معالم الفجر الجديد

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

بقلم يحيى الجمل

الإمام الصادق المهدي واحد من المثقفين العرب القلائل الذين جمعوا بين الثقافة الإسلامية المستنيرة والثقافة الغربية الحديثة، ومن المؤمنين بالديمقراطية إيمانا عميقا، وقد شهد السودان الحبيب فترة مزدهرة من فترات الديمقراطية عندما تولى هو رئاسة الوزارة في السودان. وأذكر أننا عندما أنشأنا المنظمة العربية لحقوق الإنسان في أوائل الثمانينات ضاقت علينا الأرض العربية بما رحبت واجتمعنا في مدينة ليماسول في قبرص ثم عقدنا أول جمعية عمومية للمنظمة في منزل الإمام الصادق المهدي في الخرطوم عاصمة السودان، ثم تحايلنا بعد ذلك وجعلنا للمنظمة مقرا في القاهرة اشترته باسم المنظمة السيدة الفاضلة سعاد الصباح شفاها الله.

والإمام الصادق المهدي هو صاحب العبارة العميقة الواعية التي قال فيها: إن الطغاة والبغاة والغلاة، هذا الثالوث البغيض هو الذي أنهك جسد الأمة العربية وعقلها وجعلها خلف العالمين.

وفي يدي اليوم كتاب جديد للإمام الصادق المهدي تكرم بإهدائه لي بعنوان «معالم الفجر الجديد».

وفي مقدمة الكتاب يرصد مؤلفه صور الاحتقان في الوطن العربي، متوقعا أو مؤكدا أن هذا الاحتقان لا بد أن ينفجر يوما في وجه الطغاة السادرين في غيهم. أسمعه يقول: إن هبّة الشعوب العربية الراهنة خرجت من قفص الطغيان ولن تتراجع. وهذه الهبّة تعبير عن رغبة الشعوب العميقة في التحول الديمقراطي الذي يؤكد أن هذه الأمة لها جذور حضارية وأنها لا بد منتصرة لأنها تسير في اتجاه التاريخ والتطور الإنساني في العالم كله، على حين أن إرادة الحكام الطغاة البغاة هي ضد حركة التاريخ. هؤلاء الحكام لا يدركون ما يحيط بهم لذلك فإن مصائرهم ستحددها شعوبهم وهي تسير نحو الكرامة والعدالة الاجتماعية وإزالة الطغيان.

وإلى جوار أن ذلك موافق ومنسجم مع حركة التاريخ، فإنه فيما يرى الإمام الصادق المهدي يتفق مع جوهر الإسلام ودعوته، ذلك أن الإسلام يعلي كرامة الإنسان ويفضله على كثير من مخلوقات الله، حيث خلقه حرا ولم يسمح لأحد باستعباده. الإسلام في جوهره الأصيل دعوة للحرية والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعي. وهكذا تلتقي انتفاضة الشعوب العربية مع حركة التاريخ ومع روح الإسلام دين الغالبية في هذه الأمة.

ويرى الإمام الصادق المهدي أن الثورة العربية الديمقراطية سواء في تونس أو في مصر اتسمت بملامح مشتركة أهمها عنصر المفاجأة – في الظاهر على الأقل – كذلك بالإبداع في وسائل الاتصال والحشد مما لم يمكّن من رصدها في البداية وساعد على انتشارها ثم نجاحها.

ويضيف الإمام الصادق المهدي أنه في حالة تونس وحالة مصر اتخذت القوات المسلحة موقفا مستقلا عن الحزب الحاكم بل إنها حمت ثورة الشعبين في بداية انطلاقها.

ومن الأفكار الواضحة في كتاب «معالم الفجر الجديد» رفض التطرف سواء كان تطرفا يعلن الولاء للحضارة الغربية وقيمها، بما ذلك التطلع إلى نوع من «العلمانية» المتطرفة. فبحكم رد الفعل فإن هذا التوجه أدى إلى تطرف مقابل عند بعض الحركات الإسلامية التي اعتمدت على النقل وقلصت دور العقل. ويرفض الإمام المهدي النوعين من التطرف ويقول إنه ينبغي أن نتفق مع الفكر العلماني في مبدأ المساواة وحقوق المواطن وحماية الحريات الشخصية، وليس في ذلك تصادم مع جوهر الإسلام وسماحته مع التسليم بأن الفكر التقليدي الإسلامي بحاجة إلى ثورة ثقافية إسلامية، وفي المقدمة من ذلك رفض المفاهيم التي تكرس دونية المرأة. ومن آراء الصادق المهدي الجريئة أن الحجاب ليس عربيا ولا إسلاميا. وأن من حقائق الوحي الإسلامي أن «أمرهم شورى بينهم» أي إن إدارة الشأن العام تقوم على الشراكة التي تعني حكم الجماعة لنفسها أو بالمصطلح الحديث إرادة الأمة وحكم الأغلبية وتداول السلطة.

ويشهد العالم الآن، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، تطورا ديمقراطيا متصاعدا يوشك أن يعم العالم كله وبقيت المنطقة العربية وحدها استثناء من هذا المد الديمقراطي طوال العقد الأول من هذا القرن وإن كانت كل النذر تقول كما قال الشاعر:

أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون له ضرام

وبالفعل فإن حركات احتجاجية عديدة ظهرت في أكثر من بلد عربي سواء في الشمال الأفريقي أو حتى الجزيرة العربية – اليمن أساسا – كذلك في الشرق العربي – سوريا والعراق – وفي مصر منذ عام 2005 والحركات الاحتجاجية تتزايد حتى جاء عام 2011 وانفجرت الثورة الديمقراطية العربية في تونس وفي مصر وعصفت بالأنظمة القمعية وسارت تونس بخطوات أسرع من مصر في بناء النظام الديمقراطي، وما زالت الثورة المصرية تتعثر في طريقها نحو الاستقرار، وإن كان من المؤكد أنه لا رجعة إلى الوراء وأن الشعب في مصر لن يقبل بعد 25 يناير 2011 حكما استبداديا بوليسيا أو دينيا وأنه لا سبيل غير الدولة المدنية الديمقراطية: دولة كل المواطنين. دولة تحكمها المؤسسات ولا يحكمها أفراد.

ويرى الصادق المهدي أن أهم إنجازات الثورة في تونس ومصر:

أولا: خلق ثقة في النفس لدى الشعوب وأنه مهما قويت أساليب القمع ضدها فإنها قادرة عن طريق التحرك الشعبي الواسع على هزيمة دفاعات النظام.

ثانيا: اكتشاف وسيلة جديدة في الإطار العربي لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في التفاهم، والتنسيق، والحشد.

ثالثا: اكتشاف فاعلية دور المؤسسات الدولية ومنظومة حقوق الإنسان الدولية في حماية الشعوب من بطش حكامها.

رابعا: استعداد القوات المسلحة الوطنية للقيام بدور مستقل عن إرادة الحكام.

هذه الحقائق الجديدة كان لها أثر كبير في الثورة العربية الشعبية، وسوف يكون لها أثرها في المستقبل في حماية المكتسبات الديمقراطية، وفي انتشارها في البلدان الأخرى.

صحيح، حينما زال عنصر المفاجأة توافر للطغاة فرصة للاستعداد القمعي، وحينما غابت مهنية القوات المسلحة بسبب الأدلجة أو التلوين الطائفي، أو العشائري فإن فرص الطغاة في عرقلة التحول الديمقراطي قد زادت، ولكن لا بد من صنعاء وإن طال السفر، فموجة تحرير الشعوب تطلّعٌ عامٌ وهي جزء من موجة تاريخية للاستقلال من الاحتلال الداخلي حتمية مثل موجة الاستقلال قبلها من الاحتلال الأجنبي. قال ألكسندر دبشيك: «إنك تستطيع أن تدهس الزهور ولكن لن تستطيع تأخير الربيع».

وفي هذا الصدد فإن الثورة العربية الشعبية الديمقراطية تمر بمرحلة مهمة وتتطلب رؤى واضحة حول قضايا مهمة تحدد مصيرها الصاعد، هي:

أولا: دليل سياسي محدد للتحول الديمقراطي المنشود.

ثانيا: ماهية العوائق والثورة المضادة المتأهبة لإجهاض التحول الديمقراطي أو إفراغه من محتواه.

ثالثا: الأزمات المحيطة بالمنطقة وأثرها على مسيرة التحول الديمقراطي.

هذه محاولة لاستخلاص أهم ما جاء في هذا الكتاب القيم «معالم الفجر الجديد» للإمام الصادق المهدي الذي كما قلت في بداية هذا المقال يجمع بين الثقافتين الإسلامية والغربية بعمق ووعي واقتدار.

حياه الله وأكثر من أمثاله.

 

الشرق الأوسط