نداء: لا للاضطهاد

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 اليوم العالمي لحقوق الإنسان

الأمم المتحدة بالتعاون مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

قاعة الصداقة

9 ديسمبر 2010م

نداء: لا للاضطهاد .

الإمام: الصادق المهدي

بدعوة كريمة من بعثة الأمم المتحدة للسودان، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ طلب مني رفع نداء: لا للاضطهاد. وأنا أرحب بالحديث في هذا الموضوع الهام وأثمن أهميته الفكرية والمعنوية والسياسية وأثره في السلام الاجتماعي داخل الدول وفي الأمن والسلم العالميين.

إن للاضطهاد مجالات كثيرة تعم كل مناشط الإنسان وسوف أتناول في هذه المحاضرة سبعة ملفات هي الأهم من حيث ما وقع فيها اضطهاد تاريخيا وفي الحاضر والمستقبل المنظور. وسوف أتناول بيان مواقف البشر من الاضطهاد في تلك المجالات، وما فعلته الإنسانية في ملفات الاضطهاد، وما هي الرؤية المستقبلية؟

عرفت الإنسانية الاضطهاد الديني- والعرقي- والنوعي- والثقافي- والسياسي – والأيديولوجي- ولكافة أنواع المنكوبين من مصابي أمراض ومسجونين. سوف أتناول هذا الموضوع عبر نقاط محددة.

الأولى: بين الأنا وقبول الآخر:

ينقسم العالم في أمر موضوعنا إلى قسمين: ذهنية الأنا. وذهنية قبول الآخر. ذهنية الأنا هي مصدر الاستغراق في الذات وبالتالي الاستبداد على الآخرين واضطهادهم. وذهنية قبول الآخر تعني قبول الآخر ومن ثمّ التعامل معه على أساس ما نحب أن يعاملنا به. هذه الذهنية هي التي توجب إقامة العدل.

إن تطور المجتمعات الإنسانية مرتبط بهذه الجدلية الأنا والآخر. وكلما كان الأفراد أو المجتمعات مستغرقة في الأنا فهي حتما تفرز الاضطهاد. وكلما كانوا قابلين للأخر فإنها حتما تقيم موازين العدل.

ثانيا: مصدر الاضطهاد:

حب البقاء من طبع كل الكائنات الحية وفي سبيله يقع بينها تنافس واقتتال يدور حول ثلاثة منافع هي: الموارد- والنفوذ- والجنس. وفي الطبيعة الحيوانية فإن هذا التنافس يحسم بالقوة على نحو مقولة أبي الطيب:

وَدَعوى القَوِيِّ كَدَعوى السِباعِ مِنَ النابِ وَالظُفرِ بُرهانُها

هذه الأنانية المسلحة بمنطق القوة تمتد من الفرد إلى الأسرة إلى الجماعة إلى الدولة إلى الإمبراطورية. وفي كل هذه الحالات يتجه الأقوياء إلى فرض سلطانهم على الآخرين كما قال الشاعر بشار بن برد:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلـــة ذرى منبر صلــــــى علينا وسلمـــا

هذه الذهنية الأنانية هي مصدر الاضطهاد وهي التي لطخت تاريخ الإنسانية بالدماء.

ثالثا: مهما تحدث البيولوجيون عن الأصل المشترك بين الإنسان والحيوان وهي حقيقة قرآنية جاء فيها: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم) الإنسان جزء من الحيوانية ولكنه مفارق لها بما فيه من ملكة العقل، وبالنسبة للفكر الديني فإن النص التوراتي يقول: إن الله قد خلق آدم على صورته. ولكن في النص الإسلامي عدول عن الصورة إلى المعنى الروحي: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ) . هذه المفارقة الإنسانية هي التي هيأت الإنسان لاعتبار قوة الحق.

الإنسانية على الصعيد الوضعي أثمرت فلسفات أخلاقية تتجاوز الأنا وتوجب احترام حقوق الآخر. وعلى الصعيد الديني فإن الإنسانية في كل ثقافاتها استجابت لرسالات ذات محتوى أخلاقي.

فلسفات الأخلاق الوضعية تطورت من مفهوم مادي يرى أن السلوك الخلقي هو الذي يحقق أكبر درجة من المتعة. إلى فلسفة تفترض أن في الإنسان ضميرا خلقيا، إلى مقياس موضوعي وضعه علمانويل كانط هو: أن السلوك الأخلاقي هو ذلك الذي إذا عم تطبيقه تكون النتيجة حميدة.

رابعا: الفكر الديني التقليدي يرى أن السلوك الأخلاقي هو ذلك الذي أمرت به النصوص المقدسة.

وفي الإسلام قال قوم بهذه المقولة ولكن في الإسلام أسسا موضوعية للأخلاق: أدناها المعاملة بالمثل. وأوسطها المعروف والمنكر. وأعلاها الإيثار: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .

على الصعيد النظري توجد في الإسلام نصوص نافية للاضطهاد أهمها:

  •  احترام كرامة الإنسان كإنسان. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) .
  •  الاعتراف بالتعددية الدينية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .
  •  الاعتراف بالمساواة الإثنية: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) .
  •  الاعتراف بالمساواة النوعية: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) .

ولكن الدولة الإسلامية التاريخية والمجتمعات الإسلامية مارست الاضطهاد بكل أنواعه: الاضطهاد السياسي – الديني- الاثني- والنوعي. ثقافة الاضطهاد هذه هي التي تحكمت في المجتمعات الإسلامية المعاصرة بحيث بدا الحديث عن نفي الاضطهاد الذي احتوت عليه المواثيق الحديثة كأنه غزو ثقافي وفكري. ولكنني في كتابي: الإنسان بنيان الله أوضحت بالدلائل أن حقوق الإنسان العالمية إنما تفرعت من خمسة أصول: وأن تلك الأصول الخمسة وهي: كرامة الإنسان- وحريته- والعدالة- والمساواة – والسلام؛ أصيلة في نصوص الوحي الإسلامي ولكنها غريبة في ممارسات المجتمعات الإسلامية المعروفة.

الدين اليهودي من حيث المبدأ يقوم على تمييز عنصري بين بني إسرائيل، الذين هم شعب الله المختار، والأغيار الذين هم بقية البشر. المسيحية لا سيما على يد القديس بولص خرجت من الإطار العشائري الذي قالت به اليهودية إلى الأممية. ولكنها أممية مشروطة فالإنسانية ساقطة في وحل الخطيئة الأولى ولا نجاة لها من ذلك إلا بالإيمان بفداء المسيح عليه السلام.

وعلى أساس تعاليم المسيحية نشأ النظام الأكليروسي ليمارس سلطانا كنسيا على الناس. هذا النظام هو الذي أعطى حقا إلهيا لسلطان الملوك وأقام سلطة ثيوقراطية تمثل الإرادة الإلهية. سلطان الكنيسة أعطى قيادتها حقا مطلقا في دعم النظام السياسي الاستبدادي وفي نفي الآخر الديني وفي حجر حرية الفكر وفي التصنيف العرقي للبشرية.

وقصة الخلق اليهودية تصنف البشر على أساس عرقي. والمرأة في اليهودية هي المسئولة عن إخراج آدم من الجنة لذلك تخضع لعقوبات بيولوجية. وفي المسيحية فإن تعاليم القديس بولص تجعل المرأة مخلوقا ناقص الإنسانية والعقل والدين والأخلاق.

الأسس النظرية لليهودية والمسيحية نافية للآخر وهي التي أشعلت حروب دموية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية حرب المائة عام وحرب الثلاثين عاما في أوربا.

التعصب المسيحي أعطى أساسا دينيا لرسالة الرجل الأبيض التي كانت مبررا أيديولوجيا للإمبريالية.

والأطماع الامبريالية هي التي أدخلت الإنسانية في اضطهاد الشعوب في كثير من أجزاء العالم لا سيما في آسيا وأفريقيا. غلو سلطان الكنيسة هو الذي أثار ضدها ثورات ناسوتية أنكرت أي وزن للمصادر الغيبية وجعلت الإنسان هو قائد دفة مصيره.

فأدى ذلك من منطلق قومي للفاشستية ومن منطلق مادي للشيوعية. وهذان النهجان صارا أساسا لنفي الآخر بلغ أقصى درجاته مما أدى للحرب الأطلسية الثانية، كما أن العصبية الشيوعية أزهقت ثمانين مليون نفس. الفاشستية مارست الاضطهاد باسم التفوق القومي.

والشيوعية مارسته باسم التفوق الطبقي. الحضارة الغربية مارست بالإمبريالية، وبالرق، وبالفاشستية، وبالشيوعية، أقسى أنواع الاضطهاد. ولكنها شهدت ثلاث ثورات هي:

  •  الثورة الصناعية التي حققت التنمية الاقتصادية.
  •  والثورة السياسية التي حققت الديمقراطية.
  •  والثورة الثقافية التي حققت حرية الفكر والبحث العلمي.

هذه الثورات هي التي كونت الحضارة الحديثة التي هيمنت على العالم.

الحضارة الحديثة أسست على تراث الاستنارة التي أخرجت الغرب من ظلام القرون الوسطى واستطاعت أن تقود الإنسانية في عهد جديد لحقوق الإنسان. إن فداحة التجربة الغربية مع الاضطهاد هي التي حركت الضمير الغربي فأثمر ذلك ثورة حقوق الإنسان التي تمثلت في مواثيق هدفها بناء نظام إنساني خال من الاضطهاد. تلك المواثيق أهمها:

  •  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م.
  •  العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية 1966م.
  •  العهد الدولي للحقوق المدنية 1966م.
  •  عهد القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة 1979م.
  •  معاهدة حقوق الطفل 1990م.
  •  مجموعة من الاتفاقيات والعهود والمواثيق لحماية حقوق اللاجئين، والسكان الأصليين، والأسرى، والسجناء، والمعوقين.
  •  وضع حد للإفلات من العقوبة عن طريق نظام روما.

واتخذ النظام الدولي آليات لمتابعة الالتزام بهذه المعاهدات في واقع البشرية أهمها:

  •  مجلس حقوق الإنسان الذي يجتمع سنويا للاطلاع على حالة حقوق الإنسان في العالم.
  •  المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
  •  تكوين محاكم دولية خاصة لعدم الإفلات من العقوبة.
  •  المحكمة الجنائية الدولية للمحاسبة على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وشن الحرب العدوانية.

خامسا: الاضطهاد في عالم اليوم:

على الصعيد النظري صارت الإنسانية تتحدث لغة مشتركة حددت أصناف الاضطهاد الممارسة في العالم وأبرمت المعاهدات للقضاء عليها.

وصار الضمير الإنساني يدين الاضطهاد ويعتبره أمرا غير أخلاقي. ويدرك أنه خطر على السلام الاجتماعي لأنه “لا سلام بلا عدالة” كما يبث فكراً نيراً يعلن أن تقدم الحضارات يقاس بمدى إنصافها للشرائح الضعيفة فيها. بل صار الضمير العالمي يبرر حركات الرفض للاضطهاد على أساس مقولة: إن المجتمع الذي لا ينصف الأقلية فيه لا يستطيع أن يحمي الأغلبية من غضبة المظلومين.

هذه الصحوة الضميرية أدت لتكوين آلاف من المنظمات غير الحكومية لرصد الاضطهاد في كافة مجالاته والعمل الطوعي بكل الوسائل المدنية لمساعدة ضحايا الاضطهاد في كافة المجالات.

إن انتشار وكثرة وحماسة هذه المنظمات أكبر دليل على إدراك البشرية للا أخلاقية وضرر الاضطهاد في كل المجالات وضرورة العمل على إزالته.

ولكن مع كل هذه الحقائق فإن واقع الإنسانية ما زال يشهد ممارسة الاضطهاد في كافة المجالات.

الاضطهاد الديني: ففي مجال الأديان توجد معاملات أكثر نعومة من الماضي ولكن هذا لم يبلغ كما ينبغي درجة الاعتراف المتبادل بالآخر الديني. صحيح أن الإسلام يعترف بالتعدد الديني لا سيما أهل الكتاب ويقيس الموقف من غير أهل الكتاب على الموقف من أهل الكتاب. ولكن مع ذلك فإن المجتمعات المسلمة تمارس أنواعا من الاضطهاد الديني، والإثني، والنوعي. وفي اليهودية ما زال الموقف العقدي نافيا للآخر الديني منكرا أية قيمة روحية أو أخلاقية لها. والمسيحية مع أنها اعتمدت كتاب اليهودية المقدس باعتباره العهد القديم. مارست وما زالت أقبح أنواع الاضطهاد لليهود. لكن بعد أن بلغ اضطهاد اليهود درجة الهولوكوست على أيدي النظام النازي في ألمانيا بلغ التعاطف مع اليهود في الدول الغربية درجة عالية ما أدى لدعم المشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل. والمفارقة التاريخية كما قال أرنولد توينبي أن أكثر ضحايا الاضطهاد الديني والإثني في التاريخ -أي اليهود- أقاموا دولة أعادت إنتاج ما شهده اليهود من اضطهاد في حق المسلمين والمسيحيين من أهل فلسطين. في هذا الصدد بلغ الاضطهاد مداه ما أفرز ضده مقاومة واسعة صارت أحد أهم مهددات الأمن والسلم العالميين.

وما زالت المسيحية لا تعترف بقيمة روحية أخلاقية إلا للذين يؤمنون بالخطيئة الأولى وفداء المسيح عليه السلام للإنسانية على خشبة الصليب. لذلك المسيحية لا تبادل الإسلام الاعتراف فالإسلام يعترف لها بقيمة روحية وخلقية: (لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) .

الإسلام يعترف بأهل الكتاب، ويقر التعامل معهم في المجالات المدنية كالطعام والزواج. قال لي أحد أصدقائي من المسحيين ولكنكم مع السماح للمسلم أن يتزوج بمسحية لا تسمحون لمسيحي أن يتزوج مسلمة. قلت له كما تعلم للأب بموجب الأبوة مكانة خاصة في الأسرة كما أن للأم مكانة خاصة بموجب الأمومة، إذا اعترفتم بديننا كما نعترف بدينكم زوجناكم.

إذن الاضطهاد الديني ما زال قائما في حياة البشرية ما يوجب السعي لإبرام ميثاق ديني أممي يلزمنا بالاعتراف المتبادل والتعايش السلمي والتعامل المتسامح.

ما زالت العلاقات بين الحضارات الحية في العالم متوترة بل ظهر التباين فيها والتوتر بينها بعد نهاية الحرب الباردة بصورة أوضح. وقد بلغ التوتر في العلاقات بين الحضارات درجة تناولها صمويل هنتنجتون في كتابه عن صراع الحضارات لوصف حالة العلاقات الدولية فيما بعد الحرب الباردة. وفي هذا المجال لا شك أن الحضارة الغربية تتعامل مع الحضارات الأخرى باستعلاء. استعلاء تصدت لرفضه الحضارات الأخرى لا سيما الإسلامية. الحرب الباردة بين الحضارات دفعت كثيرين للبحث عن مصالحة عبر حوار الحضارات.

في تقديري أن طبيعة تكوين الحضارات تجعل هذه الحوارات غير مجدية إلا في بث الأماني الطيبة.

المطلوب في هذا الصدد تحقيق صحوة في الحضارات تجعل أهلها يقبلون الميثاق الديني المذكور وتجعلهم يمتثلون لحقوق الإنسان العالمية.

قبول مبادئ الميثاق الديني والميثاق العالمي لحقوق الإنسان كفيلان بتحقيق أعلى درجات التعايش والتسامح وقبول الآخر بين حضارات وثقافات الإنسان.

ما زالت دول تتحفظ على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بحجة الخصوصية الثقافية لا سيما على الصعيد الإسلامي. تحفظت بعض الدول الإسلامية على ست نقاط في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي:

نقطة في المقدمة والمواد 4، 5، 16، 18، 19. ما دفعني لتقديم دراسة للمؤتمر الذي عقد في مدينة جنيفا في عام 1998م تحت عنوان: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي.

أوضحت في تلك الدراسة أن تلك التحفظات صحيحة إذا اعتمدنا الفهم المنكفئ الذي انطوى عليه الفقه التقليدي. ولكن إذا اعتمدنا نصوص الوحي الأصلية، والفهم المتقدم المثبت في سيرة رسول الله (ص) العملية، تسقط تلك التحفظات. وأوضحت أن كثيراً من حجج الخصوصية الثقافية هي ذرائع لمواصلة الاضطهاد لأسباب سياسية.

o الاضطهاد النوعي: إن أكثر مسائل حقوق الإنسان جدلا هي تلك المتعلقة بالمرأة، وقد تحفظت بعض الدول على ستة من بنود معاهدة إزالة كافة وجوه التمييز ضد المرأة (سيدوا) وهي البنود: 2، 7، 9، 15، 16، 29.

وقد عقدت هيئة شئون الأنصار في عام 2004م ورشة تطرقت فيها للمعاهدة والتحفظات من منظور إسلامي ورأت أن التحفظات المذكورة واردة في ذهنية الاجتهاد التقليدي وفي رؤية سدنة الاستبداد السياسي ولكن بالفهم الصحيح لنصوص الوحي فإن إزالة كافة أنواع التمييز ضد المرأة مطلوبة.

والحقيقة البارزة في كل العالم بدرجات متفاوتة أن المرأة وهي نصف المجتمع تعاني من الاضطهاد، فمن المدهش حقا أن بلادا كالصين مع ما تشربت من حكمة كنفوشيوس ومن أفكار ماركس التحررية يمارس المجتمع فيها الوأد الاستباقي بإجهاض الأنثى الجنين. تماما كما عتب القرآن على الناس قبل الإسلام والذي استمر في كثير من المجتمعات بعد الإسلام: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) .

o الاضطهاد الثقافي: وما زالت مجتمعات كثيرة تمارس اضطهادا لونيا وثقافيا. حقيقة مارستها كل المجتمعات بدرجات متفاوتة وما زالت ممارسة.

تدل الإحصاءات أن في العالم حوالي عشرة ألف ثقافة أكثرها تعاني من اضطهاد حتى أن بعضها انقرض مع أن الدراسات الموضوعية أثبتت أهمية الانتماء الثقافي لكرامة الإنسان ولاستنهاض همته للعمل في كل المجالات بما في ذلك الإقبال على الأنشطة التنموية. ينبغي الاعتراف بالتنوع الثقافي وإضافة ذلك لحقوق الإنسان العالمية.

فالتنوع جزء من نظام الكون لا ينكره إلا نهج الاستبداد. قال بيتر برقن أحد مؤسسي المدرسة العلمانية: لقد ارتكبنا خطأ معرفيا حين ظننا أن العلاقة الواجبة هي ما بين العلمانية والديمقراطية. ولكن الحقيقة هي أن العلاقة بين الديمقراطية والتعددية أي التنوع.

وجاء في القرآن: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) .

o الاضطهاد العرقي: وفي سبتمبر 2001م عقد في ديربان بجنوب أفريقيا مؤتمر عالمي ضد العنصرية العرقية، الاضطهاد الاثني، وكراهية الأجانب وما يصحبها من تعصب.

المؤتمر سلط الضوء على هذه القضايا واستنهض العالم للقضاء عليها ولكن الاختلافات حالت دون الإجماع على تعريف هذه المفاهيم الكريهة وكان أهم عامل فرق الكلمة هو تصنيف الصهيونية كحركة عنصرية.

والآن وعلى ضوء سياسة النظام الإسرائيلي الحالي ظهرت حقائق كالدعوة ليهودية الدولة، وكالقانون الذي يحظر بيع عقار لغير اليهودي في القدس. الشعب اليهودي كان تاريخيا من أكبر ضحايا الاضطهاد العنصري ولكن ممثليه في إسرائيل اليوم يستنسخون ما عاناه في التعامل مع المسلم والمسيحي العربي وما زالت الإنسانية تعاني بصورة حادة.

o الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي: كان العالم ولا زال يعاني من الاضطهاد الاقتصادي الذي صحب النظم التاريخية من إقطاعية إلى رأسمالية. فواجهت الطبقات الدنيا اضطهادا استطاعت القوى العاملة المنظمة أن تحقق بكفاحها بعض العدالة فيه.

وتطلعت الاشتراكية للقضاء على النظام الرأسمالي لصالح نظام اقتصادي عادل. ولكنها عدالة من حيث المبدأ تقوم على اضطهاد الطبقات المستغلة. هذا المفهوم أدى في التجربة السوفيتية باسم العدل إلى أقسى أنواع الاضطهاد الإيديولوجي والحزبي.

كل النظم التي تقوم على سلطان الحزب الواحد تمارس اضطهادا سياسيا يحتكر السلطة والثروة والسلاح والإعلام ويحرم الآخرين.

وكل نظام يقوم على سلطان الطبقة الواحدة أو العشيرة الواحدة كذلك يحتكر النفوذ والمال لصالحه ويحرم الآخرين.

كانت الإنسانية ولا زالت تعاني من اضطهادات أيديولوجية وسياسية واقتصادية لا يمكن أن يتحقق توازن اجتماعي وعدالة اجتماعية ما لم تعمل الإنسانية على القضاء عليها.

o اضطهاد المنكوبين: وكثير من الفئات المنكوبة في المجتمعات الإنسانية تعاني اضطهادا مهددا لإنسانيتها:

• إن أكبر هم يعاني منه المرضى الذين يتعايشون مع مرض الايدز هو ما يحلق بهم من اضطهاد ومعاملة الطريد هذا مع أن عددا كبيرا منهم ضحية لظروف لم تكن إرادية.

• تحدثت مع عدد من مرضى الأيدز فكانت شكواهم المستمرة أن ألمنا بسبب الاضطهاد أكبر منه بسبب المرض.

• وحتى الذين وقعوا في الخطيئة فإن هذا لا يفقدهم إنسانيتهم فالتعامل مع الخطايا له مجاله العقابي ولكن المذنب بعد ذلك إنسان يتطلع للمعاملة الإنسانية.

• والذين يعاقبون على جرائم ارتكبوها بالسجن يجدون أن حياتهم بعد السجن جحيم اجتماعي. أثناء إحدى فترات اعتقالي تحدث معي أحد المساجين وقال لي أنا عندما أخرج أحرص على العودة مرة ثانية لأنني في السجن أجد معاملة أفضل مما في المجتمع إذ أن المجتمع ينبذني. فالمطلوب هنا أن توجد وسيلة لاحتواء هذا الاضطهاد.

وأصحاب الاحتياجات الخاصة يشكون من معاملة الناس لهم يقولون نحن لسنا في حاجة لعطف ولكن لاحترام. نعم ينبغي أن تقدر ظروفنا الخاصة. ولكن بصورة لا تنقص من إنسانيتنا.

سادسا: بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أرى أن نقوم بعمل دليل جامع للاضطهاد بكل أنواعه توطئة لكي تقدم الأمم المتحدة مشروع معاهدة جامعة تلتزم بموجبها الأمم المتحدة بإزالة كافة أنواع الاضطهاد جمعا للمعاهدات المختلفة في معاهدة جامعة تمنع الاضطهاد.

إن الموقف من تحريم الاضطهاد لا يعني تطلعا لنفي التنوع ولكنه يعني احترام التنوع والاعتراف به مع لفظ التعصب.

الهوية والانتماء واعتزاز الإنسان بأصله من طبائع البشر المهم ألا يصحب ذلك عصبية.

العصبية تعني أن يعتقد الإنسان أن أقل ما عنده أفضل من أكثر ما عند غيره. ما يجعله مفتونا بما عنده محتقرا لما عند غيره:

إذا بلغ الفطام لنا رضيع تخر له..

 

__________________________________________________________

 

سورة الأنعام الآية 38.

سورة السجدة الآية 9.

سورة الحشر الآية 9

سورة الإسراء الآية 70.

سورة البقرة الآية 62.

سورة الحجرات الآية 13.

سورة التوبة الآية 71.

سورة آلمائدة الآية 82.

سورة النحل الآية 58.

سورة الروم الآية 22.