مذكرة القوات المسلحة 20 فبراير 1989م

نص مذكرة القوات المسلحة 20 فبراير 1989م

جمهورية السودان

 

القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة

مكتب القائد العام

الخرطوم

تلفون: 75462-78055

نمرة:ع/ ق/ م

التاريخ: 20/ فبراير 1989م

بسم الله الرحمن الرحيم

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم وقضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)

 

السيد/ رئيس وأعضاء مجلس رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة

السيد/ رئيس مجلس الوزراء مجلس الدفاع الوطني

 

مذكــــــــــــــــرة

  1. انطلاقا من مسئوليتنا الوطنية والقومية التاريخية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد واعتبارا للظروف الأمنية الخطيرة التي يشهدها الوطن في بعض أجزائه، وبعد قراءة ودراسة متأنية وعميقة للوضع الراهن واستشراقا لآفاق المستقبل بكل ما ينطوي عليه من احتمالات قد تؤدي إلى انفلات يقود إلى تهديد وحدة تراب البلاد وتفتيت الأمة السودانية ومسارها الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب وضمنه في مواثيقه ودستوره كخيار لا بديل له، وبناءا على منطوق المادة 15 من دستور السودان الانتقالي لسنة 1985م التي تقرأ: (قوات الشعب المسلحة جزء لا يتجزأ من الشعب مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها وحماية أهداف ومكتسبات ثورة رجب الشعبية).

فان قواتنا المسلحة قد قامت بواجبها باحتراف وبسالة وتضحية وفي ظروف يمكن أن توصف بأنها الحد الأدنى من المناخ الملائم وتوفر المتطلبات الأساسية لإدارة أعمال القتال. وبدون اسهاب مفرط يمكن الدلالة على ذلك بموقف قواتنا الباسلة التي اثبتت أن المقاتل السوداني كعهده دائما منذ انشاء قوة دفاع السودان قمة الثبات والتضحية والفداء.

  1. ان دراسة المعطيات الواضحة تكشف أن قدرتنا القتالية قد تناقصت بنسبة 50% مما كانت عليه في العام 1983م وذلك للاستنزاف المستمر في المعدات المختلفة والاسحلة لمؤن القتال مع غياب كامل للاستعواض المنتظم، واخيرا توقفت كل الدول المانحة عن تقديم أقل احتياجاتنا الحيوية.
  2. أما المؤشرات لذلك فهي واضحة، أننا قد فقدنا مساحات أرضية ليس بسبب فقد مقاتلي جيشنا الباسل ولكن بسبب تدني إمكانياتنا القتالية وقصور حركة إمدادنا المتنظم، من الجانب الآخر نجد أن العدو يحظى بدعم الشرق والغرب وتتوفر له إمكانيات ومتطلبات القوات النظامية.
  3. إننا نقف اليوم أمام مسئولية تاريخية تجاه وحدة وتماسك وطننا العزيز ومسئولياتنا المقدسة نحو ضباطنا وجنودنا الذين يقدمون أنفسهم ودمائهم الزكية في تضحية وفداء مقدس وفي عطاء لم يسبق أن شهده تاريخ السودان الحديث، إن مسئوليتنا التاريخية كقيادة عامة وكقادة لتشكيلات قواتنا المسلحة تتطلب منا جميعا التماسك والتعاضد والتوحد في تجرد تام نحو توفير احتياجاتنا القتالية والمعنوية. أن التاريخ لن يرحمنا جميعا ان نكون على قمة قواتنا المسلحة الباسلة وهي تفقد معارك تفرض عليها ولا تجد الحد الادنى من المتطلبات الدفاعية ولا يتوفر لها القدر المعقول من السند المعنوي في الجبهة الداخلية.
  4. أننا جميعا قيادة وقاعدة ندرك تماما مسئوليتنا وواجبنا المقدس في الحفاظ على كل شبر من تراب هذا الوطن، ولا تفريط، لا إنهزام ولا استسلام.
  5. أن الحرب التي نخوضها في جنوب السودان قد أظهرت بعدا استراتيجيا جديدا وفريدا لم يشهده عالمنا المعاصر. لقد توحد المعسكران الشرقي والغربي في دعم وإسناد حركة التمرد التي نواجهها. أن الكتلة الشرقية تقدم كل متطلبات القتال والتدريب والتوجيه لحركة الخوارج بينما يوظف العالم الغربي كل إمكانياته المادية والإعلامية لخدمة أهداف حركة التمرد، بل تمكن العالم الغربي من فرض حصار وترهيب على الدول المعتدلة في العالم العربي حتى لا تجود علينا بالقليل من احتياجاتنا الدفاعية الحالية. بينما ظل دعم العالم الغربي يذهب إلى معسكرات الخوارج- برا وجوا تحت مظلة الإغاثة.
  6. لقد وظفت الدول الغربية وبعض المنظمات العالمية الطوعية كل إمكانياتها للتأثير على الدول المانحة للسودان ويمكن رؤية ذلك بوضوح في موقف دول السوق الأوريبة المشتركة اتجاه السودان. وقد امتد هذا الاثر لحد تهديد الدول الصديقة والشقيقة التي كا نت تمد لنا يد العون في السابق مما اثر سلبا على حجم هذا الدعم.
  7. على الصعيد الإقليمي فإن بعض دول الجوار تمارس عدائيات واضحة وتسخر إمكانياتها لدعم حركة التمرد. أما موقف أثيوبيا فهو واضح وستستمر لدعم حركة الخوارج إلى أن تتحقق أهدافها التي تكمن وراء هذا التمرد والتي تتمثل في إيجاد حل يناسبها للقضية الأريترية.
  8. خلاصة القول في هذا الجانب هو أن حصارا اقتصاديا وإعلاميا قد فرض على السودان وأن التأثير المباشر لذلك تدفعه قواتنا المسلحة دما وأروحا في ميادين القتال كل يوم.
  9. دون خوض عميق فيما يحدث في الجبهة الداخلية فجميعنا ندرك الحجم والأبعاد والمؤثرات، ولكننا نركز على جانبين أولهما التأثير المباشر على الأمن القنومي السوداني، وثانيهما التأثير على إدارة العلميات العسكرية وعلى تماسك ووحدة القوات المسلحة.
    • الأمن القومي السوداني: أن مهددات الأمن القومي السوداني لعديده ولكن نشير إلى أكثرها خطورة وهي:
      • التناحر الحزبي وغياب التوجه القومي
      • الانهيار الاقتصادي والتضخم والغلاء
      • نمو المليشيات المسلحة والاختلال الأمني.
      • إفرازات الحرب في الجنوب.
      • تفكك المجتمع السوداني وانتشار الفساد.
      • إفرازات الصراع المسلح الدائر بدارفور.
    • القوات السلحة
      • إنهيار البنيات الأساسية والاقتصاد والمجتمع وتأثيره المباشر على القوات المسلحة وتركيبتها القومية.
      • المحاولات المستمرة لاختراق القوات المسلحة من جهات سياسية في الداخل وبتوجيه من الخارج.
      • إنقسام الجبهة الداخلية في إسناد ودعم القوات المسلحة وإفرازات ذلك واضحة على أمن العمليات وتأثير الحرب النفسية على الروح المعنوية.
  1. في هذا الجانب يجب أن نقف قليلا ونخلص إلى أن ما يشهده السودان اليوم على صعيد جبهته الداخلية مؤشر واضح لخطر داهم على مستقبل الوطن، أمنه ووحدته وحق شعبه الكريم في مستقبل مشرق.
  2. لقد أشرنا مسبقا إلى ضعف قدرتنا العسكرية والتي تسبب فيها أساسا غياب السياسات الدفاعية المدروسة طوال السنوات الماضية، وتفاقمت الآن نتيجة للاستنزاف المستمر بسبب الحرب وتأثير الحصار الاقتصادي والعسكري المفروض علينا اليوم. إننا وبكل وضوح قد طلبنا من مجلس الدفاع الوطني توفير إحتياجاتنا العسكرية المطلوبة الآن وليس غدا حتى يمكننا إحداث التفوق العسكري وإعادة التوزان ومع تقديرنا الكامل للجهود التي بذلتها الحكومة والتحرك النشط الذي قامت به وزارة الدفاع وهيئة القيادة على كافة الاتجاهات إلا أن ذلك كله لم يحقق النتائج الإيجابية المأمولة والمطلوبة لتوفير كافة احتاجات القوات المسلحة اللازمة للقتل لأنها اصطدمت بواقع مرير سببه السياسات الداخلية والخارجية للدولة.
  3. عند النظر إلى موقف العدو نجد أن قواته اليوم تقارب 40 ألف خارج. دعمه العسكري بلا حدود وخطوط إمداده مفتوحة عبر طق جيدة من أثيوبيا وكينيا ويوغندا، هذا عدا التشوين الجوي إلى مطارات كبويتا وبوما وكنقر. أما الدعم المادي من المنظمات الطوعية غير الحكومية فهو واضح في ميدان المعركة وفي قدارته في الانفاق على مكاتبه المنشودة في معظم الدول وفي تحرك افراده في الخارج. هنالك الجانب الأكثر خطورة على معنويات شعبنا وقواتنا والمتمثل في توظيف الإعلام العالمي لخدمة أهداف الحركة وشن حرب نفسية لم تتمكن قدرات دولتنا المحدودة من التصدي لها.
  4. ان خلاصة القول في هذا التقييم العسكري، هو أن هنالك مؤشرات واضحة لإمكانية حدوث اختلال في ميزان القوى إن تجربة قواتنا في مقاومة حركة الخوارج لكبيرة وأن مقاتل الجيش السوداني خير مثال للشجاعة والإقدام والتضحية إننا لن ننهزم مطلقا بإذن الله، نعم لقد فقدنا بعض المعارك ولكن لن نقبل أبدا أن يسجل التاريخ خسارتنا لهذه الحرب.
  5. استنادا على ما تقدم فإنه من الأهمية بمكان التأكيد بأن ما سيرد من مقترحات وتوصيات يمثل الرأي العام العسكري بعد استقصائه بواسطة الأجهزة المختصة وبعد التفاكر واجماع آراء القادة في كل المستويات.
  6. أن وحدة وتماسكل القوات المسلحة هدف مقدس لا يقبل المساومة أو المزايدة وأن القوات المسلحة ذات التوجه القومي المتجرد هي صمام الأمان الوحيد لتمساك ووحدة مستقبل الوطن.
  7. إننا جميعا قيادة وقاعدة منتشرون في كل بقاع السودان يجب أن نؤكد بوضوح لا لبس فيه إننا مع خيار الشعب السوداني الأصيل في الحفاظ على الديمقراطية كما أكدنا ذلك في السادس من أبريل، وأننا نرفض كل أنواع الديكتاتورية وسنظل أبدا أوفياء لواجبنا المقدس في حفظ وصون وحدة وسيادة الوطن
  8. إن إدارة الصراع المسلح لا ينفصل أبدا عن إدارة السياسات المتوازنة للدولة، عليه يجب أن تهدف الدولة إلى كسر طوق الحصار الاقتصادي والعسكري المفروض علينا من الغرب والشرق، وذلك بانتهاج سياسات متوازنة تمكنا من كسب احترام العالم لديمقراطيتنا المرشدة وتمكننا من استقطاب العون الاقتصادي والعون العسكري الذي نحتاج له اليوم.
  9. إن تماسك ووحدة الجبهة الداخلية يتطلب تطبيق توجه قومي بعيدا عن المزايدات السياسية والتناحر والتآمر وهذا يتطلب في المقام الأول توسيع قاعدة المشاركة في الحكم للخروج من هذا المنعطف الصعب.
  10. إن القوات المسلحة لم تهزم أبدا، ولن تهزم مطلقا بإذن الله وستستمر في أداء دورها الوطني الرائد في تضحية ونكران ذات، لذلك يجب على الدولة ان تنتهج نهجا سليما في سياساتها الداخلية والخارجية بما يمكن القوات المسلحة من أداء مهامها الدستورية.
  11. وفي الختام ليس هنالك أكثر من التأيد مرة أخرى إننا جميعا أمام مسئولية تاريخية ستسألنا عنها أجيال السودان القادمة وهي أن نحافظ على أمن ووحدة وتماسك القوات المسلحة، وألا نقبل مطلقان المزايدة باسمها، وألا نعرضها أبدا للتضحية والخسائر نتيجة لقصور الإمكانيات ولأسباب موضوعية أخرى لا يمكن أبدا أن تسأل عنها القوات المسلحة، وعليه ومع تأكيد الولاء لله وللأرض والشعب نرفع لكم هذه المذكرة النابعة من إجماع القوات المسلحة لاتخاذ القرارات اللازمة في ظرف أسبوع من اليوم.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(إن عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)

 

فريق أول

فتحي أحمد على

القائد العام لقوات الشعب المسلحة