كلمة السيد الصادق المهدي في افتتاحية ورش الهيئة

Former Sudanese Prime Minister and head of the opposition Umma Party Sadeq al-Mahdi addresses residents displaced by the Merowe dam as they stage a sit-down protest against what they describe as injustice and oppression, inside the Umma Party Headquarters in Omdurman December 24, 2011. The Merowe dam project, which was completed in 2009, displaced tens of thousands of people and has long been a source of controversy. REUTERS/ Mohamed Nureldin Abdallah (SUDAN - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)

بسم الله الرحمن الرحيم

هيئة شؤون الأنصار: المؤتمر العام الأول بالسقاي

في الفترة ما بين 15-17 شوال 1423هـ

الجلسة الافتتاحية للورش: كلمة صاحب العهد مع أنصار الله

 

أحبابي في الله، وضيوفنا الكرام، مع حفظ الألقاب لكم جميعا: مرحبا بكم وأهلا ومكانا سهلا.

اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم. وأسألك اللهم بحمدك القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم وآله ذوي القلب السليم. وأن تعلي لنا في رضائك الهمم وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم.

كيان الأنصار الحديث تأسس مجددا على يد الإمام عبد الرحمن الصادق طيب الله ثراه وأعوانه الذين عززوا مواقفه الدينية والوطنية في أروع ملحمة قال شاعرها:

حملوا لواء أبيـك وهــو مؤزر   بالنصـر متشح به ومنطـــق

للدين للوطن العزيز صدورهم    تحمي وفيهم غضبة وترفق

كانوا رغم هزيمة الدولة، حراسا أمناء ضد استلاب ضمير الشعب الديني فأجبروا المستعمر على تجنب ما يثير الوجدان الديني، وكانوا حراسا أمناء ضد استلاب الضمير الوطني من العاديات الخارجية فدعموا سيادة الوطن لأهله، وكانوا حراسا أمناء ضد استلاب الضمير الوطني من العاديات الداخلية رافعين لواء الحرية والديمقراطية.

الدعوة المهدية في السودان امتازت بأنها دعوة وظيفية لإحياء الدين، وبإخلاصها لأهدافها، وبتضحيتها في سبيل تحقيقها، وباستعدادها المستمر لاستيعاب المستجدات على قاعدة: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال..أوضح الإمام عبد الرحمن الصادق كيف أنه بعث الدعوة في القرن العشرين الميلادي بصورة حافظت على سلامة العقيدة والعبادات، وحافظت على روح الجهاد، وحولت وسائله لتتخذ أسلوبا مدنيا، كما حافظت على روح الزهد لنزع حب الدنيا والمال من القلب فيكون سيدا ووضعه في اليد فيكون خادما.

فيما يلي أصف رحلتنا من الكيان الذي أسسه الإمام عبد الرحمن إلى حاضرنا عبر سبع نقاط:

الأولى: بعد مرور قرن على ميلاد الإمام المهدي أي في 1946م بويع السيد عبد الرحمن إماما فواصل الدعوة وطور كيان الأنصار على أساس أبوي أقام كيانا دينيا قويا.. كيانا صار مستودعا لضمير الشعب السوداني الديني والوطني.هذا الدور جعله هدفا لكل متعد على حرمات الدين والوطن. لذلك صار أئمة هذا الكيان مستهدفين فمات الإمام الصديق متأثرا بقمع الانقلاب الأول الذي وصل قمة عدوانيته في حوادث المولد الشهيرة فأصابته ذبحة قاتلة في أكتوبر 1961 . ومات الإمام الهادي شهيدا في ساحة عدوان الانقلاب الثاني في مارس 1970.

لقد أشار الإمام الهادي في بيان عام 1969 أن الصادق هو الرجل الثاني بعده. ولكنني تصديت لأمر الأنصار بحكم الأمر الواقع، بعد أن قمعت حكومة النظام المايوي أكثر قادة الأنصار ودجنت القلة الباقية. ورأيت بعد المشورة المسنونة أن أتخذ أسلوبا جديدا في قيادة الأنصار.. أسلوبا ينتقل من الشكل الأبوي المعهود لشكل جديد فيه المشاركة والمؤسسية سميناه هيئة شؤون الأنصار.

لماذا هذا الانتقال وما هي مرجعيته؟ أما مرجعيته فهي قابلية دعوتنا المستمرة للتجديد. دعوتنا أصولية في العقائد والعبادات ومتحركة في المعاملات على أساس لكل زمان وأوان رجال. المرجعية الثانية هي مؤهلات القيادة في المهدية “من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين”.

أما لماذا الانتقال؟ فهنالك أربعة أسباب: الأول: التركيز على الإمامة الأبوية يجعل استهداف الكيان من قبل الطغاة سهلا. الثاني: كل الكيانات القبلية والدينية تواجه مشكلة خلافة، وكل ابن خليفة يأنس في نفسه الكفاءة حتى أن القانون العثماني كان يبيح للخليفة أو السلطان قتل كل إخوانه من الذكور يوم صعوده على العرش!.. إن مبدأ التوارث يفتح أبواب تنازع كبير، وقد ظهر ذلك كثيرا في الكيانات القبلية والدينية في السودان. نحن محتاجون لآلية عادلة لتحقيق الخلافة السلمية. الثالث: أوصى الإمام الصديق وهو في فراش الموت في حضرة مائة شخص وصية وثقها ستة أطباء كانوا معه على أن إمام الأنصار يختاره الأنصار. ولكن كيف يستطيع الأنصار أداء هذا الواجب؟ يجب أن يكون للأنصار جسم يمثلهم للقيام بهذا الواجب. والرابع: مراعاة تطور الزمان حيث الناس في هذا العصر يتطلعون لقيادة تقبل المشاركة وتمارس الشورى عبر مؤسسات، فالكيانات التقليدية التي تريد أن تكتب لنفسها عمرا جديدا عليها أن تتجدد أو تتبدد:

إذا أنت لم تحم القديم بحادث     من المجد لم ينفعك ما كان من قبل

إنها قاعدة منيرة تؤكد مرونة الشريعة الإسلامية وقبولها لتغير الفتوى واختلافها بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد على حسب تعبير الإمام ابن القيم.

الثانية: كونت هيئة شؤون الأنصار للأسباب الأربعة المذكورة في ظل الطغيان المايوي عام 1980م، وكان تكوينها بصورة تمهيدية وحققت عبر العشرين عاما الماضية الآتي:

  • عمارة المساجد وتطوير منابرها. ورعاية الخلاوى بصورة زادت أعداد الحفظة أضعافا مضاعفة.
  • إحياء المناسبات الدينية والاجتماعية والأعياد بصورة شملت القطر كله بخطابات موحدة.
  • أداء الواجبات الاجتماعية للأنصار وغيرهم في الأفراح والمآتم بصورة غطت القطر كله. وفي هذا الصدد كان لهيئة ملازمية الإمام عبد الرحمن التي واصلت نشاطها منذ عهد الإمام عبد الرحمن حتى يومنا هذا دورا هاما.
  • العمل على تكريم ذوي العطاء من المبدعين والمؤرخين وكان أبرز ما تم في هذا الصدد تكريم المؤرخ الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أبي سليم عام 1996م.
  • عقد ورش العمل والندوات والمحاضرات في مختلف المواضيع مثل الصحة النفسية والزواج العرفي.
  • التصدي لتحريفات الإسلام ومساعدتي بصورة قوية في تعرية تلك التحريفات لكيلا يؤخذ الإسلام بجريرة هؤلاء الأدعياء.
  • مساعدتي في تقديم النهج الإسلامي الصحوي الذي يوفق بين قطعيات الوحي في الكتاب والسنة ومطالب العصر الحديث.
  • حفظ ا لكيان موحدا متماسكا دون الانجراف وراء ترتيبات عاطفية ارتجالية لتنصيب الإمام.
  • القيام بمبادرات للإصلاح المجتمعي في كل المجالات.
  • تطوير علاقات عالمية للكيان اتصالا بالأنصار خارج السودان في إفريقيا الغربية – في آسيا- وفي الغرب. وتواصلا مع ا لمنظمات الإسلامية العالمية، مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة الدعوة الإسلامية، ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الدولية.
  • معاونتي بأقوى صورة في طرح نداءات العصر الثلاثة: نداء المهتدين الموجه لأهل القبلة- نداء الإيمانيين الموجه لحوار الأديان- ونداء الحضارات ا لموجه لحوار الحضارات.
  • التعبير دون خوف أو تردد في أحلك الساعات عن ضمير السودان الوطني تمسكا بحقوق الإنسان وحرياته العامة ومطالبة بالنظام الذي يكفل كرامة الإنسان السوداني: النظام الديمقراطي، والتصدي للشبهات الفكرية التي تحاول إيجاد تناقض بين الإسلام والديمقراطية وبين الإسلام وحقوق الإنسان التصدي لها وإبطالها.

قامت هيئة شؤون الأنصار بكل هذه المهام وواجهت في سبيل ذلك الحل في عام 1983وابعادها من مجمع الإمام المهدي ومسجد الخليفة. وبعد أن عادت الأمور لمجاريها بعد انتفاضة رجب/أبريل 1985 واجهت الهيئة محنة أخرى في عام 1993 بإبعادها من مجمع الإمام المهدي ومسجد الخليفة. وعندما أرادت السلطات رفع يدها عن هذه المواقع المصادرة لم ترجع لمستحقيها بل كونت هيئة ضرار وسلمتها الموقع.

واجهت الهيئة وقياداتها هذا والاعتقالات والضرب ولكنهم التزموا الصبر على الشدائد والمشاق رغبة في دوام القرب والتلاق. إن طريق الحق طريق ابتلاءات:ناح فيه نوح، ومس فيه موسى، وعس فيه عيسى، وحم فيه محمد عليهم صلوات الله وسلامه. وكان الصبر ولا زال وسوف يظل مفتاح الفرج صبرا على رضا الحبيب حتى يقول الناظر العجب العجيب..

إن المسجد الكبير الآن أسير والقبة أسيرة وهي المرة الثالثة التي تخضع هذه الرموز العظيمة للأسر ولكن:

أعـاذلتـي مهـلاً إذا ما تأخــرت   مواكبنـا حتمـاً فســوف تعـــود

ولا بد من ورد لعطشــى تطـاولت                  ليالي سراها واحتــواها البيــد

إن في مشهد المسجد العتيق الأسير والقبة الأسيرة درساً لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. الدرس المستفاد أنك تستطيع أن تحتل المباني والحيشان ولكنك لا تستطيع احتلال العقول والقلوب والعزائم. العزائم التي تعزلك بالمقاطعة إلى أن تعود يوما نراه قريبا ويرونه بعيدا والله من ورائهم محيط.

الثالثة: بالإضافة للعوائق الخارجية التي تعرضنا لها هناك عوائق ذاتية أهمها:

  • صعوبة الانتقال من هياكل تقليدية الى هياكل توفيقية بين القديم والجديد.هذه الصعوبة تمثلت في أن بعض كوادر الهيئة الذين شاركوا في تأسيسها ظنوا وظائفهم ثابتة لا تتغير لذلك حاولوا مقاومة التجديد والتطوير وعاونوا أعداء الأنصار على عرقلة نشاط الهيئة.
  • عوائق سببها بعض وارثي الحسب الذين اعتبروا النظم الجديدة عازلة لهم من حقوق موروثة فشرعوا يقاومون أنشطة الهيئة بكل الوسائل بما فيها مساعدة الأجهزة الأمنية المضادة.
  • كثير من الكيانات الدينية في البلاد هي في حقيقتها فروع لكيانات خارج البلاد تدعمها. وكثير من الكيانات حظيت بدعم السلطات السودانية في عهود الحكومات الدكتاتورية. ولكن هيئة شؤون الأنصار كائن اجتماعي لا ترضى عنه السلطات لذلك واجهت مسألة الموارد المالية واضطرت لتمويل عملها بقدراتنا الذاتية المحدودة.
  • قلة الموارد حالت دون تدريب الكوادر المؤهلة بالمستوى المطلوب ودون تنفيذ كثير من مشروعات الهيئة.

الرابعة: كان رأيي الشخصي أننا محتاجون لزمن أطول للتحضير لمؤتمر الأنصار العام لاسيما وعدد منا مشغول بالتحضير للمؤتمر العام للحزب. ولكن مجلس الحل والعقد قدم لي توصية باستعجال عقد مؤتمر عام الهيئة وفيما يتعلق بضيق الزمن قالوا انهم يستطيعون مضاعفة العمل. كذلك فيما يتعلق بالإمكانات قالوا إنني إذا عاونتهم يستطيعون جمع المال المطلوب.لم أشأ أن أعطل هذه الحماسة الحميدة لذلك وافقت على رأيهم واندفعوا في العمل بهمة شارك فيها أصحاب الرأي والتنفيذ وفي وقت وجيز جدا استطاعوا أن يحققوا عملا عملاقا فالشكر والتقدير لمجلس الحل والعقد وللمكتب التنفيذي وقائده الأمين العام ولكافة الكوادر الحية النشيطة التي واصلت الليل بالنهار لتحقيق هذا العمل المجيد والشكر والتقدير للذين تبرعوا بالمال سخيا نقدا وعينا (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[1].

  • أ‌. في وقت قياسي نظموا خمس ورشات عمل حشد لها عدد كبير من المؤهلين وأصحاب التجارب في الفترة 14-17 شعبان الماضي. هذه الورشات قدمت فيها للدراسة ورقات متخصصة في جوانب مختلفة ودرست بأحدث أساليب ورشات العمل الفكرية واستطاعت بعد ذلك تقديم التوصيات التي بين أيديكم وعقدت حلقة دراسية لقضايا الخلاوى التي فات الورش إلقاء الضوء عليها.
  • ب‌. وشرعوا بهمة ونشاط في تكوين البناءات القاعدية للمرأة، والشباب، والوكلاء والفئات. كما أقاموا تنظيمات منتخبة للهيئة في المحليات المختلفة بحيث صار لكل محلية مجلس شورى منتخب ومكتب تنفيذي منتخب. فلم تقتصر مهام المؤتمرات التي عقدت على جمع القواعد لاختيار ممثليهم في المؤتمر العام وحسب، وقد تم ذلك بصورة واسعة في داخل السودان وخارجه.

الخامسة: إن لهذا المؤتمر أهمية تاريخية لأنه:

  • أول تجربة من نوعها فقد كنا في الماضي نعقد مؤتمرات للوكلاء. أما مؤتمر عام من هذا النوع فهو تجربة جديدة وغير مسبوقة في كيان الأنصار. ويرجى أن يكون أنموذجا لكثير من كيانات البلاد التقليدية لتحقيق التحديث المؤصل وإنبات(كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[2].
  • إن سعة تمثيل قواعد الأنصار في هذا المؤتمر والطريقة الديمقراطية الشورية التي اتبعت فيه تمثل اختراقا للحائط الفاصل بين جسمنا التقليدي والحديث بصورة عملية. إن على كيان الأنصار أن يدرك أن عليه واجبا تاريخيا مصيريا هو أن يكون: {} الواصل البشري بين سودان دار فور وسودان سنار أي بين غرب السودان وسودان وادي النيل. {} والواصل البشري عبر مناطق التجاور الممتدة من أم دافوق غربا إلى الرصيرص شرقا وبين شمال السودان وجنوبه.{} والواصل الفكري بين حياة البلاد التقليدية وحياتها الحديثة.. ينبغي أن نستشعر هذا الدور المصيري الهام.
  • هذا المؤتمر سوف يختار ويقنن أجهزة الأنصار بصورة تستمد شرعيتها من أصول تاريخية ونظم حديثة.
  • إن الأجهزة الجديدة سوف تكون درعا واقيا للكيان من التفلت والارتجال وتقيم مؤسسات للشورى والمشاركة تنظم حبات الجسم الأنصاري في مسبحة قاصدة.

السادسة: لقد وزعت على المؤتمرين برامج وصحائف مرجعية لدراستها واتخاذ القرارات بشأنها وهي:

أولاً: الإلمام بالمرجعية الفكرية واعتمادها أساسا للمرحلة الثالثة من الدعوة. لقد كان من المفترض أن تسبق هذه الجلسة الافتتاحية المحاضرة المعنية عن العقيدة ومرتكزاتنا الفكرية: تذكرة أنصار الله. ولظروف إجرائية لم يتم ذلك. خلاصة تذكرتنا هي:

أن في الإسلام عشر مدارس مهدوية مختلفة سنية أو شيعية أو صوفية أو فلسفية. وأن مدرسة الإمام المهدي تمثل مدرسة سنية جديدة لها خصوصية بيانها:

  • المهدية خلافة خاصة- خلافة مصطفوية عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤهل صاحبها إصدار تعاليم خاصة لتجاوز الانتماء للمذاهب والفرق والتمسك بالنصوص الأصلية القطعية وحدها.
  • المهدية هي وظيفة إحياء الدين بتكليف روحي خاص.
  • المهدية دعوة جامعة لما تفرق بين الفرق من تعاليم صالحة لحياة الدين وصلاح المسلمين.
  • المهدية أصولية في العقائد والعبادات والأخلاق متحركة في المعاملات على أساس فقه متطور لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال. لذلك فهي مستعدة للتمدد عبر أكثر من مرحلة.
  • راتب الإمام المهدي هو الوثيقة الأصدق في بيان دعوته وفيه مطلق الامتثال لله، امتثال محبة ورجاء ” اللهم إن عفوك عن ذنوبي وسترك على قبيح عملي أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه مما قصرت فيه، أدعوك آمنا وأسألك أدعوك آمناً وأسالك مستأنسا فانك أنت المحسن إلي وأنا المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك تتودد إلى بنعمتك وأتبغض إليك بالمعاصي ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بإحسانك علي، إنك أنت التواب الرحيم”.

الراتب ينفي أي دعوى شطحية لصاحبه وهو ديوان لروح القرآن والسنة مرتبة ترتيبا لأدعية الأنبياء والصالحين المستجابة لتسليح المؤمن روحياً وخلقياً لجهاد النفس والاستخفاف بالمخاوف والمخاطر استعداداً لإصلاح البيئة المحيطة به وتعميرا لآخرته.

  • ودعوة الإمام المهدي تخاطب أهل الإيمان كافة وليست محصورة على حد قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله).

هذه الدعوة لقت على يد الإمام عبد الرحمن الصادق بعثا بعد محاولات طمس، فبايعه الأنصار وسيلة بفهم الإرشاد إلى الله، وإماما بعتباره مقتف لأثر الإمام المهدي، وسمى بيعته بيعة الرضا، المقرة لتعاليم الإمام المهدي إلا فيما يتعلق بالزهد والجهاد. في هذا الطور واجه الإمام عبد الرحمن انقسام الرأي الإسلامي حول التعامل مع العصر الحديث إلى ثلاثة مواقف هي: موقف الانكفاء الرافض للعصر المتمسك بالموروثات- وموقف الاستلاب المتخلي عن التراث لصالح العصر- والموقف الصحوي الملتزم بالقطعيات لا سابق الاجتهادات المستصحب للنافع من العصر. فاتخذ النهج الأخير. وقد كانت إمامة خليفتيه الصديق والهادي امتدادا لهذا الطور الثاني للمهدية.

تذكرتنا الفكرية للطور الحالي للدعوة المهدية ودورها هي:

التطبيقات الإسلامية الخاطئة في السودان أفرزت مواجهة حادة علمانية إسلامية- وأخرى إسلامية مسيحية فيه. هذا مع تحدي العولمة للثقافات، وزيادة التوتر بين الأديان والحضارات، يجعل أولويات هذه المرحلة لدعوتنا مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بعقيدة دينية راسخة وفكر إسلامي رصين وأن نعمل على استقطاب الفكر الإسلامي حولنا توحيداً لمواقف أهل القبلة.          لذلك أصدرنا نداءات العصر الثلاثة: نداء المهتدين لمخاطبة الخلافات بين المسلمين، ونداء الإيمانيين لمخاطبة الخلافات بين الأديان، ونداء الحضارات لوضع أساس لحوارها. كان هذا فيما يتعلق بنشاط المؤتمر الفكري المصاحب وما علينا حسمه بشأنه.

ثانياً: دراسة صحيفة الإمامة واعتمادها أساسا مرجعيا للإمامة.

ثالثاً: دراسة صحيفة الأمة والهيئة لتحديد الموقف بين هيئة شؤون الأنصار وحزب الأمة.

رابعاً: مراجعة الدليل الأساسي للهيئة على ضوء التوصيات المقدمة للمؤتمر.

خامساً: اختيار أجهزة الهيئة القيادية والتنفيذية.

سادساً: تحديد عدد وأهداف الأمانات التنفيذية وإقرارا آلية لإدارة التأهيل والتدريب.

سابعاً: اتخاذ القرارات اللازمة بشأن تكوين هيئات ذات شخصية اعتبارية للأغراض الآتية: إقامة مؤسسات تعليمية من الروضة فصاعدا- إقامة مؤسسة للخدمات الطبية- إقامة مؤسسة إعلامية- اعتماد المؤسسة الإغاثية الحالية- مؤسسة طوعية باسم ظل المودة والرحمة لتبسيط الزواج وتشجيعه- مؤسسة إلى ربك الرجعى للمساعدة في الوفيات والمآتم.. وتكوين آلية مناسبة لتحديد العلاقة بين الهيئة وهذه المؤسسات دون مساس بمرونة حركتها.

كذلك تعديل الهياكل بحيث تقوم آليات متخصصة ملحقة بالأمانات المناسبة في مجال: تنظيم شبابي باسم فتيان المروءة. هيئة اختصاص للحوار مع الآخر المذهبي الإسلامي. هيئة للحوار مع الآخر الملي غير الإسلامي.

سابعاً: هذا المؤتمر سيكون بمثابة رباط شبيه برباط منى، يؤاخي المؤتمرون بعضهم بعضا ويتعارفون ويعيشون سويا في المأكل والمشرب دعما للإلفة بينهم استلهاما لعنقود المحبة الذي ألح في طلبه إمامنا في راتبه: “فأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيكصلى الله عليه وسلم لأحبك يا من بيده الأكوان.”

وسيجد الجميع في المعرض أدبيات دينية ووطنية ومعروضات ومقتنيات للإثراء الثقافي.كما يرجى أن يستمتعوا في ثاني أيام المؤتمر بالليلة المفتوحة وما فيها من المدائح والأشعار والأناشيد الوطنية شحذا للهمم واستنهاضا للعزائم.. “والعود ما بجيب النار بلا يفركو”.

ختاما: إنني إذ أرحب بكم في عاصمة الوطن وفي هذا الرباط المبروك أرجو أن نضرب المثل في سلوكنا على الانضباط، فنحافظ على الأمن والنظام، ونبحث المواضيع بموضوعية وهدوء واحترام للرأي الآخر والالتزام بمواعيد الصلوات والجلسات وضبط الكلام في الزمن المحدد له وفي الموضوع المطروح، وطاعة رؤساء الجلسات لأن طاعتهم هي طاعة رأي الجماعة.. علينا أن نقدم أنموذجا حضاريا يبرئ ساحة الإسلام وصفحته الناصعة مما علق بها من تشويهات الغلاة ولا مبالاة الآخرين.

هذا المؤتمر لن يطرق شأنا سياسيا، ولكننا ينبغي أن ندعم بكل قوانا القضايا الوطنية مثل السلام العادل والتحول الديمقراطي في السودان، والأمن في البلاد، والأمن الغذائي، وأن نستنكر بكل قوانا ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة، ونستنكر بكل قوانا الإرهاب الذي يصيب الأبرياء بعنف عشوائي..

نسألك اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره، ويا كريما ليس في الكون يد لسواه، ولا إله إلا إياه، أن توفق مؤتمرنا وأن تبسط عنايتك علينا وأن توفق جهادنا المدني في سبيل ديننا ووطننا أرض جدودنا ومنبت رزقنا وأن توحد كلمة أهل السودان في الخير وأن تصرف عن البلاد الفتن والبلاء.. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)[3] والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

[1] سورة الحشر الآية (9)

[2] سورة إبراهيم الآيتان (25،24)

[3] سورة النور الآية (55)