الطريق الثالث في المسألة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
الطريق الثالث في المسألة الإسلامية
7 أكتوبر 2008م

بقلم: الإمام الصادق المهدي
منذ غياب الإمام الثاني عشر غيب الشيعة أنفسهم من الجسم السياسي الإسلامي باعتبار أن الإصلاح قادم مع ظهور الإمام الثاني عشر.
وحتى في إيران حيث الأغلبية شيعية وصل العلماء إلى معادلة تعايش مع السلطان الصفوي واستمرت هذه المعادلة مع رضا شاه وابنه.
ولكن ظروف كثيرة مكنت الشاه بدعم أجنبي من إجهاض الحركة الوطنية والديمقراطية في إيران وأقدم الإمام والخميني على موقف غير مسبوق في غيبة الإمام الثاني عشر.. موقف الدعوة لولاية الفقيه. ولاية الفقيه تعني قيام حكم شرعي في غياب الإمام، وتعني إمكان إقامة الحكومة الإسلامية في غيابه، وهذه المفاهيم من ناحية تشبه مفهوم الخلافة لدى أهل السنة، ومن ناحية أخرى تعني أن تحقيق المقاصد الإسلامية ممكن دون انتظار الإمام الغائب.
استطاعت الثورة الإسلامية في إيران تعبئة رأس المال الروحي، والتاريخي، والاجتماعي في البلاد وإقامة النظام الثوري الإسلامي الحالي.
هذه الهبة في إيران ألهبت مشاعر الجماعات الشيعية في كل مكان ففي لبنان قاد الإمام موسى الصدر حركة المظلومين التي أدت لقيام أمل ثم حزب الله.
وكان نظام الرئيس العراقي صدام حسين أداة احتواء للجماعة الشيعية والكردية داخليا وقوة توازن إقليمي في منطقة الخليج، ولهذا السبب امتنع الرئيس بوش الأب من السير إلى بغداد لإسقاط النظام بعد إخراج القوات العراقية من الكويت في 1991م. ولكن لأسباب متعلقة بالمخاوف الإسرائيلية لا بالمصالح القومية الأمريكية أقدم الرئيس بوش الابن على الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين فاختلت المعادلة الداخلية والتوازن الإقليمي.
هذه العوامل الثلاثة في إيران، ولبنان، والعراق، أدت لاقتحام الشيعة المجال السياسي داخل البلدان المختلفة، وإقليميا، ودوليا.
كانت مراكز الهيمنة الدولية منذ فترة قلقة من ظاهرة الحيوية الإسلامية وتعتبرها خطرا على سيطرتها في المنطقة لذلك كانوا أسعد الناس بانفجار الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980م. وقال الرئيس الأمريكي نكسون في كتابه “نصر بلا حرب” عام 1999م: إذا كانت هناك حرب يتمناها الإنسان فهي هذه الحرب، كما يتمنى ألا ينتصر أحد طرفيها.
لذلك كانت ولا زالت وسوف تظل سياسة الأعداء الاستراتيجيين للإسلام، والقومية، والوطنية، في هذه المنطقة الرهان على فتنة طائفية وإثنية بلا حدود وبلا نهاية.
لذلك فإن كل تصعيد للمواجهة بين أهل السنة والشيعة لن تغير شيئا في استمرار وجود أهل السنة والشيعة ولن تغير شيئا في التركيبة القومية لسكان المنطقة بل تزهق الأرواح وتبدد الأموال وتخدم مصالح الآخرين.
تبني ما يقوله غلاة أهل السنة في الشيعة والذي أسميه التسنن الأموي، وما يقوله غلاة الشيعة في أهل السنة والذي أسميه التشيع الصفوي، يؤدي إلى صدام عبثي كالذي وقع (1980-1989م) وهي معادلة صفرية يخسر طرفاها وتضر بأهل المنطقة. ما العمل إذن؟
أولا: من حيث الاختلافات المذهبية فإن مذاهب أهل السنة الأربعة ومذهبا الشيعة كمذاهب فقهية متقاربة جدا ولا توجد صعوبة في التعايش بينها، بل وفي فتح الباب لمزيد من الاجتهادات الفقهية. لذلك لا معنى للعمل على التقارب بين المذاهب ولا مانع من استمرارها وزيادتها والتعايش والاعتراف المتبادل بينها.
ثانيا: المشكلة الحقيقية تقع في ولاية الأمر فالشيعة لا يعترفون بشرعية أية ولاية في غيبة الإمام ولكنهم الآن خطوا نحو ولاية أقاموها في غيبة الإمام وصاروا يتعاملون مع النظام الدولي كله بالاعتراف المتبادل للدول الوطنية وهذا يعني أن ظروف الواقع تتجه نحو اعتراف الدول ببعضها وتعاملها على أساس القانون الدولي القائم.
ثالثا: المشكلة الأخرى حول المهدية وهي مسألة يجوز لكل جماعة أن تحتفظ بعقيدتها فيها لأنه لا توجد وسيلة بالقهر أو الإقناع لاتحاد الرؤية حولها. ولكن الممكن الاتفاق حوله هو برنامج إصلاح ديني يحقق وظيفة المهدية ويرجئ الخلافات الغيبية لرب العالمين.
رابعا: ينبغي الاعتراف لكل جماعة بحقوقها الدينية والوطنية والسياسة لا سيما حيث السنة أقلية كما في إيران وحيث الشيعة أقلية كما في بلدان أخرى.
خامسا: لكل جماعة حق الدعوة لعقيدتها بالتي هي أحسن على أن يجري ذلك عن طريق أهلي فلا تدخل الدول طرفا في التجاذب الطائفي.
سادسا: التسنن الأموي والتشيع الصفوي خلقا تراثا من السباب لحق ببعض صحابة النبي (ص) هذا النهج الخاطئ المعيب ينبغي وقفه بحزم وتنقية الأدبيات المعتمدة منه.
سابعا: هنالك حاجة لموقف سياسي مشترك لإقامة سلام عادل يسترد حقوق أهل فلسطين، ويضع حدا للاحتلال، ويقيم العلاقة مع الأسرة الدولية على أساس المصالح المتبادلة بعيدا عن التبعية والمواجهات العدائية.
عندما وقعت الحرب العراقية الإيرانية سعينا بكل الوسائل لوقفها. وأذكر أنني اجتمعت بالرئيس صدام في بغداد وقال لي ما كنا نتوقع من عربي أن يتردد في الانحياز إلينا ونحن نحارب الفرس المجوس! قلت له هؤلاء مسلمون ولا يحق لك تكفيرهم ونحن متحركون بلا إذن منك ولا منهم بل بموجب الأمر الإلهي: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)*. وحربكم هذه عبثية لأنها لن تغير من طبيعة المنطقة بل تسخرها لمصلحة أعدائها.
وبعد أن كان موقفه متحديا صار متفهما. وفي النهاية هذا هو الخط الذي تحقق وأوقفت الحرب العبثية بمجهود الأمم المتحدة.
والآن يراد للأمة الإسلامية أن تصطف في فتنة على نطاق أممي ليفرح أعداؤها بهذا المصير الحالك.
إن على قيادات الأمة الرسمية والشعبية والمدنية التحرك السريع لاحتواء هذه الفتنة البلهاء والتي لن تخدم إلا الأعداء.