نتائج صفرية وكسبية في العلاقات الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم

نتائج صفرية وكسبية في العلاقات الأمريكية

12 فبراير 2007م

 

استلمت الحضارة الغربية مشعل الحضارة العالمية من الحضارة الإسلامية وحققت انجازات رائعة:

  • إقامة الحكم على أساس يكفل الحريات العامة ويحقق المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.
  • التنمية المطورة للتكنولوجيا والمسخرة لطاقات الطبيعة لتحقيق إنتاج وافر.
  • حرية البحث العلمي والتكنولوجي.
  • أجهزة عسكرية، وشرطية وأمنية، متطورة وبقدرات مهنية عالية وخاضعة للقرار المدني المنتخب.

ولكنها محملة بخطأين كبيرين:

  • تهميش الجوانب الروحية، والأخلاقية، والبيئوية.
  • افتراض دونية الحضارات الأخرى وفرض سلطانها على أهلها.

خاض الغرب في القرن العشرين حروبا غير مسبوقة الدموية والعنف، ثم اشتبك المعسكران الشرقي والغربي بحرب باردة انتصر فيها الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

جماعة أمريكية تسمت “لجنة من أجل قرن أمريكي جديد” نظّرت لحتمية الهيمنة الأمريكية على العالم. هؤلاء تتلمذوا على الفيلسوف الألماني المولد ليو شتراوس ورؤاه أن الديمقراطية الأمريكية تفتقد الغائية، مسكونة بالملذات، ومحتاجة لأيديولوجية يتماسك حولها الشعب ويحقق بموجبها تفوقه العالمي.

تزامن هذا مع تطورات داخل الكنائس البروتستنتية التي يدين بها أغلبية الأمريكان وهي ثلاث مجموعات: أصوليون، ولبراليون، وإنجيليون “ايفانجليكان”. البروتستانت اللبراليون هم حملة مشعل الاستنارة المسيحية وكان تحالفهم مع المدارس اللبرالية العلمانية وراء السياسات الأمريكية المستنيرة التي دعمت سياسات روزفلت، وترومان، وغيرهما. ولكن منذ ثمانينات القرن العشرين، انبعثت الأصولية في كل الأديان. وفي المسيحية تزايدت شعبية الأصوليين والإنجيليين على حساب اللبراليين، وعبر حملات إعلامية منظمة ارتفعت نسبة الإنجيليين من 41% إلى 59% في الفترة 1960- 2003م.

أهم عقائد  الإنجيليين أن نجاة الإنسان تعتمد على “مولده الثاني” بإيمانه بافتداء السيد المسيح للإنسانية ومسح خطيئتها الأولى مصلوبا.  وأن نبوءات العهد القديم “التوراة” صحيحة، وأن لليهود دورا هاما في التاريخ تأكيدا لصحة وعد الله لإبراهيم عليه السلام بجعل ذريته أمة عظيمة يباركها ويلعن لاعنيها. وأن صمود اليهود آلاف السنين وإقامتهم لدولة إسرائيل بالأرض الموعودة وانتصاراتها الباهرة دلائل على البركة الإلهية، وأمريكا مباركة بمباركتها لإسرائيل، وهزائم العرب المدهشة دلائل على اللعنة الإلهية.. هؤلاء المهووسون سيما البيض منهم صوتوا لانتخاب جورج بوش بنسبة 68% في انتخابات عام 2000م وبنسبة 78% في انتخابات عام 2004م.

تضامن أصحاب أجندة القرن الأمريكي الجديد، مع الإنجيليين، لدعم الرئيس بوش وتوجيه سياساته نحو الانفراد والهيمنة والتحالف مع اليمين الإسرائيلي خاصة بعد حوادث 11/9/2001م.

نصوص الإسلام القطعية تؤكد الاعتدال والتسامح والاستنارة. كثير من علماء ومفكري الغرب اعترفوا بذلك ونسبوا استنارة الغرب نفسها للإسلام. قال روبرت بريفلوت إن الحياة الإنسانية الجديدة التي بزغت في الغرب كانت نتيجة مباشرة لإشعاع الحضارة الإسلامية، وقال منتجمري واط بأن دين  الغرب للإسلام كبير وشامل، وقائمة المعترفين بالفضل طويلة.

ولكن المسلمين بعد ذلك انحطوا ووقعوا فريسة للاستعلاء والاستغلال الغربي. وصار كثير منهم يشكون من الإذلال، والاحتلال، والاستغلال، والانحلال الذي تروج له ثقافة الغرب. هذا كامن وراء حركات المقاومة والعنف العشوائي”الإرهاب” التي انطلقت في المنطقة العربية الإسلامية.

منذ عهد بعيد نما فهم بين المسلمين يعتبر آية السيف ناسخة لكل آيات التسامح بالقرآن، والخيار لغير المسلمين:الإسلام أو الجزية أو القتل. أدلى الأستاذ محمد قطب بإحدى ديوانيات الرياض عام 2003 برأي يؤيده آخرون: الغرب شر كله، ويعادي الإسلام عداءا صليبيا، والحماقات الغربية والصهيونية الحادثة الآن حميدة لإظهارها للحقائق، وإيقاظها للغافلين القائلين بالاعتدال.

الاعتدال يخافه الإسرائيليون أيضا. وكانوا أول المروجين لمقولة إن العدو القادم للغرب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو الأصولية الإسلامية. والآن لمقولة إن الإسلام يغزو أوربا من الداخل. هذا فحوى كتاب “يوريبيا” المنذر بما سمته المؤلفة بات يائور بتمدد عالم “ذمي” يضم أوربا، وعلى هذا النمط كتب آخرون مثل كتاب بروس بوَّر “الغفلة الأوربية: كيف يدمر الإسلام المتشدد أوربا من داخلها”.

ما بين هذين التيارين الغربي (الأمريكي) والإسلامي المفاصلة أو التامة والمعادلة الصفرية والطرفان بين قاتل ومقتول.

أماني الاستعلاء الأمريكي تشهد تحديا قويا:

  • المغامرات العسكرية لا سيما في أفغانستان والعراق فشلت.
  • دور الشرطي العالمي باهظ التكاليف، جعل أمريكا أكبر دولة مديونة. ويضع قيودا على مغامراتها الخارجية.
  • صمود المقاومة الفلسطينية. وتصدي المقاومة اللبنانية أبطلا سحر إسرائيل وكشفا حدود قدراتها العسكرية.
  • وأسوأ أثرا من عجز إسرائيل ودعم أمريكا لها عسكريا، استخدامها للقنابل العنقودية، والفسفورية، والأسلحة النووية المجرّم استخدامها دوليا ويناقض القانون الدولي (القنبلة العنقودية محرمة لبشاعتها فالقذيفة الواحدة تحتوي على 644 رمانة تنتشر بمساحة كيلومتر مربع ويبقى حوالي 33% كامن ليتفجر مستقبلا كالألغام. القنبلة الفسفورية سلاح كيميائي يحرق الجسم الإنساني. واليورانيوم يتسبب بإشعاع سام) مما سيجلب عزلة وإدانة للموقف الإسرائيلي الأمريكي من حرب لبنان.
  • الشعوب الأوربية منذ 2004م تمردت على القيادة الأمريكية كما ظهر باستطلاعات الرأي والانتخابات، وستزداد.
  • دول وشعوب أمريكا اللاتينية انتفضت انتخابيا ضد الهيمنة الأمريكية بفنزويلا، وبوليفيا، والبرازيل، والأرجنتين، ونيكاراجوا.
  • جاء تقرير بيكر هاملتون في جوهره شاجبا السياسة الأمريكية بالعراق موصيا باستبدالها. والانتخابات التشريعية بنوفمبر 2006م سجلت رفضها شعبيا.

أهم مكونين للرأي العام العربي الإسلامي الآن: الرأي الرسمي للدول، ورأي الغلاة للقاعدة وأخواتها.

ولكن هنالك الآن صحوة شعبية وسطية ترفع شعاراتها حركات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني، تشجب العجز الرسمي، وتدين أساليب الغلاة، وترفض هيمنة الغزاة، وتعمل لتحقيق تعبئة شعبية واسعة ومشاركة ديمقراطية فاعلة تجعل حركة الشعوب زحفا مجسدا لتطلعاتها وتجعل الحكومات أصدق نطقا وعملا باسم شعوبها.

هذا التيار المبارك هو القادر على تعبير مجد وفعال عن مثل ومصالح الأمة وهو القادر على  التحالف مع التيارات المستنيرة في العالم بما في ذلك الغرب لا سيما أمريكا وشعبها المتحرر من قبضة الهوس الاستعلائي الوشيك أفوله.

هذا هو تحالف المعادلة الكسبية التي يربح طرفاها وتربح معهم الإنسانية كلها.

معسكر الهيمنة المعتمد على فهّاماته الصهيونية أدرك بطلان أطروحاته، وإخفاق سياساته، ومحدودية جدوى ترساناته النارية. فاتجه للحيلة الإمبريالية القديمة: فرق تسد، ووجد في المخاوف والحوادث السنية والشيعية المتفجرة في العراق، ولبنان، ويوشك انفجارها على نطاق واسع؛ ضالته في صدام داخل الجسم الإسلامي.

قال نكسون في كتابه “نصر بلا حرب” 1999م مشيرا لحرب  الخليج الأولى (1980-1989): “إذا كان للمرء أن يتمنى حربا وألا ينتصر فيها أحد فإنها هذه الحرب!”.

المسرح الآن يعد لمهزلة مأسوية مماثلة لتندفع الأمة بحروب باردة وساخنة تدمر مثل وأهداف أهلها وتجعلهم مطايا لمقاصد أعدائهم..

يا أهلنا انتباه!!.