ندوة حقوق الإنسان في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

ندوة حقوق الإنسان في الإسلام

المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالتعاون مع وزارة الخارجية

مبنى وزارة الخارجية- الخرطوم في 5/8/2009م

كلمة الإمام الصادق المهدي

 

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه.

وأشكر جزيلا المجلس الاستشاري ووزارة الخارجية السودانية لدعوتي لمخاطبتكم في هذا الموضوع الهام وأيضا المحضّرين والحاضرين والمحاضرين على ما قاموا به من مثول في هذا الصباح الباكر.

كما أشكر رجال السلك الدبلوماسي ورجال الإعلام والقوات النظامية ورجال القانون والفكر وكافة الحاضرين.

عندما يطلب مني الحديث دائما ما أسأل ما هي القيمة المضافة؟ فإن لم تكن هناك قيمة مضافة فلا داعي للحديث. وأرجو من الأخ الرئيس أن يعطيني زمنا إضافيا ليس تمييزا ولكن لأنني الآن أبدو كطائر من غير سربه.

التدافع سنة الكون فهو أمر مشهود في كل الأمور.

وأود أن أحدثكم حول موضوعنا في مقدمة وسبع نقاط:

المقدمة:

صورة الإنسان عندنا كمسلمين صورة فاضلة (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ)[1]. وعقد الله معه عهدا (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا)[2] وإنه مكرم. وأن فطرته سليمة وأن ضميره حي: ” الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس”.

لذلك نرى في السنة العملية أن الرسول (ص) كان يحترم الإنسان عندما وقف لجنازة يهودي: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ : “أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟”[3]، وعندما أرسل (ص) مساعدة للمشركين في مكة حينما كانوا في مجاعة. وقال (ص): “ثلاثة الكفر والإيمان فيهن سواء: العهد والأمانة والرحم. فإن عاهدت فأوف العهد، وإن ائتمنت فأد الأمانة لأهلها، وصل الرحم، سواء أكان المعاهد والمؤتمن وذو الرحم مؤمنا أو كافرا”.

هذا خلاف للملل الأخرى التي عهدها انتقائي- أو مشروط: أنت ساقط في ميزان الإنسانية إذا لم تؤمن بفداء السيد المسيح. وأنت من الأغيار إن لم تدخل في عهد بني إسرائيل مع الله.

النقطة الأولى: أصول حقوق الإنسان

هناك خمسة أصول تتفرع منها كل الحقوق هذه الأصول الخمسة أساسية وكل ما عداها يتفرع من هذه الأصول الخمسة:

الكرامة(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[4]

الحرية–  (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ[5]) من عمل فلنفسه ومن أساء فعليها.

العدالة- (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[6]، (يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ)[7].

المساواة– (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[8]

السلام: الله هو السلام (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ)[9]– الجنّة دار السلام: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ)[10]

والقرآن يحض على السلم ما وجد إليه سبيلا: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[11]

تحية الإسلام السلام (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه له لكم عدو مبين)[12]. وتحية أهل الجنة السلام: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)[13].

النقطة الثانية: التجربة الإسلامية:

هذه المعاني ضيقناها بقيدين ثقيلين هما:

القيد الأول: الاستبداد: الحقيقة أننا ضيعنا هذه المعاني مرتين في التاريخ القديم وفي التاريخ الحديث. الدول التي تعاقبت الأموية والعباسية اقتبسوا السلطة من الحكم أو الفرس، الحكم كان روميا أو فارسيا أي الدولة المستبدة. وفي التاريخ الحديث الدولة البوليسية.

ضيعنا هذه الحقوق.

القيد الثاني: السور المعرفي: كذلك قيدنا أنفسنا بقميص حديد معرفي أن السلف قاموا باستنتاج كل شيء وليس على الخلف إلا التقليد:

    ومالك وسائر الأئمـــة وأبو القاسم هداة الأمـة

  فواجب تقليد حبر منهمـو      كذا قضى القوم بقول يفهم

أو:

العلم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين

بهذا ضاق وساع وضعينا هذه المعاني التي نتحدث عنها، على نحو ما قال ابن القيم: “قال شافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع. قال ابن عقيل: ” السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يصفه الرسول (ص) ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح. وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط، وتغليط للصحابة. فقد أحرق عثمان المصاحف وكان رأياً اعتمد فيه على مصلحة الأمة.” ومضى يشجب هذا التضييق ويرمي أصحابه بأنهم “جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة لغيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من معرفة الحق والتنفيذ له” [14].

المقارنة من أساليب القرآن كذلك العبرة بالآخرين تحدث الله سبحانه وتعالى عن أشياء في الأمم والملل الأخرى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[15].

النقطة الثالثة:  منشأ حقوق الإنسان الغربية

المقارنة من أساليب القرآن. كذلك العبرة بالآخرين (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[16]

الغرب بدأ بصورة دونية للإنسان ورفضها .. أهم فلسفات الغرب احتجاج على قهر عاشوه:

  • الناسوتية وفكرة أن الإنسان محور الكون.
  • المادية كما في الفلسفة الماركسية
  • الجنسوية كما في الفرويدية
  • الديمقراطية وحقوق الإنسان.

كل هذه الأمور جاءت احتجاجا على الفكر الكنسي.

الميثاق العالمي  لحقوق الإنسان، والمواثيق اللاحقة ، والقانون الدولي الإنساني، الغرب طورها عبر التدافع: الثورة الأمريكية- الفرنسية- الحربان الأطلسيتان الأولى والثانية. وجاءت المواثيق التي وصل إليها نتيجة بحور دماء بسنة التدافع.

الحضارة الغربية بدأت بالعكس بدأت بدونية الإنسان ورفضها وكل الصراع الفكري الذي نشأ عندهم احتجاج على هذا الفهم.

النقطة الرابعة: الفرق بين حقوق الإنسان الغربية والإسلامية:

مواثيق حقوق الإنسان العالمية طورها الغرب وصرنا جزءا منها، وهي مواثيق خيِّرة وتقود للأصول الخمسة المذكورة ولكنها صحبتها تفاصيل أخرى نحتاج أن نراعي فيها أمرين:

الأول: غربال ثلاثي نقيس عبره تلك التفاصيل فننزع منها كل ما يتعارض مع:

  • الفطرة: فكل ما يناقض الفطرة نطرحه جانبا.
  • الأسرة فهي أساس المجتمع ولا يمكن إلا أن نتخذها أساست فأي شيي يقوض الأسرة نتركه.
  • مكارم الأخلاق: العفة- الحكمة- الصدق- الحياء وغيرها. هذه المكارم عامة وموجودة في كل الأديات ولا يختلف عليها اثنان. قال رسول الله (ص): “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم : ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت” وقال (ص): “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

الثاني: الغائية: إن منطلقنا فيه جذور روحية وثواب أو عقاب أخروي يجعل حقوق الإنسان أقوى وأصلب.

النقطة الخامسة: عيوب حقوق الإنسان الغربية:

  • الاستغلال: بعض الدول الغربية تستغلها في سياستها الخارجية.
  • ازدواجية المعايير: تطبيق هذه الأمور بازدواجية المعايير بحيث أن الصديق لا يرى له عيب والعدو تكشف عيوبه الحقيقية والمفتعلة.

ولكن فيما عدا ذلك فإن هذه الحقوق في حقيقتها بضاعتنا ردت إلينا ولكننا فرطنا فيها. وتصويرها غزوا فكريا وثقافيا دفاع عن الاستبداد.

ونحن محتاجون حاجة ماسة لتأصيلها فكريا وثقافيا. وونشرها تربويا وإعلاميا.

النقطة السادسة: بين الإسلام وسلوك المسلمين

نحن بحاجة لتبيان أن هناك فرق بين الإسلام والمسلمين فسلوك المسلمين في هذا المجال وغيره خصم على الإسلام. وأذكر في هذا طرفتين:

  • طرفة محمد عبده حينما سافر لإنجلترا قال وجدت إسلام ولا مسلمين وعاد لبلاد المسلمين وقال وجدت مسلمين ولا إسلام!
  • ومقولة الأوربي الذي أسلم وقال: الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل المسلمين باعتبار أنه لو عرف المسلمين أولا لكان طاش عنه.

وفي هذا الصدد النظم التي رفعت شعار الإسلام عليها واجب خاص:

أولا: تبين حقيقة أصالة حقوق الإنسان وطبيعتها الكلية. وفيما يتعلق بأصول حقوق الإنسان يعترف بها بدون أي مواربة أو شك.

ثانيا: الاعتراف بالتجاوزات والاعتذار عنها بصورة منهجية على نحو ما حدث في جنوب أفريقيا.  هذا موضوع واضح ما لم نعترف نتعامل من منطلق أخطأنا، وكما قال أمير المؤمنين عمر: رحم الله امرءً أهدى لنا عيوبنا.

ثالثا: لأول مرة في السودان يحدث انتقال سلمي من الحروب للسلام، ومن الاستبداد، للديمقراطية ما يوجب:

  • تصفية القوانين الشمولية وأجهزتها.
  • حراسة حقوق الإنسان- والإسراع بتكوين المفوضية الخاصة بها وقد تأخر تكوينها كثيرا وأن تكون قادرة ومستقلة.
  • كفالة الحريات ومتابعة الموضوع كجزء من حقوق الإنسان ويقودني هذا للحديث عن:
    • موضوع النظام العام والاحتشام والملبس. نحن كمسلمين لدينا الاحتشام جزء من الحياء وهام للنساء والرجال، ولا بد من الاحتشام، وأن نحدده فلا يمكن أن تكون تغطية الوجه ضمنه، فالمرأة شاهد ويمكن أن تكون وكيلا وبايعة ومبايعة وموجودة في المجتمع مشاركة فيه وبيننا الآن عدد من النساء نراهن فالمرأة يكون وجهها مشهور غير منكر، وتغطي ما عدا وجهها ويديها وقدميها. الاحتشام يجب أن يكون للمرأة وللرجل وألا يكون الزي محددا أو شفافا. لكن هذه قضية غير بوليسية ولكنهخا تربوية إعلامية، ونحن لا نحقق الاحتشام عبر البوليس والدليل التجربة المصرية حيث الشارع المصري أكثر انضباطا من الشارع عندنا. ولقد حزنت جدا أن يتعرض لموكب من النساء المسالمات غير المحاربات بالضرب. نحن في بلد وفي ثقافة يجب أن يكون معلوما أن وسيلة حل المشاكل كما يقول المثل (ألمي حار بقد الدلو) هذا الأمر سيقود لردود فعل ونحن اليوم في بلد لدينا ما يكفينا من النزاعات والحروب، والتعامل بهذا الأسلوب القهري سيجعل كل صاحب غبينة أو مطلب يسعى لحمل السلاح.
    • التعبير السلمي عن الرأي الآخر بكل الوسائل المدنية يجب أن يكون مقبولا. أي أنه بالإضافة إلى:
  • الإلتزام بالحق.
  • ومواكبة العصر.
  • غيرة الإسلام تجبرنا علة هذا النهج.

لذلك حرصت على تلبية هذه الدعوة، فالدين النصيحة (الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)[17].

أقول للأستاذة عائشة الغبشاوي: المرأة لم تخلق من ضلع الرجل. هذا من الإسرائيليات التي تسربت إلى مروياتنا، والله قال في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءا)[18].

النقطة السابعة: كتابي الأخير:

هذا ليس ترويجا للكتاب الذي أصدرته بعنوان (الإنسان بنيان الله) ووقد أوجبه:

  • التفكر في الموضوع.
  • السياحة المؤتمرية في القضايا.

وهو بعنوان مقتبس من حديث هو: “الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه” وقد كتبته لتأصيل حقوق الإنسان وتأكيد أنها بضاعتنا ردت إلينا.

 

ختاما

ربنا اجعلنا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)، (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).[19]

[1] سورة السجدة الآية 9

[2] سورة الأعراف الآية (172)

[3] رواه البخاري  ومسلم وأحمد

[4] سورة الإسراء الآية (70)

[5] سورة الأنعام الآبة 104

[6] سورة النحل الآية 90.

[7] سورة المائدة الآية 8

[8] سورة الحجرات الآية (13)

[9] سورة الحشر الآية (23)

[10] سورة يونس الآية (25)

[11] سورة الأنفال الآية 61

[12] سورة البقرة الآية 208

[13] سورة يونس الآية (10)

[14] ابن قيم الجوزية الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ابن قيم الجوزية (10 صفر691- 23 رجب 571هـ)

[15] سورة يوسف الآية (111)

[16] سورة يوسف الآية 111

[17]  حديث البخاري

[18] سورة النساء الآية 1

[19] سورة الأعراف الآية 89