كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي حول دور الحكومات الجديدة ودور المجتمع المدني

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

 نادي مدريد بالتعاون مع شبكة لند ومجتمع الديمقراطيات

 اجتماع القادة المباشر

 النقاش المفتوح حول دور الحكومات الجديدة ودور المجتمع المدني

 كلمة الإمام الصادق المهدي

بروكسل، 2 أكتوبر 2014

 1. إنني أثمن عاليا هذه الفرصة لمخاطبة هذا اللقاء المشترك للزعماء المهتمين بالديمقراطيات الجديدة والذي يرعاه نادي مدريد بالاشتراك مع شبكة ليند ومجتمع الديمقراطيات.

افتتح بملاحظة من سيرتي تشير إلى حقيقة أنني من عالمين: عالم هو العالم الديني والثقافي الذي ولدت فيه، والآخر هو العالم الحديث المعروف. التحدي الذي أواجهه هو إما أن أقبل تعايشهما، أو أنهما سوف يمزقان مواقفي تجاه الحياة إرباً.

2. إنني وآخرون يواجهون نفس مأزقي ملتزمون بأمة واسعة، وبولاءات أولية محدودة. وعلى الرغم من هذه الولاءات الواسعة والمحدودة، فإن علينا ممارسة السياسة في دول قومية.

3. الدولة القومية مفهوم مستورد، وكذلك النظام الديمقراطي هو ذاته مستورد.

4. وعلى الرغم من أن كلا المفهومين المستوردين مطلوبان، فإن كليهما يتطلب تحقيق بعض الشروط المسبقة التي لم تتوفر:

• المشكلة الرئيسية بشأن الدولة القومية هي أنه ليست هناك أمة بعد، فولاءات الناس مرتبطة بكيانات أضيق. فكيف تُخلق الأمة؟

• المشكلة الرئيسية بشأن الديمقراطية هي أن المجتمع التقليدي غير ليبرالي، ومع الحرية، يتصرف كثير من الناس بطرق منغلقة (غير ليبرالية). ولا غرو في ذلك، فقد استغرقت الشروط المسبقة عدة قرون لكي تنضج في الدول التي طورت الديمقراطية. كيف يمكننا القفز على هذه العقبة في بناء الديمقراطية؟ وبالتالي فالملاحظة الهامة هي أن بناء الأمة، وإقامة الديمقراطية في تلك الأمة يشكلان عملية شاقة.

5. لقد جئت من بلد، السودان، شهد كل الأنظمة السياسية الموجودة في كتاب السياسة، تحديداً: الديمقراطية البرلمانية، انقلاب كبار الضباط، الانقلاب الذي أقامه نظام يميل للشيوعية، الانقلاب الذي أقامه نظام إسلامي، وأنظمة الحزب الواحد، والنظام اللا حزبي، وهلم جرا. هذه التجربة المضطربة تثري تاريخنا السياسي.

 6. لقد قمت وآخرون طوال هذه التجربة المضطربة برفع راية الديمقراطية، والتأكيد على أن أية ادعاءات إسلامية تفشل في احترام الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة هي، بحكم المعايير الإسلامية، كاذبة. وقد دفعت ثمن ذلك الموقف المبدئي على أيدي طغاة السودان. لقد تم سجني و/ أو احتجازي عشر مرات: في الخرطوم، وشندي، وجبيت، وبورتسودان (مرتين)، والقاهرة، وبيوت الأشباح، وخمس مرات في سجن كوبر. لقد تم انتخابي مرتين رئيساً للوزراء في ستينات وثمانينات القرن الماضي. وانتخبت رئيسا لأكبر حزب سياسي سوداني، حزب الأمة، منذ العشرينات من عمري. مع هذه التجربة، ما هي الدروس التي أجد من المفيد تقديمها لكم كنشطاء ديمقراطيين ولدراسة حالتينا المطروحتين: مولدوفا، وتونس؟

 أقول: أولا: بالنسبة للديمقراطيات الناشئة فإن النظام السياسي وحده لا ينص على

احتياجات ولاءات المجتمع الأولية. وعلى النظام الديمقراطي اتخاذ موازنات لاستيعاب هذه الاحتياجات.

 ثانيا: البعد الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن يؤخذ كأمر مسلم به، هناك انتشار للفقر والبطالة، ومع الحرية سوف تعبر مختلف شرائح المجتمع عن مطالبها بلا هوادة. هذان الأمران يتطلبان الحاجة إلى موارد ضخمة، وعقداً اجتماعياً للتوفيق بين المطالب والإمكانيات.

 ثالثا: على الديمقراطية الجديدة معالجة مظالم الماضي. وهذا يتطلب إنشاء نظام للعدالة الانتقالية.

 رابعا: وعلاوة على مشاكل بناء الديمقراطية، هناك تحديات استثنائية يجب مواجهتها. في حالتنا، فإن التحديان اللذان كان لا بد للسودان من مواجهتهما هما: كيفية التعامل مع الطموحات الإسلامية، وكيفية إنهاء الحرب الأهلية؟ قضية صنع السلام ليست ذات صلة بالنسبة لدراسة حالتينا في مولدوفا وتونس، لكن سؤال الإسلام مطروح في تونس. إن نهج تونس للتوفيق بين التطلعات الإسلامية ومتطلبات المجتمع المدني يعد من تجارب الحكمة. وهي تجربة لديها أشباه في مناطق أخرى في تركيا، والمغرب، وإندونيسيا وهلم جرا. قال اثنان من المفكرين المسلمين المتميزين:

* إن متطلبات الواقع ينبغي أن تحسب من بين الضروريات. (الغزالي) وأنه،

 * على الفقيه معرفة الواجب الإسلامي، وفهم الواقع الاجتماعي، والمزاوجة بينهما (ابن القيم).

 كرئيس للمنتدى العالمي للوسطية، فإننا نحضر لمجموعة دراسة على الصعيد الإقليمي (مؤتمر) لمناقشة كل القضايا الخلافية وتحديد النموذج الذي من شأنه رأب التصدعات الحالية. ومع ذلك، فإننا الآن نواجه في تونس وأماكن أخرى تحديات من المتطرفين الذين يسقطون كل الحداثة، ويتبنون أفكاراً وأنماط عفا

 عليها الزمن، ويستخدمون الإرهاب المباشر لفرض معتقداتهم. إن ظاهرة التشدد والإرهاب المرتبط بها قد تحولت من مركز واحد، لشبكة، والآن إلى دول متوقعة. ان هذا التحدي سوف يستهدف الدولة القومية، ويعطل التحديث ويرفض الديمقراطية. إنه يشكل تهديداً على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. إن التعامل معه- أي التحدي الإرهابي- من حيث المبادرات الأمنية، والتصدي له بالمشورة الدينية المفتوحة؛ تعد استجابات ضرورية لكنها غير كافية. هذا التهديد له أسباب عديدة. إنه تحدٍ سياسي تقوده مظالم داخلية وخارجية: الاستبداد والمظالم الاجتماعية والاقتصادية داخليا، والهيمنة الدولية، والاغتراب الثقافي وهلم جرا.

لقد نبت هذا التهديد في أرضية ثقافية خصبة للانكفاء. ومن الضروري الدعوة لندوة دولية تسلط الضوء على انحرافه عن تعاليم الإسلام، وتوضح مسؤولية الأطراف الدولية في هذه المشكلة، وتحدد مخاطره الوطنية والإقليمية والدولية، وتجري تشخيصاً شاملاً للوضع ومن ثم الاتفاق على المعالجات المطلوبة.

 خامساً: التعقيدات الرئيسية للديمقراطية في مولدوفا هي:

أ) تأتي مع الحرية الديمقراطية المطالب الشعبية الاجتماعية والاقتصادية، التي لا يمكن تلبيتها عبر المصادر الوطنية. في حالة البلدان التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، جاءت المساعدات التنموية من الاتحاد.

ب) ومع ذلك، وقعت جميع دول حلف وارسو ضحايا لبعض التطورات الدولية، وهي:

 • بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، دعا المحافظون الجدد في أمريكا لسياسة الهيمنة وقد أثرت على الموقف الغربي بطرق لم تراع الحساسيات الروسية. إن توسع الناتو والاتحاد الأوروبي كليهما لم يتم بما يطمئن الروس. شعوب البلدان المعنية لديها كل الحق في تقرير المصير، ولكن هناك أقليات روسية، وعلاقات اقتصادية وتجارية مع

روسيا، وعمال مستضافون وهلم جرا. شكلت تلك الحقائق بؤرا للتعبير عن عدم الارتياح الروسي.

 • وتفاقم الوضع بسبب الرئيس السابق للاتحاد الروسي، بوريس يلتسين، والذي خفضت ولايته قيمة بلاده. مما هيأ لدور الرئيس بوتين الحالي.

 إنني، كمراقب دولي، أعتقد أنه كان من المناسب للمجلس الأوروبي أن يهتم بالعلاقات بين الشرق والغرب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وأن يتصور نمط العلاقات الأمنية بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الروسي. فمثل هذا الفهم كان سوف يجنب الكثير من المتاعب التي تلت.

سادساً: في كل من تونس ومولدوفا، بل وفي حالة جميع الديمقراطيات الناشئة، سوف يؤدي التحرر السياسي إلى عدم الاستقرار إلا إذا كان مصحوبا ببرنامج اقتصادي اجتماعي لتلبية التطلعات الشعبية.

 سوف لن يتمكن الذين انضموا للمجتمع الدولي مؤخراً من انتشال أنفسهم بقدراتهم الخاصة. وفي حالة مولدوفا، فإن هذا (الدعم) قد يأتي من الاتحاد الأوروبي. وفي حالة تونس فإنه يمكن أن يأتي فقط من صندوق عربي. وعلى الرغم من أن الموارد العربية المذكورة لا تلوح الأفق، فإن أفضل نصح لتونس هو تجنب التورط في أي محور إقليمي، ومواصلة سياسة الاعتدال، وتقديم المشورة لأبناء عمومة النهضة من الإخوان في المناطق الأخرى لتجنب سياسات التمكين المتبعة لدى النظام في السودان ورئاسة مرسي في مصر، والاتفاق على رئيس توافقي سوف يكون تجسيداً للدستور التوافقي وسوف يدفع بالبلاد نحو ديمقراطية ناضجة.