كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي في إفطار الأمانة العامة لحزب الأمة القومي 27 يونيو 2016

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

إفطار الأمانة العامة السنوي

ميزان التقدمية المؤصلة

الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب

22 رمضان 1437هـ
27 يونيو 2016م

زملائي مؤسسة رئاسة حزب الأمة، وأخواني وأخواتي قيادات القوى السياسية والمدنية السودانية وضيوفنا الكرام أعضاء البعثات الدبلوماسية للسودان.

أخواني وأخواتي، وأبنائي وبناتي

السلام عليكم من بعيد الدار القريب منكم بروحه وعقله وقلبه، على نحو ما قال صاحب البردة الجديدة:

وَسُنَّةُ اللهِ في الأحبَابِ أَنَّ لَهُم وَجْهَاً يَزِيدُ وُضُوحَاً كُلَّمَا اْبْتَعَدَا

أبدأ بتهنئة الأمانة العامة لحزبنا على حماسة نشاطها، وعلى الدعوة لهذا الإفطار السنوي الذي صار مهرجاناً للجسم السياسي والمدني والعشيرة الدبلوماسية، فمرحباً بكم وأهلاً، ومكاناً سهلاً.

أساهم معكم في هذا المهرجان بسبع مقولات راجياً أن تكون إضاءات لحالنا ومآلنا.

أولاً: حزبنا متجذر في عراقته، وهو كذلك طليعي في حداثته، ينادي بالتقدمية المؤصلة التي تتجنب إفراط الانكفاء وتفريط الاستلاب.. إنه نهج إيماني يحتضن الروابط الوطنية، والقومية، والأفريقية؛ ويلتزم بالتنمية، والعدالة الاجتماعية، والثقافية، والجهوية؛ ويكفل حقوق الإنسان بأعمدتها الخمسة: الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام؛ ويتخذ الديمقراطية أساساً لإدارة الشأن العام، ويعتبر الفهم الاجتهادي المقاصدي للإسلام حضناً روحياً وأخلاقياً وتشريعياً لهذه الرؤى التقدمية المؤصلة.

تطور حزبنا فكرياً وتنظيمياً عبر مؤتمراته السبعة، وعبر ورشاته الدراسية التي تجاوزت المائة، وآخرها ورشة تفعيل دور المرأة في العمل السياسي في مايو الماضي، وما أصدرت من توصيات سوف تدرج في البرنامج الذي يُرجى أن يجيزه المؤتمر الثامن.

ويطيب لي أن أرحب بإخواننا وأخواتنا الذين تحفظوا على ممارسات تنظيمية في الماضي، وصاروا الآن رافداً يساهم في العطاء وفي الورش التحضيرية وفي اللجنة العليا للمؤتمر الثامن، أما الذين عزلوا أنفسهم بتكوين أحزاب ضرار، أو الانضمام للسلطة الباطشة فلا مكان لهم في صفوفنا إلا عبر إجراءات تصحيحية.

ثانياً: منذ إعلان باريس في أغسطس 2014م، ثم نداء السودان في ديسمبر من نفس العام فقد تكون توازن قوى جديد من شأنه التوفيق بين المركز والهامش، وبين اليسار واليمين، توفيقاً استراتيجياً يجسده الميثاق الوطني المشترك والسياسات البديلة التي سوف تلحق بالميثاق لتكوين دليل بناء الوطن.

وفي اجتماعات مكونات نداء السودان الأخيرة في باريس ثم في أديس أبابا تقرر:

الدعوة للمجلس الأعلى العشريني في ظرف شهر لتكملة كافة الإجراءات المتعلقة بالهيكلة، والميثاق، والبرامج التنفيذية وللتحضير لهذا اللقاء كونا لجنة مؤهلة.

وكونا لجنة تنفيذية لإدارة عمل النداء خارج البلاد ومهمتها تكوين شبكة عالمية لقوى النداء، وتكوين صندوق التحرير، وتكوين مجموعة إعلامية للاستفادة من الوسائل الإعلامية المتاحة خاصة الفضائيتين الصديقتين؛ وللقيام بنفير دبلوماسي دعماً لموقف نداء السودان.

كما تقرر تكوين لجنة تنفيذية بالداخل مهمتها تكوين شبكة للنداء في أقاليم السودان، وتكوين صندوق التحرير الداخلي، وتغذية البرامج الإعلامية في الوسائل المتاحة.

كان حزب الأمة قد قرر التنسيق مع كافة القوى السياسية والمدنية السودانية لا سيما قوى المستقبل للتغيير، والقوى الشبابية الجديدة، ونتطلع أن يمد نداء السودان يده للتضامن مع كل القوى الوطنية التي تنشد نظاماً جديداً يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

ثالثاً: الاحتقان في السودان بلغ ذروته في كل المجالات ما يجعل عامنا هذا الأقرب لميلاد نظام جديد، فمقومات الانتفاضة الشعبية السلمية اكتملت لا ينقصها الآن إلا التخطيط الذي يجعلها فاتحة لبناء الوطن.

وعلى صعيد آخر يطيب لي أن أثمن مرة أخرى توصيات الحوار الداخلي الذي قاطعناه، ولكن توصياته تجاوبت مع بعض المطالب الشعبية المشروعة، وأهمها: التركيز على محورية بناء السلام، والمطالبة بكفالة الحريات العامة، والمطالبة بتحجيم جهاز الأمن، والمطالبة برئاسة تنفيذية للوزارة، وتأكيدهم على أهمية مشاركة الذين لم يشتركوا معهم في حوار وطني.

مطالب نادى بمثلها كثيرون لم يشاركوا في حوارهم كما عبرت جماعة الـ 52 وهم يمثلون طيفاً فكرياً وسياسياً واسعاً، نكرر لهم التهنئة على موقفهم الوطني المقدر.

وكما تعلمون فإن الآلية الأفريقية الرفيعة دعت لحوار إستراتيجي في مارس الماضي، وبعده اقترحت خريطة طريق وقع عليها مناديب الحكومة السودانية، أما نحن فقد عبرنا عن تقديرنا لما فيها من إيجابيات وعبرنا عن تحفظات.

ومنذ مارس الماضي جرت مداولات كثيرة لكي يصحب توقيعنا على الخريطة اعتبار لتحفظاتنا. ومعلوم أن السياسة والدبلوماسية لا تعرفان الطريق المسدود ويُرجى سياسياً ودبلوماسياً أن يعقب الاختناق الاختراق. وسوف يتحقق إن شاء الله قريباً.

رابعاً: المنطقة المحيطة بنا تحترق تؤجج نيرانها مواجهات إسلامية علمانية، وطائفية، وإثنية؛ مواجهات نتائجها حتما صفرية لطرفيها، بل تدمر كيانات الدولة الوطنية، وتفسح المجال لتمدد القاعدة وداعش وخلافتها الإسلامية المزعومة.

هذه الاضطرابات بالإضافة لآثارها المدمرة لأطرافها فإنها أفزعت دولاً عبر البحر الأبيض المتوسط، وعبر المحيط الأطلنطي من الهجرات غير القانونية ومن الإرهاب ما جعلهم يتخذون سياسات علاجية أهمها:

تمكين قادة حكومات طاردة لمواطنيها من تكوين معسكرات لإيواء اللاجئين غير القانونيين المرجعين قسراً للأوطان التي فروا منها. خطة أدانتها منظمة أطباء بلا حدود والإنسانية لأنها تداوي الظاهرة بالداء الذي تسبب فيها.

دعم حملة الحكومة العراقية للقضاء على داعش في العراق لا سيما في الفلوجة والموصل، استعانة بالحشد الشعبي ذي التكوين الطائفي المناقض لتكوين البلدان المراد تحريرها.

دعم الحملة الدولية للقضاء على مركز “الخلافة” في الرقة في سوريا، استعانة بمكون كردي مناقض لتكوين السكان القومي.
هذه السياسات مهما حققت من إيجابيات على المدى القصير سوف تصنع سليبات هائلة على المدى المتوسط والمدى الطويل. لأنها تحاول علاج مشاكل بالداء الذي تسبب فيها.

وهناك الحرب المشتعلة في اليمن ذات الأبعاد الطائفية، وهناك التوتر الطائفي في لبنان والبحرين، بل حيثما يوجد تكوين سكاني سني وشيعي. مواجهات صفرية النتائج وتفتح مجالات تمدد للقاعدة وداعش.

المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج تحتضن الآن مواجهات لا حل لها بالوسائل العسكرية بل تتطلب وعلى جناح السرعة أمرين لا غنى عنهما:

الأول: أن يهرع صناع القرار إلى مواثيق توفيقية سنية شيعية، إسلامية علمانية، إسلامية كتابية، ومعادلة للتعايش القومي. آفاق ينبغي أن يضع لها المفكرون في المنطقة تصوراً يتبناه صناع القرار.

والثاني: وضع حد للحرب الباردة والساخنة أحياناً بين أهم مكونات المنطقة: بين الكيان العربي، وإيران، وتركيا. هذا عن طريق إبرام معاهدة أمن وتعايش.

ما لم يتوافر هذان الشرطان فإن الدولة الوطنية في المنطقة سوف تتآكل، والاحتراب سوف يتسع، وتتاح أوسع الفرص للأجندات المارقة وللوصاية الأجنبية.

خامساً: التشويه الذي يمزق منطقتنا صار سلعة لتصدير ما جعل أهم الدول في أوربا وحتى في أمريكا يتحركون بصورة خالية من الوعي الإستراتيجي بل ومن العقل وخاضعة لانفعال عاطفي يؤججه الخوف. هكذا صارت الدول الأوربية وحتى أمريكا ميادين لردود فعل هي أشبه باستنساخ لداعش في مجتمعاتها، لذلك تنامت تيارات اليمين المارقة.

الانفعال الذي أدى لتصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوربي لا يعزى إلا بصورة محدودة لصادرات منطقتنا، ولكنه يعزى للخوف من فيضان هجرة شعوب أوربا الشرقية الفقيرة إلى دولها الغربية والشمالية الغنية استفادة من الحقوق المتاحة لهم في الاتحاد الأوربي. إن الشعب الانجليزي شعب عبقري صاحب إنجازات في التاريخ الإنساني، ولكنه خوفاً من أوهام تصرف في الاستفتاء بعاطفية ومخاوف جعلته يسجل ثلاث إصابات في مرماه:

الأولى: الاتحاد الأوربي هو زبونهم التجاري الأكبر فسيدفعون في الجمارك مبالغ أكبر مما يساهمون به في صندوق الاتحاد الأوربي.

الثانية: المخاطرة بتفكيك المملكة المتحدة إذ صوتت اسكتلندا لصالح البقاء في الاتحاد الأوربي، وصوتت ايرلندا الشمالية كذلك، وسيكون لهما خيارات مخالفة لخيار أغلبية الانجليز. والثالثة: ضياع فرصة المشاركة في اتحاد أوربي يُرجى أن يكون له شأنه في توازن القوى بين العمالقة: الولايات المتحدة، والصين، وهلم جراً. نحن نعزي الشعب البريطاني على هذه العثرة لا نهنيه.

سادساً: كتبت في كتابي بعنوان “حالنا ومآلنا” ما خلاصته أن منطقتنا كلها في حالة فوران، وسوف تتنافس في تحديد مصيرها ثلاثة عوامل مهمة: عوامل الثورة المارقة مثل القاعدة وداعش أو غيرهما؛ إنها ثورة القفز للوراء. وهنالك عامل القفز للأمام، وما سوف يغذي من ثورات تقدمية. وهنالك عامل الوصاية الأجنبية التي يحركها اضطراب المنطقة وصادراته المشتعلة.

هذه العوامل يمكن أن يبطل مفعولها مشروع نهضوي يحقق الأهداف الثورية المنشودة بوسائل ناعمة.

مقومات السودان تجعله مؤهلاً أن يقوم بدور مفتاحي في هذا المجال إذا هو استطاع أن يخرج من محناته، الخروج الذي أراه قريباً وربما رآه آخرون بعيداً، ولكن الوعد الحق: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ*) وقوله (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). وكما قال حكيم شعرائنا الهادي آدم في أبيات هي تميمة للفأل الحسن قال:

شغل الناس بالصغار فراحو
يقتل بعضهم في الصغائر بعضا
وإذا الباطل استطال وألوى
في عناد وأصبح الأمر فوضى
لا تضق بالحياة فالسحب لا يحجبن
شمساً ولن يخفين ومضا
إن للحق قوة ذات حدٍ من
شباة الردى أدق وأمضى

سابعاً وأخيراً: أنعي إليكم المفكر والمناضل الراحل محمد علي جادين رحمه الله وأحسن عزاء أسرته المباشرة النعيم وأحمد والطيب وآمنة وليلى، وأحسن عزاء أصدقائه وزملائه في حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني.

في عام 1988م وفي بغداد التقيت مؤسس البعث الأستاذ ميشيل عفلق في بغداد وقلت له عندي ثلاث ملاحظات في فكركم:

الأولى: شعار وحدة، حرية، اشتراكية. ولكن باعتماد الانقلاب العسكري وسيلة لتحقيقها ضاعت الشعارات الثلاثة.

والثانية: قلتم أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة هل هي غير الإسلام؟ ولكن عدم البيان في هذا الأمر فتح المجال لتناقض بين العروبة والإسلام كان له أثر ضار.

والثالثة: العروبة المشرقية توحد بين المسلم والمسيحي العربي ولكنها في السودان ذي الهوية القومية المركبة تفرق. ألا يتطلب الأمر مراعاة للخصوصية السودانية؟

في النقاط الثلاث باعتباره مفكراً عقلانياً رائداً، وباعتباره أدرك أخطاء التجربة البعثية وحاجتها لمراجعة، وافق انتقادي وتقبله بروح طيبة، فقلت له حبذا لو أنك كتبت في هذه المواضيع. وافقني على ذلك ولكنه توفي بعد شهرين ما جعلني أذكر هذه المحادثة في نعيي له.

أذكر هذه المحادثة بمناسبة ما أعتقد أن فقيدنا الراحل، وزميله عبد العزيز الصاوي حاولا سودنة الفكرة البعثية، على نحو ما قلته في نعي فقيدنا محمد إبراهيم نقد بأنه سودن الماركسية.

هؤلاء المفكرون الذين انفتحوا على الفكر الإنساني وراعوا الواقع السوداني عملة نادرة، فالتقليد سهل لأنه مجرد تبعية وهو في كل الحالات قليل العطاء. آفتنا تقليد الوافد من الماضي أو الوافد من الخارج. والتحدي المثمر هو الاجتهاد في أمر بيان الموقف الفكري والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما.

رحم الله الفقيد محمد علي جادين وأكثر من أمثاله من مفكرين منفتحين على العطاء الإنساني، ومدركين للعطاء السوداني، وساعين لتوفيقات على مستويات أعلى من العطاء.

أقولي قولي هذا وأضرع لله أن يجعل من عامنا هذا آخر أعوام المعاناة وأن يوفق أهل السودان لبناء حياة أعدل وأفضل.

والسلام عليكم ورحمة الله،،