مهرجان 27 رجب 1422هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مهرجان 27 رجب 1422هـ

المقام بساحة مسجد الهجرة بودنوباوي

9 أكتوبر 2001م

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد-

إخواني وأخواتي. أبنائي وبناتي، السلام عليكم.

درج كياننا على الاحتفال في يوم 27 رجب بثلاث مناسبات هي:

  • ¨ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج باعتبار أنها مناسبة أحداث روحية وتعبئة إيمانية.
  • ¨ الاحتفال بذكرى ميلاد الإمام المهدي لأن دعوته تمثل تجديدا لشباب الإسلام وإشعالا لروحه الوقادة.
  • ¨ الاحتفال بعيد الأسرة السودانية اللبنة الأولى لبناء المجتمع.

ودرجنا أن نضيف موضوعا رابعا متعلقا بأهم الأحداث الطاغية على الساحة الوطنية أو الدولية.. نعالج الموضوع الرابع من زاوية خطاب أهل القبلة وفي سبيل توحيدهم المنشود والمأمول والمطلوب: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)).

إن أحداثا دولية صاخبة قد وقعت مؤخرا صحبتها تصرفات وضعت أهل القبلة أمام امتحان حقيقي لتحديد مسارهم، امتحان أشبه ما يكون برفع المصاحف على أسنة الرماح في واقعة صفين.

 

المناسبة الأولى

الإسراء والمعراج من أحداث السيرة النبوية

إن السيرة النبوية التي تناول قصتها كثيرون تمثل حجة قوية في حد ذاتها لصالح الدعوة الإسلامية. حجة السيرة لصالح الدعوة تقع في سبع شواهد هي:

الشاهد الأول: رجل أمي عادي الصفات يقع له حدث مفاجئ في حياته ينقله من الأمية إلى كونه عالم العلماء. وهي حجة أشار إليها القرآن بوضوح إذ ذكر اقتحام الوحي حياة محمد: ((قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي.. الآية)) فقدراتي تعرفونها وحياتي بينكم قبل ذلك معروفة: ((قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا أفلا تعقلون )).[1]

الشاهد الثاني: التأديب في اليتم: معلوم حال الأيتام من إعاقة تحرمهم من التربية ومن الحنان. هذا اليتيم محمد كان على خلق عظيم يدل على تربية رائعة وصار أبا للجميع، حنانه يحيط بمن حوله.

الشاهد الثالث: كانت الحرب هي وسيلة قضاء الأمور وتحقيق الأهداف وهي حالة وصفها الأدب والشعر العربي:

من اقتضى بسوى الهندي حاجته         أجاب كل سؤال عن هل بلم ‍!

لكن محمد (r) وفي ظروف الركون إلى القتال حقق ثلاثة إنجازات في تاريخ الإسلام بوسائل سلمية هي:

  • ¨ أسس الدولة في المدينة سلميا.
  • ¨ استمال الجزيرة العربية سلميا أثناء فترة الحديبية.
  • ¨ فتح مكة دون إراقة دماء.

الشاهد الرابع: الأديان العالمية كلها قليلة التوثيق تختلف نصوصها المرجعية اختلافات بينة. والاختلاف قائم حول هوية مؤسسيها وتاريخيتهم. إلا نبي الإسلام فهو شخصية تاريخية أسست دينا ودولة بحيثيات تاريخية كما أن الكتاب الذي جاء به مدون بنصوص قاطعة لا اختلاف عليها. إن الإسلام دين موثق بصورة فريدة: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.. الآية)).

الشاهد الخامس: كل الأديان تشتمل على عنصر روحي وعنصر غيبي وفي كثير من الأديان إسراف في الغيبيات مبالغ فيه. الروحانية والغيبية في الإسلام منضبطة بحيث تتكامل مع عالم الشهادة ولا تلغيه: سئل النبي (r) أأعقل ناقتي أم أتوكل؟ رد قائلا: اعقلها وتوكل. وسئل النبي (r) أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقي نسترقيها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ أجاب: هي من قدر الله.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض الصحابة في الطريق إلى دمشق فعلموا أنها موبوءة بالطاعون فقرر الرجوع فقال أبو عبيدة (رض) أفرارا من قضاء الله يا عمر؟ قال عمر: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة ! نفر من قضاء الله إلى قضاء الله!.. هذه الروحانية المنضبطة هي التي أبعدت الخوارق سبيلا للدعوة: ((وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون.. الآية)).

وهي التي ضبطت أساليب الوحي: ((ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم )).[2]

إن في التراث الديني الإسلامي ربطا قويا بين روحانية الوحي النبوي وما دونها من روحانيات البشر فالتجارب البشرية الروحانية هي العملة التي تكوّن مضاعفاتها النبوة. ففي تجارب البشر الرؤية الصادقة، والمبشرات، وفي تجارب البشر المحدّثون. وفي تجارب البشر الرياضات الروحية التي قال عنها الغزالي: “فمن لم يرزق منها شيء بالذوق فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم”. ودون ذلك في تجارب البشر ألمعيات تدل على شفافية روحية.

الألمعي الذي يريك الرأي         كأن قد رأى وقد سمع

وما قاله أبو الطيب:

عبقري تظنيه طليعه رأيه         يريك اليوم ما ترى غدا

الشاهد السادس: إن خلاصة الفكر الفلسفي كما عبر عنها سقراط فيما يتعلق بالسلوك البشري تشير إلى مقولة: الفضيلة وسط بين رذيلتين. مثل الكرم وسط بين البخل والإسراف. وهو المعنى الذي صاغه الشاعر العربي:

كلا طرفي قصد السبيل ذميم.

الإسلام دين الوسطية ونبي الإسلام هو رمز الاعتدال وتوجيهات الدين الإسلامي كذلك: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك). وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا.. الآية).

الشاهد السابع: التوفيق بين نصوص العقيدة والعبادة وهي ثابتة ونصوص المعاملات وهي متحركة. فالأولى مفصلة والثانية معممة وفيهما دليل على لزوم ثبات الثابت وحركة المتحرك.

هذه الشواهد السبعة وغيرها جعلت حقائق السيرة النبوية تعبر عن قصة رائعة لا تبلى روعتها مع الزمان ولنا أن نتأملها فنجد:

  • تفاصيل الهجرة في السيرة التي حاول أصحاب العجائب طمسها تقوم على تدبير محكم يفوق أفضل التدابير العسكرية في مفرداته ابتداء من تسنم النبي (r) الحائط متكئا على أم الرباب كما روت إلى ذهابه إلى منزل أبي بكر وخروجهما متخفيين إلى الاختفاء في الغار وانتظار موعد السفر والاستعانة بدليل خبير بالطرق طرق بهما طريقا غير معروف.
  • أصحاب العجائب حاولوا أن يطمسوا كثيرا من وقائع السيرة بينما الحقيقة أن النبي (r) كبشر تعرض لحاجات البشر لذلك عندما انقطع عنهم الماء نشأت ضرورة نزلت بمناسبتها آيات التيمم. وهكذا الضرورات الإنسانية كانت مناسبات لنزول الآيات. هذه الوقائع أوثق من العجائبيات التي جعلت النبي (r) صاحب خوارق.
  • فهمنا لقصة الإسراء والمعراج، فينبغي أن يخضع لضوابط الإسلام الروحية ولا يخرج عنها وهكذا فهمها كثير من الصحابة مثل السيدة عائشة ومعاوية وآخرون مثل ابن اسحق والحسن البصري. والمعنى ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..الآية )) وقوله تعالي: ((فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشي السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأي من آيات ربه الكبرى)). الفهم الروحاني المنضبط للإسراء والمعراج هو المناسب لوسطية الإسلام وهو الداعم لنظرة تدرك أهمية قوانين الطبيعة وعطاء العقل. والأخذ بالأسباب والعكس صحيح.. الذهنية التي كونها الإسلام مع ما تفرد من مساحة للغيب تفرد مساحة لعالم الشهادة وفي عالم الشهادة ينبغي الأخذ بالأسباب.

إن النزعة العجائبية في التفكير غريبة على النهج الإسلامي القويم. كنت قدمت مع متحدث آخر لندوة عقدها طلبة جامعة الخرطوم للحديث عن الثورة الإسلامية في إيران. وتحدثت عن الثورة معددا أسباب إخفاق نظام الشاه. وتكوين المعارضة ضده. وأسباب تفوق الملابسات الإقليمية المحيطة بإيران والدولية مما أدى جميعه للثورة ونجاحها. أما المتحدث الآخر فقد قال ما معناه إنه لا يجد تفسيرا لما حدث إلا أن الله أراد إنزال معجزة فكتب النجاح لهذه الثورة التي تدل على قدرة الله. لقد جعل الحدث كله حدثا غيبيا. لم يكن الحدث غيبيا إنما تغييبا للعقل. وتكرر الأمر مع أحداث 11 سبتمبر في أمريكا فبعض الناس صرف عنها التفسير العقلاني وأعطائها فهما غيبيا. هذه الذهنية ليست إسلامية.

إن حجة الإسلام لا تحتاج للفهم العجائبي لدعمها ولا لشرطة تفرض عقائدها على الناس. الإسلام دين ينفرد، بين الأديان العالمية بأربع صفات تؤكد تفوقه دون حاجة لعصبية المتعصبين:

  • ¨ الأديان الأخرى نافية لغيرها ولا تقبلها إلا بحكم الأمر الواقع. الإسلام وحده يقبل التعددية الدينية من حيث المبدأ.
  • ¨ الأديان الأخرى إما مستغرقة في عالم الغيب كالمسيحية أو مستغرقة في عالم الشهادة كالكنفوشية. الإسلام ينفرد باعتراف بعالمي الغيب والشهادة. وإن كان الله هو منزل الوحي من عالم الغيب فهو أيضا مؤسس قوانين الطبيعة في عالم الشهادة.
  • ¨ والإسلام وحده الدين العالمي الذي يشبع الجانب الروحي في الحياة والجانب الاجتماعي. عندما كتب العالم الأمريكي مايكل هارت كتابه بعنوان: المائة . تحدث فيه عن أهم مائة شخص في تاريخ الإنسانية ورتبهم درجات وجعل محمدا (r) أولهم، سئل كيف تقدم محمد وأنت الغربي المسيحي؟ قال تفوق محمد لأنه كان نبيا من الطراز الأول ورجل دولة من الطراز الأول. قدمته لتفوقه في هاتين الصفتين وهما صفتان لا تجتمعان في شخص واحد.
  • ¨ انفراد الإسلام يجعله مهيمنا على الأديان الأخرى. لا بقوة العصبية ولكن بقوة حجج يقبلها منطق التطور الإنساني نفسه.

إن خصوصية الإسلام ليست خصوصية تحكم وتعصب وإصرار ولكن خصوصية تلبية موزونة لكل مطالب الإنسان. مطالب الإنسان العشرة هي مطالب: روحية- مادية- عاطفية- عقلية- خلقية- اجتماعية-بيئية- جمالية- ترفيهية- رياضية.

الإسلام ينفرد بالاعتراف بها جميعا وتلبيتها بصورة موزونة. حقا كما قال تعالى: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم.. الآية)).

 

المناسبة الثانية

ولد الإمام محمد احمد بن عبد الله في يوم 27 رجب من عام 1260هـ الموافق الثاني عشر من أغسطس 1844م، ونحن نذكر هذا المولد ذكرى لدعوته.

كل فرق المسلمين تؤمن بصورة من صور المهدية. هنالك أربع مدارس سنية مهدوية فصلناها في مقام آخر. وهنالك ثلاث مدارس شيعية ومدرستان صوفيتان ومدرسة فلسفية. دعوة الإمام المهدي في السودان تمثل مدرسة سنية خامسة.

هذه المدرسة الخامسة فحواها أن المهدية هي مهمة إحياء الدين بخطاب روحي غيبي خاص يكلف صاحبه تجاوز العوامل التي فرقت الأمة. إنها إمامة كبرى ليست كإمامة الأئمة وخلافة مصطفوية ليست كسائر الخلافات.

هذه الدعوة المهدية الوظيفية تعتمد على خمس ركائز:

  • ¨ الالتزام بقطعيات الوحي من الكتاب والسنة. على حد قول الإمام المهدي: إني عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما. وقوله: ما جاءكم منسوبا إلىّ اعرضوه على الكتاب والسنة فإن خالفهما فاضربوا به عرض الحائط.

وعدم الالتزام باجتهادات المجتهدين على حد قول الإمام المهدي: هم رجال ونحن رجال وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا.

  • ¨ الالتزام بالثوابت في العقائد والعبادات وإيجاب الحركة في مجال المعاملات على حد قول الإمام المهدي: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
  • ¨ إن للدين أغوارا روحية لا يستقيم أمره إلا بها.
  • ¨ الدين يتطلب قيادة لا يؤهلها لذلك حسبها أو نسبها بل بلاؤها وقبول الناس لها على حد تعبير الإمام المهدي: من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين.

يشهد للمهدية صدقها وإخلاصها وأنها وصفت أسس البعث الإسلامي الرصينة لكل من جاء بعدها، وما حققت للسودان إذ حررته، ووحدته، وأكملت حلقات الديانة فيه، وشهرته بين الأمم. ويشهد لها من كتبوا عن المهدية في الإسلام من غير أنصارها. قال الشيح سعد محمد حسن في كتابه المهدية في الإسلام وقد استعرض فيه عشرات الدعوات المهدية، قال: ” حتى ليعد محمد أحمد بحق خير من ادعى المهدية.”

وقال عبد الودود شلبي في كتابه الأصول الفكرية لحركة المهدي السوداني ودعوته: ” كانت حركة تمثلت فيها كل حركات الإصلاح في عصره”.

وقال الشيخ أحمد العوام وهو أحد قادة الثورة العرابية في مصر في كتابه رسالة العوام: واجبنا نصر هذه الدعوة لأنها لبت كل تطلعاتنا في البعث الإسلامي، والتحرير، والتوحيد.

وقال المؤرخ المصري يونان لبيب رزق: كان الشارع السياسي المصري في عهدها مناصرا لها فالشارع السياسي المصري كان يغلب عليه تياران، تيار إسلامي يقوده الشيخان جمال الدين ومحمد عبده والتيار الوطني الذي يقوده العرابيون. وقال إن التي عارضت الدعوة المهدية هي مصر الخديوية وهي كيان رسمي دخيل على مصر لا يحتل المواطن المصري فيه إلا الوظائف الدنيا.

لقد بذرت المهدية بذرة إحياء ديني ضربت جذورها في السودان وما زالت حية حتى بعد أن عصفت القوة الاستعمارية الجبارة بالدولة المهدية في السودان. بقيت الدعوة حية متينة وكتب لها عمر ثان على يد الإمام عبد الرحمن الصادق وها نحن نشهد لها عمرا ثالثا في عصر العولمة.

إن النداءات الثلاثة التي أطلقناها وهي: نداء المهتدين، ونداء الإيمانيين، ونداء الحضارات، هي مقومات المرحلة الثالثة للدعوة المهدية وخطابها لعصرنا الراهن.

إن خير ما نتأمله في ذكرى مولد صاحب العهد هو حيوية دعوته المستمرة أو عطاؤها المتجدد، شابت نواصي الليالي وهي لم تشب. إن حماستها الدافقة لم تطمس قدرتها الدائمة على التجديد.

المناسبة الثالثة

الأسرة السودانية

الأسرة هي لبنة المجتمع وعش الكرامة للإنسان وآية من آيات الوجود. ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك آيات لقوم يتفكرون)).. لقد اختار الإمام عبد الرحمن يوم 27 رجب ليكون عيدا سنويا للأسرة السودانية ومناسبة لعقد الزيجات الجماعية بمهور مخفضة. وهيئة شئون الأنصار درجت على إحياء هذه السنة. ونحن إذ نحتفل بعيد الأسرة هذا العام ينبغي أن نذكر أن الأسرة السودانية اليوم تعاني من أزمة كبرى. هذه الأزمة تظهر في ثمانية مجالات هي:-

  • نسبة الطلاق الآن عالية جدا بحيث تبلغ أكثر من الثلث أي أكثر من 33%.
  • نسبة الرجال للنساء في أوساط معينة في الطبقة الوسطى مختلة داخل السودان وخارجه. ففي الداخل أدى نزوح عدد كبير من الشبان الرجال إلى نسبة نسائية عالية، وفي الخارج أدى نفس السبب إلى نسبة رجالية عالية.
  • نسبة الأسر في نفس القطاع التي تعولها الأم وحدها داخل البلاد في ارتفاع مستمر.
  • آثار الحرب على المجتمع الجنوبي في مناطق العمليات، وفي أوساط النازحين، وفي أوساط المهاجرين واللاجئين كبيرة جدا.
  • فاتورة التعليم والعلاج وقد رفعت الدولة يدها عن الخدمات الاجتماعية صارت فوق إمكان الأسر السودانية.
  • كذلك فاتورة المعيشة تجاوزت إمكانات العائلين للأسر.
  • نسبة الزواج متدنية بصورة مزعجة فاتسع نطاق العنوسة.
  • لولا أن المغتربين والمهاجرين يرسلون دعما لذويهم لانهارت أسر كثيرة ولكن هذه الظاهرة مع ما فيها من فوائد مادية فيها مضار نفسية واجتماعية لأن الاغتراب والهجرة فرقا بين العائلين وأسرهم.

نحن اليوم أقرب للحديث عن مأساة الأسرة السودانية لا عن عيدها!!.. هناك أربعة أسباب أساسية لهذه الأزمة:

  1. أسباب اقتصادية: فارتفاع تكاليف الزواج حالت دونه ومشكلة المعيشة بعد الزواج سببت إعسارا للكثيرين. والتردى الاقتصادي داخل الوطن هو الذي زاد من أعداد المهاجرين للخارج.
  2. أسباب سياسية: كثير من المواطنين فروا من الوطن تجنبا لقهر الأمن، أو تجنبا للتجنيد الإجباري، أو بحثا عن فرص أوسع للمعارضة.
  3. أسباب حربية: فقد أدت الحرب لاستشهاد كثير من الشباب كما أدت لظاهرة النزوح بعيدا من مناطق العمليات بأعداد كبيرة فأدى ذلك لاختلال في الكيانات الأسرية.
  4. أسباب ثقافية: النظام الثقافي الذي كان سائدا في الماضي القريب كان يضع المرأة في مكانة دنيا ويتوقع منها الامتثال لهذا الوضع. عوامل حضرية وتعليمية غيرت نظرة المرأة عن نفسها ولوضعها وصارت المرأة الحضرية والمتعلمة في الغالب ترفض الوضع القديم وتتطلع لوضع فيه مساواة, هذا الوضع الجديد لم يقبله الرجال وإن قبلوه نظريا رفضوه عمليا وإن قبلوه نظريا وعمليا رفضته أسرهم وأمهاتهم وأخواتهم.

المشكلة الاقتصادية لا تحل إلا ضمن التنمية الاقتصادية والإصلاح الاجتماعي الذي يصرف النظر عن الزواج كمناسبة للمباهاة والإسراف إلى مناسبة قليلة التكاليف كثيرة البركة. هذا هو الإصلاح الاجتماعي الذي أسس له الإمام المهدي الذي كان متشددا في خفض تكاليف الزواج كما مدحته الراجزة:

المهدي جاء من دنقلا    قال الفتاة بي فد ريال      والعزبا بالفاتحة!

وهو إصلاح أحياه الإمام عبد الرحمن كما مدحته الراجزة:

ود المهدي ينصلح

الضوقنا بوخة الطلح

أما المسألتان السياسية والحربية فلا سبيل لحلهما إلا في إطار اتفاقية سلام عادل توقف الحرب، واتفاق سياسي يتجاوز الشمولية ويقيم نظاما ديمقراطيا حرا.

أما المسألة الثقافية فربما رأى البعض حلها بالعودة لما كان عليه الحال سابقا من وضع دوني للمرأة. وهذا مع حركة التعليم، والإعلام، والتحضر، والانفتاح للعالم، محال.. المطلوب هو إحداث إصلاح ثقافي يحرر المرأة ويقر لها مكانة إسلامية وعصرية.

ليس في نصوص الإسلام القطعية ما يمنع أن تكون المرأة مسلمة وعصرية وقد أوضحت ذلك بالشواهد في كتابي: المرأة وحقوقها في الإسلام، كما أوضحه آخرون مثل السيد جمال البنا في كتابه: المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء.

في القرآن آيات بينات تنص على مكانة المرأة والمساواة الإنسانية والإيمانية بينها وبين الرجل:

  • (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون علن المنكر.. الآية).
  • (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. الآية.)
  • (فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض.. الآية).

هناك نصوص في الكتاب والسنة تفرق بين الرجل والمرأة وهي تفرقة وظيفية هدفها أن تحقق التكامل بينهما في نطاق الأسرة وفي المجتمع ولا يجوز أن تتخذ حجة للتمييز ودونية المرأة.

لقد سيقت لذلك تفاسير وأحاديث موضوعة مثل أحاديث: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، والنساء ناقصات عقل ودين وغيرها.

حديث “لا يفلح قوم..الخ”، رواه عبد الرحمن ابن أبي بكرة وهو أحد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة الزنا ولم يعزز شهادتهم الرابع فسقطت وجلدوا وصاروا ساقطي الشهادة بموجب الحد. وهو حديث لم يذكره إلا قبيل واقعة الجمل ليبرر موقفه ضد المشاركة مع السيدة عائشة أي أن له غرض سياسي. وبعض من صححوا الحديث ربطوه بمناسبة ولاية بوران بنت كسرى والحقيقة التاريخية التي يرويها الطبري أنها أحسنت الحكم وأصلحت أهلها.

أما حديث ناقصات عقل ودين فهو مناقض للنصوص القرآنية المذكورة ومناقض لسيرة النبي (r) فقد استشار السيدة خديجة والتزم بمشورتها واستشار السيدة صفية والتزم بمشورتها وقال ما قال في السيدة عائشة ورواية العلم.

وأما قولهم إن المقصود بعقل هو الدية بمعنى أن ديتها ناقصة عن دية الرجل. وأن نقص الدين يشير للترخيص لها في عدم الصلاة والصلاة والصوم أثناء الحيض فتفسير معيب. فبالنسبة للدية النص القرآني الحكم هو النفس بالنفس. أما بالنسبة للحيض فهذا جزء من ضريبة الأمومة التي تدفعها المرأة والرخصة لها أثناءها كالرخصة للمريض لا يترتب عليها نقص في العبادة بل بسبب الأمومة وما تعانيه المرأة في سبيلها قال النبي (r) ما قال لمن سأله من أحق الناس ببري يا رسول الله ؟ قال له: أمك، ثم من؟ فقال له: أمك. ثم من؟ قال له أمك . ثم من؟ قال له: أباك. هذا الإعلاء لشأن الأمومة معناه أن يكون لنا تقدير فيما تعانيه المرأة في سبيلها.

خلاصة القول: في الأسرة السودانية اليوم أزمة حادة والمطلوب أن نستوضح أسبابها نظريا وأن نعمل بكل ما نستطيع لعلاجها لأن الأسرة هي لبنة المجتمع الأولى فلا يصلح إلا بصلاحها.

 

المناسبة الرابعة

درجنا على الحديث عن أحد موضوعات الساعة داخليا كان أو خارجيا. واليوم فإن أحداث 11 سبتمبر و7 أكتوبر قد أحدثت دويا دوليا هائلا ينبغي أن نستوضحه ونحدد موقفنا منه.

أبدأ حديثي بمقدمة من نقطتين:

النقطة الأولى: إن بين حضارتنا الإسلامية العربية والحضارة الغربية سجالا تاريخيا أورثنا وأرثهم توترا حادا.

  • ¨ كانت الحضارة الغربية تاريخيا تتوجس خيفة من حضارة انطلقت من الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ودحرت القوى الدولية المسيطرة آنئذ، وأظهرت حماسة دينية وسياسية منقطعة النظير، واستطاعت أن تستصحب ثقافات وحضارات الشرق الأوسط القديم بصورة مذهلة، وأقامت حضارة هيمنت سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا على الربع المعمور من العالم، وكان ضمها لإقليم الحضارة الغربية سياسيا متوقعا بعد أن هيمنت عليه ثقافيا.

لقد كانت الحضارة الغربية ثلاث مرات أثناء الألف عام الماضية أمام احتمال إحاطة الحضارة الإسلامية بها. هذه الحقائق خلقت في أذهانهم مخاوف على هويتهم وعلى مصالحهم.

ولكن في الثلاثة قرون الماضية تبدل حال الحضارة الغربية وبفعل ثلاث ثورات: سياسية، واقتصادية، وعلمية طفرت حضارتهم طفرة نوعية وتحققت لها قوة اقتصادية وعسكرية مكنتها من الهيمنة على 84% من المعمورة حتى عام 1914م والرقعة زادت بعد ذلك نتيجة لتصفية الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

صار السلطان الغربي سلطانا عالميا وتحكمت إمبراطورياته الاستعمارية على العالم فأدى ذلك لمواجهات مع كل حضارات وثقافات الإنسان الأخرى لاسيما الإسلامية.

وحتى بعد تصفية الإمبراطوريات الأوروبية التقليدية بعد الحرب العالمية الثانية مارست الولايات المتحدة إلى جانب الاتحاد السوفيتي هيمنة غير مباشرة على العالم. كما أن تصفية الإمبراطوريات الأوروبية أبقت على بعض البؤر المشتعلة التي تسببت فيها أخطاء تلك الإمبراطوريات مثل: مشكلة فلسطين- مشكلة كشمير- مشكلة جنوب السودان وغيرها.

لقد زاد توتر العلاقة بين الغرب والآخرين أمران:

  • المواجهات الناجمة عن البؤر الملتهبة.
  • العلاقات غير المتكافئة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية.

هذان العاملان تراكما فوق عوامل التوتر التاريخية فسمما العلاقات بين المسلمين والحضارة الغربية وعزز هذا التوتر عاملان آخران هما:

  • الحضارة الغربية في نظر كثير من أهلها هي أخر حلقة في رقي الإنسان وتمثل مستقبل الإنسانية.
  • والإسلام في نظر كثير من أهل الملة يمثل آخر حلقة من حلقات الوحي وموعود أن يصير دين الإنسانية ومستقبلها.

النقطة الثانية: حتى عام 1648- صلح وستفاليا- اتخذ النظام السياسي الغربي نمطا جديدا: الدولة القومية. كان حكام الدول القومية الأوروبية هم الملوك والأمراء. ولكن في عام 1879م اندلعت الثورة الفرنسية وانتقلت السلطة السياسية للشعوب حتى في البلدان التي أبقت على الملكية تراجعت سلطات الملوك لصالح برلمانات وحكومات منتخبة. واستمرت هذه الدول القومية الملتزمة بدرجات متفاوتة من الديمقراطية حتى عام 1914م . ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى وقبل نهايتها انطلقت الثورة الشيوعية في روسيا ثم انطلق النظام الفاشستي في ألمانيا وإيطاليا وصارت أوروبا خاضعة لنظم أيديولوجية تصارعت فيما بينها وحاولت تغطية العالم كله. صراعا استمر حتى عام 1991م حينما انهار النظام الشيوعي الأوروبي وتراجع الصراع الأيديولوجي وبرز صراع الحضارات والثقافات. وتعبيرا عن هذا المناخ الجديد كتب صمويل هنتنجتون كتابه عن صراع الحضارات المحتمل. وأنذر أمين عام حالف ناتو في 1992م أن الإسلام هو العدو الاستراتيجي للغرب الذي سوف يحل محل المعسكر السوفيتي.

وفي عام 1989م أثناء الاعتقال كتبت كتاب تحديات التسعينات وفيه قلت إن في حضارتنا تيارين تيار انكفاء ينطلق من تصور ماضوي لنهضة البلاد الإسلامية ويعد العدة لمواجهة الغرب. وتيار الصحوة وهو ينطلق من تصور مستقبلي لنهضة البلاد الإسلامية ويعد العدة لاستصحاب الحداثة وللتعايش الندي مع الحضارة الغربية. وقلت أن في الغرب كذلك تيارين: تيار الهيمنة الذي يعد العدة للانفراد بالسيطرة على العالم وتيار الاستنارة الذي يدرك استحالة الانفراد بالسيطرة على العالم ويعد للتعامل العادل مع الحضارات الأخرى في سبيل بناء نظام دولي أعدل وأفضل.

هذا ما قلته عام 1989م واليوم فإن أحداث 11سبتمبر في واشنطن ونيويورك وأحداث 7 سبتمبر في أفغانستان وضعتنا ووضعت الغرب أمام اختبارات حقيقية. فيما يلي استعرض ما قد يحدث في سبع نقاط:

الأولى:بين الهيمنة والانكفاء:

إذا سيطر في الغرب تيار الهيمنة، وسيطر على أوضاعنا تيار الانكفاء فإن العالم سوف يشهد مواجهة ظلامية يستخدم فيها الغرب أسلحة الدمار الشامل ويستخدم الآخرون أسلحة الضرار الشامل.

الثانية:تقييم مواقف طالبان والقاعدة:

إن نظام طالبان مهما تعاطف البعض مع نواياه لا يمثل موقف أغلبية المسلمين. وإن تنظيم القاعدة مهما تعاطف البعض مع مقاصده الاحتجاجية لا تمثل أساليبه رأي أغلبيتنا. والتحالف بينهما لا يصلح جبهة تعبر عن موقف المسلمين وحتى إذا كنا نرى أن المواجهة حتمية فإن موازين القوى تجعل الوقت غير ملائم للمواجهة الآن. فاختيار الوقت المناسب جزء لا يتجزأ من سلامة القيادة والحكمة المطلوبة:

  • فالنبي (r) رجع من الحديبية وعقد صلحا واختار الإعراض عن المواجهة.
  • وعندما اختار خالد بن الوليد سحب جيش المسلمين من مؤتة تقديرا لميل توازن القوة لصالح الروم، وأطلق بعض المسلمين في المدنية على الجيش المنسحب وصف الفرار، وصفهم النبي (r) بالكرار لآن ما فعله خالد ادخر جيش المسلمين لوقت أفضل.
  • وعندما اقترح الإمام علي على معاوية أن يبارزه لحسم الأمر بينهما امتنع معاوية فسأله عمرو بن العاص: أشجاع أنت أم جبان؟ قال معاوية:

شجاع إذا ما راودتني فرصة          فإن لم تكن لي فرصة فجبان !!

  • كل المواجهات التي تمت بين الحكم الثنائي وانتفاضات الأنصار كانت غير متكافئة. بل كان الحكم الاستعماري مستعدا لمواجهة هذه الاحتجاجات عسكريا ليقضي عليها هكذا كان الحال في الشكابة عندما أرسل المستعمرون قوة للخليفة شريف ومن معه من أسرة المهدي فصاح أحد الأنصار صيحة القتال: الدين منصور وتذرع قائد القوة بهذا الموقف وأباد الموجودين. لذلك أختار الإمام عبد الرحمن أسلوبا آخر ناجحا.

طالبان والقاعدة لا يمثلان اجتهادا إسلاميا صائبا ولا معبرا عن موقف أكثرية المسلمين. وحتى إن كان صائبا فالوقت الذي اختاروه غير مناسب.

هل معنى التخلي عن موقف القاعدة وطالبان تأييد الولايات المتحدة؟ الجواب: لا ثم لا.

النقطة الثالثة:الموقف من أمريكا

موقفنا نحو أمريكا عبر حياتنا السياسية كان موقفا عقلانيا ليس فيه تبعية كما ليس فيه تصيد للعداء:

  • ¨ أمريكا نقمت علينا موقفنا من إيران ومن ليبيا أثناء فترة حكمنا في الديمقراطية الثالثة.
  • ¨ واتخذنا موقفا ناقدا حادا للسياسة الأمريكية نحو السودان في أواخر عهد الرئيس الأمريكي كلنتون.
  • ¨ ونجهر بنقدنا للسياسة الأمريكية ونعتبرها معيبة في كثير من الوجوه:
  • سياسة أمريكا الخارجية غير متوازنة وتتحكم فيها اللوبيات وجماعات الضغط التي تحركها مصالح ضيقة.
  • ونعيب على السياسة الأمريكية أنها تعاملت بطريقة غير سوية مع بؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط لا سيما: مشكلة فلسطين ، وإيران، والعراق، وليبيا، والسودان. وغيرها.
  • ونعيب على السياسة الأمريكية ازدواج المعايير بحيث تحمى أصدقاءها من قرارات الأمم المتحدة وتتحمس لتطبيق قرارات الأمم المتحدة على الآخرين.
  • نعتبر الموقف الأمريكي من كثير من القضايا العالمية الهامة دون المستوى المطلوب من المسئولية:
  • أجهضت أمريكا حوار الجنوب/ الشمال الذي كان يهدف للاتفاق على نظام اقتصادي عالمي جديد في الثمانينيات.
  • عارضت أمريكا ست اتفاقيات دولية تهدف لترتيب أفضل لأوضاع العالم مثل: اتفاقية الألغام الأرضية- معاهدة حماية البيئة الطبيعية (معاهدة كيوتو)- معارضة اتفاقيات الحد من التسليح المختلفة- معارضة تكوين المحكمة الجزائية الدولية. (لكن أمريكا وقعت عليها قبل ثلاث ساعات من آخر موعد محدد لذلك ‍!!)
  • تسخير أمريكا لمجلس الأمن لصالح سياساتها وعدم احترام الأمم المتحدة بالقدر الكافي وعدم تسديد التزاماتها نحوها.
  • ممارسة القصف لأهداف مدنية أثناء الحروب.
  • التعامل مع الآخرين بتعال.
  • وجود فجوة شاغرة بين قوة أمريكا المادية ووزنها المعنوي وهي فجوة أشار إليها أحد كبار الاستراتيجيين الأمريكان زبيقنيو برزيزنسكي Zbigniew Brzezinski في كتابه عن العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة قال: إن للولايات المتحدة تفوقا هائلا في المجالين الاقتصادي والاستراتيجي ولكن يعاني المجتمع الأمريكي من نقاط ضعف معنوية هائلة لا تسمح له بممارسة دور قيادي في العالم ما لم تعالج تلك النقاط.

النقطة الرابعة: عشر خسائر إذا تبعنا القاعدة وطالبان:

ماذا لو أننا تبعنا القاعدة في أساليبها وطالبان في نهجها؟ إننا إذا فعلنا ذلك خسرنا خسائر بالغة أهمها العشرة الآتية:

  • أثبتنا وجود عداء بين الإسلام وبين العصر.
  • سمحنا لأعداء الإسلام بوصفه بأنه استبدادي في الحكم وإرهابي في المعارضة.
  • اتخذنا نهجا يهدم الوحدة الوطنية داخل البلدان الإسلامية حيث يوجد مواطنون غير مسلمين.
  • اتخذنا نهجا حزبيا في فهم الإسلام يخلق تفرقة حادة داخل الجسم الإسلامي نفسه.
  • فتحنا بابا “مشروعا “للتدخل الأجنبي فإن من يهاجموا بأساليب بن لادن سوف يلاحقون المهاجمين.
  • منحنا إسرائيل ما تريد من أسباب لإقناع الغرب أن يقف كله مع أساليبها الاستئصالية للعرب وللمسلمين وأن يعتبرها خبيرته للتعامل مع العرب والمسلمين.
  • تحويل وجود المسلمين الكبير في الغرب إلى وجود محاصر ويضرب حولهم “غيتو” على نحو ما كان يفعل باليهود في عهود اضطهادهم في الغرب.
  • إشقاء الشعوب الإسلامية على نحو ما شقي الشعب الأفغاني باستبداد طالبان وأساليبهم الفظة.
  • عزل الإسلام دينيا، وحضاريا، ودوليا، بل إعطاء العالم غير المسلم كله حجة لاعتبار الإسلام عدو السلام والحضارة.
  • سمو عقائد الإسلام الروحية والخلقية وتسامحه الاجتماعي والديني وعدالته هي العوامل التي جعلته أوسع الأديان انتشارا في كل القارات حتى بين الفئات المثقفة في الغرب من أمثال مراد هوفمان وموريس بوكاي وروجي جارودي وغيرهم، إذا صار موقف الإسلام هو موقف القاعدة وطالبان فسوف يصبح الإسلام طاردا ويقف تمدده.

النقطة الخامسة: ينبغي أن نميز موقفنا- موقف الإسلام- تماما من نهجي القاعدة وطالبان. كما نميز موقفنا من التبعية للسياسات الأمريكية. ينبغي أن نقر أن لأمريكا أو غيرها إذا تعرضت لهجوم إرهابي حق الدفاع عن النفس على أن يكون موجها ضد الجناة الفعليين وألا يصيب الأبرياء

وعلينا ألا نسمح للأجندة الدولية أن يكتبها المهووسون بالهيمنة الدولية والمهووسون بالتوجه الإسلاموي المنكفئ بل يكتبها العقلاء وتتكون في المرحلة الحالية من الآتي:

أولا- الدعوة لمؤتمر دولي لضبط مفهوم الإرعاب (الإرهاب) وأساليب مقاومته. فالتعريف الصحيح هو أن الإرعاب (الإرهاب) هو الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ومفرداته:

  • الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق تلك الأغراض ضد السلطة الشرعية.
  • أو ضد المجتمع المدني.
  • استخدام السلطة للعنف ضد معارضيها مثل ما يحدث في حالة التعذيب.
  • العنف الذي تمارسه السلطات المحتلة ضد حركات التحرير.
  • ممارسة العنف التي تخرق قانون الحرب في حالات الاقتتال.

ثانيا: نعم لدفاع أمريكا عن نفسها على ألا يمس هذا الدفاع الأبرياء فإن مسهم فإنهم يصبحون ضحايا عمل إرهابي ويصبح الدفاع عن النفس عقابا غير مشروع للأبرياء.

وينبغي التحرك الفاعل والمطالبة بالآتي:

  • إلغاء العقوبات الأمريكية المطبقة على إيران وليبيا والسودان.
  • وضع حد لحصار العراق لأنه لم يحقق سوى عذاب المدنيين في العراق والعمل على التزام العراق بقرارات الأمم المتحدة بوسائل أخرى.
  • مطالبة الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة بموقف واضح من إسرائيل لكي تلتزم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن الحقوق الفلسطينية والعربية.
  • رفض تمديد الحرب ضد أفغانستان لتشمل أهدافا أخرى وضبط الحرب ضد الإرعاب (الإرهاب) بموجب قرارات المؤتمر الدولي المذكور فلا يترك الأمر لقرارات دولة أو دولة وحلفائها بل لقرارات دولية.

النقطة السادسة: مؤتمر إسلامي جامع

ينبغي الدعوة لمؤتمر إسلامي جامع لبحث وحسم ثلاث قضايا هامة هي:

  • تحديد كيفية التعامل المنهجي مع التراث الإسلامي ومع العصر الحديث تحت عنوان: تحقيق تأصيل دون انكفاء وتحديث دون تبعية.
  • وضع منهاج لواجب تطبيق الشريعة يقوم على أساس اجتهادي ويراعي ظروف العصر ويستفيد من التجارب المعاصرة في هذا المجال لتجنب ما وقعت فيه من أخطاء خطيرة.
  • تحديد أساليب الدعوة المشروعة للإسلام: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، وضبط مفهوم الجهاد: الجهاد ماض إلى قيام الساعة، وهو بذل الوسع كله وبكل الوسائل لإعلاء كلمة الله، ولا يكون قتاليا إلا دفاعا عن النفس أو مقاومة للاضطهاد الديني (الفتنة) أو مقاومة للاحتلال. على أن تعلنه في هذه الحالات قيادة مؤهلة ولا يكون مطية لأصحاب الهوى.

هذا المؤتمر مطلوب انعقاده  بإلحاح على أن يكون صحيح التمثيل للأمة لتحديد موقف إسلامي اجتهادي واسع القبول واضح التمييز من نهج القاعدة وطالبان.

النقطة السابعة: نداءات العصر

استعدادا لمثل هذا المؤتمر لقد طرحنا ثلاثة نداءات للمسلمين، وأهل الملل، والحضارات، هي:

  • نداء المهتدين: وهو تحديد لتعامل منهجي مع التراث يوجب الالتزام بالقطعيات، والاجتهاد فيما عداها. ويحدد كيفية التعامل المنهجي مع الوافد من الخارج بحيث يستصحب النافع ويرفض الضار. ويحدد النداء أسسا للحوار بين المسلمين مقترحة من أنصار الله لقبولها أو تعديلها.
  • نداء الإيمانيين: وخلاصته:
  • تأكيد ضرورة الدين للحياة.
  • تأكيد ضرورة العلم للحياة.
  • القول بأن استصحاب العلم ضرورة إنسانية.
  • تأكيد أن مجال الدين هو الروحانيات والأخلاق وأن مجال العلم هو المشاهدات والتعايش بينهما ممكن بل واجب.
  • أن الإنسان سوف يتمسك بانتمائه الثقافي والتزامه الديني وأن إفراغ الحياة منهما محال، كما أن فرض دين واحد أو حضارة واحدة على العالم بالقوة محال. لذلك ينبغي التعايش السلمي بين الأديان والحضارات وهذا ضروري للسلام والتعاون الدوليين.
  • إن العولمة مرحلة متقدمة من الاتصال العالمي والنشاط الاقتصادي والتجاري وأن لها إيجابيات وسلبيات. ومن سلبياتها المجاعة الروحية والخلقية والتسطيح الثقافي. وإن المطلوب من الإيمانيين الاتفاق على أسس التعايش بينهم عبر حوار حر وعلى تعامل راشد مع العولمة.
  • نداء الحضارات: وخلاصته:
  • إن تاريخ الحضارات في تأرجح بين لقاح وصدام.
  • إن الحضارة الإسلامية هيمنت على العالم المعمور لألف عام ثم قفزت الحضارة الغربية للصدارة. مراحل ومظاهر الهيمنة الغربية كانت: الاستعمار- الحداثة- العولمة.
  • ومهما كانت هيمنة الحضارة الغربية فإنها لم تستطع أن تلغي الحضارات الأخرى ولن تستطيع فانتماءات البشر الدينية والثقافية والحضارية مستمرة .
  • الخيار الأفضل في التعامل بين الحضارات هو التعايش السلمي.

ولكي يحدث التعايش المطلوب:

  • تنوير ثقافي وحضاري عبر إصلاح ثقافي داخل الحضارات المعاصرة.
  • اتخاذ الحضارة الغربية ذات الصوت الأعلى الآن موقفا مستنيرا يعترف للحضارات الأخرى لا سيما الإسلامية بدورها في تكوين الحضارة الغربية نفسها، ويعترف بما للحضارات الأخرى لا سيما الإسلامية من عطاء في حاضر ومستقبل الإنسانية.
  • هذا التوجه المستنير المتبادل هو مدخل الحوار والتعايش المطلوب لحياة أعدل وأفضل في العالم وإن تخلف ذلك فإن الصراع بين نزعات الهيمنة والانكفاء سوف يحشر العالم في عهد ظلامي جديد يدمر الإنسان والإنسانية.

إننا نوجه هذا الخطاب بكل ما جاء فيه لأهل السودان ثم لأهل القبلة ثم للإنسانية فالعالم اليوم متجاور جوارا لم يشهده في تاريخه وعلى الجيران أن يضعوا أسسا معقولة ومستدامة للتعامل بينهم، هذا أو الطوفان، والله المستعان.

 

 

[1] سورة يونس آية 16

[2] سورة الشورى آية 51