كلمة الإمام الصادق المهدي في مؤتمر بين نهج الإعمار ونهج الدمار

الإمام الصادق المهدي في مؤتمر بين نهج الإعمار ونهج الدمار

 

 

الإمام الصادق المهدي في مؤتمر بين نهج الإعمار ونهج الدمار

مقدمة الدكتور محمد حبش – عريف المنتدى

قبل قرنين إثنين بدأت حركة إصلاحٍ مُضيئة تمكنت في السودان، في قارة الحكمة، في وادي النيل، في وادي لقمان ومهجع وبلال، تمكنت من تقديم تنويرها للشعب السوداني الكريم في رسالة الحركة المهدية التي أطلقت نشاطها في أرض الحكمة.

اليوم الإمام الصادق المهدي الذي قاد هذا المنتدى منذ بدايته ويقوده اليوم، وهو يمثل إرادة إصلاحٍ تنويرياً في المقام الأول، يُخاطب العقل والروح ويُشاهد أن يقدم تجربته في الحياة السياسية.

قبل خمسين عاماً كان رئيساً لوزراء السودان وقبل خمسة وعشرين عاماً أيضاً كان رئيساً لوزراء السودان، ولكنه لم يتوقف أبداً عن قرائته للعالم الإسلامي في مسؤليته في النهضة والقيام وكأنه يستلهم رسالة إقبال.

مساجدكم علت في كل أرضٍ *** ومسجدكم من العُباد خالي

وعند الناس فلسفةٌ وفكرٌ *** ولكن أين تلقين الغزالي

وجلجلة الآذان بكل أرضٍ *** ولكن أين صوتٌ من بلال

صوتاً من بلال مع سماحة الإمام الصادق المهدي.

الكلمة التي ألقاها دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس المنتدى العالمي للوسطية في المؤتمر الدولي للمنتدى تحت عنوان ” بين نهج الإعمار ونهج الدمار ” بعمان يوم السبت 9 أبريل 2016.

دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي:- شكراً للأخ محمد على هذه الكلمات الطيبة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب محمد رسول الإنسانية وعلى آله وصحبه أجمعين.

التشخيص الصائب الذي ينبغي أن ينصبُ علينا كلامنا حول الداء والرجاء الوصف الواعي للدواء. وفي مساهمة لهذا أقول لكم:-

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، حاضرين ومحضرين ومحاضرين، ضيوف مؤتمر نهج الإعمار ونهج الدمار، وإن كان يمكن أن يسمى نهج الإعمار ومحنة الدمار، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أبلغ وصفٍ لنهج الدمار هو وعيدٌ لحالنا محتمل، جاء في حديثٍ رواه أحمد وأبو داؤود، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:- يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل ومن قلة بنا يومئذ؟ قال لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل. وذلك هو نهج الدمار. وأبلغ وعدٍ لمآلنا هو وعدٌ لمآلنا محتمل جاء في قوله تعالى:  ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ). [1]

حالنا مشحون بعوامل، وعوامل تدمير الذات، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. وهذا ما يتيح للأعداء فرص. قال كيسنجر بعد حرب أكتوبر يجب منع الدول العربية من قيام هجوم على إسرائيل وسائلنا إلى لذلك إنشغال العرب بحروب بينية وداخلية بهدف نهائي هو تقسيم العرب رأسياً وافقياً وإعادة رسم خارطة دولي.

أحد خبراء الإستراتيجية ماكس هانوارينج نذر لهذا النهج بإسم الجيل الرابع للحروب، معناه، زعزعة الدولة بعوامل داخلية ثم فرض واقع جديد لمصلحة اعدائها. العوامل هى تفكيك مؤسسات الدولة وتفكيك النسيج الإجتماعي طائفياً وإثنياً وإستخدام قوى ذكية ضدها.

حالنا الآن في كثير من أوطاننا جعل السيدة انجيلا ميركيل المتعاطفة معنا تقول مستغربة الصين والهند عددهم 2 مليار ونصف وعندهم 150 إله و800 ديانة ويعيشون في ويام، والمسلمون عندهم رب واحد. عندهم رب واحد ودين واحد وكتاب واحد ولكنهم يغرقون أرضهم دماً. القاتل يقول الله أكبر والمقتول يقول الله أكبر.

العلة ذاتية، ولكن الأعداء يستغلونها كما قال نزار:-

لم يدخل الأعداء من حدودنا
لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا

أول هذه العيوب ركود فكري غيب العقل البرهاني، وغيب حكمة مراعاة التجربة، وقال بالمساواة بين التفكير والتكفير.

وثاني هذه العيوب جمود فقهي غيب المقاصد وقدس طاهر النصوص في غفلة عن ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [2].

وثالث هذه العيوب فهم إستعلائي للجهاد بأن علته هى إختلاف الملة للعدوان. سكان عالم اليوم عددهم 7 مليار المسلمون يبلغون 23% والبقية هم ال 77، وهم أغنى وأقوى، ولكن بهذا الفهم واجبنا أن نقاتلهم.

ورابع العيوب أننا نقلنا إلى حاضرنا مساجلات بين روافض ونواصب مختلفة حولها أحداث التاريخ إختلافات لا نسطيع الإتفاق على أسبابها ولا حسمها، ولكننا نتخذها أسباباً للتكفير المتبادل والتحريض للإقتتال.

وخامس هذه العيوب أن تعامل أكثر مجتمعاتنا مع مطالب المعيشة لا علاقة له بمقاصد الشريعة ولا حكمة للإنسانية. الفقر الآن أمتنا أكثر من 50% فيها دون خط الفقر. والعطالة الآن في أمتنا العربية، 20 مليون عاطل، وفئات قليلة بالحذر والفساد يستمتعون بنعيم غير مسبوق مجسدين مقولة الإمام علي ما حرم فقير إلا بما متع به غني. هذه الممارسات تتحكم فيها وتديرها غالباً دول قُطرية شرعيتها من مقولة إبن حجر العسقلاني: غاب ومتغلب والقتال معه على نحو ما وصف الكيلاني: آفة الشرق حاكم معبود وشعوب تروعهن قيود. ووقف آخر تحدث عن الطقس فأنت آمن أو عن حبوب منع الحمل فأنت آمن، هذا هو القانون في مزرعة الدواجن.

دولنا في الغالب بأسها شديد بينها وبين شعوبها ولكنها في كثير من الأحيان تركن لحماية أجنبية، تحمي من تحمي بقدر ما يتماشى ذلك مع مصالحها الوطنية. لقد أوجبت تلك المصالح تأسيس لإسرائيل وضمان تفوقها على جميع جيرانها وحماية بزواتها حتى صارت المنطقة الآن تتعايش مع الإقتصاد الإسرائيلي لحقوق العرب عامة وأهل فلسطين خاصة بعدما صار يقدم مشاكل أخرى على هذه الفتنة، وتمارس ما تشاء من عدوان وتشهر في وجه الجميع إبتزازاً نوويا ولسان حالها يقول:

لنا الدنيا ومن أضحى عليها *** ونبطش حين نبطش قادرينا

كانت تركيا تركية وإيران الشاه شاهية جزءاً من هذا المشهد. الحركة القومية العربية تصدت لهذا الموقف ولكنها تجاوزت قدراتها ووضعت فيمن،

من لم يقف عند إنتهاء قدره *** تقاصرت عنه طويلات الخطا

النظام الشاهنشاه الإيراني تصدت له الثورة الإسلامية الشيعية فأطاحت به بصورة بعثت حماسة إسلامية عامة وشيعية خاصة. إحتل السوفييت أفغانستان ليحموا آسيا الوسطى من آثار تلك الحماسة ما أدى لحركة مقاومة جهادية دعمها الغربيون ونتيجة لها تكون تنظيم القاعدة حركة مقاومة جهادية دعمها الغربيون ونتيجة لها تكون تنظيم القاعدة. وبعد جلاء الغزاة السوفييت تحولت القاعدة لإجلاء القوات الأجنبية من بلاد المسلمين مستخدمة أقصى الوسائل الإرهابية.

الإحتلال الأمريكي للعراق إنتهى بنتائج عكس مقاصده وإختل التوازن الطائفي في العراق ما أدى ما حدث في سوريا إلى تحول القاعدة فى أرض الرافدين إلى داعش ثم دولة الخلافة المزعومة. نمط دولة الخلافة هذه أنها الواجهة السنية لدولة الإمامة في إيران. دولة الخلافة هذه وإلى حدٍ ما القاعدة تعتبران الدول القُطرية الموجودة هش ومقصرة وفاقدة للشرعية وتستخدمان وسائل وحشية وإرهابية للإطاحة بها، وتجدان من القتال الطائفي فرصاً للتمدد كما تتمددان على الصعيد العالمي.

الأسرة الدولية عامة والدول العُظمى خاصة يعتبرون قيادات المنطقة عاجزة على إداراة شئونها، ما أدى إلى طرح درجات من الوصاية عليها.

هذا هو نهج الدمار.

ثورات الربيع العربي والقاعدة وداعش وغيرها من حركات التمرد على الواقع تنطلق من قوى إجتماعية حقيقية ومن حواضن فكرية.

ثورات الربيع العربي تنطلق من تطلعات القوى الحديثة لتحقيق التحديث الفكري والإجتماعي ولكن لم يسبقها التحضير المطلوب، لذلك وقفت عند حد الإطاحة بالطغاة وتخبطت حول البديل المنشود.

القاعدة وداعش وأخواتهن يمثلان تحركاً ثورياً إنكفائياً بالوسائل الإرهابية وهما كذلك يستمدان من قوى إجتماعية تسُدها عقائد ماضوية، وهى كذلك عارية من أية تحضيرات سوى تطلع للإمارة والخلافة لم تسعفهم في مواجهة الواقع المعاصر، بل ظهرت الممارسات كتجارب سُريالية بعيدة تماماً عن حل لشعوبنا بل لإستفزاز الدول الأقوى والأغنى يجلبون لهم أنواع من البطش والشقاء.

نهج الإعمار يبداء بمعرفة حقيقية للدمار الذي تعاني منه ونعاني منه وإدراك أن القفز إلى الوراء أو إلى الأمام ينطلقان من حقيقة عدم صلاحية الواقع وضرورة التخلي عنه لآفاق جديدة أهم معايرها:-

  • صحوة فكرية تقدر مكانة العقل البرهاني والتجربة الإنسانية دون إفتئاتٍ على حقائق الوحي.
  • صحوة إسلامية تتطلب مراجعة تحديد دور الإسلام في الحياة العامة على ضوء حقائقه والتجارب.
  • صحوة في الفكر العلماني تتحرر من التبعية للتجربة الغربية وتستصحب عطائه العقلانية والإنسانية.
  • توضيح مشروعية التعايش الديني في الإسلام وإعتراف التعددية الدينية في المجتمع الواحد.
  • هندسة أساسية لوحدة أهل القبلة تقيم على إحترام المشتركات والحوار بالتي هى أحسن حول الإختلافات وإرجاع المستعصي إلى الإتفاق ( إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )[3].
  • إلتزام بنظام تنموي يحقق مقاصد التنمية والعدالة الإجتماعية ويحقق شراكة تنموية بين الدول.
  • كفالة حقوق التنوع القومي والثقافي ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )[4].
  • إجراء إصلاح سياسي يقيم الحكم على المشاركة والمسائلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
  • هندسة علاقات توفق بين الوطنية والقومية والإسلامية والدولية في حلقات تكاملٍ تتكامل ولا تتناقض. هذه التحديات تتطلب الإلتفاف حول مشروع إستنهاض للإعمار وإلا فإن نهج الدمار الذاتي والذي يستغله الأعداء سوف يشكل واقعنا.

ولكن إلى أن تتحقق هذه التطلعات فالمطلوب عملياً إتفاق الإجراءات الآتية ضمن مناخ الإعمار:-

أولاً:- وقف هذه الحروب الطائفية التي لم تحقق إعماراً، لن تحقق إعماراً بل دمارا.

ثانياً:- إدراك أن لإيران دوراً مهماً وفيها تحرك تنويري إيجابي عبر قيادة الإصلاحيين والواقعية الجديدة.

ثالثاً:- إدراك أن التحول في تركيا من علمانية تعادي الدين إلى علمانية تصادقه خطوة في الإتجاه الصحيح.

رابعاً:- إدراك أن الحلقة العربية مع أهميتها المصيرية هى الحلقة الأضعف في الجسم الإسلامي ما يوجب بذل مجهودٍ لتحديد موقف عربي مشترك. الموقف العربي المشترك ينبغي أن يميز تماماً بين حركات التحرير والإرهاب. التصدي للعدوان الإسرائيلي كما تفعل حماس وحزب الله ليس إرهاباً، وكلاهما جزءٌ من تركيبة إنتخابية مشروعة في كيان غزة وفي كيان لبنان.

خامساً:- أمن المنطقة يتطلب إبرام إتفاقية أمنية ثلاثية عربية إيرانية تركية.

سادساً:- الإتفاقية الأمنية تحدد أسس العلاقة مع إسرائيل وتربط الإجابية في إسترداد الحقوق.

سابعاً:- التعامل الأمني فحسب مع خطر الإرهاب لا يفضي ينبغي التطرق للأسباب وإزالتها.

ثامناً:- العالم مشغول بإنتشار أسلحة الدمار الشامل سيما النووية، إنطلاق السلاح النووي خاصة التكتيكي يتوقف على ثلاثة عوامل هى المعرفة والإمكانية والدوافع. المعرفة والإمكانية متاحان للكافة المطلوب التصدي للدوافع، وهى من أسباب ظاهرة الإرهاب. مالم تستأصل الأسباب فإنهم سوف يمتلكون الأسلحة المدمرة.

تاسعاً:- التعامل الإجابي مع الدول العظمة على أساس المنافع المشتركة وتجنب التبعية والعداء.

هذا الإعمار هو المطلوب… أو الدمار.

الحقُ أبلج والباطلُ لجلج.

وهو كما نقول:-

أمامك فاختر أى نهجيك تنهجُ *** طريقان شتى: مستقيم وأعوجُ

والسلام عليكم ورحمة الله

*** كُتبت الكلمة من تركيبة لتسحيل صوتي للكلمة وفيديو لقناة اليرموك الفضائية

————————————————————————————————-

[1] سورة هود الآية رقم (117)

[2] سورة محمد الآية رقم (24)

[3] سورة المائدة الآية رقم (48)

[4] سورة الروم الآية رقم (22)