مستقبل الحوار الإسلامي الأمريكي

بسم الله الرحمن الرحيم

مستقبل الحوار الإسلامي الأمريكي

26 فبراير 2007م

 

في منتصف القرن الماضي كان كثيرون في عالمنا يتوقعون مودة خاصة بين المسلمين والولايات المتحدة  باعتبار أن المجتمع الأمريكي مجتمع مهاجرين، مفتوح للآخرين، حفي بالتنوع الثقافي والإثني وخال من عقد الماضي الاستعماري. كما شد إليه إعجاب الناس بتفوقه التكنولوجي الباهر.

هذا الحلم تحول عبر السنين إلى كابوس تؤجج مراراته بالجانب الإسلامي “يانكوفوبيا” وبالجانب الأمريكي “إسلاموفوبيا”.

في مؤتمر الحوار الإسلامي الأمريكي الذي ينظمه معهد بروكنز الأمريكي بالتعاون مع وزارة خارجية دولة  قطر بالدوحة والذي عقد دورته الرابعة في 17-20 فبراير، وحضره نحو 150 عالم وخبير ودبلوماسي، تدارس المؤتمرون ملف العلاقات الإسلامية الأمريكية. وأثناءه قدم  مركز استطلاعات تابع لجامعة ماريلاند أرقاماً لقياس الرأي العام حالياً بيانها: 78% من المستطلعة آراؤهم في ستة بلدان عربية مختارة رأيهم شاجب لأمريكا.81% يرون أن الموقف الأمريكي من دعم الديمقراطية بالعالم الإسلامي كاذب. ومركز دراسات آخر قدم استطلاعاً أوضحت أرقامه أن أغلبية الأمريكان قالوا لا يعجبهم شيء في الإسلام.

نفس الاستطلاعات وقد شملت 40 دولة إسلامية يرفضون السياسات الأمريكية ولكنهم يبدون إعجابا بأمرين في الحضارة الغربية:  التفوق التكنولوجي، والنظام الديمقراطي.

قلت في بعض خطابي للمؤتمرين إننا ننقم على السياسات الأمريكية الحالية في:

أولاً: التحاف الأعمى مع اليمين التوسعي الإسرائيلي. قال المؤرخ الأمريكي آرثر سليزنجر “إن غزو العراق كان لأسباب إسرائيلية لا أمريكية” وقالت السيدة كوندليسا رايس في سؤال وجواب مع الصحافة “من أهم نتائج الحرب على العراق إزالة خطر الجبهة الشرقية على إسرائيل”. وإمعانا في الخطل وبعد ست سنوات من الجمود في حركة سلام الشرق الأوسط قال رئيس وزراء إسرائيل بعد لقائه بكونداليسا إن رؤيتنا للأمر متطابقة تماماً.

ثانياً: اتباع سياسة خارجية أحادية استباقية أكسبها رفضاً واسعاً لدينا ولدى الشعوب الأوربية؛ ولدى أمريكا اللاتينية بصورة غير مسبوقة.

ثالثا: دعم النظم الاستبدادية التي اعترفت بها السيدة كونداليسا عند زيارتها للقاهرة في 2005 بقولها (لقد أخطأنا بدعم الطغاة في المنطقة ستين عاماً وعدلنا عن ذلك الآن).

رابعاً: تحويل العولمة إلى “أمركة” تدوس مصالح الآخرين وثقافاتهم وتفترض دونيتهم.

هذه الأسباب واضحة. ولكن كثيراً من الكتاب الغربيين المتعاطفين مع إسرائيل يريدون صرف النظر عنها وإبداء أسباب لاعقلانية لكراهية أمريكا. قال برنارد لويس: “المسلمون يكرهوننا لذاتنا لا لأعمالنا. وهم لا يعرفون إلا المسلم وهو معهم والكافر وهو عدوهم ولا مكان لثالث”. وأدهشني جداً ما جاء بافتتاحية صحيفة ذات وزن “التايمز” بتاريخ 11/9/2006: “إن حقيقة أسباب الإرهاب المعاصر هي غضب على طرد المسلمين من أسبانيا في القرن الخامس عشر قبل اكتشاف كولومبوس لأمريكا. إن ملة تجمع بين المطالبة بخلافة بائدة وتستخدم أحدث آليات الاتصال والتنظيم تبدو لنا من غرابتها غير قابلة للتصديق ولكنها الحقيقة؛ ووضع اللوم على قضية فلسطين؛ وأفغانستان؛ والعراق؛ يعنى عدم فهم القاعدة أنها صدى لتاريخ طويل”.

هذه التفاسير المهووسة تجاوزها كثيرون بالغرب وصاروا يعدون الأسباب العقلانية للكراهية. مثلاً كتاب جيمى كارتر الأخير بعنوان “فلسطين: السلام لا الفصل العنصري”. وكتاب بول فنلى بعنوان “من يجرؤ عل الكلام”. وما قاله السناتور هارى ريد: “غزو العراق أسوأ خطأ ارتكبته أمريكا في تاريخها”، وتقرير بيكر وهاملتون الأخير الذي أوصى بالعدول عن السياسات الأمريكية الحالية بالعراق، ونتائج الانتخابات الأمريكية التشريعية (نوفمبر 2006) تشير في نفس الاتجاه.

ولكن الإدارة الأمريكية تصر على الاستمرار في الخطأ وحتى السياسات الصائبة التي أعلنتها تراجعت عنها:

* تبنت الديمقراطية ثم تراجعت عنها وعادت إلى سياسة دعم الطغاة بل وصارت تستصحب أساليبهم في التعدي على حقوق الإنسان في أبوغريب وقوانتانامو؛ واختطاف الناس وترحيلهم إلى حيث يعذبون ويواجهون محاكمات جائرة.

* خطت خطى واسعة في لبنان واستصدرت قرارات من مجلس الأمن نالت تأييداً واسعاً. ثم قوضت هذه المكاسب بالموقف اللاأخلاقي من حرب إسرائيل المدمرة على لبنان. وحالت دون إصدار مجلس الأمن للقرار المعهود في ظروف اندلاع الحرب بوقف إطلاق النار لكي تتمكن إسرائيل من تكملة مهمتها فواصلت التدمير غير المجدي 34 يوماً.

* وفي السودان ساعدت الإدارة الأمريكية للتقدم بطريق السلام. ولكن بدل الحرص على السلام العادل والشامل قبلت حرص طرفي التفاوض على مصالحهما الحزبية لإبرام سلام ثنائي ناقص وباركته وباركت تسميته الزائفة بالسلام الشامل وبذلك ساهمت بجعل اتفاقية السلام جزءً من المشكلة لا الحل. وضغطت الإدارة الأمريكية للتوقيع على سلام أبوجا بشأن دارفور فجاء ناقصاً معيباً فساهمت كذلك بجعل الحالة في دارفور بعد التوقيع على الاتفاقية أسوأ مما كانت عليه قبلها. وقوضت بذلك دورها المقدر لإصدار قرارات صائبة من مجلس الأمن.

وأدارت الملف النووي الإيراني بصورة مصحوبة بالوعيد وبازدواج المعايير فساهمت بهزيمة الإصلاحيين في إيران.

نعم هناك كما ظهر في حوارات المؤتمر من يعترفون بهذه الأخطاء؛ ونعم هناك كما أظهرت الإحصاءات قيم مشتركة بين طرفي الحوار مثلاً من بين المستطلعين المسلمين والأمريكيين المذكورين آنفا: الأغلبية تريد إنهاء الاحتلال، وتتطلع للديمقراطية، ولا ترى الصدام حتميا، وتدين الهجوم على المدنيين، وترى أن يكون الإشراف في القضايا الدولية للأمم المتحدة.

و كانت بين المؤتمرين أصوات أمريكية لا ترى عيبا في السياسات الأمريكية بل في المسلمين. وأصوات بين المسلمين ترى أن العيب في السياسات الأمريكية ولا ترى أن علينا نحن واجبا إصلاحيا. كان الحوار بين هؤلاء حوار طرشان.

أقول إن علينا واجباً إصلاحيا لا نلحق بالعصر ولا نتفاعل مع الآخرين ما لم نحققه في سبعة مجالات:

  • التأصيل دون انكفاء
  • التحديث دون استلاب.
  • احتواء النزاع الطائفي السني الشيعي.
  • إزالة الحكم الاستبدادي وتحقيق الحكم الراشد.
  • تحقيق التنمية المنتجة العادلة.
  • احتواء الغلو.
  • احتواء العنف العشوائي.

أي مشروع إسلامي تنهض بموجبه الشعوب، وتحقق بموجبه مشاركتها ببناء مصيرها وحل مشاكلها الداخلية والخارجية.. هذه التحديات تواجهنا اليوم وما الاضطرابات الحالية إلا مخاض في الطريق لمواجهتها.

مؤتمر الدوحة ساهم بتشخيص بعض المشاكل وتوفير كثير من المعلومات وإتاحة مجال التعارف. لكنه لم يشبع التوقعات لذلك يرجى العزوف عن أمثاله وتكوين هيئة دائمة محدودة العدد صادقة التمثيل لطرفي الحوار من حيث تأهيل أعضائها وصدقية وزنهم لتعمل دون أضواء أو ضوضاء للعمل على تشخيص الداء ووصف الدواء ومواصلة عملها إلى حين وجود إرادة سياسية قادرة على الخروج بالعلاقات من الظلمات إلى النور.