كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي في الذكرى الـ12 لرحيل سارا الفاضل: نحو فجر نسوي جديد

السيدة سارا الفاضل محمود عبدالكريم
الراحلة المقيمة الحبيبة السيدة سارا الفاضل محمود عبدالكريم عليها رحمة الله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الذكرى الـ12 لرحيل سارا الفاضل
نحو فجر نسوي جديد
أمام مكتبة الحفيد- جامعة الأحفاد للبنات
الخميس 6 فبراير 2020م
كلمة الإمام الصادق المهدي

 

 

 

الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

إخواني وأخواتي

أبنائي وبناتي وحفدتي وسائر الأحباب

الشكر الجزيل للذين أقاموا هذا المشهد، ولأحبابنا في الأحفاد مكان هذا المشهد.

هذه أول ذكرى لشهيدة الجهاد المدني بعد خلع الطغيان الذي مهما تعثرت المسيرة الديمقراطية هيهات أن يعود، والخير لكل من تغره نفسه أن يتعظ بغيره فإرادة الشعب غالبة، وكما قال الحكيم:

كل حكومة بالسيف تقضي
إن وراءها يوماً عصيبــــا

رحلت الحبيبة سارا، وكل عام بعد رحيلها يضيف حلقة معنوية جديدة من عطائها ويزيد من أسباب الخلود المعنوية.

فعلى الصعيد العام وافقتها دعوة إبراهيم عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [1].

وعلى الصعيد الخاص:

ومن سنة الله في الأحباب أن لهم وجهاً يزيد وضوحاً كلما ابتعدا

ههنا أسجل على دفاتر ذكراها فأبدأ ببيان معاني هذه الذكرى:

  • المعنى الأول: هو الترحم والترضي على روحها في دار الخلود.
  • المعنى الثاني: هو إضافات للتمثال المعنوي الذي أقمناه لسيرتها.
  • والمعنى الثالث: هو استخلاص القدوة التربوية من سيرتها، ففي معنى القدوة الحسنة قال نبي الرحمة ” أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم”، وقال: “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” وقديماً سئل حكيم اليونان: أنت قلت إن الفضيلة وسط بين رذيلتين كالكرم بين البخل والإسراف، فاعطنا دليلاً لمعرفة هذا الوسط. قال لا توجد معادلة رياضية لهذا الدليل ولكن لمن شاء أن يبحث عن حكيم ويقلده.

في سيرة الحبيبة الراحلة عدد كبير من مواطن القدوة، ههنا أعددها:

  • ابدأ باسمها فقد سمى كثيرون عليها وهم يكتبون الأسم سارة بالتاء المربوطة من السرور ولكن اسمها هو من اسم سارا زوج إبراهيم عليه السلام ومعناه بالعبرية العظيمة.
  • تحرير وتمكين المرأة من مطالب حقوق الإنسان، ولكن كثيرين يخطئون بجعله محاكاة لأنماط وافدة من الخارج. شخصية الحبيبة تدل على تأصيل هذا التحرير والتمكين.
  • كثيرات يتعلمن خارج السودان ويتفرنجن معتبرات ذلك هو الطريق الأوحد للعصر. ولكنها تعلمت بالخارج موفقة بين التأصيل والتحديث.
  • كما جاء في حكمة المسيح عليه السلام في ميزان الأمور: بثمارها تعرفونها، فقد كان دورها في تربية أولادها موفقاً ملتزماً بالمحبة والقدوة لا العنف ولا التمييز بين الجنسين.
  • وفي الزواج تجنبت الصيغة التقليدية مؤثرة تأسيسه على المحبة، وهو نهج عريق وحديث. قال نبي الرحمة فيما رواه ابن ماجة: لم ير لمتاحبين مثل النكاح.
  • ضربت مثلاً للالتزام بالإسلام باستنارة واستصحاب العصر الحديث.
  • دخلت في مجال العمل العام وفيه كثيرات يقتدين بالرجال، ولكنها في كل أحوالها حافظت على أنوثتها ومتطلبات الأنوثة.
  • الانشغال بالعمل العام بصورة رائعة لم يكن على حساب الواجبات المنزلية قامت بها بإتقان.
  • كان لها دور في العمل العام موصوف بالوعي والإحاطة والإقدام، وفي الثبات على المبدأ ومواجهة السجون والمحاكمات تفوقت على زملاء من الرجال. ههنا مواطن قدوة مهم.
  • كانت لزوجها زميلة توفر لي المراجع، وتراجع معي النصوص وتتعامل مع الالتزام بقضايا الوطن بفدائية.
  • أضافت للاهتمام بالقضايا الفكرية والوطنية اهتماماً بأعمال الخير الاجتماعية. وكانت معطاءة بالكرم والهدايا ودودة في التعامل مع الناس.
  • المتوقع في التعامل بين زوجتين في حبل رجل واحد حالياً درجة عالية من التنافر، ولكنها هي والحبيبة حفية تعاملتا بصورة وفاقية ساهمت فيها الحبيبة حفية بالموافقة على زواج الحبيبة سارا وكان للتعامل بينهما أثر إيجابي في تعامل أبنائي وبناتي منهما. القاعدة المستفادة هي أن يكون الزواج الآخر بموافقة الأولى ولهذا سند تأويلي بإشتراط العدل.
  • بعض النساء بعد سن معينة يهملن العناية بأنفسهن استسلاماً للشيخوخة ولكنها في العناية بنفسها والإقدام في عملها التزمت من العطاء للرمضاء، من الركاب للتراب، من القوة للهوة. قال الروائي غابرييل غارسيا ماركيز: يظن بعض الناس أنهم يتوقفون عن الحماسة العاطفية والفكرية عندما يشيخون. ولكن الحقيقة هي أنهم لا يشيخون إلا عندما يتوقفون عن تلك الحماسة.
  • بعض الناس خاصة ذوى المكانة السياسية والاجتماعية المرموقة يعاملون أولادهم بصورة قهرية. ولكن من أقوال بعض الحكماء: شخصية الإنسان تتكون بردة الفعل عما يحاول الآخرون حملهم عليه. ثلاثتنا في أسرتي الخاصة تجنبنا القهر واخترنا القدوة أسلوباً تربوياً.

انتقلت إلى رحمة الله في سن 76 عاماً ولكن من مظهرها ونشاطها وعزيمتها ورغم المرض الذي أودى بحياتها كانت تمارس الجهاد المدني والمقابلات والاجتماعات بلا وهن حقاً:

في العصافير جبن وهي طائرة
وفي النسور إباء وهي تحتضر

رحم الله الحبيبة سارا في الخالدين وأبقى قدوتها منارة مضيئة للأجيال.

قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات.

ختاماً:

للجنة المنظمة وللحاضرين والمحضرين الشكر الجزيل على إحياء هذه الذكرى وعلى ربطها بشعار الفجر النسوي الجديد فقد كان لصاحبة الذكرى فضل كبير في ذلك الفجر الذي أطل مع الثورة المباركة.

وأرجو أن تواصل اللجنة عملها في مجال المؤسسات الخيرية المنشودة.

 

 

وبالله التوفيق،

 

_____________________________________________________

 

[1] سورة الشعراء الآية رقم (84)

 

 

لمشاهدة الكلمة الرجاء الضغط هنا