كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي في الإحتفال بعيد ميلاده

الإمام الصادق المهدي في القاهرة يوم ميلاده

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عام عطاء وعناء

25/12/2014م

 

مقدمة:

أيها الحبان رجالاً، ونساءً، وأطفالاً.

في يوم ذكرى ميلادي نقلت الفكرة من احتفال لتأملات عن عام مضى وعام آت.

العطاء في سن الشدة لا يستغرب ولكنني توليت قمة المسؤولية في سن قيل ما أصغره! وواصلت عطاءاً في سن قيل ما أكبره!

عطاء البشر لا يقاس بالسن كالأنعام، البشر يمكن أن يحلموا في سن يافعة كما قال الحكيم:

وَمَا الحَداثَةُ من حِلْمٍ بمَانِعَةٍ قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشبّانِ وَالشِّيبِ.

ويمكن للعطاء أن يكون في سن متقدمة كما قال الحكيم:

وَفي الجسْمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بشَيْبِهِ وَلَوْ أنّ مَا في الوَجْهِ منهُ حِرَابُ.

 معنيان جمعهما الأستاذ كرف في رثاء الإمام عبد الرحمن:

وبذلت لله الشباب وقد سمت لك في المشيب عزيمة لا تلحق

 أقول: شب، يشب، شبا، فهو شاب، الأمر متعلق بالتوثب المعنوي والحسي، فإن غاب فلا شباب:

كم ميت بالوهم في عز الصبا ولربما قتل الجبان خيال

 وعجز، يعجز، عجزاً، فهو عجوز.

 ومع أنني أخطط للتقاعد والاشتغال بالفكر والعمل الدولي عندما أطمئن لصلابة مؤسساتنا في الكيان والحزب، فإن بعض الناس وهم يلمسون دلائل العطاء، بدل حث الشباب للانتفاع بالقدوة قبل فوات الأوان وطلب الاستزادة لمصلحة المجتمع، تجدهم يحاولون إثباط همتي ولكن:

إِذا طالَ عمرُ المرءِ في غيرِ آفةٍ أفادت له الأيام في كرِّها عقلا

أقول في عشر نقاط:

 أولاً: منذ يونيو 2012م طرحنا بصورة قاطعة أطروحات سبق طرحها في حشد شعبي كبير في مسجد خليفة المهدي بأم درمان، قلنا : إن النظام الحاكم قد قضى نحبه، ولا بد من نظام جديد نحققه إما عبر حوار كما في كوديسا جنوب أفريقيا لعام 1992م أو إذا تخندق النظام بالعناد والانفراد فوسيلتنا انتفاضة شعبية تحقق مطالب الشعب.

 وفي أغسطس 2013م زارني رأس الحكومة واتفق معي على أنه: في أمر الحكم، والسلام، والدستور فإن الأمر قومي بحيث لا يعزل منه أحد ولا يهيمن عليه أحد.

 وفي يناير 2014م أعلن رأس الحكومة ما اعتبرناه تنفيذاً لما أعلن: مبادرة الوثبة، التي تحولت بسرعة إلى نكسة لأن الحزب الحاكم أصر أن يكون الحوار برئاسته والمطلوب رئاسة محايدة، ولأن الحكومة قمعت الحرية بتجريم انتقاد قوات الدعم السريع.

 ههنا اعترف بأن حسن الظن أعمانا عن فحص العيوب المخبوءة، فلما كشفت العيوب عن نفسها نفضنا يدنا عن حوار الوثبة، دون نبذ الحوار من حيث هو إذا توافرت استحقاقاته.

وخطأ آخر وقعنا فيه في التعامل مع النظام: رئيس اللجنة الاقتصادية في المكتب السياسي الحبيب الصديق الصادق قدر بناء على حساب الأصول المصادرة وبعضها أعيد في 2000 والآخر لا يزال مصادراً، أن ديننا على النظام الحاكم منذ انقلابه، مقدراً في مارس 2014م، يساوي 48 مليار جنيه تعادل وقتها 6 مليون دولار، النظام ترك الأمر معلقاً وصار يدفع لنا على فترات ما جملته 3 مليار جنيه (بالقديم) وسرب لذويه أن هذه مساعدات لحزب الأمة تشويهاً لموقفنا كأنه اشترانا. نحن ما زلنا دائنين للنظام، وما دفعه لنا يساوي حوالي 6% من استحقاقنا.

 ثانياً: ولدت الجبهة السودانية الثورية في أواخر عام 2011م وكنا حريصين على التواصل معها معترفين بوزن مكوناتها وبحقوقهم المشروعة مع تحفظنا على نقاط، وما بين 2012-2014م بلغ الحوار غايته في 8 أغسطس 2014م (إعلان باريس)، إعلان حقق للوطن سبعة مكاسب هي:

  •  توازن قوى جديد بين عناصر ذات وزن ولكنها مفترفة ما يدعم وحدة الوطن.
  •  التخلي عن إسقاط النظام بالقوة، بل يقام النظام الجديد بالوسائل السياسية.
  •  الاتفاق على مستقبل وحدوي عادل للسودان.
  •  الترحيب بدور للجامعة العربية أسوة بالاتحاد الأفريقي.
  •  الترحيب بدور لمصر في الشأن السوداني أسوة بجيراننا في القرن الأفريقي.
  •  عقد العزم على توحيد قوى التغيير.
  •  توافق لتحقيق التوازن والعدالة بين المركز والأطراف بما يزيد الإنتاج الزراعي ويزيل الفقر في البلاد.

 ثالثاً: إعلان باريس هو الأب الشرعي لاتفاقية الحوار الوطني والدستوري الموقع بين كافة الأطراف السودانية في سبتمبر 2014م بإشراف السيد أمبيكي. وهو كذلك الأب الشرعي لنداء السودان الموقع في أديس أبابا ديسمبر 2014م. هذه الحلقات هي حبات في مسبحة الوطن تحلقت حولها قوى سياسية ومدنية أخرى وسوف تكتمل حلقات دعمها بما يضم كافة قوى السودان السياسية، والمدنية، والمسلحة، والنقابية، والأكاديمية، والقبائل، والطرق الصوفية.

 ردة فعل النظام لهذا التحرك الحثيث لتحقيق خلاص الوطن وإخراجه من مربع النزاعات والاستقطاب هو الإدانة والتهم الكاذبة، والمواصلة في التحرش بهذا الركب القومي المقدس إعلامياً وأمنياً. إننا إذ ندين اعتقال اثنين من موقعي نداء السودان وهما الدكتور أمين مكي مدني والسيد فاروق أبو عيسى، وأحد موقعي إعلان باريس بأديس أبابا وهو الدكتور فرح عقار، وندين الإجراءات الأمنية الكيدية المتخذة ضد السيدين أبو عيسى وأمين، نعبر عن قلقنا على حالتهما الصحية والتي لا تحتمل الإجراءات الباطشة المتخذة ضديهما خاصة في ضوء تدهور حالة الأخ أبو عيسى، ونطالب بإطلاق سراحيهما وسراح الأخ عقار وكل المعتقلين السياسيين، وبضرورة وقف التعامل العبثي مع القضية الوطنية، والاستماع لنداء السودان بضمير مخلص والاستجابة لخارطة الطريق التي طرحناها لتحقيق الخلاص.

حتى الآن مواقف النظام تسوق البلاد إلى الصدام والمواجهات، ففي أديس أبابا صار الطريق مسدوداً. وينتظر عقد لقاءات في جنوب أفريقيا، نعمل ليقف الشعب السوداني كله فيها موقفاً موحداً مطالباً بنظام جديد يحقق السلام والديمقراطية، فإذا استجاب النظام لمطالب الشعب المشروعة كفى الله المؤمنين القتال، وإذا أصر واستكبر استكباراً فسوف نخرج جميعاً مطالبين بحقوق الوطن لأهله.

 رابعاً: تساءل قوم لماذا لم أعد للوطن منذ إعلان باريس؟

 لو عدت مباشرة لما أتيحت فرصة للانجازات التي تحققت ما بين أغسطس وديسمبر وسوف أعود إن شاء الله بعد تكملة المهام المطلوبة فالنظام مسلح بأجهزة وأدوات للكبت والقهر والكيد، كما فتحوا ضدي بلاغاً تحت المادة (50) من قانون العقوبات ليحبسوني فعطلوا عملي شهراً وهم يعلمون أنه بلاغ كاذب، ولكن رب ضارة نافعة فقد أضاف كيدهم لرأسمالنا السياسي وخصم من صدقيتهم: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ).

 وخرجت من السجن كما قال العقاد:

عداتي وصحبي لا اختلاف عليهما سيعهدني كل كما كان يعهد

تأخرت لتحقيق أهداف ضرورية هي:

توثيق العلاقة بين أطراف إعلان باريس وحسم معالم النظام الجديد المنشود.

o شرح إعلان باريس ونداء السودان لجيراننا وللأسرة الدولية، ومناشدة الجميع الوقوف مع الشعب السوداني لتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

o التحضير عبر منتدى الوسطية العالمي لمؤتمر إقليمي يوجه نداءاً لاستنهاض الأمة من كبوتها الراهنة، ويقيم آليات للاستنهاض المنشود.

o التحضير عبر نادي مدريد لمؤتمر دولي يدرس الحالة شرق الأوسطية، والعوامل الذاتية والخارجية المسببة لها، وواجبنا وواجب الأسرة الدولية في مواجهة التحديات.

كثيرون يرون أن ما حققت حتى الآن ما بين أغسطس وديسمبر هذا العام كان مثمراً لقضية الوطن.

وهو جهد ينتظر أن يبلغ ذروته بعقد المؤتمر التحضيري المزمع للحوار الوطني.

 خامساً: إن رحم السودان الآن يحمل جنين النظام الجديد وقد نما في هذا العام. في شهرنا هذا شكت السيدة فاطمة بن سودة من عدم قيام مجلس الأمن بواجبه في إحضار المتهمين للعدالة، وإلا فسوف توقف تحقيقاتها. النظام السوداني توهم أن هذا الموقف، وهو تصعيدي، أنه انهزامي، لا يمكن لمجلس الأمن أن يتجاهل هذا الطلب وسوف يقرر إما اتخاذ إجراء شرطي أو سياسي، وفي الحالتين فإن على النظام السوداني دفع استحقاقات محددة. وإمعاناً في العزلة الدولية، تعامل النظام مع اتهامات تابت بصورة مريبة ثم قرر طرد قوات اليوناميد الموجودة في دارفور بقرار تحت البند السابع، أي لا تخضع للقرار القطري:

 الزول أن بقت متعسرات أيامو تعمى بصيرتو ما بشوف العوج قدامو

 قال تعالى: (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى).

 إزاء هذا الموقف فقد خاطبنا مجلس الأمن بما ينبغي عمله لمصلحة العدالة ولمصلحة الشعب السوداني: إما حل يحقق عدالة عقابية أو عدالة وقائية، ولكن في عدم الاهتمام بمطلب المدعية العامة إهداراً للعدالة وتخلياً عن المسؤولية الدولية.

 وبهذه المناسبة نناشد كافة أطياف شعبنا المقدام، حتى أولئك المنخرطين في النظام، أن النظام يعزل نفسه من شعبه ومن عالمه، وأنتم مساءلون عن تجاوزاته، فأنقذوا أنفسكم بانحياز واضح لمطالب الشعب جهاراً نهاراً.

لقد تصدينا لهذا النظام بالتي هي أحسن، وبالتي هي أخشن، ودفعنا ثمناً لذلك فإنه كما قال مانديلا: “ليست هناك مسيرة سهلة للحرية ما يوجب علينا عبور وادي الهلاك مراراً وتكراراً قبل أن نبلغ قمتنا المنشودة”. وكلكم مطالب الآن بدفع ضريبة الوطن رفضاً للاستبداد والفساد والعناد وانحيازاً لمطالب الشعب المشروعة، لأنه كما قال نبي الرحمة: “الساكتُ عن الحقِّ شيطان أخرس”.

 سادساً: ليس السودان وحده في حالة اضطراب بلغ قمته في هذا العام. ثورات الربيع العربي لم تسبقها ثورات ثقافية، فالانتفاضات أزالت قبضة الحاكم وفتحت المجال للمجتمعات لتعبر عما تشكو منه من مظالم وما تدين به من ولاءات فانطلقت هذه المشاعر تعبر عن نفسها، وكانت القاعدة قد عبأت مشاعر قتالية بدعم وتمويل وتدريب أمريكي لمحاربة السوفييت في أفغانستان، وبعد جلاء السوفييت وجهت القاعدة بأسها لإجلاء الأمريكان من بلاد العرب وكونت لنفسها شبكة واسعة الانتشار، وعندما غزا الأمريكيون العراق انخرطت القاعدة في سلك المقاومة في العراق، كانت نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق في نظر كثير من أهل السنة انحيازاً للشيعة وللأكراد. داعش من انتماءات سابقة للقاعدة تكونت في السجون الأمريكية مستهدفة التمدد الشيعي، كثير من أهل السنة يشعرون أن الشيعة أوجدوا في إيران دولة مركزية وإمامة ما جعلهم يتطلعون لخلافة. التصدي للشيعة والتطلع للخلافة أدى لخلافة داعش في بعض أرض العراق والشام، وتقليداً لذلك انتشرت إمارات سنية في مناطق عديدة في درنة في ليبيا، وإمارة في الصومال، وأخرى في نيجيريا تحت بوكو حرام. حركات القاعدة وأخواتها، وداعش وأخواتها بلغت الآن حوالي خمسين حركة تمثل: رفضاً للدولة القطرية، ورفضاً لأسلوب العمل السياسي السلمي، ورفضا للمجتمع الحديث، وتطلعاً لإحياء ماضٍ افتراضي إحياؤه ضد طبيعة الأشياء.

 الثورة الإسلامية في إيران تمثل رفضاً للنظام السياسي الحديث وتعبيراً عن أشواق شيعية عبر ولاية الفقيه، هذه النهضة الشيعية أنعشت التطلعات الشيعية في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي اليمن، وفي البحرين وهلم جرا. وبقدر ما انتعشت التطلعات الشيعية تحركت أوساط سنية في اتجاه مضاد، داعش تعبير عن أشواق سنية ورغم فظاعة أساليبها وجدت تجاوباً في أوساط سنية، لذلك يصعب القضاء على داعش إذا لم يطمئن أهل السنة في العراق وسوريا على مركزهم مستقبلاً.

داعش استقطبت عناصر بشرية من 80 دولة واستخدمت وسائل وحشية استنكرها الناس في كثير من الدول لذلك صارت مهدداً أمنياً لها ما أدى لاصطفاف دولي ضد داعش.

ولكن قيادة دول غربية “مسيحية” لهذا التحالف غذى دعاية داعش أنها إنما تواجه غزواً صليبياً.

الدولة الوطنية في بلداننا الآن تواجه تهديداً حقيقياً من:

  •  الاستقطاب السني/ الشيعي الذي يطغي على الولاء الوطني.
  •  تجاوز الشعوب لحاجز الخوف واستخدام وسائل الحركة الحديثة من اعتصامات، ومذكرات، ووسائل تواصل اجتماعي تحاصر الدولة الوطنية.
  •  نسبة الشباب العالية في السكان، ونسبة العطالة الكبيرة، ونسبة الفقر المنتشرة عوامل تهدد الدولة الوطنية بقنبلة اجتماعية.
  •   العصبيات القبلية المسلحة والولاءات الجهوية تحول دون الاستقرار وتفتح باب التنافس القبلي والمناطقي.

هذه العوامل التي تنحر في كيان الدولة الوطنية وتشجع الحروب الأهلية تستدعى التدخلات الدولية بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل المسلحة، هذه الاضطرابات مآلاتها إلى تقسيم الدولة الوطنية، أو الحرب الأهلية المستمرة، أو استدعاء تسلط استبدادي داخلي لمنع الفوضى، أو استدعاء احتلال خارجي.

 المخرج الوحيد من هذه المآلات هو أن تتصالح القوى السياسية في البلدان المختلفة على مشروع خلاص وطني بالتراضي.

لقد قمت في هذا العام بالعديد من المناشط عبر نادي مدريد ومنتدى الوسطية للتبشير بهذه الرؤية، وفي هذا الصدد سعيت للتخطيط للمؤتمرين المذكورين المزمعين في إطار الأمة الإسلامية والعالم. إن اهتمامنا بهذا الملف ليس ترفاً فهي مسائل مصيرية لنا داخل إقليمنا وعالمنا.

 سابعاً: رحلاتي الخارجية أثناء عام 2014م إلى الأردن “مرتين، ومصر “ثلاث مرات”، وقطر، وأثيوبيا “مرتين”، وأسبانيا، وبروكسل، وإيطاليا، وفرنسا، والإمارات العربية، وبريطانيا، أي 14 رحلة كانت كلها محاضرات، أو مؤتمرات، أو حلقات دراسية في إطار الأجندة الوطنية السودانية، أو الأجندة الإقليمية، أو الأجندة الدولية.

 في الأجندة الوطنية السودانية عملنا على توحيد الصف الوطني، وطرح خريطة طريق لسلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل. وفي مجال الأجندة الإقليمية حضرنا مؤتمر حوض النيل، ومؤتمر المجلس العربي للمياه، والتحضير لمؤتمر إقليمي لإطلاق نداء استنهاض الأمة. وفي مجال الأجندة الدولية عملنا على كسب التأييد لإعلان باريس والتحضير لملتقى لتشخيص أزمة الشرق الأوسط وبحث العوامل الذاتية والدولية المسببة لها والعمل المشترك لمواجهة التحديات.

ثامناً: هذا العطاء دفع أحد كرام المواطنين الأوفياء المحيطين بالأحداث، ومؤسسة تعليمية أهلية ساهمت بما لا يقدر بثمن في التعليم الأهلي في السودان وفي بث الوعي الفكري الثقافي والاجتماعي في البلاد، دفعتهم لتأليف كتاب عن عطائي على مر السنين وخاطبوا بموجبه مؤسسة نوبل النرويجية لمنحي جائزة نوبل للسلام عن عام 2015م. هذا الكتاب روي عني بإحاطة وإدراك في مئات من الصفحات ما أثلج صدري ومهما كان قرار مؤسسة نوبل فإنني أشكر هؤلاء الأخيار على منحي جائزة عطاء سودانية.

بعض الأقلام تلوي الحقائق لتنال مني حسداً. لعل العزاء مقولة الإمام علي: “اللهم كثّر حسادي”! فعندما سئل في ذلك قال: “الحسد آفة النعمة، فكل ذي نعمة محسود”.

 تاسعاً: قلت إنني استعد لإسناد الأمر فيما أقوم به الآن لمؤسسات قوية وديمقراطية، كذلك في هذا العام قررت توزيع ما أملك على من تلزمني مؤونتهم، وخصصت بعض ما أملك لأغراض عامة، وسوف تسجل هذه الحقوق لأتحرر من الملكية وألقى ربي في الوقت الذي يختاره فقيراً من المال، فقيراً لرحمته.

 عاشراً: وفي هذا العام بلغت الصفاء الفكري في أهم القضايا الفكرية الشاغلة:

1. فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية فإنني:

 o أصولي في الثوابت: التوحيد والنبوة، المعاد، والأركان الخمسة فهي أمور نقلية.

o عقلاني في المتحركات والمعاملات، عقلانية عبر عنها علماء: قال الشاطبي: كلما أمر به الشرع وافقه العقل. وقال ابن تيمية: المنقول الصحيح لا يعارضه المعقول الصريح البتة. وقال الطوفي: المصلحة الراجحة حجة. وقال الغزالي: الواقع في رتبة الضرورات.

 2. في ما يتعلق بالمهدية فإنني بعد الغوص في الدفاتر الإسلامية وفي تعاليم الإمام المهدي أقول:

o لمن ينتظر شخصاً غاب قبل 14 قرن أن يأتي هو نفسه مهدياً أن يؤمن بما يشاء ولكن عليه أن يتدبر قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

 o ولمن ينتظر شخصاً يأتي آخر الزمان نقول: لك أن تؤمن بما تشاء ولكن تدبر ما يدل على أن الإيمان يومئذٍ لا يجدي: قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ).

 المهدية بموجب تعاليم الإمام المهدي هي إحياء للدين بنداء غيبي يضع صاحبها في مكانة تمكنه من إسقاط إلزامية اجتهاد المجتهدين التزاما بقطعيات الوحي في الكتاب والسنة.

وتقول تعاليمه في أمر الثوابت: ينبغي الإتباع. وتقول: إن لتعاليم الإسلام أغواراً روحية. وتقول في أمر المعاملات والمتحركات: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال. وتقول: ينبغي أن تكون للجماعة قيادة يحكمها: من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المؤمنين.

3. وفي أمر الهوية السودانية فإنني أقول: إن الانتماءات تتداخل، الدينية، والقومية، والأفريقية، والثقافية، والوطنية، دون أن تتناقض ما يجعل الهوية السودانية مركبة لا إحادية على نحو ما شرحنا في كتاب (الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك)، وقد نشرت في هذا العام كتاب آخر (استحقاقات الحوار الجاد).

في الختام: يرجى أن يكون لما غرس في عام 2014م حصاد مبارك في عام 2015م.

 وعلى الله قصد السبيل،،