يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء

29 يناير 2007م

 

ما من ديانة اجتمعت لأمتها عناصر الوحدة مثلما اجتمعت للأمة الإسلامية. فكتابها واحد نصه محفوظ، ورسولها واحد ثابت تاريخيا، وتاريخها مدون لا مثل ديانات أخرى غارقة في الضبابية. ومع ذلك فالأمة مفرقة.

تفرق المذاهب نتيجة حتمية للاجتهاد لاستنباط الأحكام، اجتهادا كان ولا زال وسيظل دليل عافية. والمذاهب الأشهر: حنفي- مالكي– شافعي– حنبلي- جعفري– زيدي- ظاهري- وأباضي متقاربة وباختلافاتها رحمة للأمة.

أهم جدليات الاختلافات الفكروية: جدلية الظاهر والباطن- والنقلي والعقلي- والسنة والشيعة. الجدليتان الأوليات أدتا لنشأة فرق ومدارس كثيرة وستتكاثر اجتهاداتها مع الحرية.  ولكن الثالثة مصدر تفرق اختلط بصراع السلطة والسياسة وببدايته أدى لأوائل المعارك التي فرقت كلمة صحابة النبي (ص) رضي الله عنهم جميعا، وأورثت فتنة ما زالت قابلة للاشتعال.

همّ النبي (ص) لدى احتضاره بكتابة وصية كما روى بعض الصحابة ولكنهم اختلفوا حول ذلك. وهنالك روايات أنه بغدير خم وقبل ذلك وبعده أوصى لابن عمه على. صحابة آخرون أنكروها.

وبسقيفة بني ساعدة همّ الأنصار بمبايعة سعد بن عبادة ولكن عمراً بايع أبا بكر الصديق فصار الخليفة الأول، وأعقبه عمر ثم عثمان. وبعد مقتل عثمان وقعت الفتنة الكبرى وما تلاها من أحداث أفرزت موقفين:

أهل السنة أقروا بشرعية حادثة السقيفة وما تلاها من ولايات وعهود (الأموي، والعباسي، والعثماني) أو سلموا لواقع العهود على أساس ولاية المتغلب.

الموقف الآخر رفض هذا التسلسل واعتبر الخلافة الوحيدة الصحيحة لعلى بن أبي طالب. معتبرا عترة النبي (ص) أساساً لشرعية الولاية، وآل البيت هم على وولديه من فاطمة بنت محمد (ص)، والولاية إمامة مسلسلة من على لابنه الحسن ثم ابنه الحسين ثم ابن الحسين علي زين العابدين للحفيد السابع عند السبعية. وللحفيد الثاني عشر عند الاثنى عشرية: محمد الحسن العسكري الذي اختفى ويعود مهديا. وهناك فرقة شيعية ثالثة: الزيدية. هذا أقام ولاءا روحيا لأئمة بلا سلطة زمانية فخلق توترا مستمرا بالمجتمع المسلم. وحاول المأمون إزالته باختيار الإمام الشيعي على الرضا خليفته ولكن المعادلة واجهت معارضة فأخفقت.

الاتجاه الشيعي قام بدور معارضة للسلطة بالبلدان التي تغلب فيها السنة. وبالمغرب أسس  السبعية الدولة الفاطمية التي تمددت وتمركزت بمصر وأسست أول جامعة إسلامية: الأزهر الشريف. والزيدية أقامت دولة باليمن. أما الاثنى عشرية فقد كان لها وجود هام بعدد من البلدان العربية وتبنتها الدولة الصفوية بإيران.

وبالقرن الخامس عشر الميلادي تعاصرت دولتان عظميان: العثمانية السنية بتركيا، والصفوية الشيعية بإيران، وتنافستا ودخلتا بحروب ساخنة وباردة وواصلتا النزاع الموروث بصورة حادة، ورسخت بالأذهان والثقافة والسياسة تسميات إقصائية فالشيعة لدى أهل السنة روافض والسنة لدى الشيعة نواصب. والأمة ضحية سجال ساخن بينهما!.

هكذا ارتبط التسنن، والتشيع برؤى فكرية مرتكزة على خلافات الصدر الأول التاريخية ومتنافسة على السلطان.

الدول التي غلب عليها السنة اضطهدت مواطنيها الشيعة، والعكس صحيح. وكانت العلاقة بينهما قائمة على التنافر والتخوين والتكفير، تنافر في الكيانات والدول استقر على توازن بارد حينا وساخن أحيانا. ومنذ سبعينيات القرن العشرين مال التوازن نحو الشيعة الاثني عشرية للآتي:

أولا: الثورة الإسلامية الإيرانية وضعت المؤسسة الشيعية بقيادة آية الله الخميني في السلطة.

ثانيا: انطلقت حركة تحرير وتمكين للشيعة بلبنان بقيادة حركة أمل ثم بقيادة حزب الله.

ثالثا: اليد العليا بسوريا ذات الأغلبية السنية للطائفة العلوية. وبرغم اختلافها مع الشيعة إلا أنها أقرب لهم منها للسنة.

رابعا: كانت الغلبة بالنظام البعثي العراقي للسنة، ولكن التطورات بعد إطاحته صارت للشيعة.

احتل الانبعاث الشيعي مكانة شعبية إسلامية عامة بسبب التصدي الإيراني للولايات المتحدة وإسرائيل والأداء الجهادي المميز لحزب الله بمواجهة إسرائيل.

هذه العوامل أثارت مخاوف لدى بعض الدول السنية، مخاوف استغلتها الولايات المتحدة بحملتها ضد البرنامج النووي الإيراني واستغلتها إسرائيل.

صحيح أن الدول والكيانات السياسية بالمنطقة ليست مستغرقة في الصفة السنية أو الشيعية فالأمر أكثر تعقيدا. ولكن أحداث العراق ولبنان حاليا أبرزت هذا الاصطفاف أكثر من أي وقت مضى. اصطفاف يدمر مصالح الأمة الإسلامية الحيوية ويفرض على المنطقة أولويات تطغي على قضاياها الحيوية مثل قضية الاحتلال، والقضية الفلسطينية وترهن حاضر الأمة ومستقبلها نهائيا لبقع سوداء بماضيها.

هذه طامة كبرى توجب اهتمام أصحاب القرار والعلماء والمفكرين والتصدي لها بجدية وإحاطة، بدءا بإبرام ميثاق كالآتي:

أولا: كتابنا واحد ونبينا واحد ونلتزم بقطعيات الوحي التي نقر جميعا بها. وما دون ذلك أمور اجتهادية لا تلزم بعضنا بعضا. ويكون النقد المتبادل على سنة المقولة العمرية: رحم الله امرئً أهدى إلي عيوبي. بلا سب أو تجريح.

ثانيا: الخلافات التي ضربت الأمة بعد وفاة النبي (ص) حقيقة تاريخية نقر بوجودها وباختلافنا حول حيثياتها وتفسيراتها ونعذر بعضنا الآخر حولها ونرفع أمرها لله: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[1].

ثالثا: عقيدة المهدي محل خلاف نعذر بعضنا الآخر فيها ونرفع أمرها لله (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[2]. ومع ذلك نتفق جميعا أن بالأمة خيرًا باقيا وتطلعا مشروعا يبسط العدل والرخاء والرضا بسطاً شاملا وعدا حقا: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).. هذه المهمة أو الوظيفة تجتمع فيها أشواق الأمة.

رابعا: نلتزم جميعا بكفالة كرامة الإنسان وحريته وحرمة نفسه وماله وبالسعي لإقامة الحكم على العدالة، والمشاركة، والمساءلة فهذه من مقاصد الشريعة.

خامسا: التنمية الهادفة للاستثمار والتعمير وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس من مقاصد الشريعة الملزمة للكافة.

سادسا: أهل الاديان الأخرى إخوتنا في الإنسانية ونلتزم معهم بالاحترام المتبادل والتعاون لدعم المعاني الروحية والخلقية المشتركة ونخاطبهم بالتوجيه الرباني (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[3]

سابعا: نقيم العلاقات مع الدول الأخرى على أساس (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)[4] ونواجه من يعادينا على أساس (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ)[5]. بهذه الضوابط الربانية نسعى لتعاون أممي شامل يدعم السلام العادل، والتعاون الدولي، في ظل الإخاء الإنساني.

الفتنة المطلة علينا معادلة صفرية فيها خسارة لطرفيها وليس فيها رابح. هذا النداء لدرئها واجب ديني ووطني بل وإنساني نأثم جميعا إذا تركنا الفتنة تدمر مصيرنا. وسأقدم اقتراحا عمليا بآلية للميثاق ولمتابعته.

[1]  سورة الحج الآية (69)

[2]  سورة الأنعام الآية164

[3]  سورة النحل الآية “125”

[4] سورة الممتحنة الآية ” 8″

[5]  سورة الممتحنة الآية “9”