يسألونك عن البيئة بقلم الإمام الصادق المهدي

في صلاحها بقاء الحياة وفي فسادها فناء الحياة

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يسألونك عن البيئة

في صلاحها بقاء الحياة وفي فسادها فناء الحياة

الإمام الصادق المهدي

2/4/2020م

 

مقدمة:

الإنسان مستخلف على الأرض وهو جزء من الطبيعة المادية ولكن بآليات الاستخلاف مفارق لها في ثلاثة أمور: فيه قبس من روح الله يفسر الوحي والإلهام وفيه عقل برهاني ولديه حرية الاختيار.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [1] ، هذه الصفات جعلت الإنسان برسالات الوحي والإلهام والتنوير العقلي والحرية قادراً على عمارة الأرض وبناء الحضارات واكتشاف نواميس الطبيعة وهي أدوات التسخير: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [2]. فيصدق على الإنسان قوله تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [3] أي جعلكم عمارها.
ولكن مع هذه الإيجابيات فإن الإنسان كذلك مستعد للإفساد، كقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [4].
المفاسد المتعلقة بأفعال الإنسان كثيرة، ولكن الفسادين اللذين يتوعدان الحياة بالتدمير هما: ما قد يلحق بالبيئة من ضرر، والأمر الثاني تطوير أسلحة الدمار النووي الشامل واحتمال استخدامه.
يوم نجاح تجربة الانفجار النووي كان المكتشف وهو روبرت اوبنهمير حاضراً وقال في هذا المشهد تذكرت فقرة الكتاب الهندوسي المقدس (البهاقفاد قيتا) ونصه: “الآن صرت أنا الموت المدمر للعوالم”.
إنتاج السلاح النووي يعتمد على ثلاث عوامل هي: المعرفة التكنولوجية، والإمكانات المالية، والدوافع. حيثما بلغ العداء بين خصمين درجة كبرى فقد استطاع الطرفان صنع السلاح النووي الذي تملكه الآن عشر دول، وقد استعمل فعلاً ووارد استعماله بصورة أوسع تهدد بقاء الحياة في كوكب الأرض.
هذا الدمار المحتمل ليس موضوعنا هنا ولكن موضوعنا هنا احتمال فناء الحياة في كوكب الأرض نتيجة للاحتباس الحراري، في النقاط التالية أفسر هذه المقولة.

1. في خطاب عودتي الأخيرة من الخارج (19/12/2018م) وأمام الحشد الذي قابلني قلت إنني في أثناء غيابي قد قمت بأعمال دولية لإدانة نظام الحكم الظالم في السودان. وقلت إن النظام قد بلغ غاية الفشل وصار المطلوب أن نواجهه، واقترحت الاتفاق على عقد اجتماعي لإقامة نظام جديد على أن توقع قوى المعارضة على مذكرة مشتركة وتسير بها في موكب حاشد. المذكرة لإقامة النظام الجديد تتكون من أربع نقاط عددتها هي: إقامة السلام، إقامة حكومة قومية برئاسة جديدة، عقد مؤتمر دستوري لكتابة الدستور، والالتزام بموجب الدستور بضوابط التناوب السلمي على السلطة.

هذا مع أن النظام موجود بجبروته وموجه ضدي 10 بلاغات عقوبة بعضها الإعدام. ومع أن هذه الخطى رسمت طريقاً لما حدث فيما بعد، فإن أصحاب الحاءات الثلاث: الحمق، والحسد، والحقد؛ تجاوزوا عن كل ما قلت وركزوا على أنني نبهت لخطر الاحتباس الحراري ظناً منهم جهلاً وجحوداً أن ذكر الاحتباس الحراري أمر انصرافي:

من ليس يفتح للضياء عيونه    هيهات يوماً واحداً أن يبصرا

 

2. البيئة هي مجموع العوامل الطبيعية والبيولوجية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتجاور في توازن، وتؤثر على الإنسان والكائنات الأخرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ههنا نركز على البيئة الطبيعية وهي: التربة، الماء، الهواء، والفضاء.
زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وغازات أخرى في الجو يؤدي لزيادة درجة الحرارة في الأرض: هذه الغازات تسمى الغازات الدفيئة وأثرها يسمى الاحتباس الحراري.
اللجنة الدولية المناخية ((IPCC قدرت أن زيادة نسبة الغازات الدفيئة ناتجة عن الممارسات البشرية: المشكلة تكمن في تزايد كمية غازات الاحتباس الحراري وأهمها ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق مليارات الأطنان من الوقود من المنشآت الصناعية وعوادم السيارات، حيث ينطلق كل عام ما يزيد عن 20 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
ضرر زيادة كمية الغازات الدفيئة أنه يرفع درجة حرارة الجو وأنه يؤدي لتحلل غاز الأوزون الموجود في طبقات الجو العليا ما يؤدي لثقب الأوزون.
وجود الأوزون ضروري لحماية الكائنات الحية على الأرض من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية، فغاز الأوزون يمتص قدراً كبيراً منها ويمنعها من الوصول لسطح الأرض.

3. تقدر درجة حرارة الأرض الآن بأنها ضعف ما كانت عليه قبل قرنين من الزمان، وأن درجة الحرارة هذه تزيد سنوياً بما مقدراه 1,4⸰ مئوية إلى 5,8⸰ مئوية من عام 1990م إلى عام 2100م ومعلوم أن زيادة درجة الحرارة سيؤدي لانحسار الأنهار الجليدية وذوبان الأرض دائمة التجلد والبحر المتجمد مع تأثر منطقة القطب الشمالي بصفة خاصة.
وسوف تكون نتيجة احترار الأرض هذه ارتفاع منسوب سطح البحار وتغطية جزء من اليابسة كما يؤدي احترار الأرض إلى توسيع رقعة الصحاري.
التصحر هو تدهور الأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. والجافة وشبه الرطبة مما يؤدي لفقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها.
التصحر يخلق جواً ملائماً لحرائق الغابات وإثارة الرياح.
لقد قدر الصندوق العالمي للطبيعة أن الأرض قد فقدت حوالي 30% من مواردها الطبيعية ما بين الأعوام 1970م و1995م.
وقدر صندوق الحياة البرية أن نصف الحيوانات البرية قد انقرض في آخر 25 سنة.
إذا ازدادت الحرارة 7 درجات مئوية سوف تكون الحياة مستحيلة في كثير من أجزاء الأرض وبزيادة 12 درجة نصف سكان الأرض سوف يموتون.

4. في الواقع أكثر من نصف الكربون المبثوث في المناخ قد تم في آخر ثلاثة عقود، أي أن البشر قد أحدثوا فساداً في المناخ في هذه العقود يزيد عما حدث في القرون الماضية.
في عام 1992م أقامت الأمم المتحدة آلية للاهتمام بالمناخ وعبرها أجمع العلماء أننا أفسدنا المناخ مدركين لذلك أكثر مما حدث أثناء جهلنا به.
غمر اليابسة سوف يؤدي لهجرة نازحي مناخ بأعداد هائلة ويغرق المدن الساحلية. وقد ذكرنا سابقاً مضار التصحر.

5. الوعي العالمي بمضار الاحتباس الحراري ودور البشر في صنعه أدى في عام 1997م إلى توقيع بروتوكول كيوتو الذي بموجبه التزمت الدول بأن زيادة درجتين حرارة سنوياً هو الحد الأقصى تجنباً لتسخين المناخ وغمر المدن الساحلية والجفاف والتصحر وكثرة العواصف.
استمرت الأسرة الدولية تعقد المؤتمرات لخفض بث الغازات الدفيئة دون جدوى، وآخر هذه المؤتمرات وأهمها مؤتمر باريس في 2016م، وقعت وصادقت على نتائجه 195 دولة لخفض بث الغازات الدفيئة وحصر الزيادة في حرارة الأرض على درجتين مئوية أعلى مما كانت قبل الفترة الصناعية.
والمؤسف أن الدول الصناعية تحدث أضراراً لا تصيب الذين ظلموا خاصة بل تضر البشر أجمعين. اعتراف بهذا الظلم قرروا دعم الدول الفقيرة بمبلغ 100 مليار دولار سنوياً.
ولكن كل هذه القرارات ما زال نصيبها الإهمال. الحقيقة الآن أنه بعد ثلاث أرباع قرن منذ إدراك البشرية خطر وأهمية التغيير المناخي نتيجة للاحتباس الحراري لم تتحقق اية إجراءات متعلقة بإنتاج واستهلاك الطاقة لضبط الأمور وحماية البشرية.
الناس لا سيما المهتمون بالمناخ يدركون الآن أن البشرية تملك كل الإمكانات لاحتواء التغيير المناخي الضار ولكن مع غياب الإرادة السياسية لم ولن يحدث إصلاحاً لتجنب كارثة محققة بسبب القنبلة المناخية.
المفسدون في الأرض يتوعدون البشرية بالإبادة بالنووية والمناخية.
الذين ضحكوا على ذكر الاحتباس الحراري إنما يضحكون على أنفسهم.

بكى توماس فريدمان، أحد أهم الكتاب في أمريكا، على حال بلاده واستخفاف حكومتها بالتغيير المناخي قائلاً في نهاية مقاله: عندما يذوب الجليد المتجمد في مواطنه، علينا أن نواجه ارتفاع سطح البحار، وزعزعة السكان في مناطق كثيرة، وحجم اللاجئين الضخم بسبب ذلك، ونواجه تقلبات في المناخ حادة فالممطر أكثر أمطاراً، والجاف أكثر جفافاً، تدهور باق ويزيد مع الاحتباس.

6. نحن في السودان سوف نكون حتماً مع آخرين ضحايا القنبلتين النووية والمناخية ما جعل مصير الحياة في العالم في أيدي آخرين غير متسمين بالحكمة، إلى أن نجد سبيلاً إلى تغيير موازين القوى في العالم فالموازين الحالية جعلت خمس دول هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن يتحكمون في مصير 200 دولة هم أعضاء الأمم المتحدة.

وبالرغم من هذا العالم المجحف فإن علينا واجبات نحو البيئة في السودان ألخصها في العشرين نقطة الآتي بيانها:

أولا: اتباع البلاد دبلوماسية المناخ بالتوقيع على كل المعاهدات الدولية، والالتزام بأهداف الألفية الصادرة في عام 2000م وما بعدها. كذلك التضامن مع مجموعة الـ 77 دولة للضغط على الدول الملوثة للبيئة لتنفيذ قرارات مؤتمر كوبناهجن للبيئة عام 1997م، وهو ما أكدته قرارات مؤتمر باريس 2016م وذلك بإنجاز مطلب العدالة المناخية بدعم الدول الأكثر تضرراً من الاحتباس الحراري الذي تساهم فيه الدول الصناعية بما تبث من الغازات الدفيئة.

ثانياً: التعاون مع القوى المستنيرة في الدول الصناعية والتي كونت أحزاب الخضر ودعت لبرامج مستنيرة. هذا النهج نطلق عليه دبلوماسية الصحوة المناخية.

ثالثاً: التوافق في إطار الـ 77 على تخصيص مبلغ الـ 100 مليار دولار تعويض لتمويل تشجير مناطق السافانا وحماية الناس من الغمر البحري ودعم التحول نحو الطاقة النظيفة.

رابعاً: الالتزام بمحاربة الزحف الصحراوي، فالتصحر هو طاعون الأرض والناس يشاركون فيه بالاحتطاب الجائر، والرعي الجائر. وإهمال الزراعة المروية والمطرية للدورات ولمصدات الرياح وإهمال الغابات. الزحف الصحراوي غطى الآن جزء كبيراً من الأرض في السودان. هنالك اتفاقية دولية لمكافحة التصحر. السودان عضو فيها وفي السودان قانون وطني لمكافحة التصحر. ولكن الخطة القومية لمكافحة التصحر لا تنفذ بالكفاءة المطلوبة لثلاثة أسباب هي: ضعف التنسيق بين الوزارات المعنية، وقلة الكوادر المدربة، ونقص التمويل. المطلوب بسرعة التصدي لهذه العيوب.

خامساً: اتخاذ هدف السودان بساط السندس هدفاً قومياً وذلك لتشجير المدن بالأشجار الظليلة والبستانية وإقامة أسوار خضراء حولها والعمل على غرس بلايين الأشجار في منطقة السافانا الممتدة عبر السودان، فأشجار السودان التي تتحمل رطوبة محددة أشبه ما تكون بصيدليات فالهشاب، والطلح، والتبلدي، والقضيم، والقرض، والسدر أثبتت دراسات علمية أنه يمكن استخلاص أدوية ومكملات غذائية منها: تجربة فنلندا في التشجير مهمة في هذا المجال.

سادساً: تنفيذ الخطط المراعية لسلامة البيئة في الزراعة المروية والمطرية الآلية والتقليدية.

سابعاً: لقد صارت الثروة الحيوانية رأسمال كبير أشبه ما يكون ببترول أحمر، وصار حجمها كبيراً لا يقل عن 120 مليون رأس، ينبغي تخطيط المراعي لكيلا تتداخل مع الزراعة فقد أدى التضارب بين الفلاحة والرعي لصدام واقتتال لا سيما في غرب وجنوب وشمال دارفور. ينبغي الاهتمام صحياً بالثروة الحيوانية وتطوير مراعيها، ونشر بذور أعشاب مختارة بالطائرات والاستعانة بتجربة أستراليا في هذا المجال.

ثامناً: قلة المياه العذبة من أكثر عيوب البيئة في السودان. ينبغي تكوين إدارة موحدة للمياه في السودان فالسودان أشبه بنافورة مياه. بالسودان حوالي 14 بحيرة مياه عذبة: الاضية، رشاد، تردة الرهد، وغيرها؛ هذه يمكن أن تتحول لخزانات لحصاد المياه. وفي السودان أحواض مياه جوفيه: حوض المجلد، وحوض النوبة، وحوض الخرطوم، وحوض شمال دارفور هذه تحتوي ما لا يقل عن مليارين متر مكعب من المياه. وهنالك الأنهار الموسمية كنهر القاش، وخور أبو حبل، وهذه يمكن تطويرها لكي تستدام. وهنالك نهري النيل الأزرق والأبيض واجتماعهما لتكوين النيل.
النيل الآن للأسف معرض للتلوث بالصرف الصحي، وبالحشائش الطفيلية ما يؤثر سلباً على كمية دفق مياه النيل. ومياه النيل قابلة للزيادة عن طريق ترعة جنقلي. التصرفات الإقصائية حول النيل هي السبب الآن في توتر ذميم. النيل وحدة مائية وبالإدارة السليمة يمكن أن يصير دعماً للأمن المائي في حوضه بل للأمن الغذائي والتنموي كما أوضحت في كتابي “مياه النيل: الوعد والوعيد“.

تاسعاً: الصناعة في البلاد استثمار تنموي مهم، وتطويرها التزام تنموي مطلوب. ولكن العقبة الأكبر بالإضافة لرأس المال والتكنولوجيا توافر الطاقة النظيفة.

عاشراً: كذلك التنمية تتطلب تطويراً لقطاع النقل وهو الآن يعتمد على وسائل الطاقة الملوثة للبيئة.

حادي عشر: الطاقة الشمسية على رأس الطاقة النظيفة لإنتاج الكهرباء، وكذلك الطاقة الكهرومائية التي تنتجها الخزانات. وفي لقاء مع الدكتور مأمون سراج الدين الأمين أطلعني على برنامج يمكن أن يجعل السودان منتجاً للطاقة الحيوية التي تنتجها البرازيل من قصب السكر، ففي 2019م أنتجت من قصب السكر 34 مليار لتر من الاثانول وقيمته 34 مليار يورو. الفكرة أن ينتج السودان وقوداً نظيفاً لا يضر بالبيئة. عن طريق زراعة العنكوليب يمكن إنتاج الاثانول أي الوقود الحيوي من العنكوليب وتكاليف زراعته أقل من قصب السكر ويحتاج لمياه أقل ويعرفه المزارعون في المشاريع المروية وفي المساحات المطرية. يمكن عن طريق تصدير عصير العنكوليب بعد زيادة تركيزه بالتسخين للتصدير، وإنتاج الاثانول، ويمكن تقطيره داخلياً. الاثانول يكون بديلاً عن البترول في إنتاج الكهرباء. إنه بديل صديق للبيئة وبديل للفحم الحجري والبترول في إنتاج الطاقة.

ثاني عشر: بالأرض الصالحة للزراعة في السودان، وهي تساوى أكثر من الأرض الصالحة للزراعة في دول حوض النيل، وبالثروة الحيوانية المعتمدة على مراعي طبيعية أي غير معلوفة، وبالثروة المعدنية في باطن الأرض يملك السودان ثروات فريدة. لدى زيارتي لليابان في 1989م عرضت على اليابان أن ترسل بعثة فنية للسودان للإلمام بثروة السودان الطبيعية ثم نتفق على شراكة إستراتيجية لاستغلالها: أن يكون منهم التكنولوجيا والخبرة ومنا الخامات والأيدي العاملة لتطويرها شراكة بيننا، وافقوا على الفكرة وقرروا إرسال البعثة في ديسمبر 1989م، ولكن قبل ذلك وقعت طامة يونيو 1989م فملأت حلق شعبنا بالتراب. يمكن أن يستغل السودان ثرواته المعدنية بوسائل صديقة أو مسيئة للبيئة الطبيعية.

ثالث عشر: إمكانات السودان المعدنية ضخمة مكونة من: معادن نفيسة، معادن الأساس، المعادن الحديدية، المعادن المشعة، المعادن الصناعية، المعادن الزراعية، والمعادن النفيسة. أشرح فأقول:

المعادن النفيسة: الذهب والفضة.
معادن الأساس: النحاس، الزنك، الرصاص، النيكل، والكوبالت.
المعادن الحديدية هي: الحديد، الكروم، المنجنيز، والتتيانوم.
المعادن النادرة هي: القصدير، التنجستين، النايوب، التيتناليوم.
المعادن المشعة هي: اليورانيوم، والتوريوم.
المعادن الصناعية هي: كربونات الكالسيوم وهي تمثل المكون الأساسي في أكثر من 50 صناعة أهمها: الأسمنت، الحجر الجيري، الجبص، والسيليكا، والكاولين.
المعادن الزراعية: التي تستخدم كأسمدة كيمائية مثلاً الفوسفيت الرسوبي، الجبص المحافظ على الرطوبة، والزيولايت.
(هذه المعلومات من مذكرة حضرناها للوفد الياباني ودراسة جديدة اطلعت عليها قدمها عدد من خبراء الجيولوجيا السودانيين).

رابع عشر: ههنا أركز على موضوع الذهب الذي ينتج الآن بوسائل ملوثة للبيئة ويتاجر فيه بوسائل ملوثة للاقتصاد الوطني.
صناعة التعدين تتكون من شقين هما: الاستخراج والتحويل.
وهذه الصناعة تقوم الآن على نوعين أحدهما تقوم به شركات بموجب عقود مع الحكومة والآخر تعدين أهلي. كلاهما يستخدم مواد سامة ومسيئة للبيئة.

  • (أ‌) تعدين الشركات يستخدم محلول الساينايد لاستخراج الذهب من التربة التي تحتوي خام الذهب. يتم التحكم في العملية لإعادة تدوير الساينايد، علماً بأن أي تسريب لهذا المحلول يؤذي البيئة.
  • (ب‌) تعدين الأهالي وهو الأكبر حجماً يستخدم الزئبق في استخراج الذهب من الخام. الزئبق يصعب التحكم في استعماله وأضراره التراكمية كبيرة. ينبغي منع استخدام الزئبق وضبط استخدام الساينايد.

والمطلوب بشدة:

  •  مراجعة عقود شركات الامتياز الحالية لضبط واجباتها.
  •  تسليم الشركات بعد المراجعة خالية من الموانع.
  •  تنظيم التعدين التقليدي وتحديد مواقعه.
  •  توفير المعينات للتعدين.
  •  منع التعدين باستخدام الزئبق.
  •  تخصيص نصيب محدد لأهالي مواقع التعدين.

خامس عشر: تعدين الذهب الذي بدأ عام 2010م كان فيه إنتاج الأهالي أعلى من إنتاج الشركات، وإذا أخذنا إحصاءات عام 2018م كان الإنتاج المعلوم يساوي 92 طناً. أقول المعلوم لعدم دقة الإحصاء. يقال إن الذهب موجود في 150 موقعاً في السودان، وإن إنتاج 200 طن في السنة ممكن، وقيمة الطن تساوي حوالي 50 مليون دولار. فإذا أمكن تصدير 100 طن بالطرق الصحيحة يمكن سد عجز ميزان المدفوعات الخارجي. وفي ذلك العام (2018م) كان صادر الذهب في الإحصاء يساوي 20 طناً بفاقد 72 طن ذهبت للتهريب.
المطلوب مراجعة كافة إدارة تعدين الذهب على أساس إصلاحي، وقفل باب التهريب بإقامة بورصة للذهب ليجد البائع ثمن ذهبه الحقيقي دون حاجة للتهريب.

سادس عشر: الجفاف والتصحر وإهمال الأرياف والحروب أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من سكانها إلى المدن دون تخطيط لاستيعابهم ما أدى لزيادة العشوائيات فيها وترييف كثير من المدن. هؤلاء انتقلوا من مناطق كانوا فيها منتجين إلى أحزمة فقر في المدن المعنية.

سابع عشر: غياب أنظمة الصرف الصحي في المدن وانتشار الوسائل الخاصة بالمنازل للصرف الصحي ساهم في تلويث المياه الجوفية ما يجعل التخطيط لنظم الصرف الصحي للمدن أمراً ملحاً.

ثامن عشر: ينبغي أن يكون الوعي بالبيئة جزءاً مهماً من برامج التعليم في كل المراحل التعليمية. كذلك ينبغي أن يدخل الاهتمام بقضايا البيئة كافة أجهزة الإعلام لتحقيق التبصرة البيئية بكل جوانبها.

تاسع عشر: الجمال من مقاصد الكون فتنوع وألوان الطيور والزهور جزء من الجمال في الكون وفي كل ثقافات الإنسانية اهتمام به. التجميل الأفرنجي يعتمد على مساحيق مسرطنة ومؤذية للكلى فيها التيتنيوم والزنك ديوكسايد ووسائل التبييض وما يدخل فيها من زئبق ضار بالصحة. إنها غالباً تسد المسام بما فيها من اعتماد على البدرة والطلاء، إنها معادية لسلامة البيئة خلافاً لوسائل التجميل عندنا من دلكة ودخان وهي تفتح المسام، والحناء عشب طبيعي. وسائل التجميل هذه صديقة للبيئة.
تغيير بياض اللحية للرجال بخضاب الحناء وهي عشب طبيعي حميد جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عَلَيْكُمْ بِالخِضَابِ، فِإنَّهُ أَهْيَبُ لِعَدُوِّكُمْ وأَعْجَبُ لِنِسَائِكُمْ”، التلوين بالأسود غير حميد لاستخدامه مواد كيميائية غير طبيعية ولما فيه معنى أن الشعر ما زال على سواده.

عشرون: سوف ننظم ورشة لدراسة القوانين الحالية المتعلقة بالبيئة وتطويرها لتحقيق الأهداف المذكورة هنا. ثم يعقب الورشة إن شاء الله مؤتمر قومي للبيئة للاتفاق على ميثاق قومي للبيئة. ميثاق يرجى أن يكون ملزماً ويحدد المواد المتعلقة بالبيئة للنص عليها في دستور البلاد المنشود.

7. قضية البيئة لا يمكن تناولها في فراغ بل تتطلب تحقيق المطالب الآتي بيانها:

  • أولاً: الحكم الراشد الذي يقوم على كفالة حقوق الإنسان الخمسة: الكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة والسلام. ويؤسس نظام الحكم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون.
  • ثانيا: تحقيق السلام العادل الشامل والقضاء على الأسباب التي أدت للاقتتال وإزالة آثار الحروب.
  • ثالثاً: تحقيق نظام اقتصادي يحقق تنمية مجدية وعادلة فان الوضع الذي يميز قلة من المجتمع ويفقر الأغلبية خطيئة أخلاقية وقنبلة تمزق النسيج الاجتماعي.
  • رابعاً: تحقيق علاقات إقليمية ودولية خالية من التبعية ومن العدائية وموزونة في التعامل مع حلقات انتماء السودان العربية، والافريقية، والإسلامية، والدولية.

 

ختاماً: ان الالتزام بتحقيق بيئة صالحة ومستدامة واجب وطني وأخلاقي وإنساني. واجبات سوف يدركها اهل السودان الحر ويعمل على تحقيقها شعبنا المبدع: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [5].

 

______________________________________________________________

 

[1] سورة الكهف الآية رقم (29)
[2] سورة لقمان الآية رقم (20)
[3] سورة هود الآية رقم (61)
[4] سورة الروم الآية رقم (41)
[5] سورة هود الآية رقم (117)