العربي ركز الحكام على إبعاد الدين من الحياة العامة فأدى ذلك ضمن عوامل أخرى إلى زيادة شعبية التوجهات الإسلامية.
  •  وحتى في غير بلاد المسلمين فإن نص الدستور الهندي على العلمانية أدى لردود فعل مضادة بدأت باغتيال غاندي وأدت إلى دعم شعبية حزب جانيتا الهندوسي المتعصب. وفي إسرائيل كان نهج مؤسسي الدولة علمانياً متشدداً ما أدى لردة فعل مضادة فصارت الأحزاب الدينية الآن قوية وصار أكثر الاسرائيليين ينادون بيهودية الدولة.

العلمانية فلسفة فحواها المعرفي ألا قيمة معرفية لشيء ما لم تدركه الحواس. المطلوب أن نستبعد شعار العلمانية تماما من معجم فكرنا وأن نتطلع لأمرين هما: العقلانية والديمقراطية.

‌ب. الفهم الصحيح للتوجه الإسلامي محرر من النهج التقليدي ومن المنطق الصوري في الاجتهاد، أي النهج الذي يقوم على القياس والاجماع، ويتخذ نهجا يقوم على الفهم التدبري لنصوص الوحي وعلى وسائل العقل، والمنفعة، والمقاصد، والالهام، والسياسة الشرعية.

‌ج. النظام المدني المنشود يقوم على الأسس الآتية:

  •  مساواة المواطنين، والشعب هو مصدر السلطات.
  •  المراجع التشريعية في الدستور هي: النصوص القطعية في الكتاب والسنة والقيم المضمنة في الإنجيل بوجود مسيحيين، ومواثيق حقوق الإنسان العالمية، وكافة المصادر التي يستمد منها المشرعون ما لم تمس حرية الأديان ولا تمس حقوق الإنسان.
  •  التشريع يتم عن طريق ديمقراطي على ألا يمس حرية الأديان وحقوق الإنسان.
  •  حرية الرأي لا تعني الإساءة للمقدسات.

‌د. التنمية تلتزم بالكفاية والعدل وبآلية السوق الحر في المجال الاقتصادي بوجه آدمي ينشد العدالة الاجتماعية.

‌ه. مسألة المرأة ركن مهم من فكرنا وندعو لإزالة كافة وجوه التميير ضدها. هنالك عادات فرضت عليها سلوكا جائرا: النقاب عادة تلغي شخصية المرأة وفي المجتمعات الحضرية كثيرة السكان توفر وسيلة لكثير من وجوه الإجرام، ولا تطالب المرأة بما يسمى حجاب لأن هذه العبارة تشير للستار الذي يقوم بين المؤمنين وأمهات المؤمنين، أما المطلوب من المرأة فهو الزي المحتشم على أن لا تغطي وجهها وكفيها بحسب الهدي النبوي وحديث الرسول (ص) للسيدة أسماء (رض)، والحشمة تكون للنساء والرجال.

وهنالك عادات توجب أن تقف النساء دائما وراء صف الرجال في الصلاة والصواب أن يقفن في صفوف موازية للرجال كما هو الحال في الصلاة في الحرم المكي، كذلك ينبغي أن يحضرن مناسبات عقد الزواج شاهدات، وأن يحضرن تشييع الموتى مشيعات وفي كل هذه الأعمال أجر يرجى ثوابه. ومن العادات السيئة التي ينبغي القضاء عليها الخفض المسمى ختان الإناث فلا أصل له في الدين وهو عادة ضارة، والدين يحث على مبدأ ( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ).

إن لدينا أدباً فكرياً واسعاً ينبغي الاطلاع على مراجعه وقد كتب كثير منا كتبا وأوراق مرجعية مهمة أذكر منهم: د. إبراهيم الأمين، الأمير عبد المحمود أبو، الشيخ يوسف حسن، الحبيبة رباح الصادق، والحبيب خالد عويس، والحبيب الزبير محمد علي، وآخرون. أما كتبي فهي كثيرة وسوف أهدي لمكتبة الشباب نسخا منها. المطلوب أن يلم الشباب بهذه المراجع الفكرية وغيرها من تأليف سودانيين وغيرهم من رواد الفكر.

6. المسألة السياسية: إن لنا في هذا المجال مبادرات واضحة. بعض الناس فوجئوا بالربيع العربي. نحن كنا عبر منابر عالمية على اتصال بنبض المجتمع العربي، وفي يناير 2008م أصدرنا نداء البحر الميت الذي نبهنا فيه إلى الاحتقان القائم في البلدان العربية، وإلى ظاهرة التخلف العربي مقارنة بالتحولات الديمقراطية في أفريقيا وفي البلدان الإسلامية وفي العالم عامة. وقلنا إنه ما لم تجر إصلاحات جذرية تستجيب لمطالب التحول الديمقراطي الشعبية فإن الانفجار سوف يقع.

بالنسبة لنا في السودان كل الظروف الدالة على فشل النظام الحالي والتطلع لنظام جديد متوافرة في السودان.

الهدف المشروع في بلادنا هو إقامة نظام جديد.

بعض الناس يرددون الشعارات التي رددت في ثورات الربيع العربي: الشعب يريد إسقاط النظام، هذا الشعار يناسب ظروف حراك غير متفقة على معالم نظام جديد ولكنها متفقة على هدف واحد هو إسقاط النظام. وفي تلك الحالات بعد إسقاط النظام صاروا في حيرة من أمر النظام البديل المنشود.

إننا إذ ننادي بنظام جديد نكون قد اتخذنا موقفا أنضج يتجاوز مجرد الاسقاط إلى تحديد معالم البديل.

والفرق الآخر بين الشعارين هو أن إسقاط النظام وسيلة ولكن التطلع لنظام جديد يمكن أن يسمح بوسائل أخرى مثلما حدث في دول أمريكا الجنوبية، مثلا تشيلي، وفنزويلا، والبرازيل وغيرها، وما شرحته ميشيل باشيلية رئيسية تشيلي السابقة في مؤتمر في القاهرة وهو أنه مع درجة معينة من الضغط الشعبي تجبر القيادة الحاكمة على الاستجابة لمشروع النظام الجديد، لذلك فالشعار الأجدى هو “الشعب يريد نظام جديد” وهذا يسمح بأكثر من وسيلة لتحقيقه، كما يمنع الحيرة التي حصلت لبعض بلدان الربيع العربي ماذا بعد إسقاط النظام؟

‌أ- ولسائل أن يسأل ما هي العلاقة المشروعة وطنيا بالمؤتمر الوطني؟

أجيب المؤتمر الوطني اتبع سياسات شوهت الإسلام ومزقت السودان. وقد أجرينا معه حوارا اتفقنا حول نقاط أهمها: أن يكون الدستور القادم مكتوبا بواسطة هيئة قومية وأن يجاز عبر مؤتمر جامع ثم تقننه جمعية منتخبة. واتفقنا حول كفالة الحريات. وعلى ضرورة إجراء إصلاح اقتصادي بعد عقد مؤتمر قومي اقتصادي. ولكن اختلفنا حول:

  •  الدستور الانتقالي الحالي أيستمر بتعديلات أم يلغى ويتخذ إعلان دستوري بدله.
  •  حل مسألة دارفور في إطار اتفاقية الدوحة أم يتجاوزها.
  •  التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية.
  •  إعادة هيكلة الدولة لتصير دولة الوطن بدل دولة الحزب الحالية.

إن بنود أجندتنا مع المؤتمر الوطني هي الأجندة الوطنية وهي خريطة الطريق للنظام الجديد ومع قرار عدم المشاركة قرر حزبنا أن هنالك مسائل قومية مثل الإجراءات المطلوبة لتأمين حركة القبائل الرعوية عبر الحدود بين دولتي السودان، وسائر المسائل المعلقة بين دولتي السودان. هذه سوف نجرى حوارات حولها.

أما مسألة مشاركة الحبيب عبد الرحمن الصادق فقد كان دائما يؤيد المشاركة مع هذا النظام ويعتقد أن الإصلاح من الداخل ممكن. ومنذ عام 2009م استقال من أجهزة حزب الأمة والتحق بالقوات المسلحة. ومن هذا الموقع اقترح عليه قادته المشاركة في ملف العلاقة بدولة الجنوب وعين مساعدا لرئيس الجمهورية وقبلت هذا الإجراء على أساس أنه لا يمثل موقف والده، ولا يمثل موقف حزب الأمة، وأنه انطلق من موقعه العسكري وسوف يبقى كذلك. وإن هذا الاجراء لا يمس موقف حزب الأمة الداعي لنظام جديد والعامل له بالجهاد المدني.

قال بعض الناس ينبغي لذلك فصل عبد الرحمن من حزب الأمة، وكان ردي إننا عندما انشقت جماعة الإصلاح والتجديد وكونت حزبا آخر لم نفصل أحدا منهم، وكذلك جماعة التيار العام وكلاهما اتخذوا موقفا معاديا لحزب الأمة ولكننا تعاملنا مع عضوية حزب الأمة كالجنسية فلا تسحب من أحد وعندما اقترح أحد الاعضاء فصل جماعة الاصلاح والتجديد في أثناء جلسات المؤتمر السادس لم يثن الاقتراح أحد. إن رفض مشاركة زيد أو عبيد من الناس ومهما كان بعده المؤسسي من الحزب، مسألة مشروعة في إطار حرية الضمير وحرية التعبير، ولكن الرفض والمطالبة بإجراءات عقابية محله ليست أجهزة الإعلام، وهنالك هيئة الرقابة وضبط الأداء وهي الجهة المخول لها النظر في الشكاوى المقدمة. فكلنا نعلم أن بعض أجهزة الإعلام الحالي يتصيد أية خلافات ليوحي إيحاءات تضر بسمعة الحزب وتضعف من موقفه الصلد وتشوه مؤسسيته الراسخة. إن تداول الشكاوى في الإعلام سوء انضباط تنظيمي ينبغي أن تحرصوا كشباب على تلافيه. نفس الشيء ينطبق على ما جرى في الإعلام مؤخرا حول قضية تجميد المحتجين داخل المؤسسة على مشاركة عبد الرحمن ومطالباتهم، وبدلا عن الترقي في درجات الاستئناف التي تتيحها المؤسسة فضل المحتجون إدارة ملفهم من على صفحات الجرائد. هذا لا يليق.

انطلق بعض الناس ينالون من موقف حزب الأمة كمعبر عن الرأي الآخر الرافض لسياسات وهياكل النظام ولكن منذ فترة طويلة من الزمن فإن المعارضة الحقيقية هي التي يمارسها حزب الأمة:

  •  نظمنا ورشة الدستور التي وضعت معالم لدستور جديد لسودان عريض وحددت الآلية القومية الديمقراطية اللازمة لإجازة الدستور في (12-14 يوليو 2011م)
  •  نظمنا ورشة لدراسة مسالة المناصير ونقلها من قضية جانبية إلى قضية قومية في (19 أكتوبر 2011م)
  •  ونظمنا ورشة لدراسة وثيقة هايدلبرج حول قضية دارفور وقدما دراسة موضوعية لما لها وما عليها في (7 اغسطس 2010م )
  •  نظم حزبنا ورشة حول وثيقة الدوحة ما لها وما عليها وكيف أنها لن تحقق سلام دارفور ما لم تعالج القضية بصورة أوسع أوضحنا معالمها (في 1 أغسطس 2011م)
  •  احتضنت دارنا كافة القضايا المطلبية الملحة لا سيما قضايا المشردين من الخدمة بصورة تعسفية.
  •  نظم حزبنا ورشة لمشروع الجزيرة وقضية المزارعين ما مهد لقيام تحالف المزارعين (في مايو 2011م)
  •  نظم الحزب المؤتمر الاقتصادي القومي الذي شخص بصورة موضوعية الحالة الاقتصادية وحدد معالم العلاج (في الفترة 27- 29 نوفمبر 2011م).
  •  حزبنا هو الذي أخذ موقفا مبدئيا لرفض الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وقرر أن الحرب لن تحسم القضايا ولا بد من اتفاق سلام حدد معالمه.
  •  الموقف الناقد الأساسي والموضوعي للحكومة العريضة كان موقف حزب الأمة الصادر في بيان واضح المعالم في 10 ديسمبر 2011م.

‌ب- ما العلاقة بدولة الجنوب وبالحركة الشعبية؟ حزب الأمة هو الذي دعا لفكرة التوأمة بين دولتي السودان ووضع لها أساسا واضحا وضمنها في الأجندة الوطنية، واستنكر حزب الأمة بصورة منهجية السياسات والتصريحات الطاردة للجنوبيين، وحلل حزبنا العوامل التي جعلت الانفصال لا الوحدة خيارا جاذبا، وانفرد حزبنا بتقييم موضوعي ناقد لاتفاقية السلام في مايو 2005م. وتصدى حزبنا للسياسات المنفرة التي اتبعت بعد انفصال الجنوب، واعتبرها دفعا لدولة الجنوب في اتجاهات معادية. وسعى حزبنا لتشجيع دول عربية للأخذ بيد الجنوب تنمويا، وحصل من بعضهم على وعود بذلك. كما شجع اتجاه بنك التنمية الإسلامي أن يواصل مبادرته لدعم التنمية في جنوب السودان.

إن للجنوب مصلحة حقيقية في علاقة تعاون وحسن الجوار مع جيرانه في شمال إفريقيا وغرب آسيا. وعندما نشأت علاقات خاصة بين دولة الجنوب وإسرائيل كان حزبنا الرائد في مناصحة القيادة الجنوبية، لا تدخلا في شئونها كدولة مستقلة تقيم علاقات مع من تشاء ولكن أن يقال إن إسرائيل دولة قدوة مع أنها تقهر فصائل كثير من سكانها، وتحتل أراضي عربية، فهذا لا يليق بحركة جنوبية تتصف بأنها حركة تحرير، ولا يجوز تغافل حق شعب فلسطين المغصوب، ولا يجوز التخلي عن التوازن في علاقة الجنوب بجيرانه. هذه المواقف تضر بمصالح الجنوب وتغذي تيارات الغلو في الشمال. وإسرائيل ليست كأي دولة بل تأتي وتجر معها في إطار العلاقة الخاصة بدولة الجنوب أعداءها في الشرق الأوسط بكل ما يعني ذلك من توتر. إقدام إسرائيل لإقامة علاقة خاصة مع دولة الجنوب سوف ينقل كل أزمة الشرق الأوسط إلى القرن الأفريقي بما في ذلك خلق مجال جاذب لأنشطة القاعدة وأخواتها.

هذا التشوية لمشهد سياسي حافل بأسباب التنافر سوف يمنح ذخيرة لدعاة المواجهة مع دولة الجنوب، ويضعف حجم حجتنا الداعية لعلاقة خاصة مع دولة الجنوب، كما سوف يسمم علاقة دولة الجنوب بجيرانها في شمال إفريقيا وغرب آسيا. نرجو وسوف نعمل على نصح قيادة الدولة الجارة في الجنوب مراعاة التوازن في علاقاتها الخارجية تجنبا لتلك المضار.

إن حرصنا على هذا النصح هو جزء من حرصنا على مصلحة التعاون بين شعبي السودان.

‌ج- ما العلاقة بجبهة القوى الثورية؟ إن فصائل هذه الجبهة تدافع عن مصالح حقيقية، وتوجب سلاما عادلا شاملا يحقق تلك المصالح. وكنا ولا زلنا نتطلع لاتفاق قومي جامع يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل في ظل نظام جديد للسودان. ونقول إن التحرك العسكري من الجنوب لضرب حكومة الخرطوم وسيلة سوف تحقق عكس مقاصدها لأنها سوف تبرر تصعيد التحركات المضادة لجوبا من الخرطوم. هذه المساجلة سوف تغطي على حركة العمل من أجل نظام جديد في ضجة الحرب الإقليمية بين البلدين وحلفائهما.

سنواصل اتصالنا بكل الفصائل المعنية للتركيز على قضية النظام الجديد المنشود ووقف الحرب التي لن تخدم مصلحة لشعبينا.

‌د- الموقف من قوى المعارضة المدنية واضح وهو ضرورة تجاوز حالة الركود الفعلية لترتيبات جديدة خلاصتها العمل من أجل إقامة نظام جديد معالمه هي:

  •  دستور يستوعب التنوع السوداني ويحقق الديمقراطية والتوازن.
  •  إقامة علاقة توأمة بين دولتي السودان.
  •  تحقيق السلام الشامل العادل في دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وأبيي.
  •  كفالة الحريات العامة.
  •  تحقق إصلاح اقتصادي جذري.
  •  التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية.
  •  هيكلة جديدة للدولة السودانية لتصفية دولة الحزب وإقامة دولة الوطن.

هذه هي الأجندة الوطنية المنشودة. تصحبها مراجعة لكيان العمل المشترك بإقامة هيكل جديد، وتسمية تتناسب مع حقيقته وأهدافه الراهنة، والاتفاق على آليات تحقيق هذه الأهداف والاتفاق على برنامج ينفذ عبر الآلية المختارة.

7. حزبا اتفاقية السلام اختارا حصر عملية السلام في إطار ثنائي، وأدخلا الأسرة الدولية ضامنا لاتفاقهما، وأسقطا تماما النهج القومي. الأسرة الدولية باركت هذا النهج الثنائي الذي استمر في نيفاشا، وفي أبوجا، وفي الدوحة. لذلك اعتبرنا الأسرة الدولية شريكا في الإخفاقات التي صحبت اتفاقية السلام التي هدفت لجعل الوحدة جاذبة، وللتحول الديمقراطي، ولبناء السلام. وبعد الأعوام الستة أخفقت في الأهداف الثلاثة. ناشدنا الأسرة الدولية أن تعترف بهذه الإخفاقات وبدورها فيها. وناشدناها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة في المرحلة القادمة الاستعداد لمباركة ما ستفعل الحركة السياسية السودانية في ظل نظام جديد وكان الجميع متجاوبين مع تلك الرؤية.

8. برنامج حزب الأمة لتحقيق الأجندة الوطنية، يتطلب من الحزب عملا تعبويا داخليا وخارجيا واسعا. هذا العمل الواسع يتطلب مساهمة كبرى من القطاعات الحديثة، لا سيما الشباب والطلاب والمرأة. من أهداف هذا الملتقى الشبابي تداول الرأي بشأن تكوين آلية انتقالية للشباب تقوم ببرنامجها في ستة شهور. وتلبية لمنشور تنظيمي صعدت وفود شبابية لهذا الملتقى. المرجو من هذا الملتقى التداولي الذي يضم ممثلين معتمدين للمشاركة فيه، وفتح لمشاركة واسعة من آخرين من الشباب، هو إجراء حوارات جادة وموضوعية وإصدار توصياتهم والالتزام بالآتي:

أولا: الإلمام بخطة الأمانة العامة لتنظيم الشباب واقتراح أية تعديلات موضوعية ووسائل أفضل لتنفيذها.

ثانيا: اقتراحات حول ما ينبغي أن تكون عليه سياسات الحزب لتمكين ومشاركة الشباب.

ثالثا: الإلمام بالمرجعيات الفكرية للحزب والدعوة لها.

رابعا: اقتراح معالم لما ينبغي أن تكون عليه سياسات البلاد القومية نحو الشباب.

خامسا: دراسة والاستفادة من أوراق وتوصيات الورش بما فيها توصيات ورشة هيئة شئون الأنصار المتعلقة بسيداو وبالبقعة الجديدة.

سادسا: استيعاب البرنامج السياسي لحزبنا والدعوة له.

سابعا: توصيات حول مشروع مدرسة الكادر المزمعة.

اتصل بي عدد من الشباب والشابات يقولون إن التصعيد لم يكن انتخابيا، وإن قواعد شبابية غيبت. ولكن هذا الملتقى خطوة في اتجاه التنظيم الشبابي المنشود، وقد تقرر أن يدعى لحضوره كافة مقدمي الشكاوى للمشاركة في مداولاته بصورة مفتوحة، وسوف تتاح لهم فرصة التعبير عن رأيهم بحرية، ولا شك أن أية انتقادات موضوعية سوف تؤخذ في الحسبان لتحسين الأداء، ويرجى أن يساهم الكافة في المخاطبة والمداولات ملتزمين بالموضوعية وأدب الحوار الجاد ومساهمين في المهام السبع المذكورة هنا.

أقول في الختام، إن حزب الأمة هو عظم ظهر الحركة السياسية الشعبية في السودان، وينبغي أن يستعد الشباب ليصير الساعد الأيمن للحركة السياسية الوطنية، وهو ما يليق بهم لا سيما في عصر ثورات الربيع العربي الشبابية القسمات. الشباب مطلقا مرحلة عمرية تشمل الفترة من البلوغ إلى الأربعين، ولكن الشباب صفة معنوية تقوم على ثلاثة أركان: الحماسة- المثالية- والاستعداد للتجدد. أرجو ألا يكتفي شبابنا بالصفة العمرية بل أن يعملوا لتجسيد الشبابية أي الصفة المعنوية.

أبنائي وبناتي

ألفظوا الاستقطابات ووحدوا تنظيمكم للأخذ بيد الوطن، وحزبكم على استعداد أن يوفر لكم الإمكانات المستطاعة لتفعيل دوره الفكري والسياسي، ولتفعيل حركة إقامة النظام الجديد: الشرط الذي لا غنى عنه لبناء الوطن. هذا وبالله التوفيق.