نداء إلى المواطنين

نداء إلى المواطنين

 

    

 * * *

 نص الخطاب الذي القاه السيد الصادق المهدي في المؤتمر القومي

 بحدائق المقرن

 

* * *

 

 الجمعة 5 صفرسنة 1988هجرية 3مايو سنة 1968م

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

اخواني المواطنين والمواطنات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ـ وبعد

لقد انحدرت الحركة السياسية ببلادنا إلى درك هائل وأصبح الإنهيار في جميع مرافقنا العامة وشيكا وأن شئون الوطن وخاصة أثناء الازمات الطاحنة تصبح تلقائيا مسئولة مباشرة على أعناق كل والمواطنين سواء منهم العاملين بالسياسة وغير العاملين فكما أن في ساعات الحرب يصبح الشعب كله جنودا في ساعت الأزمات القومية يصبح الشعب كله مسئولا عن المصير.

لقد دعوناكم لنطلعكم على رأينا في أحوال البلاد سنطلع الرأي العام السوداني. كله وهدفنا من وراء ذلك هو تحقيق المشاركة الفعالة في بحث القضايا الأساسية وخاصة في ساعات المحنة القومية. لقد انقسم الناس قبل أكتوبر 1964م إلى قسمين فمنهم من كان يرى ضرورة اتخاذ الثورة منعطفا لتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها لحركة السياسية السودانية منذ الاستقلال وإعطاء الثورة مضمونا اصلاحيا محددا. ومنهم من كان يرى الثورة مجرد انتفاضة ضد الحكم العسكري للعودة بالبلاد إلى أوضاع الديمقراطية والحرية التي كانت ممارسة قبل نوفمبر 1958

لقد كنا من مارس 1963 ولكن القيادات السياسية التقليدية لم تتجاوب مع هذا الاتجاه بل كان هم الذين ساندوا الحركة الديمقراطية منهم هو إزالة الحكم العسكري فقط.. وكان بالامكان أن تنشأ منذ اكتوبر جبهتان الواحدة ترى القضاء على الحكم العسكري ورد الأوزان السياسية لاصحابها والحكم في ظل الدستور المؤقت لعام 1956م و الأخرى ترى القضاء على الحكم العسكري ضمن برنامج يهدف لتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السودان. و لكن حدثا لم يكن في الحسبان منع هذه المواجهة – ذلك الحدث هو اتخاذ الشيوعين السودانيين مسلك المغامرة ومحاولة استغلال حركة الثورة لصالح استيلائهم على السلطة ونتيجة لهذه المحاولة الخاطئة اضطرت العناصر المصلحة المجددة في داخل الأحزاب التقليدية أن تتجاهل خلافاتها مع الساسة  القدامى أن تجمد حركة التجديد الداخلية لتجمع كل العناصر السياسية في حركة مواجهة للمغامرة الشيوعية فنجحت في ذلك نجاحا تاما وكان ثمن ذلك النجاح هو اعطاء المجال لقيادات سياسية تآكلت وفاتها الزمن وإصابتها الغفلة التامة عن كل مايدور في السودان الجديد لتحتل مواقع هامة في حكم البلاد. بل أن السياسة ومارسها بعض القادة السياسين في تأييدهم للحكم العسكري وانتفاعهم بسلطانه . فبرزت تلك الهيئات للمشاركة في ظل النظام الديمقراطي دون ان تواجه أدنى محاسبة لها على ما ارتكبت ضاع الحديث عن أخطائها في زحمة الصراع الجديد.

منذ اكتوبر استمر تيار داخل حزب الامة ينادي بالتجديد والاصلاح وكتب له التفوق في حزب الامة فامتد بتكل الأفكار إلى محيط الائتلاف الذي نشأ بين حزب الأمة الوطني والاتحادي منذ انتخابات 1965م ووجد هذا الاتجاه نجاحا متواصلا حتى أخضع الحكم في البلاد لبرنامج الاصلاح والتجديد والأسلوب الجديدة الذي خرج بالناس من احتكار السياسة لسماسرتها إلى ربط السياسة بمصالح وتطلعات المواطن العادي في المدينة والبادية والريف فضاق الوطني والاتحادي كشريك في الحكم ومنها تحرير القطاع التقليدي الذي ظل الوطني الاتحادي معتمدا فيه على العناصر المستقلة التي لاترحب بمخاطبة مباشرة لأهله لأنهم كانوا حتى وقت قريب تحت سيطرة تلك العناصر المستغلة أمرا ونهيا.

لقد جزع الوطني الاتحادي من هذا الاتجاه وتجسدت مخاوفه فالاقبال الشديد الذي لقيه البرنامج والأسلوب من اتجاهين من الاتجاه الجديد في السلطة ومن المعارضة التي كانت تقف ضد الائتلاف بعناصره المختلفة.

وفي حركة سريعة لللحفاظ على وجوه اتجه الوطني الاتحادي إلى ائتلاف مع كل العناصر التي ضاقت ذرعا بالاتجاه الجديد كالتيار المحافظ في حزب الأمة وحزب الشعب الديمقرطي .ومنذ تلك اللحظة شعرت هذه العناصر بالعوامل الموضوعية التي تضمها إلى بعضها البعض وتماسكت متشبثة بالسلطة وبالبقاء بأي ثمن!

لقد أشرك حزب الشعب الديمقراطي هذا التجمع في الطلاء الذي تفرد به في مسرح السياسة السودانية وهو الابقاء على أكثر علاقات الانتاج والتعامل تخلفًا واستغلال في المسائل الداخلية. الحال أنه قد نشأت قوى سياسية اجتماعية جديدة من بين صفوف الأنصار والختمية والوطني الاتحادي وهي القوى التي مها فزعوا في وجهها تجمعوا!

اليوم وبعد حوالي أربعة أعوام من اكتوبر يجلس على كرسي الحكم في السودان عهد هو أضعف حكم مر على السودان منذ  استقلاله وأكثر عهد تفسخا وفسادا وهو يعيش في تناقض مع دستور البلاد القائم – عهد خرق الدستور وأباح كل محام الحكم السليم والقانون وارتكب ابشع أنواع استغلال النقود المحسوبية ليبقى في مقاعد الحكم بأي ثمن!

والسبب الأساسي لكل هذه الخطوات الانتحارية هو إدراك التجمع الذي يسند هذا العهد أنه بدون السلطة لايسوى شئيا بل أن السلطة في يد التجمع المجدد سوف تؤدي حتما إلى تصفيتهم وبذا فأنهم قد ارتكبوا هذه الجرائم وأباحوا لأنفسهم هذه المحارم للمحافظة على البقاء السياسي، ولقد فات عليهم أن ممارسةالسلطة بهذا الأسلوب وفي هذا  الشكل وبهذه  الغفلة واللامبالاة هي أقصر طريق إلى الفناء السياسي والعدم.

بعد حوالي أربعة أعوام من أكتوبر يجلس هذا العهد على صدر السودان وقد اضاع كل أمل في الحكم الصالح كما أودى بفرصة كتابة الدستور الدائم للبلاد ومارس الفساد بجرأة لم يستطع مثلها الحكم  العسكري نفسه.

حصـادنـا اليـوم هـو:

  1. الفشل في كتابة دستور البلاد الدائم وتعثر الأغلبية اللازمة لمروره ثم تعرضه للتآمر الذي أودى بكل فرصة.
  2. حكم تسنده القوى السياسية التقليدية وتمارسه عناصر هي من الضعف والتفكك والجهل بمكان منح البلاد أسوأ حكم عرفته على الاطلاق
  3. استبداد الفساد بالبلاد في كل مرفق وفي كل مجال مما جعل البلاد على حافة في مجالاتها الحيوية المختلفة.
  4. وفي مكان التطهير لازالة الوجود التي تقهقرت أمام الحكم العسكري والتي تتجسد فيها جيمع اخطاء الحكم منذ الاستقلال واستبدالها بدماء جديدة واتجاهات متحددة عادت الأمور لتترسب في ايدي أكثر العناصر تحجرا من ناحية التعصب الطائفي والحزبية الضيقة وأكثرها واتخاذ طلاء خارجي بالانتماء إلى سياسة خارجية تقدمية باسلوب التبعية المطلقة.

قيادة حزب الشعب تملك الأرض في البلديات في ابشع الصور بلا تعبير أو نباء وبمساحات لاتحصر. وفي المناطق الريفية في الشمالية وغيرها تمتلك الأرض في ابشع الصور من ناحية الكمية وعلاقات سياسة خارجية متحررة.

إن التحرر يبدأ بالداخل ولا يمكن تتجمع سياسي يحرص على التخلف السياسي والاجتماعي في المسائل الداخلية أن يكون تقدميا في أي اتجاه آخر. إنما المسألة مسألة تمويه مؤقت وتبعية تمارس ليجد هذا الاتجاه السياسي غير القادر على التفاعل في نطاق ظروف البلاد المحلية حماية من أبواق الاتجاه الخارجي الذي يسير في ركابه. وهذه الحلية ليست جديدة في مضمار السياسة فقد مارسها في عهد الإمام احمد في اليمن ومارسها حكام افغانستان ومارسها بعض مهراجات الهند ويمارسها بعض الامراء الحاكمين في دويلات جنوب شرق آسيا.

جميع العناصر السياسية التي ضاقت ذرعا بحركة الاصلاح والتجديد في نطاق السودان استظلت بهذه المظلة التي  فرطها حزب  الشعب الديمقراطي واستمرت حياته السياسة المتحجرة في داخلها وقف هذا التجمع حجر عثرة في سبيل تقدم السودان وكغيره من التجمعات السياسية التي تستمد وجودها من مصادر تقليدية فرض وصاية على البلاد بفهم انه ما دام مسنودا من الانصار والختمية والوطني الاتحادي فلا وزن لاي معارض له ويستطيع أن يفعل ما يشاء بالبلاد سواء وافق الدستور أم لم يوافق وسواء كان العمل صالحا أم فاسدا!! ان التجمعات المسنودة بمصادر سلطة تقليدية في العالم كله تقع في خطأ مماثل لهذا لأنها لا تحسب للتطور حسابا وهذا ما يجري اليوم في السودان. ان هذا التجمع خرق الدستور وأفسد في تصريف الحكم وقرر اندماجا دون إشراك القاعدة وقرر تنسيقا دون اشراك القاعدة حسم مشاكل تعدد المرشحين في مناطق السودان المخلتفة في اجتماعات داخل صالونات الخرطوم وفرض على كثير من المناطق الواعية مرشحين فقدوا الحاسة السياسية والحرارة السياسية وبالرغم من هذا كله فأن التجمع تعتقد ان موقفه صلبا وان أرادته نافذة!! ولو تفكروا لا دركوا انه لولا ان جدت ظروف قاهرة افزعتهم لما تجمعوا لأن بينهم ما صنع الحداد من المهاترة والمقاطعة والاحتكاك فنسوا كل هذا وغفروا كل تنقاضتهم ولحسوا كل مهارتراتهم ليواجهو خطر مشتركا داهمهم ووقع تخاذلا أمام الحكم العسكري.

ان العناصر الحاكمة اليوم تعلم جيدا أنها إذا فقدت الحكم فقدت الوجود السياسي لأنها اخطاءها وجرائمها ومفاسدها كافية لتصفيتها تصفية تامة وهي لذلك عملت كلما في وسعها لتحافظ على  السلطة ومارست في سبيل ذلك كل مفسدة وهي تعلم أن هذه هي آخر فرصة لها في أي انتخابات بالسودان لقد دخل هذا التجمع هذه الانتخابات بدون برنامج وبدون واجهة لاقناع الجماهير ولم يقدم للجماهير سوى الاندماج الذي عقدته القمة دون تجاوب مع القاعدة وسوى التنسيق مع الجناح المحافظ في ايلام حزبه وتعويقه وقد وجدوا لذلك خير من يتولى هذا الدور المجدب. وواجهة أخرى دخلوا بها هذه الانتخابات هي الحكم الحاضر الذي دخلت عليه ظروف الانتخابات والبلاد في حالة شبه انهيار في مرافقها الحيوية مما سنوضح تفاصيله في  غير هذا المكان. أننا لم نعتبر هذه الانتخابات اكثر من مجال لتحديد الوزن الشعبي للهيئات المختلفة وموقفنا من هذه المسألة هو:ـ

  1. إن الوضع القانوني والدستوري في البلاد رهين بكلمة القضاء التي يؤسفنا إن تأخرت تأخيرا غير منتظر وغير مفهوم والقضاء يعلم ضرر هذا على البلاد والمطلوب منه لم يكن أكثر من تفسير الدستور في بعض بنوده. وإن هذا التأخير يثير شكا كبيرا في استطاعة القضاء أن ينقذ البلاد من أزماتها الدستورية ولاشك ان هذا التخوف اصبح حيا قويا في نفوس المتهمين بأمر العدالة في البلاد والأمل معقود في رجال القضاء ان يعملوا على إزالة كل العوائق التي تقف في سبيل تصريف العدالة الدستورية ومعظمهم من الرجال الاكفاء المستحقين لهذا الأهل الرجاء.
  2. ان وضعا سياسيا جديدا قد فرض نفسه بقيام الانتخابات الحالية التي لها وزنها السياسي وان انعدم اساسها الدستوري. ولا سبيل إلى انكار هذا الوضع الجديد.
  3. ان لنا رأيا في تنظيم هذا الوضع وتحديد كيفية التوفيق مابين الحقائق الدستورية والحقائق السياسية أعلناه في غير هذا المجال وان الامر الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن هو ازمة الحكم في البلاد والطريق المسدود الذي اعترض الحركة السياسية في السودان.

وسنتحدث عن هذه الأزمة في مستوياتها الثلاثة:ـ المستوى الفكري، المستوى المنهجي المستوى العملي فيما يتعلق بالمستوى الفكري فأننا نلمس أن أطراف النزاع الفكري في البلاد أدت وستؤدي  إلى تنقاضات هائلة أحدثت جدلا عنيفا وأننا على ضوء الصراع الفكري في بلادنا واسترشادا بما وصل إليه التراث الإنساني المعاصر نعتقد أننا نستطيع حسم هذا الجدل على أساس أوضحناه في برنامجنا وخلاصة القول فيه:

  1. أن الحركة الإسلامية في البلاد وهي حركة أصيلة في نفس شعبنا تواجه رفضا من العناصر غير الإسلامية والعناصر المسلمة العلمانية الاتجاه.
  2. غن الحركة الإشتراكية مع ارتكازها على شعور حقيقي في نفس شعبنا الذي يرفض الاستغلال ويحرص على المساواة إلا انها تواجه رفضا بسبب ظلال التبعية التي تحوم حولها والاتحاد والتمسك بإذكاء نيران الفتنة الطبقية.
  3. إن الانتماء العربي يرتكز على عاطفة حقيقية في نفس أغلبية السودانيين يثير تخوفا واتجاها مضادا لدى العناصر الحامية والزنجية التكوين في البلاد.
  4. إن تطور مجتمعنا التقليدي ومن سوء الحال أن بدأت الحركة السياسية تخاطب القطاع الحديث منفردا مما أدى وسيؤدي إلى أسوأ انفصام في الكيان السياسي السوداني لابد أن يغوض القطاع الحديث في القطاع التلقيدي ويجره إلى القرن العشرين وإلا المستقبل مظلم.

 اننا نواجه هذه التناقضات المسلك الذي بيانه:ـ

  1. فيما يتعلق بالحركة الإسلامية فأننا نقدم نهجا إٍسلاميا يقبل الدولة الحديثة والمجتمع الحديث ويدرك ضروراته ويطمئن الاقليات الدينية المسيحية وغيرها على حقوقها كمواطنين وشعائرها كمعتقدين .
  2. فيما يتعلق بالحركة الإشتراكية فأننا نقدم نهجا يرفض الاستغلال ويعمل لازالة الصور المختلفة نهجا مؤمنا بضرورة العدالة في توزيع الثروة والسرعة في التطور الاقتصادي عن طريق  التخطيط وهيمنة الدولة مع رفض المضمون الالحادي الانتماء الأجنبي والولاء الطبقي  في مناهجنا الاشتراكية.
  3. وفيما يتعلق بالانتماء العربي فأننا نلتزم به متمسكين في ذات الوقت بالارتباط بالبيئة الأفريقية معتبرين السودان صاحب رسالة فريدة للعالمين العربي والأفريقي هي أنه يقع في مكان الواصل لما فصلته الصحراء الكبرىـ اننا نؤمن بوحدة المصير العربي ونعتبر السودان صاحب دور أساسي في تدعيمها.
  4. وينما تحرص القيادات  التقليدية على الاعتماد على القطاع التقليدي في تزكيز نفوذها وذلك باستغلاله والاستفادة من جهالة أهله ـ أن عددا من المرشحين في بعض مناطق النيل الأبيض وكردفان ودارفور وكسلا والشمالية سينالون أصواتا بسبب أن زعيما من زعماء الدين قال إن التصويت لهم يدخل الجنة هذا بصرف النظر عن موقف هؤلاء المرشحين من الدين وصالح الأعمال بل في بعض الأحيان بالرغم من بعهدهم عن الدين وعن صالح الأعمال.

 

كما تحرص القيادات الحديثة في الأحزاب الناشئة على مخاطبة وتعبئة القوى الاجتماعية التي ينطوي عليها القطاع الحديث ويحصون مخاطبتهم لها مع أنها لا تتعدى 12% من سكان السودان!!

نحن نقول إن في القطاع التقليدي شحنات ثورية واندفاعات اصلاحية لا بد ممن تعبئتها جنبا إلى جنب مع القوى الاجتماعية الراغبة في الاصلاح في القطاع الحديث أي لا بد من مخاطبة القطاعين في آن واحد. أما فيما  يتعلق بالمستوى المنهجي فإن برنامجنا اصلاح وتجديد قد اوضح سبيلنا إلى معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية الكبرى التي تواجه البلاد وهو مطروح لمناقشة الآخرين، الرأي العام السوداني مشكور لما اعطاه له من عناية وما أولاه من اهتمام.

اما فيما يتعلق بالمستوى العملي للأزمة السياسية فإننا قد رصدنا المشاكل الحالية العاجلة التي تواجه البلاد في حياتها اليومية وحددنا كيفية معالجتها وإذا وما وجدنا سبيلنا إلى السلطة فأننا سنطرح هذه المشاكل العاجلة ورأينا في علاجها النقاش موسع لنتخذ منه ومن برنامجنا المعلن ومناقشاته سياسة الحكومة الجديدة.

وإننا لن نشترك في أي صورة من الصور  في حكم مع العناصر التي نعتقد أنها مسئولة عن فساد الأحوال في السودان ولا نقبل التعامل السياسي معها إلا إذا أجرت عمليات تطهير واسعة في قيادتها السياسية وأدركت النهج الخاطئ الذي سارت عليه ونشأت في وسطها حركات تجديد زالت وجوه الهزيمة والتدهور من الصدارة.

ولكننا نقبل أن نشارك الحكم العناصر المؤمنة بالاصلاح والتجديد أياً كان حزبها  وقبل أن نكون الحكومة الجديدة إذا اعطينا التفوض لذلك سنفتح باب الاتصال والمناقشة مع كل العناصر التي تريد التغيير إلى أفضل في السودان. وكذلك مع الهيئات الاجتماعية المختلفة بهدف الوصول إلى خط اتفاق شعبي ليقوم الحكم وسنتخذ حيال كل المشاكل الكبرى التي تواجه الحكم مسلكا مماثلا ونحول دون احتقان المشاكل عن طريق مؤامرات ومناورات السياسيين بحسم القضايا الرئيسية عن طريق الاستفتاء الشعبي وهذا الاتجاه هو عبارة عن السبيل الوسط بين تعدد الاحزاب المطلق ونظام الحزب الواحد:ـ

السبيل الوسط هو تنظيم الحزبية وفتح مجال الحسم الشعبي خارج اجهزة الاحزاب للقضايا الرئيسية:

إن الناس يضيقون ذرعا بتحولات النواب وينتظرون تشريعا يمنع ذلك ولكن قبل هذا التشريع لا بد من تنظيم الحزبية وتسجيلها والتأكد من ممارستها لدساتير تكوينها، إذا كان في تحول نائب غبن فما مدى الغبن في ان يحل شخص حزبا دون الرجوع إلى هيئته التأسيسية أو مؤتمره العام كما زعم السيد الهادي المهدي أنه فعل بحزب الأمة، والسيد اسماعيل الازهري أنه فعل بالوطني الاتحادي؟ وأهم من ما سيلزم به برنامجنا العملي هو الملف الثوري في مواجهة قضايا الفساد وتطهير البلاد من العناصر الفاسدة ومواجهة القضايا العاجلة الملحة.

هذا في حالة أن نجد يدا في تصريف الأحوال. أما إذا وجد التجمع المذكور أغلبية تمكنه من الاستمرار في الحكومة الحالية أو تكوين حكومة بنفس السند ومن نفس العناصر مع تغيير التشكيلة فموقفنا من ذلك هو:ـ

إن هذا الحكم قد وصل بالبلاد إلى حافة الهاوية:

ففي الناحية المالية نقضت الحكومة كل الاصلاحات التي عملت لايقاف التدهور المالي وفتحت أبوابا جديدة للتدهور، وتواجه البلاد انعداما في السيولة النقدية لم تشهد له مثيلا وفي الشهر الجاري لم يكن دفع المرتبات إلا بعد استيلاء الخزينة العامة على كل رصائد الهيئات الحكومة وشبة الحكومية والاحتياطية كاحتياطي لجنة مشاريع النيل الابيض وخلافها وكذلك صرفت الخزينة حوالي نص مليون مقدما على حساب أرباح البنك المركزي .واتخذت كل هذه الإجراءات غير العادية لدفع مرتباب الشهر الجاري اما مرتبات الشهر القادم فلا سبيل لدفعها إلا إذا تخطت الحكومة الحد الأقصى من مديونيتها لدى بنك السودان. إن التزامات الحكومة المركزية للحكومة المحلية لم تدفع واستعملت الحكومة  المركزية بعض إيرادات الحكومة المحلية لفض ضائقتها المالية مما أدى إلى عدم استطاعة الحكومة المحلية القيام بواجبها نحو أصحاب الأراضي السكنية وعدم استطاعة الحكومة المحلية دفع رواتبها في كثير من المجالس لموظفيها.

المشروعات الانشائية الكبرى توقفت والتخطيط المزمع اوقف وجميع الاصلاحات التي كانت مقررة في عهد الحكومة الماضية كالاصلاح المصرفي والاصلاح الزراعي جمدت واتضح إن ما صرف على الانشاء هذا العام لم يتجاوز حتى الآن 10مليون جنيها وقد بقى للسنة المالية شهران ووزير المالية وعد المواطنين أنه سوف يصرف 45مليون من الجنهيات على  الانشاء والتعمير توقعها من قروض لم تصل بعد وأن وصلت اليوم فلا سبيل لصرف 35 مليونا من الجنهيات في ظرف شهرين في عمل مفيد اللهم إلا إذا استخدمت في دفع المرتبات والتزامات الحكومة الجارية.

راح وزير المالية في تصرفات غير مسئولة يهمل وزارة المالية مع كل موظفيها بغير مراعاة لتسلل المسئوليات محدثا الفوضى في العلاقات واجراءات العمل واعدا كل من يقابله بالباطل دون بحث الموضوع مع الأجهزة المختصة لتحديد كيفية تحقيق ذلك الوعد كالخمسة وعشرين قرشا الأخيرة التي قررها للمزارعين دون علم مجلس إدارة الجزيرة ودون علم وزارة المالية أو علم أي جهة يهمها الأمر: صدر الوعد لمخاطبة المزارع كناخب فإذا أدلى بصوته للمكان الذي يريده وزير المالية فلا يهتم بما يكون عليه مصير وعده.

وما مسألة تمويل المشاريع الخاسرة الاصرار على نهج المحسوبية والفساد الداهم الذي سارت عليه هذه الحكومة فاضاعات أموال دافع الضريبة في جيوب ااصارها.

والخراب الذي ساقه وزير المالية لمنتجي الذرة هو ايضا نتيجة مباشرة لسياسة الارتجال والمبالغة لكسب التأييد ثم يجد الموعودن الخذلان المبين. لقد اعلنت الحكومة كل من يستطع أن يزرع ما يستطيع من مساحة بل والغت الدورة والغت الحدود المعمولة للمراعي لتثبت للرأي العام اهتمامها بموضوع الذرة ووعدت بالمساعدة في نقله وتسويقه وعندما ظهر المحصول بدأت الوعود بتسهيل النقل والتخزين وشراء الحكومة لبعض المحصول في حدود ثلاثة ملايين من الجنيهات مشوبة بالمحسوبية لبعض التجار ولان ما اشترته الحكومة من المحصول لايبلغ نصف العشر من المبلغ الذي وعدت أن تشتري به  فمنتج الذرة قد ساقته هذه الحكومة من يده للدمار والخراب ووزارة التجارة سخرت لأغراض الحزب الاتحادي الديمقراطي ومفاسدها لسيت مفاسد خاصة بالوزير بل كان الوزير ينفذ قرارات حزبية اشتركت فيها قيادة الاتحادي الديمقراطي من كل منابرها فخربت ميزانية النقد الأجنبي التي كانت موضوعة وخربت نظم وكمياته وأفسدت الأوضاع التي يفرضها على البلاد ميزان المدفوعات وساقت الثراء إلى أعيان وأعوان الاتحادي الديقمراطي وأدخلت على الحزب عن طريق ماسمي تبرعا جزاء من تلك المنافع ونحن نقول هذا ولدينا الأدلة المادية عليه.

ووزارة المواصلات عن طريق الاهمال عاشت في أزمات متتالية بني الوزارة والعمال وبين الوزارة والادارة وبين الوزارة والتجارة وليس أدل على انهيار هذه الوزارة من أن 33% من أمكانياتها معطلة في موسم نقل المحاصيل النقدية هي المسئولة عن كارثة التسويق التي تواجه محاصيلنا النقدية وهي المسئولة عن كارة السماد التي تواجه مشروع الجزيرة وهي المسئولة عن كارثة التموين التي ستواجه البلاد حتما.

ووزارات الصحة والثروة الحيوانية والاشغال والتعليم واجهت اضربات واستقالات جماعية وتلقبات لم تشهداه في حياتها تأكيدا للأنهيار الذي واجه هذه المرافق الهامة وإبراز للفشل الذريع المريع الذي يعيشه هذا العهد والدمار والمحيط بالسودان على يديه.

ان تفاصيل هذه المفاسد ومستنداتها سيفصل على الرأي العام السوداني في غير هذا المقام وماذكرناه هنا أنما على سبيل المثال لتأكيد انه إذا ما أتيح لهذه التشكيلة الحاكمة بغير دستور ولا شرعية ان تستمر في الحكم هو عدم الاشتراك معه في أي صورة وتجميع كل القوى المصلحة المجددة وموقفنا من مثل هذا الحكم وهو عدم الاشتراك معه في أي صورة وتجميع كل القوى المصلحة المجددة الوطنية للقضاء عليه عاجلا وأجلاوالمعركة هي معركة أن يبقى السودان أو لا يبقى لأن كل اتجاهات الحكم القائم حاليا هي تفتيت للسودان وتحطيم لكيانه وافساد الأوضاع واضاعه له في غير ذاته.

وان وجدت الحكومة الحالية أو الأحزاب المكونة لها أغلبية  فستعتبر  أن في ذلك تأييد لسياسة الفساد وستشرع فيه اكثر ضراوة وشراسة من حالها اليوم.

أننا نعتقد أن في صفوف أحزاب الحكومة بعض العناصر الوطنية الواعية التي يمكن أن تشترك في اصلاح الأحوال وتغيير الواجهات التي أحاطت بها أوزار الوزارات ونحن نخاطب هذه العناصر بالحاح  ان تتخلص من العصبية الحزبية وتعمل لاصلاح احزابها وتظهرها من العناصر الفاسدة لتشترك في مهام بناء الوطن.

لقد تكلم الناس كثيرا عن نتائج الانتخابات ونحن لم نعط تقديرات لمواقفنا وموقف الآخرين مع أننا الحزب الوحيد الذي يستطيع أن يعطي فكرة عن واقع الاحوال ولا تصاله الشامل بكل  القاعدة السياسية في السودان.

إن أحزاب الحكومة قد فأجاتها الانتخابات فأذهلتها عن صوابها وواجهتها بموقف جعل ليالي زعمائها السياسية في كثير من الأحيان تفرق عن طريق البوليس لما احاط بها من  هرج وحدث هذا في أمدرمان وفي عطبرة وفي مدني وفي بعض الأحوال فقلت السبل أمام وفد مركزها العام كما حدث في الحوش وفي بعض الحالات رفضت اللجان ان تستمع لتعليمات القيادة المكتوبة كما حدث في كسلا وهكذا في كل مكان مفاجأة وحادث بالمقارنة  فأن حزبنا عقد مئات الليالي السياسية والندوات وحسم مئات المشاكل المتعلقة بتعدد المرشحين وطاف الآف الاميال فلم يجد فيها اعتراضا وعائقا او حدثا غير التعاون والتفاهم التام بين القيادة والقاعدة.

وبالرغم من كل هذا فأننا لم نقل ولن نقول اننا سنكسب كذا مقعدا كما فعل الآخر وتضيللا للمواطنين السودانيين كما مارسو قبل كل نتائج انتخابات بالسودان ولكن الذي نقوله هو أن حزبنا يكسب من المقاعد أكثر مما يقدره له المراقبون اليوم وذلك لاسبابا موضوعية هي:ـ

  1. لم يفاجأ حزبنا بالانتخابات كما فوجئت الأحزاب الأخرى وكان أكثر انتظاما في اتصاله بالقاعدة وشرح برنامجه والسيرفي المعركة الانتخابية.
  • لم يتمكن الاتحادي الديمقراطي من حسم مشاكله بل دخل الكيد في صوفه بين تياراته المضارعه واجنحته وقد استفدنا فائدة كبيرة من هذه التناقضات، ولم يتمكن الحزب الاتحادي الديمقراطي من استثمار كل نوايا جناح السيد الهادي نحو حزب الامة.
  • قائمة مرشحي حزبنا تفوق الاحزاب الأخرى المنافسة فيما يتعلق بشخصية المرشح فالمرشحون الذين قدمناهم في أغلب الاحيان اكثر تعليما وقدرة على تنظيم وخوض المعارك الانتخابية.
  • تمويلنا ا لحركة الانتخابية صرف عن طرق لجان منظمة واكثر خبرة بينما كانت الاموال الاحزاب الاخرى وهي اكبر في حجمها تبدد في خضم الاختلافات والمنافع التي حولت جزءا كبيرا منها عن اتجاهه الطبيعي.
  • دخل رجالنا الانتخابات شاعرين بحق انهم مظلومون فتفانوا في عملهم تفانيا لم تتمكن من مجازاتهم فيه العناصر التي اتخمها ظلمها للآخرين وأبطرها الاعتماد على الاندماج والتنسيق.

الخلاصة:

ان أوضاع السودان تعاني تأزمنا غير عادي ما يفرض على الناس تخطي الحدود الحزبية والتفاهم حول مصير البلاد.

ان مسألة الاتنخابات ونتائجها لاتغيير في الاوضاع من الناحية الدستورية وهذه مفروض ان تحدد على ضوء قرار القضاء يوما ما.

ولكن الانتخابات سوف تأتي ونتائجها بوضع سياسي جديد لابد من الاعتراف بواقعه واننا نعمل لكي نوفق بين الوضع الدستوري والشرعي وبين الوضع الواقعي.

وتقول اننا ما وجدنا سبيلنا إلى السلطة سنطرح مسكلنا  لمشاركة كل القوى الاجتماعية الراغبة في التجديد والاصلاح وسنير إلى الإمام بكل هذه الجبهة لمواجهة مشاكل البلاد ونهجنا وبرنامجا وعلاجنا للمشاكل العاجلة هي مجالات المناقشة والتفاهم التي نتفحها مع غيرنا من  المواطنين وإذا وجدت التشكيلة الحاكمة حاليا سبيلها إلى السلطة فأننا نعتقد ان سيرها في خط تدمير السودان هو الاذان لنا بتعبئة كل القوى الاجتماعية الاصلاحية بكل الوسائل المشروعة لأنها وضع سوف ينهي السودن إذا تركله المجال. والمسألة هنا ليست مسألة مجادلة واقناع من جديد فأن الحائق الملموسة توضح دون عناء كيف افسد العهد الحاضر اوضاع السودان وتوضح ان هذا العهد غير متشكك في هذا الاتجاه  بل أن السيد أسماعيل الازهري قال أن مسائل الفساد هذه مبالغ فيها أي انه ينكر وجودها والامور تسير سيرا حسنا في نظره!! ان سيرنا السياسي منذ ا كتوبر أصيب باخفاقات كثيرة اشدها وقعا على البلاد هو عدم التمكن من تجميع الارادة الاصلاحية السودانية الراغبة في التغير الهادفة لنباء الوطن وتشييد الدولة الحديثة للقضاء على المسلك البالي في العمل السياسي الذي يحرص على المحافظة على اوضاع الحالية كما هي ويقدم لقيادة الناس شخصيات عض فيه الفساد حتى قصمها ونحن نعلن اليوم أن نداء الوطن الملح هو تصحيح هذه الاوضاع ونحن سنعفل ذلك من منبر السلطة ان فوضنا لذلك كما بدأنا يوما من ا وسنستمر في تلبية ذلك النداء من غير مبر السلطة ان لم نفوض لانقاذ ا لوطن.

ونلمس ان مشاكل عديدة تحيط اليوم بمحيطنا العربي والافريقي يؤزمها في النطاق العربي استهتار اسرائيل ومن ورائها قوى الشر والاستعمار العالمية مشاكل تنتظر مشاركة اصيلة ومساهمة رائدة وتضحية فائقة وخروج اساليب التهريج والتعبية العمياء إلى اسلوب العمل المنظم الجاد في النطاق السياسي والاقتصادي والعسكري العمل الذي يدلي فيه كل بطاقته ومجهوده مرفوع الرأس موقور الكرامة فلا تبعية ولاذيلية.

بهذا الاسلوب وحده يمكن للأداء العربي ان يتجه نحو غاياته.

اننا أيها الاخوة دعوناكم لاطلاعكم على هذا الموقف الخطر ولا نقول اننا أعلم منكم به ولكن هذا مبلغ اجتهادنا نطرحه بوضوح لكل منارات شعبنا لنفيد ونستفيد من النقاش الواسع الذي نرجو ان يدور حول مصير البلاد بمشاركة حقيقية ووعي وشعور بالواجب لدى المواطنين جميعا. الاحزاب التي دخلت الانتخابات دون برنامج شرعت الآن قبيل النتائج تفكر في المستقبل على اساس المساومات والمقاعد والوزارية دون أي أعتبار لسياسة الحكم أو مواجهة مشاكل البلاد ولابد أن تتجمع العناصر المسئولة في بلادنا وتعزل هذا الاتجاه السطحي المخرب وتفذ بما  تفكر وتضع من حلول إلى لب الموضوع الذي يواجه البلادج ومساهمة منا في هذا الاتحاه إلى هذا الاجتماع وسندعو لغيره حتى يكتمل البلاغ. والله ولي التوفيق.