نحو إسهام في الحضارة المعاصرة

بسم الله الرحمن الرحيم

نحو إسهام في الحضارة المعاصرة

القيم الإسلامية ودورها في إيجاد بيئة حيوية للعلم والعلماء

الإمام الصادق المهدي

25 أغسطس 2007

مقدمة:

في سبعينيات القرن العشرين كتب سخاروف عالم الفيزياء النووية السوفيتي كتابا بعنوان بلادي والعالم قال فيه “لقد أولت دولتنا اهتماما خاصا بتدريس العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، وصارت أعداد الخريجين في هذه التخصصات متفوقة على سجلات الدول الأخرى، وحررت أيدلوجيتنا العقول من أوهام الغيبيات، ورغم ذلك ففي كافة المجالات: في علوم الطبيعة، وفي الطب، وفي الهندسة، وفي ميادين التكنولوجيا وثمارها من اكتشافات واختراعات، فإن المجتمعات الغربية هي التي تفوقت علينا فما السبب؟” ورد بقوله “سر التفوق الغربي هو التنافس والحرية”.

ثلاثة شروط لازمة لإيجاد بيئة حيوية للعلم والعلماء هي: نظام سياسي يكفل حقوق الإنسان، ونظام اقتصادي يوفر الإمكانات المادية، ونظام ثقافي يكفل حرية البحث العلمي.

إذا استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدناه اتسم في مرحلة معلومة بموقف سياسي حرر السلطة السياسية من القهر الفارسي والروماني لأن مرجعية السلطة صارت الشورى لا الحق الإلهي. والشريعة الإسلامية كفلت للناس حقوقا راسخة: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل،  وتحقق استقرار سياسي نمت في ظله سوق حرة شجعت الاستثمار في كافة المجالات والتجارة وتبادل المنافع والخدمات على أوسع نطاق. ونمت تيارات تعترف بقدرات الإنسان وتنادي بحرية الاختيار والعقلانية لدرجة أثمرت عطاء الفلاسفة: الكندي، والفارابي، وابن سينا، إٌلى آخر المنظومة. وأثمرت في علم الكلام مدرسة المعتزلة، وفي الفقه أثمرت المذهب الحنفي أول المذاهب وأكثرها قولا بالرأي. لا غرو أن واكب هذه الثمار تطور في كافة المعارف الإنسانية الدينية، والأدبية، والتاريخية، والطبيعية، والتكنولوجية، فشهدت فيها عصرا ذهبيا.

ولكن عوامل مختلفة أطاحت بهذا النبوغ وقيدت العطاء الإنساني واستنسخت في مكانه أوضاعا شبيهة بالقرون الأوربية الوسطى. تاريخنا تراجع من الواسع إلى الضيق.

كانت القرون الأوربية الوسطى تجسيدا لسلطان الكنيسة على العقول والقلوب. ولسلطان الحكام المستبدين على المصالح والأبدان. الكنيسة وحكم الاستبداد فرضا على الناس وصاية قيدتهم تماما، ولكن أربعة عوامل هي التأثير الإسلامي، وثلاث ثورات سأفصلها فيما بعد حركت أوربا وعبرت بها نحو العصر الحديث وما فيه من إنجازات رائعة. تاريخهم تحرك صعودا من الضيق إلى الواسع.

إن للتحرك الفكري، والحراك الاجتماعي، شروطا ما لم تتوافر فإنه لن يحدث. شروطا كان أول من طرق بابها بالنسبة للمجتمعات القديمة ابن خلدون، وسوف نفصلها لاحقا بالنسبة لواقعنا المعاصر.

مفردات التاريخ الحديث كما نعيشه اليوم أفرزتها الحضارة الغربية فصاروا هم حداة الركب التاريخي وتخلفنا نحن إزاءها فصرنا خلف الركب.

صرنا خارج التاريخ، لكن هذا الركب الذي حددت مفرداته الحضارة الغربية ناقص، تنقصه ثلاثة عوامل هامة هي: الغائية الروحية والخلقية، والمقاصد البيئوية، والعدالة.

التحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو أن نلحق بالتاريخ وأن نكمل نقائصه.

فيما يلي من نقاط سبع أبسط أطروحتي لمواجهة هذا التحدي.

النقطة الأولى:

أنزل الله كتبا مقروءة نعرف بعضها ولا نعرف بعضها. وكان القرآن خاتمها وفيه فصلت حقائق الوحي (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[1]… وخلق الله كتابا مشهودا هو الكون وآياته هي سنن الطبيعة التي قال عنها خالقها  (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[2].

. وفي هذا الكتاب عددت حقائق الكون (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[3].

المعرفة في الإسلام تقوم على أربعة:

  • عالم الغيب وهو غائب عنا (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [4] ومعرفته عن طريق الوحي “(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ[5].
  • عالم الحدس ومعرفته عن طريق الإلهام (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[6].
  • عالم الشهادة ومعرفته عن طريق الحواس والتجربة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[7].
  • عالم البرهان ومعرفته عن طريق العقل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[8]. و(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ)[9]. وتعزيزا لهذه الحجة قال الشاطبي “العقل شرط في أحكام الإسلام بحيث تسقط عن الصبي والمجنون، ولا حرج أكبر من تكليف العاقل بما يناقض العقل”.

وتقوم الأخلاق في الإسلام على أسس موضوعية ثلاثة:

  • المعاملة بالمثل: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [10]
  • المعاملة بما تعارف عليه الناس(يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ)[11]
  • الإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [12]

ويقوم الحكم على شروط الرشد الأربعة:

  • المشاركة “ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[13].
  • المساءلة: قال رسول الله (ص): “الدِّينُ النَّصِيحَةُ[14].
  • الشفافية: الحديث “إذا تباينتم ما تدافنتم”. وما قاله أبو ذر لمعاوية لا تقل مال الله بل مال المسلمين لتأكيد حقهم في معرفة تفاصيل إيراداته ومصروفاته.
  • سيادة حكم القانون: قال النبي (ص): ” إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا “[15].

ويقوم الاقتصاد على:

  • حرية التملك: “كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ، وَعِرْضُهُ، وَدَمُهُ”[16].
  • حرية السوق “دَعُوا النَّاسَ، يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا”[17].
  • واجب الاستثمار “ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[18] أي جعلكم عمارها.
  • واجب التكافل الاجتماعي (أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ)[19]. لذلك قال ولفرد سميث “كانت الدعوة الإسلامية أكبر محاولة في التاريخ لإقامة العدل الاجتماعي”. وقال ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين “الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة للعبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل”.

لذلك توافرت الظروف الفكرية والسياسية والعملية لأكبر نهضة علمية عرفتها الإنسانية قبل العصر الحديث.

قال روبرت بريفلوت في كتابه تكوين الإنسانية “من الراجح أنه لولا العرب لما ظهرت الحضارة الأوربية الحديثة، ومن المؤكد أنه لولاهم لما اكتسبت الحضارة الأوربية الحديثة الصفات التي مكنتها من التسامي على كافة مراحل تطور الإنسانية سابقا”[20].

النقطة الثانية:

تخلى المسلمون حلقة حلقة عن تلك القمم، فالحكم تراجع من الشورى التي تأسس عليها الصدر الأول إلى الخلافة الأموية ثم العباسية ومع أنهما ابتدعتا الخلافة الوراثية فإنهما حافظتا على درجة من الشرعية المدنية التي لا تقوم على القوة المجردة. ثم تلا ذلك ملك السلاطين الذي يناله المتغلب بقوة السلاح

قضوا باطلا ومضوا صارما     وقالوا أصبنا فقلنا نعم!

وتقلبت العقلانية في الفكر من عقلانية عفوية “كل ما حكم به الشرع حكم به العقل” إلى عقلانية منهجية سعى بها فلاسفة الإسلام توفيقا بين الوحي والعقل، توفيقا طرقوا بابه وعبر عنه ابن رشد في كتابه “فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال”، إلى جنوح عقلاني عبر عنه أبو العلاء:

يرتجي الناس أن يقــوم إمـــام  ناطق في الكتيبة الخرساء

كذب الظن لا إمام سوى العقل  مشيرا في صبحه والمساء

إلى تراجع متصل عن العقلانية قاده الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة بدأ التراجع معتدلا ولكنه تمادى حتى وصفت العقلانية بالكفر: من تمنطق تزندق.

لا خير فيما الفل                   أوله وآخره سفه.

وعلم الكلام بلغ أقصى العقلانية لدى المعتزلة ثم تراجع إلى منزلة وسطى لدى الأشعرية، ثم تراجع إلى أقصى درجات التلقي والجبرية:

قضى حكم القضاء بما يكون    فسيان التحـــــرك والسكون

جنون منك أن تسعى لرزق      ويرزق في غشاوته الجنين!

وتراجع الفقه من اجتهادية تستخدم الاستصلاح، والاستحسان، والاستصحاب، وغيرها إلى مذهبية تقدس ظاهر النصوص وتوسع تطبيقاتها عن طريق فقه صوري يقوم على القياس والإجماع ويقدس نتائجهما بقدسية الأصل ويوجب التزام الخلف بهذه الاستنباطات. هذا الفهم الظاهري للنصوص والفقه الصوري المترتب على القياس والإجماع صار قميص حديد قيد الحركة الفقهية قيدا قال عنه ابن قيم الجوزية في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية “جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة لغيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتقيد له”.

هكذا صار الهبوط من القمم مما أدى إلى استنساخ القرون الأوربية الوسطى في واقع المجتمعات الإسلامية، وساد الاستبداد السياسي والجمود الفكري  والفقهي. صحيح لم توجد سلطة مماثلة للكنيسة ولكن قفل باب الاجتهاد واعتبار فقهاء التقليد قيمين على الأحكام ماثل السلطان الكنسي. لقد تشابهت الظروف الفكرية، والسياسية فتشابهت النتائج. قال براين ترنر في مقاله عن الإصلاح الإسلامي وعلم اجتماع الدوافع “المسلمون ضعفاء لأنهم ليسوا حقيقة مسلمين”[21].

حقائق المسلمين أزكمت الأنوف منذ محمود غنيم الشاعر المصري:

أنى اتجهت إلى الإسلام في بـــــلد       وجدته كالطير مقصوصا جناحاه

حتى روضة الحاج الشاعرة السودانية:

في كل عاصمة أدور من الصباح إلي المساء

عن بسمة للنصر تدخل في دمي

فتعيد تجديد الحياة

لكنني

من كل عاصمة أعود بكربلاء!

ولكن حقائق الإسلام شدت علماء الغرب وعامته نحو الإسلام فأسلمواـ مثلاــ موريس بوكاي الذي شدته الحقائق العلمية في القرآن، وروجيه جارودي الذي شدته مبادئ العدالة. ومراد هوفمان الذي شده التوازن وهلم جرا.

النقطة الثالثة:

التحمت أوربا بالحضارة الإسلامية فتأثرت بها ونهضت. هذه حقيقة قال عنها روبرت بريفلوت في كتابه تكوين الإنسانية: “التنوير الحقيقي لأوربا هو الذي حدث نتيجة إحياء العرب الثقافي لأوربا، أسبانيا هي بوابة هذا الإحياء وليست إيطاليا مصدر المولد الحضاري لأوربا”[22].

وقال منتجمرى واط في كتابه “أثر الإسلام على أوربا القرون الوسطي” :أوربا كانت تخشي الإسلام على هويتها الحضارية لذلك أنكرت دينها له. وبالغت في اعتمادها على التراث اليوناني الروماني، لذلك علينا أن نخلص أنفسنا من هذا الزيف. وأن نعترف بحجم ديننا الحضاري والثقافي للعالم الإسلامي”[23].

منذ ثلاثة قرون شهدت أوربا ثورة سياسية حررت الإرادة الشعبية وقننت حقوق الإنسان، وثورة اقتصادية صناعية حررت القدرات الاستثمارية، والطاقات الطبيعية، وثورة ثقافية حققت حرية البحث العلمي والتكنولوجي. هذه العوامل الأربعة قضت على سلطان الحكم المطلق وعلى السلطان الكنسي ومكنت أوربا من بناء الحضارة الحديثة، لذلك قال براين تيرنر:”إن المسيحيين أقوياء لأنهم ليسوا حقيقة مسيحيين”.

النقطة الرابعة:

الحديث النظري وحده ليس كافيا. نعم في الإسلام مبادئ تكفل بيئة حيوية للعلم والعلماء. ونعم كان للمسلمين في تاريخهم عصر ذهبي شجع العلم والعلماء. ونعم تراجع المسلمون حلقة حلقة حتى حل بهم الواقع المأسوي الحالي..ثم ماذا؟

الخريطة الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي اليوم تنقسم إلى تيارين عريضين:

  • إسلامي مع اختلاف مدارسه.
  • وعلماني مع اختلاف رؤاه.

التيار الإسلامي يقع في أربعة أقسام عريضة: فقهاء ـ صوفية ـ حركيون إصلاحيون وحركيون جهاديون.

هذه الأقسام الأربعة تقع في مجموعتين:

  • الفقهاء لاسيما التابعون للمؤسسات الرسمية وهم الغالبية، والصوفية: يتعايشون مع الواقع السياسي والاجتماعي والدولي الحالي.
  • الحركيون لا يقبلون هذا الواقع ويسعون لتغيره: الإصلاحيون ينشدون ذلك بوسائل سلمية، والجهاديون بوسائل قتالية.

العلمانيون كذلك ينقسمون إلى من يرون التعايش مع الواقع الداخلي والخارجي لا سيما لأنه يحجم دور الإسلاميين ويحول دون تمكينهم .وآخرون يرون ضرورة التغيير بأساليب إصلاحية عبر التحول الديمقراطي أو ثورية.

وللعلمانيين مع اختلاف مدارسهم موقف موحد من الإسلام: ضرورة إحداث قطيعة ابستمولوجية معه ـ كما فعلت الكمالية في تركيا ـ وضرورة إبعاده عن الحياة العامة.

الجهاديون يرون أن الخلاص في إحداث قطيعة ابستمولوجية مع الحضارة الغربية وطردها من العالم الإسلامي على نحو ما حاولت طالبان في أفغانستان.

الإصلاحيون الإسلاميون وحدهم هم الذين يرون بعث الإسلام باعتباره تطلع مستقبلي وليس عودة للماضي لذلك يتطلعون لبيان القيم الإسلامية ودورها في إيجاد بيئة حيوية للعلم والعلماء. كما أنهم يرون في الحضارة الحديثة التي طورتها أوربا وأمريكا قيما ومفاهيم ونظما إنسانية ذات قيم لازمة للرقي الإنساني.

لذلك يبحثون في استصحاب عطائها وفي إسهامهم المطلوب في الحضارة الإنسانية.

النقطة الخامسة:

في عام 1976م دعيت لمؤتمر الأديان العالمية في مدينة كانتربري عاصمة الكنيسة الإنجليكانية لأتحدث عن الإسلام.

قلت: إن التحدي الذي يواجه البشرية اليوم هو الاعتراف بالقيمة للإنسان كإنسان، وبالتعددية الدينية والثقافية في عالمه، وبالحاجة للتعايش والتعاون بين الكافة، وبالاستعداد لتلبية مطالب الإنسان العشرة بصورة موزونة وغير متناقضة مع قطعيات الأديان المعنية. وقلت هذه المطالب هي: روحية- مادية- عاطفية- أخلاقية- اجتماعية- معرفية- جمالية- بيئوية- رياضية- وترفيهية.

هذا ما أوضحته في القسم الأول من محاضرتي. أما في القسم الثاني فقد تناولت تلك الشروط والمطالب وأوضحت من نصوص الإسلام القطعية استجابة الإسلام لها.

كان رئيس الجلسة قسا مسيحيا، وبعد الفراغ من محاضرتي قال: أنا من جانبي أقبل ما جاء في القسم الأول من حديث المحاضر وأرى أن نقبله جميعا. وأطالب كل متحدث أن يبين لنا من مرجعية دينه كيفية تلبية المطالب التي عددها؟!.

المتحدثون بعدي لم يتمكنوا من تحقيق ذلك ولم يرفضوا الطلب بل اكتفوا بترديد خلاصات لعقائدهم مع تقديم أمنيات عامة للتعاون بين الأديان.

خلاصة ما قلت: الربوبية في الإسلام واحدة ومستعلية بلا شبهة شراكة، وعامة لكل المخلوقات بلا شبهة خصوصية عرقية، وحقائق الوحي تبين الغيبيات وتؤكد أن للطبيعة سننا راتبة ينبغي اكتشافها وتسخيرها. وأن المعرفة الإنسانية للغيبيات والحدسيات عن طريق الوحي والإلهام؛ وللمشاهدات عن طريق التجربة والعقل؛ وأن الأخلاق تقوم على أسس موضوعية هي المعاملة بالمثل، والمعروف والمنكر، والإيثار؛ وأن الوحي يؤكد ذلك ويرتب على الالتزام بها جزاءً أخروياً.

وقلت إن حقائق الوحي الإسلامي تعترف بالإنسان من حيث هو وترتب على ذلك تكريما لأن الله نفخ فيه من روحه. هذه الحقيقة تقر وحدة الزمن التاريخي للإنسانية. هذه الوحدة تتم في إطار تنوع ديني وثقافي: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَِ)[24] وتنوع بين قبول الدين ورفضه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ)[25]، و(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[26].

قلت: إذن البشرية واحدة. (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)[27]. والتنوع جزء من طبيعتها. والدين ما دام مصدره إلهي كذلك واحد: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا )[28].

ولكن الرسائل والشرائع متعددة. إذن نحن المسلمين لا نجد صعوبة في الاعتراف بالإنسان كإنسان. ولا بالتعددية الدينية، ولا في التوفيق بين حقائق الوحي وحقائق العقل ولذلك نقدم الإسلام دينا للإنسانية فإن وجد مثل هذا الاستعداد لدى الأديان الأخرى فإنه يسهل التفاهم بيننا، وإن لم يوجد فعليهم الاجتهاد في عقائدهم لتلبية الضروريات الإنسانية وهذا يحدث القربى بين الأديان لا بمنطق المناظرات بينها ولكن من منطق تلبيتها للضروريات الإنسانية.

كثير من المسلمين لا يقبلون هذا الفهم للإسلام بل يقولون بفهم فيه استسلام للاستبداد وتقديس للتقليد فتراكمت أسباب الضعف وخلقت حالة استعداد للاستعمار على حد تعبير مالك بن نبي، أو التعبير الشعري لنزار قباني:

يا سادتي لم يدخل الأعداء من حدودنا

لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا

ومع أننا تخلصنا في كثير من الحالات من الاستعمار المباشر فإن العالم الإسلامي غالبا مغلوب على أمره خاضع للفساد والاستبداد في أوضاعه الداخلية وللهيمنة في أوضاعه الخارجية.

إنه واقع بمقاييس الإسلام والعقل مرفوض رفضا تعبر عنه التيارات العلمانية ولكن التعبير الأقوى اليوم يمثله تياران إسلاميان: إصلاحي وجهادي.

التيار الإصلاحي يقبل المساواة في المواطنة بين الكافة ويقبل الديمقراطية آلية احتكام للشعب في الشأن العام وللتداول السلمي على السلطة، ويدرك أن الحرية والعدالة من مقاصد الشريعة فلا يجوز الازدراء بهما.

ويرى أن تطبيق الأحكام من مقاصد الشريعة، تطبيق يوجب التدرج والحكمة في مراعاة ظروف الزمان والمكان.

ويقول إن حقائق الوحي تكمل مدارك العقول لا تناقضها. ويقبل التعايش والتعاون بين الأديان والدول على أساس: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[29] ويعتبر الجهاد واجبا دفاعيا لا طلبا هجوميا على أساس: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)[30] ولا علاقة له بالدعوة للإسلام: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[31]. (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[32].

التيار الجهادي متمسك بمطلب إقامة الخلافة في العالم الإسلامي وتطبيق أحكام الشريعة وفق اجتهادات السلف.

وهو يكفّر ويخوّن الحكام والشعوب ما دامت لا تستجيب لدعوتهم. ويعتبرون المظالم التي حلت بالعالم الإسلامي جزءاً من حملة صليبية صهيونية تقودها الولايات المتحدة. لذلك يجب اعتبار الأمريكيين جميعا هدفا قتاليا مستباحا. والإطاحة بالنظم الحاكمة جزء من هذا البرنامج لأنها عميلة للإدارة الأمريكية، يُطاح بها وبالنظام الدولي المعاصر لإقامة الخلافة الإسلامية في مكانهما.

التياران الإسلاميان يجدان شعبية واسعة للأسباب الآتية:

  • ‌أ. إخفاق البدائل العلمانية اليسارية والوطنية.
  • ‌ب. لأنهما الأكثر تصديا للظلم والاستبداد الداخلي.
  • ‌ج. لأنهما الأكثر تصديا للهيمنة الدولية.

ورغم إخفاق تجارب الحكم الحديثة التي رفعت الشعار الإسلامي في أفغانستان وفي السودان، وفي باكستان، وغيرها فإن الخيار الإسلامي استأثر دون غيره بتجسيد الاحتجاج على مظالم ومفاسد الداخل، وهيمنة الخارج، واحتفظ دون غيره بالرأسمال الاجتماعي، واحتفظ بصفة “البديل” حتى صار المزيد من الديمقراطية في بلدان كثيرة يعني المزيد من التمكين للإسلاميين.

إن للتيار الإصلاحي الإسلامي الآن شعبية واسعة.

ولكن التيار الجهادي رافض للديمقراطية ومصنف لها مرادفا للكفر. وهو يستخدم وسائل حديثة للغاية لدرجة “السايبر” جهاد عن طريق الشبكة العنكبوتية والتفجيرات المتطورة والتدريبات البالغة التقنية، وأساليب عنيفة للغاية استفادت من أكثر أساليب العنف السياسي المعاصرة.

هذا التقدم في تقنيات القتال مرتبط بأهداف ماضوية تلغي الرأي الآخر والعصر معه.

مع أن هذا التطلع غير معقول فإن حماقات السياسة الأمريكية في أفغانستان، والعراق، وباكستان، وتحالفها الاستراتيجي مع الاغتصاب التوسعي الإسرائيلي في فلسطين، ولبنان؛ دفع عددا من التيارات الإسلامية نحو الخيار الجهادي وأعطى الجهاديين فرصة تمدد كبيرة فتمددوا في جنوب آسيا، وفي أرض الرافدين، وفي المغرب، وفي القرن الأفريقي، وفي حوض النيل.

التقيت صدفة بعض خبراء استخبارات أمريكيين في برلين في العام الماضي. وسألوني عن الشرق الأوسط وبعد وصفي للموقف هناك قلت لهم الاستنتاج المعقول الوحيد حول سياسة بلادكم في بلداننا هو أنها سياسة تهزم أهدافها المعلنة ومن شأنها أن تحول العلماني إلى إسلامي، والإسلامي إلى جهادي. وافقوني على القراءة وقالوا إنهم لا يدركون لسياسة بلادهم في الشرق الأوسط أدنى حكمة. وعلى نفس المنوال -قبل ذلك- قال هاري ريد: غزو العراق هو أكبر خطأ ارتكبناه في علاقاتنا الخارجية منذ أن تأسست الولايات المتحدة. وجاء في تقرير هاملتون: الإدارة الأمريكية ارتكبت حماقة كبرى بموقفها من الحرب في لبنان.

ولا أغبى أو أدعى لقفل أبواب السلام في المنطقة من لاءات بوش في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في 14/4/2004م، إذ قال: لا لعودة اللاجئين- ولا لحدود 1967م- ولا لتصفية المستوطنات- ولا للحديث عن حق مسلوب!!!. وآخر حلقات هذه المنظومة زيارة كونداليسا رايس الأخيرة للترويج للبضائع الحربية ولتعميق الشروخ بين أطراف النزاع ووضع العراقيل في سبيل أية مصالحات توجبها مصالح أهل المنطقة.

في عام 2004م قال السفير البريطاني في إيطاليا: “إن بوش هو أفضل عريف تجنيد لصفوف القاعدة”. هذه الحماقات تدفع نحو صفوف الجهاديين وتعزز وفاء لا مستقبل له.

نعم مشروع الإصلاح الإسلامي هو الذي يمثل وفاء له مستقبل. ولكن ما لم يفلح هذا المشروع الإصلاحي الإسلامي في التصدي بفاعلية للاستبداد والفساد الداخلي، والهيمنة الخارجية، فإن عقلانيته، ومعقوليته، ومطابقته مع مقاصد الشريعة لن تضمن له وحدها الجدوى.

النقطة السادسة:

 الإصلاح الإسلامي الذي يمحو الركود والجمود والفساد والاستبداد ويتصدى للهيمنة الدولية بأساليب خالية من العنف العشوائي؛ وينتصر للعقلانية، والحرية، والعدالة بمرجعية إسلامية، ينطلق من حجة قوية نقلا وعقلا.

وتوجد الآن تجارب ناجحة تعبر عنه في تركيا وفي ماليزيا. وتوجد تيارات إسلامية تجسد تطلعاته تيارات داخل كثير من الحركات الأخوانية، وتيار الإصلاحيين في إيران، والعدالة والتنمية في المغرب، والأمة والأنصار في السودان.

ولكن هذه التيارات بالمقارنة مع الجهاديين ينقصها الاتفاق على إستراتيجية موحدة تحدد معالم أهدافها بصورة قاطعة. وينقصها التشبيك وآليات العمل المشترك. هذا كله وارد في المستقبل القريب، فإذا حدث فإنه ينقل التطلع لبيئة حيوية للعلم والعلماء من الإطار النظري للإطار العملي. وإذا تخلف التيار الإصلاحي عن تحقيق هذه الرؤية فإن التيار الجهادي سوف يختطف المستقبل ويؤجج مواجهات دموية بين الدينيين والعلمانيين، وبين السنة والشيعة، وبين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى، وبين الجهاديين والهيمنة الدولية.. مواجهات نتيجتها الحتمية الزج بالمنطقة والعالم معها نحو عهد ظلامي جديد.

ولكن إذا أفلح التيار الإصلاحي فإنه سوف يستصحب إيجابيات الحضارة الحديثة بصورة تعطيها جذورا روحية وأخلاقية وبيئوية وسوف يمنح الحضارة الحديثة غائية تفتقدها الآن فتصير مبصرة بعينين لا كما هي الآن بعين واحدة.

النقطة السابعة:

العالم اليوم يواجه قضايا ملحة قضايا الفقر، والظلم، والاقتتال الأهلي، والفوارق الاجتماعية، وفجوة التنمية، وغيرها. وهي قضايا عجز النظام الدولي الراهن عن حلها. ومع إدراك الكثيرين أهميتها فالحركة فيها عاجزة. والفوارق بين الشمال الغني والجنوب الفقير والمواجهات بين العولمة والخصوصيات الثقافية أدت لمواجهات عديدة. ومع أن العالم الغني قادر بإمكاناته العسكرية الهائلة على هزيمة أية تحديات تواجهه بالأساليب العسكرية المعروفة فإن المجتمعات الفقيرة تستطيع الاحتجاج العنيف والناعم بوسائل الضرار الشامل – أي الإرهاب، امتلاك أسلحة دمار شامل، إنتاج وتسويق المخدرات، الهجرة غير القانونية، القنبلة السكانية، والصحية، والبيئية- صحيح أن الأوساط العالمية صارت تدرك خطورة  الموقف وتحاول التحرك لإيجاد حلول ولكن ما اتخذ من قرارات تنموية للألفية الجديدة في عام 2000م قرارات مضى  عليها سبع سنوات دون تحقيق جزء من أهدافها.

من القرارات أن يقضى على نصف الفقر بحلول عام 2015م ومن استحقاقات ذلك أن تساهم الدول الغنية بما يعادل 0,7% من دخلها القومي لتحقيق الأهداف. ولكن بعد كل هذه الضجة ما زالت مساهمة تلك الدول تساوي 0,3% ولا يوجد منبر لمتابعة أو مساءلة.

والعالم يواجه بؤرا ملتهبة تخلق استقطابات حادة وخطرا على السلام الإقليمي والعالمي في فلسطين، وفي لبنان، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي كشمير، وفي الصومال، وفي دارفور.. وغيرها ولكن التحرك الدولي لا يتم بالإحاطة والفاعلية اللازمة بل الجهل بالحقائق والغرض ساهما في تعقيد الأمور في كثير منها.

مسألة الطاقة لا سيما النفطية تساهم في عدم الاستقرار الإقليمي والعالمي ولا يوجد تحرك استراتيجي لضبط صناعة النفط بصورة عقلانية تعطي كل ذي حق حقه وتوظف فوائض النفط بصورة حميدة.

الدول الغنية تحاول إلقاء اللوم على الدول المنتجة للبترول. لا شك أن هناك حاجة لسياسة عالمية نفطية عادلة ومجدية.ولكن الغبن الحقيقي مرتبط بالهيمنة الاقتصادية والتجارية التي تفرضها الدول الغنية علي بقية العالم لا سيما وفارق الثورة واسع وإلى زيادة. ففي القرن التاسع عشر كانت بريطانيا أغني دول العالم وكانت نسبة متوسط الدخل فيها إلى نسبة متوسط الدخل في الدول الفقيرة تساوي 1:4؛ واليوم أمريكا هي الأغنى والنسبة الآن تساوي 1:20!!.

وبالمقارنة فان دخل أسبانيا وحدها وهي ليست من أغني الدول يساوي دخول البلدان العربية مجتمعة مع أن سكان الدول العربية يبلغون 4 أضعاف سكان أسبانيا .مسألة الفوارق التنموية،ومظالم الدول الفقيرة ،وسياسات الدول الغنية الصناعية والزراعية وآثارها السلبية على البلدان الفقيرة، وملف الطاقة كله بأبعاده النفطية والطاقة المتجددة سيما النووية، والاحتباس الحراري وغيرها من المسائل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة على الاستقرار العالمي صارت تشد إليها اهتمامات وتتخذ بشأنها قرارات ولكن دون متابعة أو مساءلة.

مجلس الأمن الحالي يعني بالأمن التقليدي وهو مجلس تكوينه غير ديمقراطي يفتقر للإصلاح. ولكن القضايا المذكورة مع أهميتها لاستقرار العالم تقع خارج اختصاصه. إن الإصلاح الإسلامي يستطيع أن يعمل مع آخرين لإصلاح الأمم المتحدة في إطار إصلاح المجالس الحالية، وفي إطار تكوين مجلس مواز يعنى بالقضايا الاجتماعية متابعة ومساءلة.

إذا حقق الإصلاح الإسلامي أهدافه الداخلية والخارجية فإنه يستطيع أن يزيل المصادر التي تغذي الغلو الإسلامي والحركات الجهادية . ويستطيع الإصلاح الإسلامي أن يكون رابطة تضامن مع كافة القوى الأخرى المحبة للسلام والعدالة لجعل الحراك الإسلامي مدافعا عن قضية المظلومين في العالم ومرافعا من أجل نظام أعدل وأفضل.

وفي إطار أوسع فإن الإصلاح الإسلامي يمكنه أن يعمل على جبر كسور العولمة:

حققت الإنسانية نهضة علمية وتكنولوجية هائلة . وبثورة المعلومات والاتصالات حققت الإنسانية عولمة ذات ايجابيات عديدة وسلبيات كثيرة ينبغي تصحيحها لكيلا يتناقض حال الإنسانية المادي مع مقاصدها الأخلاقية.

الإنسانية موعودة بمنطق إسلامي الهي باتحاد روحي أخلاقي يقوم على العدالة والحرية والإخاء ويناصر الحق: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[33].

هذه الرؤية توفر أفضل مناخ حيوي لازدهار العلم والعلماء وإذا تحققت كافة أركانها فإنها أفضل إسهام في الحضارة المعاصرة وبرهان على خيرية هذه الأمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ)[34]: خيرية مشروطة بالعطاء لان ادعاء الخيرية المطلقة عنصرية أو طائفية مفضيتان للعصبية: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا).[35] .. (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

هوامش

[1]  سورة الإسراء الآية (105)

[2]  سورة طه الآية (50)

[3]  سورة الحجر الآية (85)

[4]  سورة الصف الآية(51)

[5]  سورة الشعراء الآيتان (193 و194)

[6] سورة الحديد الآية (28)

[7]  سورة فصلت الآية (53)

[8] سورة النحل الآية (12)

[9]  سورة البقرة الآية (111)

[10] سورة البقرة الآية (194)

[11] سورة الأعراف الآية (157)

[12] سورة الحشر الآية (9)

[13] سورة الشورى الآية 38

[14]  رواه مسلم

[15] متفق عليه

[16]  حديث أخرجه أبو داؤد

[17] حديث رواه جابر في صحيح ابن حبان

[18] سورة هود الآية 61

[19] سورة الماعون الآية (1)

[20] Briffault, Robert The Making of Humanity, London 1919

[21] المقال موجود على الموقع  https://www.nawaat.org/portail/article_imprimante.php3?id_article=419

[22]  Briffault,  مرجع سابق

[23]  Watt,W. Montgomery: The Influence of Islam on Medieval Europe , Islamic Surveys no. 9 , Edinburgh University Press, 1972

[24]  سورة البقرة الآية (62)

[25] سورة التغابن الآية (2)

[26]  سورة الحجرات الآية (13)

[27] سورة الأنعام الآية (98)

[28]  سورة الشورى الآية (13)

[29] سورة الممتحنة الآية (8)

[30] سورة  الحج الآية (39)

[31]  سورة  البقرة الآية (256)

[32] سورة النحل الآية (125)

[33]  سورة الأنبياء الآية (105)

[34] سورة آل عمران الآية(110)

[35] سورة النساء الآية (123)