نداء المهتدين

بسم الله الرحمن الرحيم

نداء المهتدين

 

5/9/2019م

أمتنا اليوم مفرقة دولاً وقوميات ومذاهب، ولكنها رغم ذلك مشدودة إلى مصير واحد، تشدها العناية وتطلعات شعوبها وتعامل الحضارات الأخرى معها.

يؤرق أمتنا في غالب الأحوال غياب الانسجام بين حكوماتها وشعوبها، حالة باستمرارها تفسح المجال للغلاة من بني جلدتها، وللغزاة من خارجها لبسط أجنداتهم على أمتنا.

لذلك ينبغي إجراء حوارات بين الحكومات وشعوبها لتحقيق عبور نحو حوكمة راشدة تقوم على: المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون. هذا الهدف التاريخي يرجى أن نضعه نصب أعيننا، وأن نجد السير إليه بعون الله وتوفيقه.

هنالك خمس قضايا ذات أولوية خاصة يرجى أن نقر بها، وأن نشحذ العزم للاستجابة لواجباتها هي:

أولأً: طرأت على أمتنا منذ الصدر الأول فتنة منذ اغتيال الخليفتين الراشدين عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهما، فتنة استمر أثرها الماحق 14 قرناً من الزمان، وغذت استقطاباً مذهبياً فرق كلمة الأمة وما زادتها الأيام إلا تبايناً، فسمى أهل السنة الشيعة روافض، وسماهم الشيعة نواصب، ودبج الطرفان الحجج المعادية من أحداث التاريخ وشواهد النصوص.

هذا التباين المذهبي لا يمكن القضاء عليه بقوة المنطق ولا بمنطق القوة، والخيار الوحيد الحكيم المتاح لنا هو التعايش بيننا على أسس أننا أهل قبلة واحدة، يجمع بيننا التوحيد، والنبوة، والأركان الخمسة، والمعاد، ومكارم الأخلاق. ما عدا هذه العقائد الجامعة تفرق بين أهل السنة والشيعة معتقدات مذهبية غير ملزمة لغير أصحابها، واعتبار هذه الخلافات من الأشياء المرجأة: (فاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[1].

هذا الموقف الحكيم من خلافات أهل السنة والشيعة ينادي به دعاة السراط المستقيم من المذهبين، وينبغي الاتفاق على ميثاق يلزم أطرافه، وجعل أية حوارات خالية من العبارات النابية، ملتزمة بنهج (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ)[2].

هذا الموقف ضروري لسد الذرائع في وجه الغلاة والغزاة.

ثانياً: إن عدداً من أقطارنا تواجه حروباً أهلية مدعومة من خارجها، هذه الحروب في ليبيا، وفي اليمن، وفي سوريا تغذيها ولاءات مورثة، وتدعمها قوى من  خارجها، ومهما تطاول بها الزمن فإنها سوف تستمر دون حسم عسكري، وتؤدي لخسائر فادحة في الأنفس والثمرات والأموال وتعمق الأحقاد، لذلك ننصح في أمرها بالاتفاق على الآتي:

  • أن تقبل أطراف الاقتتال وقفاً فورياً لإطلاق النار.
  • أن تقبل أطراف النزاع الجلوس على مائدة مستديرة للتفاوض من أجل اتفاق سلام يخاطب ويعالج أسباب إندلاع الحرب، أن يجلسوا لهذه المهمة دون أية شروط.
  • ويرجى أن يؤدي هذا التفاوض لحل سلمي ما دام الحلول العسكرية قد استحالت.

ثالثاً: تكوين مجلس التعاون الخليجي إنجاز تاريخي، كان الأمل أن يتطور لتوحيد أكبر بين دوله، ولكن لأسباب التنافس والخصام دبت بين دوله خلافات أدت لقرار بعض دوله بإقصاء إحدى دوله ما أفرز استقطاباً بين طرفين وحياد طرف ثالث. والآن بعد فترة طويلة من الحرب الباردة تدخلت عوامل من خارج دول المجلس أبطلت مفعول الحصار، وصار الاستقطاب ضاراً بكل أطرافه وبعيداً عن تحقيق مقاصده. كل أمر يحقق عكس مقاصده ينبغي العدول عنه.

إننا نقدم نصحاً خالصاً مخلصاً لأشقائنا في دول الخليج ان يقبلوا على تفاوض بينهم دون شروط مسبقة لإبرام اتفاق على الأسس الآتية:

  1. القبول المتبادل للسلطة الحاكمة في دولتها.
  2. اتخاذ موقف منسق بينها إزاء الحركات الفكرية، والسياسية، ذات الأيديولوجيات المتعدية للحدود القطرية.
  3. إدراك أن العهد الاجتماعي القائم على الرعاية الأبوية الريعية قد تجاوزه الزمن، مما يوجب اتخاذ عهد اجتماعي جديد، يراعي تطلعات التحديث ويوفق بين التأصيل والحداثة.
  4. السعي لتنويع مصادر الثروة والحرص على عدالة توزيعها، وبسط العدالة الاجتماعية، وضبط الإسراف الاستهلاكي.
  5. إلإلتزام بسياسة واحدة وعادلة نحو العمالة الأجنبية.
  6. الإلتزام سياسياً وإعلامياً بعدم التدخل في شئون البعض الداخلية.
  7. تنسيق المواقف في التعامل مع الآخر الدولي.
  8. إقامة محكمة خليجية للمساءلة على أي إخلال ببنود هذا الاتفاق.

رابعاً: لا يخفي على أحد أن هنالك مشروع تآمر على أمتنا هادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وسائر القضايا العربية العالقة، بدءاً بالموقف من القدس ومن الجولان ومن المستوطنات ومن العودة المقررة دولياً. ينبغي التصدي لإبطال هذه المؤامرة، وتأكيد الإلتزام بالحقوق العربية والفلسطينية المشروعة، ورفض التعامل مع هذا التآمر الآثم المرفوض دينياً وقومياً ودولياً بل وإنسانياً.

خامساً: الجوار العربي، الإيراني، التركي يقوم على ملة مشتركة، وعلى التاريخ والجغرافيا. لا يمكن تحقيق الأمن القومي لهذه الأطراف الثلاثة إلا بإبرام اتفاقية أمنية تلزم أطرافها بالتعاون الأمني والتنموي والثقافي، وعدم التدخل في شئون بعضهم الداخلية. هذا الموقف يمليه العقل، والوعي، والمصالح المشتركة.

ختاماً: لقد تنادينا نحن الموقعين أدناه لا كحزب سياسي بل كجماعة حركها حرصها على مصير أمتها، لن يسمح لها ضميرها بموقف المتفرج من قضاياه: “وقد نُصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائل”.

لقد عزمنا على تقديم هذا النداء وسوف نتبع القول بالعمل إذا رحبت بذلك كافة الأطراف المعنية. (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةْ)[3]، (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ).[4]

 

والله ولي التوفيق.

 

[1] سورة الحج الآية (69)

[2] سورة النحل الآية (125)

[3]  رواه مسلم

[4] سورة النساء الاية (128)