كلمة للمؤتمر الدولي: الطريق إلى أفريقيا

بسم الله الرحمن الرحيم

الاتحاد العربي للمجتمعات العمرانية الجديدة

مؤتمر دولي تحت عنوان: الطريق إلى أفريقيا

الثلاثاء 11 أكتوبر 2016م- قاعة المؤتمرات الدولية بمصر

كلمة الإمام الصادق المهدي

 

 

أخي رئيس المؤتمر

 أخواني وأخواتي الحاضرين مع حفظ الألقاب والمقامات

السلام عليكم، وبعد-

اشكر الاتحاد العربي للجمعيات العمرانية الجديدة دعوتي لهذا المؤتمر للتحدث في هذا الموضوع المهم: الطريق إلى أفريقيا.

في لب موضوع الجمعيات العمرانية يقلقني اتجاه الاستثمار العمراني في الأبراج والمنتجعات، بينما تعيش قطاعات سكانية كبيرة في عشوائيات ما يغذي تفاوتاً طبقياً، ويشحن الاحتقان الاجتماعي. حبذا لو أن الاتحاد اهتم ببرنامج تدعمه الدول للتخطيط لإسكان شعبي يعتمد على مواد محلية وطاقة شمسية لأغراضه المنزلية، ويحظى بدعم كبير للقضاء على العشوائيات في البلاد العربية والأفريقية. يمكن لمثل هذا البرنامج أن يكون مادة تعاون عربي أفريقي ذي فائدة تنموية واجتماعية.

ولكن لا شك أن دعوتي لأخاطبكم ليست للحديث في موضوع اتحادكم فأكون كحامل التمر إلى هجر. بل يرجى مني أن أتحدث عن إستراتيجية الطريق إلى أفريقيا.

أقول في سبع نقاط:

الأولى: الطريق إلى أفريقيا عبر حوض النيل، وعبر حوض البحر الأحمر، وعبر الصحراء الكبرى شريان حياة لأمتنا.

ولكن الدولة الوطنية في كثير من بلادنا تعاني من الهشاشة وحركتها المشتركة واهية. ولكن متى استطاعت أن تتجاوز تلك العيوب فإن العوامل الآتية معالم طريق إلى أفريقيا:

  • حوض النيل وحدة مائية طبيعته الطبغرافية تستوجب التخلص من النظرات الأحادية إلى نظرة حوضية تكاملية تنموية لكي نحقق وعد النيل ونحتمي من وعيده.
  • البحر الأحمر أخدود فاصل بين شرق أفريقيا حيث وفرة الموارد الطبيعية من أرض خصبة، ومياه، وموارد. وشرق البحر حيث الثروة البترولية والغازية والوفرة المائية. حقائق توجب توجيه الاستثمار نحو غرب البحر الأحمر حيث تتوافر الندية. الاستثمار عبر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي حيث الاستعلاء الذي يقرر أصحابه من طرف واحد شروط التعامل مع الآخر. جاستا وأخواتها.
  • بين غرب آسيا وشرق وشمال أفريقيا أواصر ثقافية كثيرة. فالمسيحية الوطنية جمعت بين مصر، وأثيوبيا، وإريتريا، والسودان القديم. وهجرة الصحابة الأولى والثانية، كانتا للقرن الأفريقي، واللغات العربية، والامهرنجا والتقرنجا من أسرة سامية واحدة. والسواحلية هجين بين العربية والبانتو.
  • على طول التاريخ كانت الصحراء الكبرى واصلاً لا فاصلاً بين غرب آسيا، وشمال أفريقيا وغربها. ما أدى لإسلام أغلبية أفريقيا الغربية. ولهذا التواصل فإن العالم لم يعرف العطاء الحضاري الأفريقي إلا عبر مدونات الرحالة العرب.
  • ومن العوامل المهمة الموجبة للوصال أن معظم العرب أفارقة وأن معظم سكان أفريقيا جنوب الصحراء مسلمون، أسملوا طوعياً.
  • ولكن تاريخ الرق، والفاصل اللوني خلق حاجزاً نفسياً يتطلب عملاً حثيثاً لمحو آثاره، فالتفاضل بالأعراق تخلف، فالناس لآدم وآدم من تراب.
  • بموجب تفوقها العسكري والتكنولوجي هيمنت الإمبريالية الأوربية على دول حوض النيل، ودول حوض البحر الأحمر، ودول ضفتي الصحراء الكبرى وحرصت على أن تظل دول هذه المناطق مرتبطة بالدول الامبريالية مباشرة لا سيما الإبقاء على التفرقة بين أفريقيا شمال وجنوب الصحراء.

 

الثانية: الطريق إلى أفريقيا يستوجب مد الجسور بين أفريقيا شمال وأفريقيا جنوب الصحراء بخطة تنموية بينية.. خطة لا تقاطع التعامل مع أوروبا وأمريكا وآسيا ولكن التعامل معها على أسس عادلة جديدة.

الثالثة: وفرة الموارد الطبيعة في أفريقيا مع انحسارها عالمياً جعلت القوى الدولية تتدافع نحو  أفريقيا عاقدة قمماً أمريكية، أوربية، يابانية، صينية، وهندية مع أفريقيا.

امتنا أولى بقمة عربية أفريقية ذات أجندة واسعة أهمها:

  • إنجاح السياسة الاقتصادية الجديدة.
  • تحقيق أهداف التنمية المجدية.
  • تحقيق أعلى درجات التكامل التنموي.
  • العدالة المناخية تستوجب أن تدفع الدول الملوثة للبيئة تعويضات كبيرة لضحاياها. علينا معاً أن نعمل للحصول على هذا التعويض وأن نضع خطة مشتركة لاستخدامه في صد الزحف الصحراوي وتشجير المدن وتخضير السافانا. واستخدامه في استغلال الطاقة الشمسية في كافة الأغراض المنزلية وفي حماية الأراضي المهددة بارتفاع منسوب البحار.
  • العمل لنظام اقتصادي عالمي جديد وعادل على نحو توصيات حوار الجنوب والشمال.
  • احتواء سلبيات العولمة واستصحاب ايجابياتها.
  • إصلاح نظام الأمم المتحدة على أساس أعدل وأكثر ديمقراطية.

الرابعة: في منطقة الشرق الأوسط الأوسع تجاور دول أمتنا ثلاث دول أقوى هي تركيا، وإيران، وإسرائيل.

تستمد هذه الدول قوتها من عوامل موضوعية هي: تقودها قيادات مدنية منتخبة، وقواتها المسلحة متفرغة لمهامها المهنية، واقتصاداتها متنوعة لا ريعية، ووطنت التكنولوجيا الحديثة.

هذه العوامل غائبة في معظم الدول العربية ما جعل الدول الثلاث أقوى وأقدر على التمدد في الفضاء العربي والأفريقي، وما جعل الطريق إلى أفريقيا أكثر ازدحاماً.

إذن:

تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها     إِن السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

دولنا لا تكتسب الجدوى إلا إذا توافرت فيها تلك الصفات، ونفس الصفات سوف تمكنها من مصالحة شعوبها، ومن القضاء على ما بينها من التنافر، ومن رسم طرق مجدية إلى أفريقيا، وآسيا، وأوربا، وأمريكا.

 الخامسة: إذا استطاعت دولنا القضاء على عوامل الهشاشة وعوامل الوهن في علاقاتها البينية فإن مقوماتها التنافسية في الطريق إلى أفريقيا ممتازة ولكن:

سيوف حداد يا لؤي بن غالب        مواضٍ ولكن أين بالسيف ضارب؟

السادسة: ومهما كان الواقع محبطاً يرجى أن تنظم الجامعة العربية ورشة لدراسة إستراتيجية الطريق إلى أفريقيا توقعاً لفجر جديد توجب بزوغه تحديات الحاضر وتطلعات الشعوب.

السابعة: على استحياء اقترح أن تقدم توصيات تلك الورشة لمؤتمر قمة عربي أفريقي يرسم معالم الطريق إلى أفريقيا.

أقول على استحياء لأن دولنا الآن تخوض معارك انتحارية، مفرداتها: معارك طائفية، وملية، وإثنية، ومواجهات بين حكام وشعوب، وتهاون مع الاغتصاب الصهيوني، وتسليم مصائر البلدان للقوى الدولية.

إن انتشال دولنا من هذه الحالة الانتحارية بأعجل ما يمكن يسبق إستراتيجية الطريق إلى أفريقيا:

يا أيها الطارق المستبين طريقاً      فاقد الشيء هيهات أن يعطيه!

عزاؤنا هو أن الواقع البائس نفسه أقوى دافع نحو التغيير، وأن حيوية شعوبنا سوف تنهض له ومن الرماد كطائر العنقاء تحلق مرة أخرى يحدوها الشاعر السوداني الهادي آدم:

إن للحق قوة ذات حد         من شباة الردى أدق وأمضى

 

وعلى السامعين السلام.