نحو فهم مشترك للتعامل مع الآخر السياسي

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

ورشة الاتصال الحزبي

ورقة: نحو فهم مشترك للتعامل مع الآخر السياسي

 

بقلم الإمام الصادق المهدي

9 فبراير 2013م

 

مقدمة:

الاختلاف في المجتمع البشري طبيعي. في المجتمعات التقليدية يأخذ الاختلاف طابعاً موروثاً ثقافياً، لغوياً، ودينياً، وإثنياً.

تلك الاختلافات تضعف في المجتمعات الحديثة، وتبرز اختلافات أيديولوجية، واختلافات طبقية تدور حول المصالح الاقتصادية.

المجتمعات التاريخية اتخذت أشكالاً معلومة، ولكن في العصر الحديث صارت الدولة هي الماعون الذي تتعامل في إطاره التجمعات السكانية.

الدولة هي شعب، وإقليم، وسلطات ثلاث تمارس نفوذها على ذلك الشعب في حدود ذلك الإقليم.

كل الشعوب في أقاليمها المعنية تشتمل على تنوعات موروثة، وأخرى حديثة أيديولوجية وطبقية.

إدارة هذا التنوع في أغلب الأحوال التاريخية تقوم على القهر السلطاني المتوارث، أو على القهر بالأساليب الحديثة الستالينية في اليسار، والفاشستية في اليمين.

وحتى عندما يوجد تاريخياً مبدأ كالشورى في الإسلام، فإن هذا المبدأ غيب في الواقع ليحل محله ملك مستبد.

شهد العصر الحديث في القرنين الماضيين تطوراً جديداً في إدارة التنوع. إنه التطور الديمقراطي الذي عم العالم المعمور عبر أربع موجات، وكان العالم العربي مستثناً من هذه الموجات، إلى أن بدأت بالفجر العربي الجديد الموجة الديمقراطية الخامسة.

التعامل مع الآخر السياسي في ظل الاستبداد في العصر الحديث يقوم على الانفراد بالقرار السياسي وإخضاع الآخر له عن طريق:

* حزب حاكم مستبد بولاية الأمر.

* عصبية أو أيديولوجية مهيمنة.

* جهاز أمن يحمي أمن النظام بلا حدود.

* إعلام يطبل للنظام بلا حدود.

* اقتصاد يحابي النظام ومؤيديه.

* علاقات خارجية موظفة لمصلحة النظام.

ومهما اختلفت الشعارات التي ترفعها نظم الاستبداد الحديثة فإنها تظهر تلك الصفات الست، وهي صفات النظام شرق الأوسطي سيء الصيت الذي تستهدف القضاء عليه الثورات العربية الحديثة.

إذن في ظل الاستبداد نحن أمام حقيقة أن التعامل مع الآخر هو اتباع الوسائل المختلفة لقهره على حد تعبير أمل دنقل:

تحدث عن الطقس إن شئت

فانت آمن

أو عن حبوب منع الحمل إن شئت

فأنت آمن

هذا هو القانون في مزرعة الدواجن.

فيما يلي أتناول مفاهيم التعامل مع الآخر السياسي في ظل الحرية.

اهتدت الإنسانية عبر تطورها للديمقراطية كآلية مثلى لإدارة التنوع، وهي وإن تطورت مفاهيمها ومؤسساتها في حضن الحضارة الغربية، تحظى بروابط أخلاقية ومبدئية في دفاتر الإسلام. فالشورى هي مشاركة، والنصيحة هي مساءلة، والتباين هو الشفافية، وسيادة الأحكام هي سيادة القانون، ولكن الاستبداد الذي استسلمت له الأمة بإعلان جمهور الفقهاء كما قال ابن حجر العسقلاني “طاعة المتغلب”، غيَّب هذه المبادئ.

الديمقراطية والتوازن

1. الديمقراطية تقوم على أربع قوائم هي: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

2. الديمقراطية توجب كفالة حقوق الإنسان المتفرعة من خمسة أصول: الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة والسلام.

3. المبادئ والضوابط السياسية للديمقراطية لا تكفي، فلا بد من ديمقراطية اجتماعية ينص عليها ويحميها عقد اجتماعي.

4. هنالك لبنات مهمة لبناء الديمقراطية تستوجب توازناً في معاملات:

* المطلوب الالتزام بميثاق ديني يكفل حرية الأديان، وحقها في الالتزام بشرائعها في ظل المساواة في المواطنة.

* وهنالك ضرورة لميثاق ثقافي يكفل الحقوق الثقافية للكافة، ويلتزم بلغة تخاطب وطنية ولغة تعامل دولية دون حجر على اللغات الأخرى المحلية والدولية.

* وهنالك الحاجة لميثاق يكفل حقوق المرأة في المساواة الإنسانية وفي الموطنة.

* وهنالك حاجة لميثاق مجايلة يكفل المشاركة الجيلية.

* وهنالك ضرورة لتوازن العلاقة بين المركز والأقاليم بما يحدد صلاحيات المركز والأقاليم بصورة تكفل اللامركزية.

* وهنالك الحاجة لميثاق عسكري يوفق بين التزام القوات المسلحة كجهاز تابع للسلطة التنفيذية ووظيفتها القومية.

هذه المواثيق الست لبنات ضرورية للتوازن في ظل الديمقراطية.

5. هنالك عوامل كثيرة أدت إلى ممارسات بشرية أتلفت البيئة الطبيعية، المطلوب الوعي بديمقراطية بيئية تلتزم بسلامة البيئة والعمل على إصلاح ما أصابها من ضرر.

6. تتطلب الديمقراطية الالتزام بالشرعية الدولية والعمل على إزالة ما في تلك الشرعية الآن من عيوب تخضعها لإرادة الدول الأقوى على حساب حقوق ومصالح الدول الضعيفة.

هذه الركائز الستة للديمقراطية هي الوسائل المطلوبة للتعامل العادل والمجدي والمستقر مع الآخر السياسي فكيف ننزلها على واقع السودان؟

الآخر السياسي والنظام الحالي في السودان:

النظام الحالي في السودان نظام مغلق بدأ باستلام السلطة عن طريق الانقلاب العسكري ثم اقتبس كافة معالم النظام شرق الأوسطي.

اتفق النظام مع الحركة الشعبية على أهداف مهمة: اعتبار المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من اتفاقية السلام ثم الدستور، ولكن الاتفاقية نصت على استمرار أحكام وأجهزة الدكتاتورية إلى حين استبدالها، دون أن ينص على حد زماني، وبما أن الاتفاقية نفسها أعطت الحزب الحاكم أغلبية ميكانيكية تنفيذية وتشريعية فإن الحزب الحاكم أبقى على تلك الأجهزة والأحكام حتى الآن، حتى التعديلات القانونية التي اتخذت كانت باتجاه مزيد من القيود كما حدث في قوانين العمل الطوعي (2006م)، والصحافة والمطبوعات (2009م)، والأمن القومي (2009م)، وعمل النظام على تدمير كل آليات الرأي الآخر الفكرية، والسياسية، والنقابية.

بالقانون الحركة النقابية في السودان الآن مسلوبة الحرية.

الأحزاب السياسية خاضعة لقانون ولكن الحزب الحاكم غير مقيد به، فالقانون ينص على منع أي موظف في وظيفة عالية عسكرية أو مدنية من الانتماء لحزب سياسي بينما رأس الدولة وهو رأس القوات المسلحة هو رئيس الحزب الحاكم، كذلك حكام الولايات هم رؤساء للحزب الحاكم في ولاياتهم.

والحزب الحاكم اتخذ مقر رئاسته في النادي الكاثوليكي سابقاً بعد تأميمه أي نقله لملكية الدولة، والحكومة بوسائل مختلفة هي مصدر تمويل الحزب الحاكم، وحتى من يساهمون مالياً إنما يردون خدمات قدمت لهم من جهات حكومية.

وقانون الأحزاب يحرم على الأحزاب السياسية اتخاذ أية مليشيات مسلحة بينما تتبع للحزب الحاكم مليشيات مسلحة معلومة.

هذه الامتيازات تجعل المنافسة الديمقراطية مستحيلة، وتمكن الحزب الحاكم من الانفراد بالقرار السياسي، وكانت النتيجة أنه ارتكب ويرتكب أخطاءاً مصيرية:

أ. اتفاقية السلام الشامل كانت اسما على غير مسمى، وقد انفرد الحزب الحاكم بها ففاوض ووقع عليها دون أية مشاركة للآخرين، ومنذ البداية قلنا إنها لن تحقق الأهداف التي نصت عليها لأسباب في تكوينها وفي هيكلها. قلنا إنها ستجعل الانفصال لا الوحدة جاذبة، وقلنا إن ما علقت من قضايا مهمة سوف تجدد الحرب، وقلنا إنها لن تحقق التحول الديمقرطي. وقد كان.

ب. في أوائل عام 2006م مر بنا د. مجذوب الخليفة رحمه الله، واستشارنا في مهمته بصفة شخصية، وكان يفاوض فصائل دارفور المسلحة. قلنا له التزم بالآتي وسوف تتمكن من إبرام اتفاقية عادلة في دارفور:

* فيما يتعلق بالمشاركة في رئاسة الدولة، وإدارة الحواكير، ووحدة إقليم دارفور، وحدود دارفور مع الأقاليم الآخرى تعود حقوق أهل دارفور كما كانت في عام 1989م.

* فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين حقهم أن يعودوا لمناطقهم آمنين وأن يعوضوا تعويضاً فردياً وجماعياً.

* فيما يتعلق بحقوق أهل دارفور في السلطة والثروة يعترف لهم بنصيب يساوي نسبة السكان، على أن ينص على هذه الحقوق في الدستور.

قلت له هذه الأسس وحدها الكفيلة بتحقيق السلام العادل الشامل في دارفور. رفض الاقتراح لأنه في نظره يتناقض مع ثوابت “الإنقاذ” وثوابت اتفاقية نيفاشا. هذا العناد والانفراد هو السبب في استمرار أزمة دارفور وتعقيدها الراهن.

ج. وضع لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق بروتوكولان بموجبهما استثنيا من اتفافية السلام، وظل أمرهما مهملاً على طول الفترة الانتقالية، وبعد انفصال الجنوب اعتبر أمرهما منتهياً دون

إبرام اتفاقية سياسية بشأنهما تستجيب لمطالبهما وتحدد مصير الفرقتين التاسعة والعاشرة، وكان تقديرنا أن عدم وجود اتفاق سياسي بشأن المنطقتين سوف يؤدي لحرب، وقد كان.

د. فيما يتعلق بأبيي ارتكبت أخطاء سياسية كبيرة أهمها:

* نص بروتوكول أبيي على استفتاء أهل المنطقة، وحدد أصحاب الاستفتاء بأنهم الدينكا “نقوك” وآخرين، هذا النص أثار خلافا واسعا لأنه لم يحدد هؤلاء “الآخرين” ولم يذكر المسيرية.

* وأوكل أمر أبيي للجنة غير مؤهلة بالمرة برئاسة دونالد بيترسون، وقيل إن قرارها نهائيٌ ولا يقبل الاستئناف، وكان قرارها قمة في الغباء1 والجهل بالواقع.

* ونقل الأمر لتحكيم الهيئة الدولية التابعة لمحكمة العدل الدولية، واتخذت هيئة التحكيم قرارها وإن كان أحد أعضائها نشر رأياً مخالفاً. طرفا اتفاقية السلام قبلا التحكيم، ولكن المسيرية رفضوه.

أدى العجز في إدارة قضية أبيي والأخطاء المتكررة إلى إسناد أمرها للقوات الأثيوبية في سابقة جالبة للندم يوماً ما. إن قضية أبيي قنبلة موقوتة وسوف تسمم العلاقات بين دولتي السودان.

ه. النظام لم يستعد لانفصال الجنوب وقد كان راجحاً، وتسبب في صدمة للاقتصاد. وأدى تصرف حكومة السودان بالفعل وحكومة دولة الجنوب بردة الفعل إلى وقف تدفق النفط للتصدير.

في ملف النفط ارتكبت أخطاءٌ كبيرة كما أوضحت لجنة فنية اخترناها. وملف التفاوض بين دولتي السودان الآن ضحية لخضوع طرفي التفاوض لضغوط الصقور ولرؤية صقور أن “يركز” الطرف المعني في موقفه باعتبار أن الطرف الآخر سوف ينهار ويملي عليه. والطرفان لذلك لا يملكان الإرادة السياسية لحل القضايا ما جعلهما تحت رحمة هيئة التنفيذ الأفريقية العليا والأسرة الدولية، ونتيجة لهذا الموقف العقيم سوف ينتهي الأمر إلى تدويل كافة القضايا المعنية، و2قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وهي قرارات ملزمة وإلا عقوبات دولية.

نحن نقول النهج الصحيح أن تعطى أولوية للحل السياسي في منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ثم يطلب من دولة الجنوب تأييد هذا الحل وعدم السماح باختراقه، أما عدم إعطاء هذا الأمر أولوية فإنه يضع العربة أمام الحصان. هذه هي الأولوية المطلوبة.

وكذلك النهج الصحيح أن ينفذ ما اتفق عليه بين الدولتين لكي يخلق هذا داينمية لصالح التعاون.

خلاصة هذا التحليل هو أن استمرار البلاد بالسياسة الحالية سوف يقود إلى مزيد من الحروب، ومزيد من التمزق، ومزيد من التدويل للشأن السوداني.

هذه حيثيات تؤكد أنه لا خلاص للسودان ولا سبيل لمشاركة الرأي الآخر بصورة حقيقية إلا في ظل نظام جديد.

الجبهة الثورية تحت أية مسميات إذا هي تبنت برنامجاً غير قومي ووسيلة لتنفيذه بالقوة فإن موقفها إذا فشلت في الإطاحة بالنظام بالقوة بعد المحاولة فإنها سوف تمكن النظام من ايجاد سند شعبي من العناصر المعترضة على برنامجها غير القومي، وتعطيه مبرراً لمزيد من القمع، وتسلب دعاة النظم الجديد من تأييد معنوي دولي، لان التأييد الدولي لعمل مدني وارد أما لعمل عسكري فلا.

في لقائنا مع السيد ياسر عرمان في منتصف شهر نوفمبر 2012م اتفق على:

* مبدأ الحوار بين قوى النظام الجديد بالداخل والخارج.

* أن يعقد لقاء جامع في زمان ومكان يتفق عليه كما يتفق على أجندته وحضوره للاتفاق على أسس النظام الجديد وعلى الدعوة لمؤتمر قومي دستوري لتبني تلك الأسس.

* أن تكون وسيلة تحقيق النظام الجديد سياسية ومدنية خالية من العنف، فالقوى السياسية التي تتحرك في هذا المجال لا يمكن أن تعطى شرعية للعنف. أولاً: لأن هذا سوف يحد حركتها، وثانياً: لأن من يحقق نظاماً جديداً بالقوة لن يجعل نظامه ديمقراطيا. كل الذين أقاموا نظاماً جديداً بإطاحة ثورية فرضوا وصاية على الآخرين، والتجارب في أمريكا الجنوبية وفي أفريقيا تؤكد ذلك. وكل الذين أقاموا نظاماً جديداً بالانقلاب العسكري كذلك فرضوا وصايته.

* قوى المقاومة المسلحة الحالية تحتفظ بقواتها إلى حين إبرام اتفاق سياسي يحدد مصيرها.

* الآن تحتفظ بمواقعها وتدافع عن نفسها إذا هوجمت.

* ولكنها تلتزم بأن يكون العمل لإقامة النظام الجديد سياسياً مدنياً.

النتيجة: إقامة نظام جديد بالقوة سوف تجعل النظام الجديد نافياً للآخر السياسي وسوف تحتل نفس مواقع النظام الحالي وتتبع أساليبه نفسها حذوك النعل بالنعل فالاستبداد ملة واحدة.

ما العمل إذن؟

القوى الفاعلة في الساحة السياسية اليوم هي:

* القوى المدنية المتطلعة لنظام جديد.

* قوى النظام الحالي.

* القوى الثورية المسلحة.

* الحركات المطلبية.

* قوى التغيير داخل النظام الحاكم.

* جماعات الغلو الإسلامي.

* القوى الدولية المؤثرة في الساحة السودانية.

نحن نهدف لإقامة نظام جديد يكفل مؤسسياً المشاركة الواسعة، ويحقق السلام العادل الشامل، والتحول الديمقرطي الكامل، وهو الكفيل بالتعامل العادل مع الآخر السياسي.

المطلوب لذلك هو:

1. اتفاق كل القوى المتطلعة لنظام جديد على أسس ذلك النظام التي تحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، واتخاذ تلك الأسس قواعد للدستور الجديد. هذا يتطلب مراجعة كل الوثائق الموجودة في الساحة، والتحليل الفكري والسياسي الواعي يوجب اعتماد الأسس الآتية لتبقى بعد ذلك التفاصيل:

أ. إقامة السلام العادل على:

* الاستجابة لمطالب قوى المقاومة في دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق في أنصبة عادلة في السلطة والثروة بنسبة حجم السكان، وفي المشاركة المركزية، وفي درجة اللامركزية كذلك توفيقاً للتنوع في ظل الوحدة.

* تقوم العلاقة مع دولة الجنوب على خصوصية تكامل اقتصادي، وامتيازات مواطنة متبادلة، وتعاون بين السلطات التنفيذية والتشريعية في البلدين، على أن ينص على هذه الخصوصية في دستور البلدين.

* الحدود بين البلدين المتفق عليها بموجب توصيات اللجنة الفنية ينفذ رسمها على الأرض فوراً.

* المناطق المختلف عليها خاصة أبيي، وسماحة، وغيرها يسند أمرها لمفوضية حكماء يختارون بطريقة تضمن الاعتدال والتأهيل ويفوضون لإشراك القوى السياسية كافة، والمكونات السكانية في المناطق المعنية.

ب. التحول الديمقراطي الكامل يقوم على أساس نظام يكفل المقومات الآتية: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، واللامركزية الفدرالية.

ج. ننادي بديمقراطية تتجاوز الأسس السياسية المذكورة لتحقيق الديمقراطية ذات الأبعاد الأربعة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والبيئية.

* قضية الدين والدولة قضية محورية، أغلبية أهل السودان مسلمون وفي الجسم السياسي السوداني تطلعات لتوجه إسلامي. الدعوة لابعاد الدين عن الشأن العام باطلة، والدعوة المضادة لتطبيق إسلامي دون مراعاة حقوق المواطنة لغير المسلمين والمسلمين الذين يرفضون ذلك التطبيق تتناقض مع منظومة حقوق الإنسان، والموقف الصحيح هو كفالة حق المسلمين في مرجعية إسلامية ملتزمة بحقوق المساواة في المواطنة للكافة.

* مؤسسات الدولة النظامية والمدنية أخضعت لقبضة حزبية أعاقت أداءها لوظائفها ما يوجب تحريرها من تلك القبضة وإعادة هيكلتها بما يكفل قوميتها.

* الدعوة في مجال الاقتصاد الوطني لاقتصاد يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية، وفق برنامج يضع تفاصيله مؤتمر اقتصادي جامع.

د. تقوم علاقات السودان الاقليمية على أساس ينطلق من روابط السودان العربية، والأفريقية، والإسلامية مع اهتمام أكبر بالروابط الأفريقية لمعالجة ما أصابها من إهمال. وتقوم علاقات السودان الدولية على احترام الشرعية الدولية، والتعاون مع الكافة بما يحقق مصالح مشتركة بلا تبعية وبلا عداء.

قوى النظام الجديد تتخذ من هذه المبادئ الأربعة إعلان مبادئ النظام الجديد، وعلى ضوئها يعقد مؤتمر قومي دستوري أو مائدة مستديرة أو ملتقى جامع للاتفاق على التفاصيل ومسودة مشروع دستور البلاد القادم.

ينبغي أن ندرك أن أية محاولة لتطبيق الإصلاح المنشود عن طريق القوة العسكرية أو الثورية إذا فشلت فسوف تزيد تمزق الجسم السياسي في البلاد، وتمنح النظام مبرراً لمزيد من القمع، وإذا نحجت، فإن كافة التجارب التاريخية تدل على أن الذين يطيحون بنظام القوة سوف يشكلون وصاية أوتقراطية جديدة.

2. إذا استبعدنا العنف في إقامة النظام الجديد المنشود يمكن لقوى المقاومة المسلحة أن تتخذ الموقف الآتي:

* اعتبار أن قضاياهم قد وجدت مرافعة قومية ودولية قوية.

* حقها في الاحتفاظ بقوتها وبمواقعها إلى أن يتفق على الحل السياسي.

* إلى حين ذلك إذا هوجمت فإن لها حق الدفاع عن نفسها.

* كذلك في هذا الأثناء تلتزم بالتعاون مع الإغاثات الدولية لتنظيم الإغاثات الإنسانية.

3. استبعاد العنف كوسيلة لإقامة النظام الجديد يبقي وسيلتين هما:

أ. وسيلة التراضي الوطني الجديد على سنة ما حدث في أمريكا الجنوبية، وما دعت إليه ميشيل باسيليه رئيسة تشيلي السابقة، وما طبقته كوديسا جنوب أفريقيا في عام 1992م.

ب. الانتفاضة المدنية التي تستخدم كل وسائل التعبئة والاحتجاج، والممانعة باستثناء العنف.

الوسيلتان توجبان تحريكاً شعبياً واسعاً بالإضرابات والاعتصامات، والحشود السياسية التي تقنع النظام ودعاة الإصلاح في داخله بعدم جدوى استمراره كما هو، فيتجاوب مع مشروع التراضي من أجل نظام جديد، أو إذا تمترس في الانفراد والعناد تؤدي لانتفاضة مدنية لإسقاطه.

4. القوى المتطلعة لنظام جديد بشكلها الحالي غير قادرة لتنظيم الضغط من أجل المائدة المستديرة، ولا هي قادرة على مهمة الانتفاضة المدنية، ولا هي إذا دخلت في تفاوض مؤهلة لإدارة تفاوض فعال.

ما الذي يؤهل قوى النظام الجديد للقيام بمهمتها التاريخية؟

5.الرأي الصائب في هذا الصدد الاتفاق على تكوين لجنة تمهيدية يسند إليها الدعوة لبرلمان شعبي يضم كافة فصائل التطلع لنظام جديد من:

* أحزاب سياسية.

* نقابات حرة.

* حركات شبابية.

* منظمات مجتمع مدني.

* جماعات المتضررين.

* نشطاء حقوق الإنسان.

* قيادات فكرية، ودينية، ومجتمعية.

* شخصيات وطنية ذات عطاء.

ويسند لهذه اللجنة التمهيدية مهمة تحديد النسب بين الأحزاب السياسية والقوى الأخرى، والنسب التي تراعي الأوزان فيما بين الأحزاب السياسية ليصير البرلمان الشعبي واقعياً في تمثيل قوى النظام الجديد.

ويسند لهذه اللجنة مهمة تحديد العدد المناسب لهذا البرلمان الشعبي وما يلزم لمراعاة كافة التوازنات المطلوبة الجهوية، والجيلية، والجندرية.

6. هذا البرلمان يضع نظاما أساسياً لقوى النظام الجديد، ويختار لها اسماً جديداً مناسبا لوظيفتها مثلاً: جبهة قوى النظام الجديد، أو أية تسمية مناسبة.

وبعد إقرار النظام الأساسي الجديد ينتخب البرلمان الشعبي الذين يتولون الرئاسة والعمل التنفيذي على أن يتولى الهيكل الجديد تحديد الأجهزة التابعة له في العاصمة والأقاليم، وفي كافة مواقع الحراك السياسي، والفئوي، والمطلبي، والمهجري.

ما لم نفعل ذلك فإننا بالغفلة عن الواجب نسمح للنظام وسدنته الاستمرار في التصور الواهم أن المعارضة ضعيفة ويلتمس من ذلك قوة لموقفه المتآكل.

إن المعارضة في الحقيقة قوية جداً، ولكن البارود مهما كان قوياً يتطلب الآلة المناسبة ليصير فاعلا.

هذه أطروحة للتعامل مع الآخر السياسي ما بين قوى النظام الحاكم وقوى النظام الجديد، والتعامل مع آراء قوى النظام الجديد، والرؤية المطلوبة لإقامة نظام جديد يجعل التعامل مع الآخر التزاماً مؤسسياً.

 

وعادةُ السيف أن يُزْهَى بجوهرِه وليس يعملُ إلا في يدَيْ بَطَلِ