مركز راشد دياب للفنون: منتدى عاطفة الوطن

الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين

بسم الله الرحمن الرحيم

مركز راشد دياب للفنون

منتدى عاطفة الوطن

كلمة الإمام الصادق المهدي

في عشق الوطن

22 أبريل 2012م

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [1].

القبيلة هي رباط الرحم. الشعب رابطة الوطن. وهما رابطتان فطريتان يقرهما الإسلام ويهذبهما وينفي عنهما العصبية.

النبي (ص) لدى هجرته من مكة عبر عن مشاعره في حب الوطن مكة.

إن للسودان في عقولنا وقلوبنا ولاءً ومحبة:

أبيات حسن طه:

تحيتـــي هي باقات أقدمهـــــا *** من نبع قلبٍ هوى السودان أضنـاه

قد همت في حبه منذ الصبا وإلى *** أن ينتهي أجلي أهواه أهــــــــواه

لذلك ومهما اختلفت رؤانا السياسية عندما يُمس الوطن بسوء تتحد المشاعر كما اتحدت غضباً تلقائياً عندما احتلت هجليج واتحدت فرحاً جماعياً عندما عادت إلى حضن الوطن.

رب ضارة نافعة. هجليج مفرق طريق (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [2].

في محراب الوطنية ألقي سبعة دروس هي:

الدرس الأول: أهل السودان في أمر الوطن جماعة واحدة بلا أحزاب. يستطيع الحزب الحاكم أن يجيّر هذا الشعور الهادر لصالحه فيكرس الاستقطاب. كما يستطيع أن يسعى لتجسيده في حوكمة راشدة تصفي دولة الحزب التي لم يجن السودان منها إلا الهشيم، وتتطلع لجمع الصف حول دولة الوطن.

الدرس الثاني: إن في العالم منظومة حقوق إنسان تكفل الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام. ومنظمومة قوانين إنسانية دولية. هذه المقاييس هي أساس حوكمة دولية تقاس بها تصرفات الدول. خالفها بوش في العراق فأدين وخالفها سلفا في هجليج فأدين. وإذا خالفها السودان بالهجوم على مواقع جنوبية سوف يقع في طائلتها.

الدرس الثالث: اتفاقية سلام نيفاشا ليست اتفاقية سلام شامل كما قلنا منذ البداية، بل كانت عنقود عيوب لأنها:

• علقت السلام في ثلاث مناطق حيوية هي: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق.

• ووضعت سقفا غير مشروع حال دون تحقيق سلام شامل في دارفور.

• ولأنها أغفلت ترتيبات حول البترول في حالة الانفصال.

هذه القضايا أهملت أثناء الفترة الانتقالية وصارت ألغاماً بعد انفصال الجنوب:

إذا ما الجرح رم على فساد *** تبين فيه تقصير الطبيب

ما لم يبرم اتفاق ملزم حول هذه الألغام فإنها قابلة لإشعال الحروب. من جانبنا قدمنا مشروعا مفصلا للاتفاق حولها بالتراضي لسحب البساط من دعاة الحروب. إنه سلام ممكن والسلام من تعاليم الديّان ومن حقوق الإنسان.

الدرس الرابع: لا شك من وقوع تفريط في الدفاع عن مناطق حيوية. هجليج هوجمت في أواخر مارس 2012م وفي أوائل أبريل وهي أهم موقع اقتصادي في الشمال الآن، إنه تفريط يوجب المساءلة فالدفاع أقل تكلفة في الأرواح والأموال من الهجوم لتحريرها:

من رعى غنما في أرض مسبعة *** ونام عنها تولى رعيها الأسد

الدرس الخامس: ارتكبت القيادة الجنوبية خطأ فادحا في مقامرة هجليج، وسوف تكون محل مساءلة مشروعة داخليا ودوليا عن سفك الدماء وتدمير الأموال. ولكن أي حديث عن وصاية شمالية على الجنوب ومسئولية الشمال عن إصلاح حكم الجنوب سوف توحد الصف الجنوبي خلف قياداته ضد الشمال وسوف تجلب للشمال مساءلة دولية. كل أمر يأتي بعكس مقاصده باطل. نهاية مطاف التصرفات غير المسئولة جلب درجة من الوصاية الدولية. ومن أسوأ العبارات التي سوف تجلب للقيادة الجنوبية عطفاً داخلياً، وأفريقياً، ودولياً؛ عبارات السب العنصري، إنها ثقافة جاهلية ومن شأنها أن تهتك النسيج الاجتماعي في السودان وتحرض عناصره على بعضها فنحن كما قالت شاعرتنا:

أنا العروبة في عرق الزنوجة

في فرادة حملت كل الأفانين

هنا انزرعنا على هذا التراب معا

منوعين كأزهار البساتين.

الدرس السادس: من حقنا أن نتطلع لمساءلة جنوبية وأفريقية ودولية للمقامرين في الجنوب عما ارتكبوا، ومن حقنا أن نطالب بتعويضات عن الخسائر، ومن واجبنا أن ندعم دفاعنا في كل المواقع لا سيما بقاع التوتر، والحكمة تقول إن إردت السلام فاستعد للحرب وهو معنى الآية الكريمة: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) [3].

ينبغي أن نتخذ السلام استراتيجية يوجبها العقل والنقل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [4]. وبالسلام نحن رابحون وقادرون لأسباب موضوعية على نحو مقولة الحكيم:

ملكت بحلمي خطة لم يسترقها من الدهر مفتول الزراعين أغلب

الدرس السابع: هجليج مفرق طريق: إلى سكرة انفرادية تعزز الانفراد وتكرس الاستقطاب السياسي وما سوف يصحب ذلك من مواجهات، أو صحوة قومية توحد الشعب حول دولة الوطن.

كذلك هي مفرق طريق إلى: نهج هجومي انتقامي ضد دولة الجنوب توحد شعبها وراء قيادته وتمنحها عطفاً دولياً، أو هجمة سلامية واعية تحظى بدعم قومي داخلياً ومباركة دولية.

أقول من أجل الوطن نحن مطالبون:

• بمشروع مدروس يحقق في الوطن ربيعاً سوادنياً استباقياً يصفي دولة الحزب ويقيم دولة الوطن.

• مشروع مدروس للتعامل الإيجابي مع النظام الدولي الحقاني والإنساني.

• مشروع مدروس للسلام العادل الشامل ينزع فتيل الحرب من مواقعه.

إذا نحن أفلحنا في هذه المجالات الثلاث فإن السودان موعود بالخيرات والبركات (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [5]. وإذا أخفقنا فسوف ندفع الوطن في حقل استقطاب داخلي حاد، وتوتر مع النظام الدولي مستمر مصحوب باتهامات وملاحقات؛ وسوف ندفع البلاد إلى حرب تؤججها تحالفات داخلية، وإقليمية، ودولية تحقق أماني أعداء الوطن في أن تكون دولتا السودان معولي تدمير متبادل.

هذه الدروس السبعة من وحي الولاء للوطن ومحبة أهله يوجب الاعتبار بها النقل والعقل.

(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) [6].

وبالله التوفيق.