محاضرة بعنوان: الجذور الثقافية للحالة الراهنة والتحديات التي تواجه الفكر التجديدي

بسم الله الرحمن الرحيم

مؤتمر رابطة كتاب التجديد في الفكر الإسلامي

القاهرة في 26/4/2010م

محاضرة بعنوان

الجذور الثقافية للحالة الراهنة

والتحديات التي تواجه الفكر التجديدي

 

الإمام الصادق المهدي

 

اللهُمَّ إنِّي أحْمَدُكَ وأُثْنِي لَكَ الحَمْدَ يَا جَلِيلَ الذَاتِ ويَا عَظِيمَ الكَرَمِ، وأَشْكُرُكَ شُكْرَ عَبْدٍ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيْرِهِ فِي طَاعَتِكَ يَا ذَا الإِحْسَانِ والنِعَمِ، وأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ القَدِيْمِ أَنْ تُصَلِّيَ وتُسَلِّمَ عَلَى نَبِيِّكَ الكَرِيْمِ وعَلَى آلِهِ ذَوِيْ القَلْبِ السَلِيْمِ، وأَنْ تُعْلِيَ لَنَا فِي رِضَائِكَ الهِمَمَ، وأَنْ تَغْفِرَ لَنَا جَمِيْعَ مَا اقْتَرَفْنَاهُ مِنَ الذَنْبِ والّلمَمِ، آمين

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي. أبنائي وبناتي،

السلام عليكم ورحمة الله، وبعدـ

أقدر للأخ مروان والأخ منتصر ومن عاونهما الترتيب لهذا الملتقى المفيد وأقول في المقدمة: التفكير أو التنظير أو الكلمة سبقت كل بناء معنوي أو مادي في تاريخ الإنسانية، فالملل أي الأديان وكذلك النحل أي الأيديولوجيات بدأت كلها بكلمة فتحت الطريق لما بعدها.

أمتنا أمة القرآن اليوم من حيث العقيدة والشعائر بخير بل تتوسع في كل القارات. ولكن الإسلام الحضارة أي أسلوب الحياة والإسلام النظام الاجتماعي في حالة أزمة طاحنة. هذه الأزمة توجب علينا أولا على المستوى النظري أن نشخص الداء وأن نصف الدواء فإن فعلنا ذلك صارت رابطتنا هذه كتيبة القلم المبصر.

لدى إعدادي لهذه المداخلة سألت نفسي ما هي القيمة المضافة التي يمكن لحوارنا هذا أن يضيفها؟

بعد أن أقدم أطروحتي وبرهانها سوف أخلص لبيان القيمة المضافة. ولكن حتى قبل ذلك جاء في الحديث الشريف أنه (ص) قال: “بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ”[1] بمعنى مدهشا وسأبين كيف أن الإسلام الذي فهمه الأقدمون بصورة، يمكن فهمه في زماننا هذا بصورة ثورية من داخل نصوصه المقدسة لا على حسابها كما حاول ويحاول كتاب مسلمون نسفوا العامل اللاهوتي فيه لصالح العامل الناسوتي.

أولا: ولكي أضبط حديثي أبدأ بضبط المصطلحات: ما هو التنوير؟

إنه تدبر نصوص الوحي وفهم رسالة الدين باستخدام كافة ملكات الإنسان الروحية، والعقلية، والتجريبية، والفنية.

وما هو التجديد؟ إنه توفيق مطلبي التأصيل والتحديث بما يحقق تقدما مؤصلا آلياته الحكمة، والعقل، والمصلحة، والمقاصد،  والسياسة الشرعية.

ما هي الحالة الراهنة التي تجسد الداء؟

أهم حقائقها: الانكفاء- الاستلاب- التخلف- الجهل- التبعية للهيمنة الدولية بأوجهها الثلاثة: الاحتلال، والاستيطان كما في فلسطين، والتبعية غير المباشرة.

ثانيا: الجذور الثقافية لهذه الظواهر:

الانكفاء: بعد نهضة فكرية واجتهاد ديني بهر العالم بانجازاته، حتى أن الأستاذ منتجمري واط قال: كان استصحاب الحضارة الإسلامية العربية لعطاء حضارات العالم القديم إنجازا معجزا. هذه الاستنارة الباهرة تبعتها موجة انكفاء أطاحت بالفلسفة على يد الإمام الغزالي، وبالعقل البرهاني في علم الكلام بعد سقوط المعتزلة، وبالاجتهاد في الفقه بعد قفل باب الاجتهاد فصارت الحالة كما جاء في جوهرة التوحيد:

ومالك وسائـــــر الأئمة           وأبو القاسم هداة الأمـــــة

فواجب تقليد حبر منهم           كذا قضى القوم بقول يفهم

كان قفل باب الاجتهاد نتيجة منطق معرفي: فالنصوص واضحة والأئمة بوسائل الاجتهاد المعروفة استنبطوا كل الأحكام فما على الخلف إلا تقليد السلف.

الاستلاب: كما قال الإمام ابن القيم منتقدا الذين حصروا هداية الدين في منطق الاستنباط الصوري: “إنهم جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها”.  فالموقف الانكفائي فتح الطريق لأولئك الذين انبهروا باستنارة الحضارة الغربية فصار موقفهم على حد تعبير الدكتور طه حسين: “علينا إتباع الغرب بخيره وشره لأنه هو مستقبل الإنسانية”. هذه الفكرة انتشرت في أوساط النخب في البلدان الإسلامية كما عبر عنها أمثال ضياء غوك ألب في تركيا والذين مهدوا للكمالية التي حاولت مسح الماضي لصالح اللحاق بالغرب .

الاستبداد: منذ أن قبل معاوية بن أبي سفيان نصيحة المغيرة بن شعبة بجعل الأمر وراثة لابنه يزيد، غيبت الأمة الشورى وأعطيت الشرعية للمتغلب بإرادته حكما متوارثا. وصار الأمر كما قال ابن حجر العقلاني: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والقتال معه.

التخلف الاقتصادي: شهدت الحضارة الغربية الثورة الصناعية وهي حركة تاريخية سبقتها ثورة ثقافية في العقيدة الدينية بحيث ربط ماكس ويبر بين السلوك البروتستانتي والنهضة الرأسمالية.

أما في عالمنا فالنشاط الاقتصادي لم يشهد الحالة الثورية التي صنعتها الرأسمالية واشترك التواكل الذي تمثله عبارة:

جنون منك أن تسعى لرزق                ويرزق في غيابته الجنين

والتوزيع غير العادل للثروة الموجودة، والاستعمار ثم الاستغلال بعد الاستعمار؛ اشتركت هذه العوامل لتحول دون أية نهضة تنموية تقيم اقتصادا قويا ومستقلا. وحتى البترول الذي كان بإمكانه إذا أحسن التوظيف أن يمول ثورة زراعية وصناعية في المنطقة فاته ذلك على حد تعبير نزار قباني:

هجمَ النفطُ مثل ذئبٍ علينا

فارتمينا قتلى على نعليهِ

وقطعنا صلاتنا.. واقتنعنا

أنَّ مجدَ الغنيِّ في خصيتيهِ

أمريكا تجرّبُ السوطَ فينا

وتشدُّ الكبيرَ من أذنيهِ

وتبيعُ الأعرابَ أفلامَ فيديو

وتبيعُ الكولا إلى سيبويهِ

أمريكا ربٌّ.. وألفُ جبانٍ

بيننا، راكعٌ على ركبتيهِ

المجال لا يتسع لبيان كافة الجذور الثقافية للحالة الراهنة ولكن بالإشارة للعلاقة غير المتكافئة مع مراكز الهيمنة الدولية، فإن المفكر العبقري مالك بن نبي كشف عن الحالة الثقافية التي كونت هذه الدونية بعبارته الشهيرة: القابلية للاستعمار.

ثالثا: هذه العوامل الثقافية الصانعة لعلل الحالة الراهنة معتمدة على فهم انتقائي للتراث، فنصوص الإسلام أقوى داعية لحقوق الإنسان المتفرعة أصلا من خمسة جذور مقدسة في نصوص الإسلام هي: كرامة الإنسان، الحرية، العدالة، المساواة، والسلام.

والمطلوب بإلحاح ثورة ثقافية تقوم على الآتي: التحرر من المنطق الصوري الذي صنع القيد الابستمولوجي وعبر القياس والإجماع قدس اجتهادات بشرية وألزم إتباعها. هذا النهج يتناول:

  • القرآن. الذي تحول في نظر كثيرين إلى تميمة وتحولت تفاسيره التقليدية إلى مقدسات مع أن خلود القرآن يعني أن فهمنا له يزيد مع زيادة معارفنا مثلا خلق الزوجين الذكر والانثى كانوا لا يفهمونها فهما صحيحا حتى جاء هذا العصر وكشف أن الذكور والانوثة من ماء الرجل. كما أن القرآن نفسه يحث على التدبر في فهمه إذ قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[2]؟ وقال: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا[3]).
  • السنة: كثيرون فهموا السنة استنساخا لحياة النبي (ص) كما قال الأستاذ محمد الغزالي ماذا لو أن الإمام علي ومعاوية احتكما لانتخاب بدل الاحتراب؟ فقال له أحدهم: ليست من السنة. فقال له هل قتل المسلم للمسلم من السنة؟ أو الذي صلى بجانب أحدهم وبعد الصلاة مد له يده ليصافحه كما اعتاد بعض الناس فأعرض عنه المصافح قائلا بغلظة: ليست من السنة. فرد عليه وهذه الجفوة من السنة. حقيقة الأمر أن من السنة ما هو وحي وهو ما يؤيده القرآن، ومن السنة ما هو منهاج هو المقصود بالأسوة المحمدية. كان عمر (رض) فقيها بالسنة اهتدى بمفرداتها دون أن يجعلها قيدا على التعامل مع المستجدات. كثيرون جعلوا من السنة قيدا على حركة المجتمع.
  • التراث: تراثنا ما عدا قطعيات الوحي تراث إنساني غير مقدس والواجب أن نحيط به ونستفيد من النافع ونتعظ بغيره.
  • الفقه: ينبغي استنباط أحكامه على أساس:
    • المقاصد: فالله تعالى قال: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)[4]. التفسير المعهود هو: أم الكتاب أي أصل الكتاب، واعتقد أن التفسير الأكثر دقة يرتبط بمعنى أم فأم تعني قصد والإشارة لمقاصد الكتاب. مثلا بعض الآيات تقول بالجبر وبعضها بالاختيار الجبر يهدم مقاصد الشريعة فى الأخلاق إذن آيات الاختيار هى المحكمة
    • الحكمة: قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[5].
    • العقل: العقل شرط في أحكام الإسلام كما قال الإمام الشاطبي لا يمكن للشارع أن يشترطه ثم يأمر بما يخالفه. والنص العام الملزم لنا اهتماماً بالعقل على حد قوله تعالى: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[6].
    • أو المصلحة: على حد قوله (ص): ” أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ “[7]
    • هنالك فقه الموازنات الذي يوجب تحمل الضرر الأدنى لدفع ضرر أكبر منه. فقد رأي العلامة المودودي أن انتخاب فاطمة جناح أقل ضررا من انتخاب أيوب خان وعند ما قيل له: ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة قال: وهل يفلح قوم ولوا أمرهم طاغية؟
    • وفقه الأولويات فقد أمر المسلمون في مكة: (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ)[8] تلك كانت اولوية المرحلة.
    • الإلهام: فالله تعالى يقول: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[9]
    • والتعامل مع الآخر الملي: (ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [10]. وقوله تعالى: ((لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ )[11]
    • والتعامل مع الآخر الدولي: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[12].
      • إن الجهاد يعني بذل الوسع لإعلاء كلمة الله ولكنه جهاد للنفس وجهاد مدني ولا يصير قتالا إلا ردا للعدوان: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )[13]
    • رابعا: ينبغي كذلك إحداث ثورة ثقافية في التعامل مع الوافد من الخارج على أساس:
    • هناك انبهار بحضارة الغرب أدى بالتالي لكراهية الذات على حد قول سلامة موسى انا مؤمن بالغرب كافرا بالشرق . نعم حضارة الغرب حققت تقدما كبيرا ولكن هم يصفون مصادر حضارتهم بأنها يونانية/ ورومانية ويهودية/ مسيحية.

الحضارة اليونانية استمدت كثيرا من الحضارة المصرية القديمة ومن الحضارة الفينيقية. أما اليهودية والمسيحية فكلاهما نبعتا في الشرق. ودين الحضارة الأوربية الحديثة  للحضارة الإسلامية العربية موثق بما لا يسمح بالشك.  والحضارة الغربية استمدت كثيرا من النهج التجريبي العقلاني الذي ساعدها بعد ظلام القرون الوسطى الأوربية في فتح باب الاستنارة واكتشاف قوانين الكون. فلا حرج في التتلمذ الراجع عليها في هذا المجال ولا يوجد مانع ديني لدينا كما كان في الكنيسة. بل بالفهم الصحيح نحن نعتبر الكون كله آيات الله كما قال تعالى: (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ )[14] وقال: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[15] ان قوانين الطبيعة هى ايات الهية

صحيح في العلوم الطبيعية الغربية بعض عناصر ذاتية. ولكن قوانين الطبيعة تراث إنساني مشترك.

وهنالك مجال مشترك آخر هو قوانين ومعاهدات حقوق الإنسان الحديثة التي تعود لخمسة أصول مقدسة في الإسلام هي: الكرامة- والحرية- والعدالة- والمساواة- والسلام.

  • والإسلام يعترف بالتعددية الدينية بصورة غير مسبوقة ما يفتح الباب واسعا للتسامح والتعايش الديني.
  • ويسمح الإسلام بعلاقات سلام وتعاون دولي تقوم على المعاهدة.

الحقيقة أننا بالفهم الصحيح لتعاليم الإسلام نقدمه دين الإنسانية ونضع الحضارة الغربية التي تتبع ديانة لا تعترف للإنسان بإنسانيته إلا إذا آمن بفداء السيد المسيح عليه السلام حضارة تجعلها نظرتها الاستعلائية مجروحة من الناحية الإنسانية.

خامسا:  التفرقة بين المسلمين من أهم عوائق التجديد. لا أقصد الاختلافات المذهبية، فهذه في المذاهب الثمانية قليلة الفوارق واختلافاتها رحمة بل ينبغي أن نرحب بمزيد من الاجتهادات، المهم ألا نعتبر المذاهب ملزمة فهي اجتهادات بشرية، وألا نتعصب معها أو ضدها، فالعصبية جاهلية.

هنالك خلافات هامة بين أهم ثلاث مدارس: أهل السنة- والشيعة- والصوفية:

  • السنة، بمعنى تبيان القرآن وبمعنى القدوة المحمدية لا يجادل في إلزاميتها مسلم. والمهم تحجيم خلافات الفتنة الكبرى وتجنب كافة الأدبيات التي أفرزتها (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[16].
  • الشيعة، بمعنى المكانة العالية للإمام علي وحب آل البيت لا يجادل فيها مسلم. الخلاف وارد في المهدية، ولكن هذا الخلاف ينبغي ألا يكون أساس لتكفير القائل به أو الرافض له وهو خلاف لا يرجى أن يحسم لا بالإقناع ولا بالقوة بل الحكمة المرجئة الأمر كله لله. (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[17] لكل أن يعتقد ما يشاء بشأن المهدية ولكن يمكننا جميعا أن نتفق على مطلب الهداية ووظيفة من هداهم الله وهدى بهم
  • والخلاف وارد أيضا في صلاحيات الأئمة وهو الآن خلاف نظري لعدم وجودهم. أما صلاحيات مراجع التقليد وولاية الفقيه فولاية الفقيه في المسائل الحسبية واردة أما فيما عداها فمصير كافة أهل القبلة أن يسلموا بولاية الأمة تمارسها عن طريق الشورى.
  • الصوفية، بمعنى الجذور الروحية لأحكام وتعاليم الإسلام لا يجادل فيها أحد ولها أساس قراني واضح : (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[18]

والتصوف الصحيح كما مارسه الحسن البصري والجنيد ورابعة العدوية، صفاء روحي حميد يدور حول: الصدق مع الحق والخُلق مع الخلق. وفي هذا الصدد فإن التصوف نشر في الإسلام حلاوة وطلاوة آثرة:

                   إن غيــــــــبت عنى فلي بصر

                 يرى محاسنها في كل إنسان

                   ما في محاسنها ضد أضيق به

                 هي المدام وكل الخلق ندمانى.

  • هنالك قضية الغلاة وما نشروا من عنف عشوائي لا أحد يبرره ولكن يجب أن نفسره. إن اللجوء للمقاومة لصد العدوان والاستيطان والاحتلال أمر مشروع وينبغي أن تدعمه كل فصائل الأمة. أما التكفير بالجملة لشعب من الشعوب والقتل المباح للأطفال والنساء والمدنيين فلا مبرر له. ولكن هذه الظاهرة سوف تستمر وسيلة احتجاج طالما بقيت خمسة عوامل: الاستبداد والظلم الاجتماعي داخليا، والاحتلال والاستيطان، والاستعلاء الثقافي خارجيا. بهذا الفهم علينا أن نسعى لاحتواء هذا الأسلوب لأنه يضر القضية الإسلامية في وقت فيه تتالت الدلائل على أن قضيتنا تتقدم بالقوة الناعمة.هؤلاء لا نقاطعهم بل نناصحهم بأقوى حجة.
  • الحوار مع القوميين مطلوب فهنالك قضايا مشتركة فيما يتعلق بالتنمية، والديمقراطية، والعدالة، واستقلال القرار الوطني، والخصوصية القومية داخل كيان الأمة.
  • كذلك الحوار العلماني: العلمانية بمعنى إنكار أي دور للغيب في الحياة ليست جديدة وليست حكرا على الحضارة الغربية. ففي القرآن إشارة لمثل هذا الاعتقاد: (وقالوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)[19] وأبو العلاء المعري أوضح عبارة في إنكار الغيب في بعض أشعاره:

أيها الغر إن خصصت  بعقل               فاتبعه كل عقل نبي

وقال:

يرتجــــى الناس أن يقوم إمام    ناطق في الكتيبة الخرساء

كذب الظن لا أمام سوى العقل    مشيرا في صبحه والمساء

إنما هذه المذاهب أسبـــــاب      لجذب الدنيا إلى الرؤساء

افيقوا يا غواة فإنمـــــــــــا       دياناتكم مكر من القدماء

العلمانية الفلسفية تنكر أي دور للغيب. هذه تقف عند حد فاصل. أما العلمانية المدنية أي التي تقف عند حد كفالة حقوق المواطنة للكافة وعدم تطبيق أحكام ذات محتوى ديني على غير أتباع ذلك الدين فوارد الحوار معها في إطار أن للمسلمين مرجعية إسلامية ملزمة، وأن على الدولة المشتركة أن تحترم المساواة في المواطنة والحرية الدينية.

ختاما: ماذا تحقق هذه الرابطة؟

أولا: تكوين منبر مشترك يجمع بين أصحاب فكر مشترك للاتفاق على حوار فيما بينهم يعمل على تحرير المصطلحات وعلى الاتفاق على المفاهيم.

ثانيا: اتخاذ موقف مستنير من التراث وغربلته لاستنهاض سمينه وتجنب غثه.

ثالثا: تأكيد أن القيم مهما اتفق عليها لا تعمل إلا عبر إجراءات وتحديد ما يلزم منها  لذلك التفعيل. قال افلاطون الناس لو عرفوا الفرق بين الحق والباطل لاتبعوا الحق. قال تلميذة : لا بل لابد من إرادة الاصلاح

رابعا: السعي لإقامة مرصد لإحصاء المفكرين والباحثين المبدعين ودعمهم بكل الوسائل المتاحة.

خامسا: اتخاذ موقف من الحكومات لا يجاريها ولا يعاديها وإنما يضغط بكل الوسائل المدنية في سبيل كفالة الحريات الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

سادسا: التعامل مع الغلاة على أساس أن قضيتنا فيما يتعلق بالحماسة للإسلام واحدة ولكن أسلوبهم يأتي بنتائج عكسية وكل أمر يهزم مقاصده باطل. كما قال العز بن عبدالسلام.

سابعا: السعي للتشبيك مع كل العناصر ذات الأهداف المماثلة داخل البلاد الإسلامية. ومد الجسور نحو أنحاء العالم الأخرى بمنطق دعم السلام والتعاون الدولي وبيان أن لا سلام بلا عدالة ولا صداقة مع الظلم.

ثامنا: إن للثقافة المستنيرة دورا مهما في التمهيد لحركة التجديد ما يوجب على الرابطة احتضان كتاب التنوير وتكوين مكتبة التنوير وترجمة تراث التنوير على أوسع نطاق.

تاسعا: تجتهد الرابطة لكي تتبنى ورش عمل تساهم في دراسة وإصدار توصيات في المجالات العالقة.

عاشرا: تتجنب الرابطة الأنشطة الحركية ولكن تحرص على رصد وتنسيق اجتهادات كتاب التنوير.وللنشطاء أن يستفيدوا من تحضيرات الرابطة . وهذا بالله التوفيق.

 

 

[1] صحيح مسلم

[2]  سورة محمد الآية 24.

[3]  سورة الفرقان الآية 73.

[4] سورة آل عمران الآية (7)

[5] سورة البقرة الآية ( 269)

[6] سورة البقرة الآية (111)

[7] سنن بن ماجة

[8] سورة النساء الآية (77)

[9] سورة البقرة الآية (282)

[10] سورة العنكبوت الآية (46)

[11] سورة آل عمران الآية (113)

[12] سورة الممتحنة الآية (8)

[13] سورة الحج الآية (39)

[14]  سورة الروم الآية 8.

[15] سورة طه آية 50

[16] سورة البقرة الآية 141

[17]  سورة البقرة الآية (113)

[18] سورة الحديد الآية(28)

[19] سورة الجاثية الآية(24)