الدين والفن

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الدين والفن

الإمام الصادق المهدي

يونيو 2019م

(طبعة ثانية)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحتويات

 

الدين والفن: 3

حول الدين: 3

حول الفن: 4

محاولات طرد الدين عن الحياة: 5

هل من تناقض بين الدين والفن؟ 6

مواقف الأديان من الفنون: 6

الإسلام والفن: 6

أحاديث التحريم: 8

الصور والتماثيل: 12

هل هنالك فن تصوير إسلامي؟ 14

الموقف الصحيح للإسلام من الفن: 14

أسباب تشويه العلاقة بين الدين والفن: 16

متى يتناقض الدين والفن ومتى يتكاملان؟ 17

النظرة للدين في الواقع السوداني: 17

الدين والفن في السودان: 19

الدين والفن في السودان الحديث: 20

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدين والفن

الإنسان هذا الكائن الرائع يقوده طموحه المعرفي لاستكشاف الفضاء المتناهي في الكبر، وجزيئات الذرة المتناهية في الصغر ولكنه مع ذلك قليل المعرفة بذاته.

إنه عرف نفسه كثيرا في المسائل الحسية ولكن قليلا في المسائل النفسية. وفي المجال النفسي أحاط الإنسان كثيرا بالأمور التي تتحكم فيها الغرائز وتحكمها الهرمونات ولكنه قليل الإحاطة بعقله الباطن.

معارف الإنسان بالأمور العقلية والتجريبية والتكنولوجية بلغت شأوا عظيما.

وفي الطب تقدمت المعارف التشريحية بالجسم وبنيانه المادي وتقدمت معها وسائل تقويمها جراحة ودواء. ولكن التكوين النفسي ومعرفة تقويمه ما زالت متواضعة.

العقل الباطن المجهول كنهه مستعر أنشطة وجدانية بالغة التأثير على الإنسان على المستويين الفردي والجماعي.

في دراسة ستنشر قريبا –بإذن الله- تطرقت لمسألة النفس، والروح، والعقل، والعقل الباطن راجيا أن يساهم اجتهادي في إجلاء بعض حقائقها. ولكن هذه الأمور سوف تظل حقائقها أكثر غموضا مع أن آثارها أكثر وضوحا في حياة الإنسان فردا وجماعة.

وجدان الإنسان هو مستقر إيمانه. وتأثير الإيمان على الإنسان لا يجارى. لذلك قيل أن الإيمان يحرك الجبال. والحب يحرك الإنسان ويخصب سلوكه كما قال الشيخ الطيب السراج:

جلد النحيزة عالي الهم متقـد         كالجمر هبت له ريح تشاغبه

والفن يشد الإنسان آسرا مثلما جاء في الأثر (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا).[1]

عد العادون 10 ألف ثقافة إنسانية مميزة ولا تخلو أية ثقافة من الدين والفن فهما يشكلان عناصر هامة فيها بل عناصر مميزة لها.

عندما علمت بمشروع الخرطوم عاصمة للثقافة العربية عام 2005م رأيت في وقتها أي قبل عامين أن هذا العنوان غير مناسب لأن ظروفا تاريخية سيست الرؤى الثقافية في السودان لدرجة ينبغي معها أن يكون العنوان هو الخرطوم عاصمة للثقافة. وتحت هذا الشعار المحايد نوضح حقيقة أن الثقافة العربية ثقافة إنسانية تعطي وتأخذ من الثقافات الإنسانية الأخرى في حركة لقاح لا ينقطع ونوضح أن الثقافة العربية بريئة من العرقية مشدودة لأصول متحركة ومكتسبة.  إن الحديث عن الدين والفن بمناسبة الاحتفال بالخرطوم عاصمة للثقافة العربية ذو أهمية بالغة.

إن مسألة الدين والفن مسألة فكرية وثقافية هامة سأقدم بشأنها أطروحة محددة.

حول الدين:

الدين في اللغة له معان كثيرة مثل الطاعة كقول النبي صلى الله عليه وسلم “أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ”، ومعناه أيضا الجزاء مثل ما جاء في القرآن (مَالِكِ يَوْمِ الدِّين)[2]

إن معاني الكلمات تتعدد وتتطور. المعنى المقصود هنا هو أن الإنسان بفطرته مشغول بثلاثة أمور تلح عليه: أولها تساؤله عن بداية الوجود في الكون، وعن قيمة الموجودات في الكون، وعن مصير الوجود إلى أين؟  الدين هو منظومة معتقدات عبر وحي كالأديان السماوية، أو إلهام كما لدى الحنفاء والصابئين في الجاهلية، أو رؤية بشرية تجيب على تلك التساؤلات كالبوذية والكونفوشية، وقد فرق المسلمون بينها فأشاروا للتي أتت عبر الوحي بالملة، وما جاءت عبر الرؤى البشرية بالنحلة. عقائد الدين هذه تستقر في نفوس المؤمنين وتؤثر تأثيرا قويا على مناشطهم الفردية والجماعية.

حول الفن:  

الفن يعني النوع. والفنون الأنواع. وسمي حمار الوحش الفنان لأنه يأتي بحركات عجيبة، وقيل لأنه يفن الطين والحجارة بأظلافه، وعند بدو السودان الجمل والحصان فنان قال شاعر البطانة:

خفيفا كفو فَنَّانَا وجِرانُو متـين

   وشيك في تبَّتو أسرع من المرتين[3]

ولكن الكلمات تتعدد  معانيها وتتطور، فالمعنى المراد هنا الفن بمعنى الإبداع الجمالي. وتمثله اليوم أنواع عديدة منها: الرسم، النحت، الموسيقى والغناء، الرقص، العمارة، الشعر، القصة والرواية،  المسرح، النسيج، التصميم الفني، والسينما.

هذه الأنشطة غالبا ما صحبت الإنسانية منذ نعومة أظافرها.مثلا فن التمثيل بدأ قبل نشأة اللغة في حكاية تجارب الصيد التي كان يقوم بها الإنسان، كما ظهر في مصر الفرعونية سردا أدائيا لأساطير الخلق في بعض الطقوس، وظهر في اليونان القديمة في مسرح أرسطو[4]..  الفن مغروس في الفطرة الإنسانية. والجمال الذي ينشد الفن التعبير عنه مغروس في نظام الكون، فأنت تجد التنوع والجمال في الزهور والطيور ومناظر الطبيعة بكثرة بحيث لا يمكن أن تفسرها الصدفة ودون أداء وظيفة معينة بحيث لا يمكن أن تفسرها الضرورة. الجمال مقصود لذاته.

وقبل أن نغادر حديثنا حول الفن نناقش مسألة هامة في دراسة الفنون، وهي مسألة الاستيطيقا Aesthetics . فقد جرت محاولات لتأصيل لفظ الاستيطيقا عربيا وترجمته بـ “علم الجمال”.

لقد كنت وما زلت منزعجا جدا للفوضى الماثلة الآن في حقل الترجمة، إننا لا نستطيع أن نتقدم حقا إذا لم نفعل من لغتنا لتكون ماعونا للتنمية والتكنولوجيا والفنون، نحن محتاجون لمراجعة مسألة الترجمة الصحيحة لكثير من المصطلحات وضبطها فعلى سبيل المثال لاحظت أن البعض يترجم كلمة Internet  (الإنترنت) بـ “شبكة الشبكات”، لماذا لا تكون مثلا “الشبكة المركبة” وهناك مصطلح الهندسة العكسية الذي يعطي معنى مضادا وربما كان الأنسب قولنا الهندسة الممرحلة، وقولنا السماد الإحيائي هل هو الأصح أم السماد العضوي وهكذا، لا بد من ضبط هذه المسألة بمشاركة المجامع اللغوية داخل البلاد وخارجها.

الخلط في ترجمة الاستيطيقا بعلم الجمال سبب تشوهات في المعاني. فالاستيطيقا مفهوم يشمل الجمال كما يشمل القبح (مثلا نشر روزنكرانز في عام 1853 بحثا بعنوان : استيطيقا القبح)[5] فالاستيطيقا تعني الجميل والقبيح معا بخلاف كلمة (بيوتي Beauty) التي تعني الجميل وحده، مثلما كلمة (إثكس  Ethics) تعني السلوك الحميد والذميم معا بخلاف كلمة (مورال moral) التي تعني الخلق الحميد. “والحقيقة أن الجميل the beautiful لا يمثل سوى خاصية واحدة من خصائص الموضوع الاستيطيقي الذي يمكن أن يعبر جماليا عن القبيح والكئيب  والمأساوي والجليل بنفس كفاءته وبراعته في التعبير عن الجميل. وهذا يعني ببساطة أن  الجميل ليس مرادفا للاستيطيقي aesthetic”[6]. والاستيطيقا بالتالي هي العلم الذي يكشف جوهر الفنون سواء أكان موضوعها جميلا أم جليلا أم مأساويا أم كئيبا أم قبيحا!.

أيضا، فإن ترجمة الاستيطيقا بالجمال سببت خلطا من نوع آخر. فالجمال قديم قدم البشرية، ولكن كلمة استيطيقا كلمة حديثة نسبيا صكها باومجارتن عام 1735م على أنها علم المعرفة الحسية ونظرية الفنون الجميلة وعلم المعرفة البسيطة وفن التفكير على نحو جميل، وفن التفكير الاستدلالي[7] ومهما اتخذت من معان وأبعاد مختلفة فإنها تتحدث عن “الجميل المعطى من خلال الفن” الذي هو من إبداع البشر، ولا يمكن بحال أن يتم خلطها مع الجمال الطبيعي.. هذا الخطأ في الترجمة أدى لأن يتحدث البعض عن علم جمال إسلامي (استيطيقا إسلامية) مدخلا فيه جمال الطبيعة.

محاولات طرد الدين عن الحياة:

في الفكر الأوربي نشأ صراع بين سلطة الكنيسة والفكر الحر والبحث العلمي، وفي مرحلة عهد التنوير بدا لبعض مفكريه أن الدين إنما يغلب نظرة جامدة للفكر والحياة. لذلك تكاثرت الفلسفات التي تعتبر الدين مقترنا بمرحلة تاريخية معينة. أهم تلك الفلسفات ما قال به الفيلسوف الفرنسي  أوجست كومت[8] الذي قال “يمر الإنسان بثلاثة مراحل الأولى: السحر. الثانية: الدين. والثالثة: العلم.” أي أن الإنسان يمر بمرحلة الدين حتما ثم يتجاوزها لمرحلة العلم. وهذا الرأي يماثل ما قال به أبو العلاء المعري قبل ذلك بقرون:

اثنانِ أهلُ الأرضِ ذو عَقلٍ بلا                دِينٍ، وآخرُ دَيّنٌ لا عَقلَ

إن رأي أوجست كومت عن مراحل تطور الإنسان هو نفسه الذي تبنته رواية نجيب محفوظ[9] “أولاد حارتنا”.

الحقيقة أن الإنسان لم يستغن عن الدين أبدا مهما بلغ نبوغه العقلي. فالمجتمعات الغربية الحديثة مع تقدمها ونبوغها العقلي تظهر جوعا روحيا كبيرا. لذلك مع انحسار العقائد المسيحية فيها كثرت فيها التوجهات لمعتقدات دينية شاذة، أشرنا لجانب منها في الفصل الخاص بفض الاشتباك الديني العلماني، بل وللتطلع لأديان الشرق الأقصى.

وفي داخل الملة الواحدة يميل عوام الناس إلى تفسيرات سحرية وعجائبية للدين، ويميل خاصة الناس إلى تفسيرات عقلانية للدين.

ودور العقائد الدينية في التطور الإنساني وفي صياغة الإنسانية نفسها لا ينكر: العقائد الدينية أعطت الإنسانية الطمأنينة النفسية، والرقابة الذاتية (الضمير)، والتحصين الأخلاقي، والهوية الجماعية.

صحيح أن ثمة فهما طفوليا عجائبيا للدين. هذا الفهم يتناقض حتما مع الحرية الفكرية والعقلانية. ولكن الفهم الصحيح للدين لا يتناقض مع الحرية إذ قال تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر)[10] ولا يتناقض مع العقل لأن تكاليف الإسلام تشترط العقل ولا تجب على فاقديه من مجانين وأطفال. لذلك قال الإمام الشاطبي: إن اشتراط العقل ثم تكليف صاحبه بما يتناقض معه لا يجوز.

هل من تناقض بين الدين والفن؟

تعددت المقولات التي ترى التناقض بين الدين والفن.  نعم هنالك أديان تنظر للعالم على أنه محض شقاء، وأن خلاص الإنسان في التجرد منه والتطلع لعالم آخر هو موطن السعادة المنشودة. هذه الأديان نافية للعالم زاهدة في الجماليات التي تحتفي بالجمال وتسعى لتزيين الحياة. هذه الأديان تورث نظرة للعالم خالية تماما من البهجة. قال هنري لويس منكين[11] عن هذا النوع من التدين إن صاحبه يقضي ليالي طويلة قلقا لأن شخصا ما في مكان ما مستمتع بوقته.

ولكن ثمة أديان أخرى تتخذ موقفا إيجابيا من الدنيا مع دعوتها لحياة أخرى مثالية. هذه الأديان تنظر بإيجابية لفطرة الإنسان ولعمارة الدنيا وللبهجة فيها. هذه الأديان إيجابية النظرة للفن. الإسلام مثلا ينظر بإيجابية للفنون وللفطرة الإنسانية ولعمارة الدنيا وللبهجة: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ”[12]، “إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِه”[13]، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[14]، “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ”[15]، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ِ)[16]،  الشيء  الذي سنتطرق له لاحقا بشيء من التفصيل.

مواقف الأديان من الفنون:

المدارس الفنية في ضروب الفن المختلفة متعددة، فهنالك في الشعر –مثلا-  الرومنطيقية والكلاسيكية والواقعية، والطبيعية وغيرها، وفي التشكيل هنالك الكلاسيكية الغربية التي تقوم على المحاكاة، والرمزية والصوفية، والانطباعية  والتجريدية (وفيها المدارس التكعيبية والسريالية والدادية) وغيرها. أما مدارس فلسفة الجمال فهي أيضا عديدة منها النفعية التي ترى الجميل ممتعا ونافعا، والتعليمية التي ترى في الفنون وظائف تعليمية للحكمة والفضيلة، والأخلاقية التي تركز على دور الفن الإرشادي، والوجودية المؤمنة والإلحادية،  ومذهب الفن للفن. أبعدها عن الدين المدارس التي تعتبر الجماليات مجرد ملذات. وأقربها للدين المدارس التي ترى أن للإنسان حسا جماليا مثلما له حس خلقي. ومثلما يشدك الخلق الكريم على نحو ما قال الشاعر حافظ إبراهيم:

إِنِّي لَتُطْرِبُنِي الخِلَالُ كَرِيمَةً          طَرَبَ الغَرِيبِ بِأَوْبَةٍ وَتَلَاقِ

وَيَهُزُّنِي ذِكْرُ المُرُوءَةِ وَالنَّدَى        بَيْنَ الشَّمَائِلِ هَزَّةَ المُشْتَاقِ

فإن الجمال كذلك آسر على نحو ما قال الشاعر:

أهي شئ لا تمله العين               أم لها في كل ساعة تجديد؟

الحقيقة هي أن الأديان النافية للعالم زاهدة في الجماليات نافية للفطرة الإنسانية.

أما الأديان المثبتة لقيمة العالم فهي حفية بالفطرة ومقتنعة بالجماليات. بل تعتقد أن الجمال مثل الكمال في نظام الكون قمة عالية يتطلع إليها الإنسان.

الإسلام والفن:

المدرسة التقليدية الإسلامية تتخذ موقفا معاديا للفن. إنها تفسر قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [17] .. قالوا لهو الحديث يعني الغناء. وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالِاسْتِمَاعَ إلَيْهَا”[1]. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك نهى عن تسعة والغناء أحدها. وحرموا الموسيقى واستشهدوا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أمرني ربي بنفي الطمبور والمزمار” وقالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الدف ولعب الصنج وصوت المزمارة، وأسهبوا في تفاصيل في التفاسير والأحاديث أن الإسلام حرم الصورة والتماثيل[18].

وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا”[19]. وحملوا ذلك على تفسير رأوه لقوله تعالى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ)[20] بل رووا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل الشعر تماما فإذا اضطر للاستشهاد به فإنه يخطئ في وزنه وقافيته. هذا الغلو لا يتفق مع الحقيقة الإسلامية. أيعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب يلحن في الشعر؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم يتذوق الشعر ويستشهد به وقد أعجب بقصيدة كعب بن زهير وأغلبها في الغزل. القصيدة التي مطلعها:

بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ

مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفَدْ مَكْبولُ

وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا

إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ

وفي ساحة القتال أنشد شعرا:

أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ              أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ[21]

وأثناء بناء المسجد في المدينة أنشد:

هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ    هَذَا أَبَـرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ

وأنشد:

اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ           فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ[22]

وعندما نزلت آية الشعراء هرع الشعراء من المسلمين إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت وقالوا: هلكنا يا رسول الله. فنزلت الآية: )إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون)َ[23].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا وَمِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا” [24]، وقال “إنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح”!!

أما بالنسبة للغناء قال القرطبي[25] في تفسيره لآية لهو الحديث إن نزول هذه الآية سببه أن النضر بن الحارث بن علقمة كان يشتري القينات ويعلمهن أساطير الأولين للتغني بها كيدا للإسلام.

وفيما يتعلق بالسماع فهنالك العديد من الروايات في السنة العملية تؤكد إباحته، وقد أورد بعضها الإمام البخاري[26] في “باب اللهو” وغيره من رواة الحديث.. مثلا: “عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي”[27] .

وروي الإمام أحمد[28] أن امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَتَعْرِفِينَ هَذِهِ قَالَتْ لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَقَالَ هَذِهِ قَيْنَةُ بَنِي فُلَانٍ تُحِبِّينَ أَنْ تُغَنِّيَكِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَأَعْطَاهَا طَبَقًا فَغَنَّتْهَا[29]..

وروى الإمام البخاري[30] “عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ”[31] – أي الغناء.

وروى النسائي[32] “عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ فَقُلْتُ أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ فَقَالَ اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ”[33].

وقد احتفى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسن الغناء بشكل لا يمكن أن يجعله مستنكرا: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ”[34].

لقد تطرق الإمام الغزالي[35] للأحاديث الواردة في الصحاح أعلاه وقال: “هذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص، والضرب بالدف، واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور، وفي معناه يوم العرس والوليمة والعقيقة والختان ويوم القدوم من السفر وسائر أسباب الفرح، وهو كل ما يجوز به الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع”[36].

أحاديث التحريم:

أما الأحاديث التي رويت تحرم الغناء –وأشرنا لجانب منها آنفا- فقد جرحها عدد من العلماء منهم ابن حزم وابن القيسراني. وسنتناول بعضا منها هنا بالبحث.

فقد روى أبو داؤد أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقال:ُ “الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ”. في رواة هذا الحديث شيخ مبهم[37]. قال ابن حزم مستنكرا: عن شيخ.. عجيب جدا[38].

ومما تطرق له ابن حزم من أحاديث نذكر ما روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: “إذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ – فَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَالْمِعْزَفَ فَلْيَتَوَقَّعُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَمَسْخًا وَخَسْفاً. قال ابن حزم: “لاحق بن الحسين وضرار بن علي والحمصي (من رواة هذا الحديث) مجهولون، وفرج بن فضالة حمصي متروك”[39].

تصدى ابن حزم أيضاً للحديث المروي عن معاوية قال: ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الْآنَ – فَذَكَرَ فِيهِنَّ: الْغِنَاءَ ، وَالنَّوْحَ”. قال ابن حزم عن رواة ذلك الحديث: محمد بن مهاجر ضعيف، وكيسان مجهول[40].

وحول الرواية عن مكحول عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقال أنه قال: “من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه” قال: “هاشم وعمر –من رواة الحديث- مجهولان، ومكحول لم يلق عائشة”.

وتصدى للرواية عن ابن المبارك عن مالك بن أنس عن ابن المنكدر عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقال قال: “من جلس إلى قينة فسمع منها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة” قال ابن حزم: “هذا حديث موضوع مركب فضيحة، ما عرف قط من طريق أنس، ولا من رواية ابن المنكدر ولا من حديث مالك ولا من جهة ابن المبارك، وكل من دون ابن المبارك إلى شعبان مجهولون، وابن شعبان في المالكيين نظير عبد الباقي بن نافع في الحنفيين، وقد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين، والكذب البحت، والوضع اللائح، وعظيم الفضائح، فإما تغير ذكرهما، أو اختلطت كتبهما، وإما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب، ومغفل يقبل التلقين، واما الثالثة وهي ثالثة الأثافي أن يكون البلاء من قبلهما ونسأل الله العافية والصدق وصواب الاختيار”[41].

لقد طفق ابن حزم يبحث في أحاديث تحريم الغناء واحدا واحدا ويبحثها من كافة طرق رواتها، ويبين الخطأ في سندها أو دلالتها، ثم قال: “ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا وكل ما فيه فموضوع، و والله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َلما ترددنا في الأخذ به”.

وفي الفقهاء المحدثين، هنالك العديد من الاجتهادات المحرمة لفنون السماع، خاصة لدى المدرسة السلفية ومن وافقهم في ذلك الموقف بالاستناد على آراء فقهية قديمة على رأسها موقف الإمام ابن تيمية[42] وتلميذه ابن قيم الجوزية[43]. وهنالك في المقابل الاجتهادات التي وقفت مع فنون السماع مواقف مؤيدة مشروعيتها، بالاستناد على آراء فقهية قديمة أهمها رأي الإمام ابن حزم الظاهري والإمام أبو حامد الغزالي[44].. كلا الموقفين استند على النصوص على النحو الذي بينا أعلاه.

من بين الفقهاء المحدثين توجد العديد من الكتب والمقالات ولكننا نتطرق هنا لأهم ما قيل في هذا الصدد لدى اثنين من الفقهاء المعاصرين هما: الدكتور محمد عمارة، والشيخ يوسف القرضاوي.

أما الدكتور عمارة فقد كانت أهم إسهاماته في هذا المجال كتابه عن” الإسلام والفنون الجميلة”. أكد عمارة أن هنالك من يحسب وجود خصومة بين الإسلام والجمال تدعو المسلم إلى التجهم وإدارة ظهره للبهجة والزينة والجمال، وأن أولئك منهم الإسلاميون الذين يحسبون مخلصين أن هذا هو الموقف الإسلامي الصحيح، ومنهم الخصوم الذين يتخذون من مسلك بعض الإسلاميين الخشن تجاه الجماليات سبيلا للطعن على الإسلام، قال: “فالقضية إذن أكبر من أن تكون “خيارا خشنا”  لبعض من الإسلاميين هم أحرار في سلوكه وإنما هي قد غدت واحدة من المطاعن التي يحاول نفر من خصوم المنهج الإسلامي استخدامها لتشويه صورة منهج الإسلام في الفكر والحياة”. تطرق د. محمد عمارة في كتابه لموقف الإسلام المبدئي من الجمال والحث على تذوقه وعلى تلمسه بناء على الحديث الشريف: “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ “[45] . ثم تطرق لجماليات السماع في السنة العملية كالذي أوردنا آنفا، وفي الفصل الثالث من كتابه سأل السؤال: إذن فيم الخلاف؟ قائلا: “إذا كان هذا هو مبلغ الوضوح والحسم فيما يتعلق بمنهاج الإسلام في جماليات السماع… ففيم إذن هذا الخلاف المستعرة ناره بين قوم من الإسلاميين حول الغناء؟”. قام عمارة بتتبع الأسباب التاريخية التي أدت إلى التقليد في الفقه الإسلامي، وإلى دخول الحضارة الإسلامية  بسقوط بغداد تحت سنابك خيل الاجتياح التتري (656هـ- 1258م) مرحلة “الدفاع عن الذات” وهي مرحلة وجدت فيها اجتهادات بتحريم أنواع من فنون السماع على أيدي أئمة مجتهدين مثل ابن تيمية[46].

ومع ازدياد النبرة الدفاعية، يقول عمارة “نفهم كيف كان ابن تيمية صاحب النهج الذي يرى أن اقتضاء الصراط المستقيم هو مخالفة أهل الجحيم” وكان بذلك “النموذج الرائع للاجتهاد والتجديد في ذلك العصر، كما كان نموذج المجتهد المجاهد أيضا فهو المقاتل بالقلم والسيف دون الحضارة والوجود والوطن جميعا”.  ومضى عمارة يشرح لماذا حرم ابن تيمية بعض فنون السماع، ثم قال “لكن المقلدين من أبناء عصرنا قد صنعوا ويصنعون مع نصوص ابن تيمية ما يصنعه التقليد مع النصوص كل النصوص عندما يقطع الأسباب التي تربطها بملابساتها ثم يصرفها عن خصوص ما قيلت فيه، فيخلط بهذا التعميم بين التراث الذي هو فكر بشري قام ليعالج مشكلات بعينها وقد يكون من المتغيرات التي يتجاوزها الزمان، وبين كليات نصوص الوحي والسنة التشريعية التي يكون الأمر فيها والعبرة منها بعموم اللفظ لا بخصوص أسباب النزول”[47].

لقد بين عمارة أن الموقف من الغناء لدى كبار الصحابة والأئمة المجتهدين كان يعتمد على نوع الغناء فالغناء في الأصل مباح ما لم يدع إلى منكر أو فسق. وبعد الانتهاء من جولة بين مواقف الفقهاء قال: “فإذن نحن، بعد هذه الرحلة الفكرية مع موقف الإسلام من جماليات السماع، بإزاء مذهب واحد لا خلاف فيه وهو إباحة الغناء في ذاته لا يكره ولا يحرم إلا بعارض يعرض عليه يخرجه عن المقاصد الطيبة التي يستهدفها منه الأسوياء من الناس” إلى أن يقول: “ذلك هو موقف الإسلام وأئمته لا اختلاف فيه على عكس ما يشيع أولئك الذين يهرفون في هذا الأمر بما لا يعرفون” . وقد ذيل كتابه المذكور بأهم الأدبيات التي جاءت في  المسائل الفنية لدى الأئمة الأقدمين. حيث أورد رسالة ابن حزم الأندلسي في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور (الواردة في كتابه المحلى) والتي تطرق فيها للمرويات المحرمة للغناء وجرحها كما ذكرنا، وكتاب آداب السماع الوارد في كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي[48]، وفتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية[49] في مسألة السماع وهي تركز على حرمة السماع العبادي الذي يتخذه الصوفية، كما ترى حرمة الموسيقى والرقص[50].

أما الدكتور القرضاوي فقد كتب دراسة عن “الغناء في الإسلام”[51] تطرق فيها لنصوص التحريم فردها ثم قال: “تلك هي أدلة المحرمين وقد سقطت واحدا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها على قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقى حكم الغناء على أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد على ذلك غير سقوط أدلة التحريم فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة وروحه السمحة وقواعده العامة ومبادؤه الكلية؟”. ومضى القرضاوي يثبت الروايات الصحيحة المجيزة للسماع مثل حديث الجاريتين اللتين غنتا لدى عائشة، وحديث “إن الأنصار يعجبهم اللهو” وحديث غناء الجواري في العرس واثنان من صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمعان، ورواية ابن حزم أن ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع مغنية بالعود وغير ذلك، ثم يؤكد أن روح الإسلام وقواعده تفيد حل السماع يقول: “لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن كما أن الطعام الهنئ لذة المعدة والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم..الخ. فهل الطيبات اي المستلذات حلال في الإسلام أم حرام؟”. ويؤكد أن حب الغناء والطرب غريزة إنسانية وفطرة بشرية والإسلام دين الفطرة.

تحدث د. يوسف القرضاوي بعدها عن “القائلين بإجازة الغناء”، فأورد ما جاء به الإمام الشوكاني في كتابه “نيل الأوطار” وهذا نصه: “ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة الصوفية إلى الترخيص في الغناء ولو مع العود واليراع. وحكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي). وما قاله إمام الحرمين في النهاية أنه ثبت “أن عبد الله بن الزبير كان عنده جوار عوَّادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلى جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول!”. ونقل رواية أبي الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره.. وأورد غير ذلك من روايات، ثم أورد ما جاء به ابن النحوي في العمدة: “وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر ـ كما رواه ابن عبد البر وغيره ـ وعثمان ـ كما نقله الماوردي[52] وصاحب البيان والرافعي ـ وعبد الرحمن بن عوف ـ كما رواه ابن أبي شيبة ـ وأبو عبيدة بن الجراح ـ كما أخرجه البيهقي ـ وسعد بن أبي وقاص ـ كما أخرجه ابن قتيبة ـ وأبو مسعود الأنصاري ـ كما أخرجه البيهقي ـ وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد ـ كما أخرجه البيهقي أيضاً ـ وحمزة كما في الصحيح ـ وابن عمر ـ كما أخرجه ابن طاهر ـ والبراء بن مالك ـ كما أخرجه أبو نعيم ـ وعبد الله بن جعفر ـ كما رواه ابن عبد البر ـ وعبد الله بن الزبير ـ كما نقل أبو طالب المكي ـ وحسان ـ كما رواه أبو الفرج الأصبهاني ـ وعبد الله بن عمرو ـ كما رواه الزبير بن بكار ـ وقرظة بن كعب ـ كما رواه ابن قتيبة ـ وخوات بن جبير ورباح المعترف ـ كما أخرجه صاحب الأغاني ـ والمغيرة بن شعبة ـ كما حكاه أبو طالب المكي ـ وعمرو بن العاص ـ حكاه الماوردي[53] ـ وعائشة والرُّبيّع ـ كما في صحيح البخاري وغيره. وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري. وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية.”

وفي النهاية أكد القرضاوي ضرورة مراعاة الضوابط الآتية:

  • أن يكون موضوع الغناء متفقا مع أدب الإسلام وتعاليمه. فلا تقوم بمدح المنكرات دينيا، أو تمجيد الطغاة والظلمة والفسقة من الحكام.
  • ألا تكون طريقة الأداء متعمدة الإثارة.
  • ألا يقترن الغناء بالمحرمات كشرب الخمر أو المجون بمختلف أنواعه.
  • أن الغناء العاطفي وإن كان مباحا إلا أنه لا يجب أن يطغى على اهتمامات الإنسان بل يأخذ مساحة معقولة من اهتمامات الفرد.
  • أن يكون المسلم فقيه نفسه ومفتيها فلو لاحظ أن هنالك نوع من الغناء يدفع به للمنكرات أو يستثير غرائزه ويغريه بالفتنة فعليه تجنبه.

إن مسألة الأداء في الغناء هذه قد زاد خطرها الآن في الفضائيات العربية، فبعض أغاني “الفيديو كليب” التي تبث بشكل مستمر في فضائيات كثيرة فيها ما فيها من الأزياء الفاضحة والأداء المتهتك حتى إذا قيست على الرجال كانت أشبه بالتحرش الجنسي!.

الصور والتماثيل:

أما الصور والتماثيل فصحيح نهى الإسلام عنها لأنها كانت لأوثان تعبد مثلما حدث مع الأوثان التي كان يعبدها قوم إبراهيم عليه السلام. أي لأنها كانت ذات دلالة دينية شركية. ولكن إذا انتفى ذلك الطابع فلا حرمة. قال تعالى عن الجن الذي سخر لسليمان عليه السلام:

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُور )[54].

فالتماثيل هنا عند اعتبارها فنا لا رمزا دينيا تعد من نعم الله على الإنسان. وسك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عملة عليها صورة الملك الفارسي. ومعاوية بن أبي سفيان سك دنانير عليها تمثال رجل متقلدا سيفا. وعبد الملك بن مروان سك دراهم ودنانير عليها صورة الخليفة قائما قابضا على سيفه، وكان الإمام الفقيه سعيد بن المسيب يبيع بها ويشتري ولا يعيب من أمرها شيئا وهو أحد الفقهاء السبعة المقدمين في المدينة المنورة[55].

وفي السيرة النبوية الشريفة ما يؤكد تحريم الصور حيث كانت مظنة الوثنية، والمجتمع لا زال حديث عهد بالشرك وعبادة الأوثان.  الروايات التي تؤكد ذلك كثيرة وردت في الصحاح مثل حديث طَلْحَةَ : “أَن  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ”[56]،  والحديث: ” إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُون[57]“. هذه الأحاديث وردت بروايات عديدة صحيحة في سندها، وهي تؤكد محاربة التصوير الذي كان يرتبط بعبادة الأوثان، فدلالتها هي على حرمة التصوير المرتبط ببطلان العقيدة ومظنة الشرك بالله.  وهنالك دلائل في السنة على أن كراهة تعليق الصور ارتبطت أيضا بالحرص على سلامة العبادة بحيث لا تعرض الصور للمصلي في صلاته، أما غير ذلك فجائز. والدليل على ذلك ما روته السيدة عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم من سفر ورآها قد سترت كوة بيتها بثوب فيه صورة فكره أن تستر الجدر، ولكنه قبل أن يتوسد على ذات الثوب وفيه صورة، قالت: “قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدِ اشْتَرَيْتُ نَمَطًا فِيهِ صُورَةٌ فَسَتَرْتُهُ عَلَى سَهْوَةِ بَيْتِي فَلَمَّا دَخَلَ كَرِهَ مَا صَنَعْتُ وَقَالَ أَتَسْتُرِينَ الْجُدُرَ يَا عَائِشَةُ فَطَرَحْتُهُ فَقَطَعْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ فَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إِحْدَاهُمَا وَفِيهَا صُورَةٌ” [58] وهنالك اختلاف في تحريم التصوير حتى حينها بين الصور المنصوبة (التماثيل) والصور المرسومة على الثياب –إذ لم تكن لوحة الحائط قد عرفت في المجتمع العربي بعد- فمع وجود آراء تقول بتحريم الصور المرسومة، هنالك ما يفيد جواز النقش على الثياب:  “عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ قَالَ بُسْرٌ ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ قَالَ فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْهُ  حِينَ قَالَ إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ”[59]. وعن عائشة (أَنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا)[60]. وروت الصحاح عن (لَيْثٌ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ فِيهَا تَمَاثِيلُ طَيْرٍ وَوَحْشٍ فَقُلْتُ أَلَيْسَ يُكْرَهُ هَذَا قَالَ لَا إِنَّمَا يُكْرَهُ مَا نُصِبَ نَصْبًا)[61].

وما ينطبق على الصور المرسومة ينطبق أيضا على التماثيل، فحرمتها كانت لأنها مظنة عبادة، فإن كانت دمى للعب مثلا لم تحرم، والدمية أو الدُمى هي التي تعرف عندنا ببنت اللعّاب.

ولأن الحرمة في ذلك الوقت كانت مرتبطة بنقاء العقيدة والناس قريبي عهد بالشرك وعبادة الأصنام، فإنه لما تخلص المجتمع من تلك الريبة وجدنا بعض الاجتهادات الفقهية التي تنفي الحرمة عن التصوير. لقد ساق الدكتور محمد عمارة في كتابه المذكور آنفا بعض تلك الاجتهادات خاصة تلك التي استدلت بالقرآن لتؤكد أن التماثيل إذا لم تقرن بمظنة شرك أو عبادة صارت من نعم الله. ومما ذكره أيضا قول مجتهدي المالكية بجواز التماثيل لغرض التربية.

وهنالك من أئمة المالكية من تجاوز إباحة الصور والتماثيل إلى الاشتغال بفن النحت والتصوير، مشيرا للإمام القرافي  (576- 635هـ) الذي تحدث عن تجربته مع فن صناعة الدمي والتماثيل[62].

وفي العصر الحديث تطرق لهذه المسألة كثيرون على رأسهم الإمام محمد عبده[63] الذي  ذكر دور الفنون التشكيلية في حياة الأمة، ثم قال: “وربما تعرض لك مسألة عند قراءة هذا الكلام، وهي: ما حكم هذه الصور في الشريعة الإسلامية؟ إذا كان القصد منها ما ذكر من تصوير هيئات البشر في انفعالاتهم النفسية، وأوضاعهم الجسمانية؟ هل هذا حرام أو جائز أو مكروه أو مندوب أو واجب فأقول لك: إن الراسم قد رسم، والفائدة محققة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة قد محي من الأذهان، فإما أن تفهم الحكم من نفسك بعد ظهور الواقعة وإما أن ترفع سؤالا إلى المفتي”.. ومضى يتخيل حوارا بين السائل والمفتي يورد فيه السائل حديث “إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون” ويرد عليه المفتي بأن: “الحديث جاء في أيام الوثنية”. ومضى يتخيل الحوار بين الاثنين حتى قال: “ولا يمكنك أن تجيب المفتي: بأن الصورة على كل حال مظنة العبادة، فإني أظن أنه يقول لك: إن لسانك أيضا مظنة الكذب فهل يجب ربطه مع أنه يجوز أن يصدق كما يجوز أن يكذب”؟ ثم اختتم قائلا: “وبالجملة فإنه يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة أفضل من وسائل العلم، بعد تحقيق أنه لا خطر فيه على الدين، لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل.. وليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين عقيدة التوحيد ورسم صورة الإنسان والحيوان لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصور الذهنية”.[64]

ويقول السيد محمد رشيد رضا –صاحب المنار- حول أمر الصور وحلها من حرمتها: “إني أرى إن علة ما ورد من الأحاديث أمر ديني محض يتعلق بصيانة العقيدة من لوازم الشرك وشعائره، إذ لم يكن يعهد في صدر الإسلام وقبله اتخاذ العرب للصور والتماثيل إلا لعبادة، كالذي كان من ذلك على الكعبة الشريفة، فأزاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح.. فعلى هذا يحرم ما كان فيه قصد التعظيم الديني وما كان شعارا دينيا للكفار إذا قصد به التشبه بهم أو كان بحيث يظن أنه منهم أو يذكر بعبادتهم وشعائرهم”. ثم يقول: “ومن يقول إن علة تحريم التصوير واتخاذ الصور هو محاكاة خلق الله تعالى يلزمه تحريم تصوير “الشجر والجبال والأنهار والأرض والشمس والقمر والنجوم والآلات والأدوات والدوائر والخطوط..الخ” ولم يحرموه وكلها من خلق الله”. وكذلك احتفى الشيخ محمود شلتوت بالمعرض الفني الرابع لطلاب الأزهر وفيه رسوم الكائنات الحية مؤكدا أن الريشة “تذكرنا بما أعد الله للعاملين”[65].

هل هنالك فن تصوير إسلامي؟

لقد تحدث الكثيرون عن أثر العقيدة على الفنون خاصة الفنون التشكيلية. وأن تحريم الفنون التجسيمية تسبب في أن ينحو الفنان المسلم “منحى تجريديا وذلك من خلال الزخارف لتحقيق الانسيابية في الخطوط والاتزان الهندسي والتوافق اللوني والتنغيم الموسيقي وهي المقدمة اللازمة لفن تجريدي أصيل”[66].

وهنالك من أشار إلى أن الفنون الشرقية عامة أبعد عن المحاكاة وعن التجسيم خلافا للفنون الغربية التي ارتبطت بالمحاكاة وبالبحث عن البعد الثالث (العمق). وأن ذلك يرجع للفرق الأساسي بين الحضارة الإغريقية المادية  في مقابل الحضارات الشرقية الوجدانية الروحية[67]. يؤكد أبو صالح الألفي أن الآثار الفنية في العالم الإسلامي “تزخر برسوم الكائنات الحية التي بعدت عن المحاكاة بعدا واضحا، إلا ما كان منها في كتب العلم، استمرارا للتقاليد نفسها التي سادت هذه المنطقة قبل الإسلام بقرون طويلة”[68].

هذا الكلام يدفعنا إلى رد الفنون المبتعدة عن المحاكاة والملتزمة بالتجريد إلى الثقافة والروح الشرقية عامة لا إلى الإسلام.. وإن كانت السمات الراجعة للإسلام ترى في أشكال مختلفة مثل فنية الخط خاصة للآيات القرآنية، والزخرفة القائمة على الضم والوحدة في التنوع، وكلها راجعة للعقيدة.

الموقف الصحيح للإسلام من الفن

القرآن فاق الكتب المقدسة الأخرى بأن نصه واحد محفوظ ونصوصها متعددة مختلف عليها. وفاقها بمعان اشتمل عليها وخلت منها. وفاقها كذلك بأنه نص فني رائع لا تجاريه نصوصها. أعجز القرآن فصحاء العرب بسوره وآياته مستخدما كل فنون البلاغة من بيان، وطباق، وجناس، وتورية، وسجع، ووزن، وكانت أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخطبه نثراً فنياً رائعاً.

والسيرة النبوية تبين أثر فنون البلاغة والموسيقى والتصوير الفني التي جرى بها القرآن في الناس وفي استمالة قلوبهم. روى ابن اسحق أن ثلاثة من عتاة المشركين كانوا يذهبون ليلا خلسة ليستمعوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقرأ القرآن وهم أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريف بن عمر بن وهب الثقفي، وكانوا يتلاقون لذلك عن غير موعد [69].

إن الطبيعة هي كتاب الله المشاهد ومناظرها في الشجر، والنهر، والبر، والبحر، لوحات جمالية. والطيور المغردة والحيوانات تصدر أصواتا هي التي تحاكيها آلات الموسيقى وأنغامها. قال الإمام الغزالي[70] “من لم يحركه العود وأوتاره والربيع وأزهاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج” وقال: “من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية  زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور، بل على جميع البهائم. فإنها جميعا تتأثر بالأنغام الموزونة”[71].

الفن لغة مشتركة بين كافة البشر فالرسم، والنحت، والموسيقى، والرقص، والعمارة، والدراما تعبيرات مشتركة بين البشر أجمعين.  تعبيرات تؤثر في العجماوات ففي الميثولوجيا اليونانية أن أورفيوس كان يسوق الحيوانات والوحوش بالنغم الشجي المنبعث من الناي. وقيل أنه أغرق الفئران التي اتبعت موسيقاه حتى اقتحمت البحر وغرقت. وفي الأدب العربي أن أحد الحداة ظل يحدو بناقته وهي تنطلق بأسرع ما تستطيع حتى سقطت ميتة.

الفن يأتي بعد الإيمان والحب في إثارة الوجدان وتحريكه وتمكين الإنسان من الإتيان بما يفوق قدراته المادية. الفن تعبير جميل أخاذ آسر وقد أبدعت الدعايات الحديثة بإتقان فن العرض والتشويق بصورة تكاد تسطو على جيوب المستهلكين والمستهلكات. ومعلوم أن التعبير الفني المتقن لا يقاوم وقديما قال الشاعر:

عليم بأسرار الكلام وقاهر            لقول كل خطيب يشبه الحق باطله

أثناء حبسي الانفرادي ذات مرة تأملت ما هو العذاب الذي يمثله السجن. إنه قطعا ليس الألم. ففي السجن العادي الإنسان يأكل وينام بصورة عادية. وتبين لي أن العذاب هو في الملل. الملل أشد تعذيبا من الألم. الملل أكبر منغصات الحياة ومحبطات الإنسان. الفن ترياق مضاد للملل يكسره ويبدده. قال ابن عباس[72] “إن القلوب إذا ملت كلت وإذا كلت عميت” لذلك ما برح ينوع مجالس الدرس ويدخل فيها المستظرف والمستطرف وذات مرة قطع الدرس ليسمع رائية عمر بن أبي ربيعة فعاتبه على ذلك أحد الثقلاء ولكنه واصل الاستماع لعمر ينشد:

أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ           غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ

إلى أن قال:

ولا وصل (قربُ) نعمٍ إن دنتْ لك نافعٌ       وَلاَ نأْيُهَا يُسْلي وَلاَ أَنْتَ تَصْبِرُ

إن في كسر الملل تجديدا للمزاج النفسي، وفتحا للشهية النفسية لمزيد من التلقي والعطاء.

والفن يحرك العقل الباطن لاكتشاف أسرار دفينة على نحو ما قال ابن الفارض:

ولا تكُ بالّلاهي عنْ اللهوِ جُملة ً    فَهَزْلُ المَلاهي جِدُّ نَفْسٍ مُجدّة ِ

وإيّاكَ الإعراضَ عنْ كلِّ صورة ٍ     مُموَّهة ٍ أو حالة ٍ مستحيلة ِ

فطيفُ خيالِ الظّلِّ يُهدي إليكَ في           كَرَى اللّهوِ، ما عنهُ السَّتائِرُ شُقّتِ

والفن سلم للإبداع. قال التجاني يوسف بشير:

قُم لِمَوحاك في الدُجى بَينَ    صَحوان نَدي وَبَين سَهوان ساكر

يَنفخ اللَه في مَشاعرك اليَقظى       وُجوداً فَخم التَصاوير فاخر

وَيَفجر لَكَ الغُيوب وَيَنشُر            بَينَ عَينيك عالِماً مِن ذَخائر

فَتَخير وَصف وصور رُؤى الوَحي   وَصغ وَاِصنَع الوُجود المُغاير

والفن وسيلة للتعبير عن معان دقت وخفيت حتى توارت عن العقل الظاهر، على نحو ما قال أبو تمام وهو يصف مغنية غنت بالفارسية:

وَلَمْ أفْهَم مَعانِيهَا ولكن       ورتْ كَبدِى فَلَمْ أَجْهل شجاها!!

فبتُّ كأنَّني أعْمَى مُعنًّى       يحبُّ الغانِياتِ ولا يراها

أسباب تشويه العلاقة بين الدين والفن:

لماذا مع هذا استطاع كثير من علماء وفقهاء المسلمين إقامة عداوة بين الدين والفن؟ عداوة شعواء بين الدين والجماليات؟

في العهدين الأموي والعباسي وما تلاهما تحكم على الأمة الإسلامية طغاة أحصوا على الناس أنفاسهم، وأقاموا نظما اقتصادية طبقية ونظماً اجتماعية مسرفة في دهريتها، مسرفة حتى النخاع. وظهر في آراء كثير من الفلاسفة والشعراء استخفاف بالدين واستهتار بالقيم الخلقية.

قال أبو العلاء المعري ساخراً على الأديان:

بالقدس قامت ضجة  مــا بين أحمد والمسيح

هذا بناقـوس يدق     وذا بمئذنــة يصيــح

كل يؤيد دينـــه        يا ليت شعري ما الصحيح؟

وقال أبو نواس مستخفا بقيم الدين:

أَلا فَاسقِني خَمراً وَقُل لي هِيَ الخَمرُ        وَلا تَسقِني سِرّاً إِذا أَمكَنَ الجَهرُ!

وقال أيضا:

دع المساجـــد للعباد  تسكنها        وطف بنا لخمار ليسقينـا

ما قال ربك ويل للأولى سكروا              بل قال ربك ويل للمصلينا!

تاريخ تلك الحقب لا ينفك يذكر بإسهاب استهتار الخلفاء والسلاطين ومجونهم إلا قليلا منهم. وانطلق شعراء عديدون أمثال عمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس، وديك الجن، وغيرهم يقرضون شعرا إباحيا. وانطلقت صناعة القينات تعلم القيان غناء ورقصا سجل مشاهده كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وسجلتها بصورة درامية قصص  ألف ليلة وليلة[73]. لقد صارت الفنون في تلك الحقب مطايا ثقافة شهوانية ماجنة. الفن وظف لأغراض التشكيك في الدين والاستغراق في ملذات الدنيا فلا غرو أن تصدى له علماء وفقهاء فحرموه.

كان الأجدر بهم أن يحرموا الأغراض التي وظف الفن لها لا الفن نفسه، مثلما فعل ابن حزم في قوله: “إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى[74]” فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه”[75].

ولكن الحرمة لحقت بالفن وأغراضه. إن الفن ذو تأثير قوي ومثلما وظف لأغراض شريرة على طول تاريخ الإنسانية فإنه وظف كذلك لأغراض خيرة. فالقرآن وظف الفن عبارة ووصفا للدعوة لدين التوحيد. ودعاة الإسلام وظفوا النثر الفني والشعر للدعوة للإسلام فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت شاعر الإسلام “قل ومعك روح القدس وقال الإمام المهدي لأحمد ود سعد شاعر المهدية الذي كتب عريضة يلتمس فيها إذنا مكتوبا بمدحه فكتب إليه الإمام منشورا جاء فيه: “إن المدح فيه إرعاب الكافرين وموعظة وتذكرة للمجاهدين ولهو فيهم –أي الكفار- أسرع من  النبل وهو كان ينشد بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقره وزجر من تعرض لناشده”[76].

كان الفن تاريخيا من أقوى وسائل الدين. ومن أقوى وسائل التحولات التاريخية من حروب وثورات. إن المدرسة الواقعية في الفن تقول بالفن الملتزم وتعمل على توظيف الفن للرؤى الدينية أو الأيدولوجية. ولكن مقولات الفن متعددة وعلى نقيض الفن الملتزم الفن من أجل الفن الذي يعبر عن إبداعات أصحابه الحرة.

إن بعض الفن الملتزم بارد وخال من الإبداع. وكلما كان الفن مبدعا كان تأثيره قويا.

متى يتناقض الدين والفن ومتى يتكاملان؟

الدين والفن يتناقضان إذا كانت النظرة الدينية ناقضة للعالم جاحدة للفطرة الإنسانية. أو إذا كانت النظرة الدينية هي الرؤية المنكفئة للدين الإسلامي. وهما يتناقضان إذا كانت رؤية الفن أنه مطية للملذات. ولكن اعتبار الجماليات جزء لا يتجزأ من نظام الكون واعتبار الفن جزءا لا يتجزأ من فطرة الإنسان، والرؤية الدينية الصحوية التي تعرف ملكات الإنسان وفطرته وتستجيب لمطالبها بصورة موزونة.. هاتان النظرتان للدين والفن تتكاملان وتمنعان أي اشتباك بين الدين والفن. هذه الأطروحة ضرورية، وفي ظروف بلادنا- السودان- تكتسب أهمية خاصة لأننا نمر بمرحلة مراجعات فكرية وثقافية أساسية. فما هو الضوء الذي تلقيه هذه الأطروحة على الواقع السوداني الراهن؟!.

النظرة للدين في الواقع السوداني:

في عدد من المراجع من كتب ومحاضرات[77]حددنا مقولاتنا في أمر الدين عامة والإسلام خاصة. أهم ما جاء فيها:

  • الدين ضرورة إنسانية والذي خلق إشكال الدين والعلمانية هو أن المؤسسات الدينية تعدت مجالها الديني المشروع لفرض وصاية على المعرفة الإنسانية وحركة المجتمع الإنساني مما أدى لردة الفعل العلمانية. العلمانية بدورها تعدت مجالها في عالم الشهادة لفرض هيمنة على كل معارف الإنسان وعلى القيم الخلقية.
  • الدين الإسلامي مع وضوح عقائده وتعاليمه يعترف بالتعددية الدينية وبقيمة ما للأديان الأخرى، أما الكتابية فقوله تعالى:

(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون)[78]. وحتى الهداية الإنسانية الذاتية أي من غير رسالة تجد في الإسلام تقديرا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [79] ومن هذا القبيل امتدح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعار أمية بن أبي الصلت[80] وغيره من المتحنفين في الجاهلية كما امتدح حاتم الطائي وقال عن رسالته “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

  • السودان فيه المسيحية وعدد محدود من اليهود وهؤلاء أهل كتاب ينبغي أن نتعامل معهم على أساس الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل، والمرجعية الإسلامية المذكورة، وما قاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “َالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ”[81].

أما الأديان الأفريقية الموجودة في السودان فالنظرة التجريمية لها غير صحيحة وغير إسلامية سيما وقد أوضحت الدراسة الجادة لها أنها تقول بإله واحد  للكون وإن خلطت ذلك بعقائد شركية وسحرية على نحو ما أوضح بالتفصيل الكاتب النيجيري المتخصص في علم الأديان “بولاجي أداو قائلا “إن الدارس للواقع الأفريقي التقليدي يذهل لتنوع الثقافات والمعتقدات الدينية فيه، ولكن سرعان ما يتكشف له بعد التعمق وجود صفات مشتركة. وأنه فيما يتعلق بفكرة الله- مثلا- فإنه يوجد خيط واصل عبر القارة حتى ولو وهن من  مكان لآخر يشير إلى مرجع معين للإله مما يمكننا من الحديث عن صفات مشتركة لأديان إفريقيا التقليدية. فهناك على سبيل المثال اسم واحد للإله يظهر في تبديات مختلفة في مناطق عديدة: الكولونج Kollung، البيا Piya، البيرو Pero، التاقيل Tagale، والواجا Waja النيجيريون يدعونه يامبا Yamba، بينما يظهر في الكاميرون والكونغو بأسماء اليامبي Yambe  واليمبي Yembe” وطبقا لأداو فإن أهم المميزات للأديان التقليدية الأفريقية هي:  الاعتقاد في الله  الواحد الخالق للكون. الاعتقاد في الآلهة. الاعتقاد في الأسلاف والسحر والطب الشعبي. ويؤكد أداو إيمان المجموعات الأفريقية المختلفة بالله وأن كثيرا من الألفاظ التي تطلق عليه تحمل معان وهي ليست أسماء فحسب. كما أنه يوصف بصفات عديدة تؤكد أنه الإله الحي الباقي والفاعل والحقيقة الماثلة أبدا في العالم[82].

إن جهلنا بمضمون هذه الأديان والثقافات من شأنه أن يعزز النظرة الدونية نحو أهلها. والنظرة الدونية لا تسمح بأية درجة من التكريم والتسامح بل تخلق مرارة بين المستعلي والمستعلى عليه.

  • ينبغي أن نصرف النظر نهائيا عن إيجاب الأحادية الدينية ونقبل دون تحفظ التعددية الدينية وفي هذا الإطار تعطى كل مجموعة وطنية حقوقها الدينية كاملة على أن تحترم حقوق المواطنة المتساوية للجميع وأن تحترم حقوق الآخرين الدينية. هذا التعايش السلمي بين الأديان لا يتنافى وحرية الدعوة الدينية على أن تواصل عملها هذا بلا استعلاء ولا إكراه وبالتي هي أحسن على نحو التوجيه الرباني(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[83] هذه المعاني ينبغي أن تثبت في ميثاق ديني يهندس العلاقات الدينية في السودان على أساس التسامح والتعايش.

الدين والفن في السودان:

السودان من أقدم البلاد التي سكنها البشر بحسب الحفريات التي وجدت في بعض أجزائه مؤخرا.. والسودانيون من أقدم من خط بالقلم، وقد كانت اللغة المروية أول لغة صوتية الكتابة (أي أبجدية) في إفريقيا، إلا أن السودان أصابه انقطاع حضاري فيما يتعلق بالتدوين جعل الكتابات عن تاريخه في الغالب مأخوذة عن المؤرخين الإغريق من جهة والعرب المسلمين من جهة أخرى.. تلك الكتابات لا تغطي كافة حلقات السودان التاريخية، ولا تشمل كافة بقاع السودان الحالية.. ولكن الآثار التي اكتشفت حتى الآن فيما تم من كشوفات تؤكد شيئين: الرقي الفني لحضارات السودان من جهة، وارتباط ذلك بالدين من جهة أخرى فالسودانيون من أقدم من عبد الله وقدم له القرابين. العديد من فنون العمارة والنحت كانت مرتبطة بآلهة السودان القديم في الفترة الكوشية ثم المروية، كما ارتبطت بالرموز المسيحية في العهد المسيحي النوبي. ومع دخول الدين الإسلامي عاشت العديد من الفنون في ثياب إسلامية، فطبول الصوفية، ورموز الخلوة التشكيلية، والكثير من المناشط الدينية استصحبت الفنون المختلفة.

أما المهدية كدعوة دينية وكحركة وطنية فقد كان لها إسهاماتها في مجال الفن لا سيما في تطوير النثر الفني، وفي تطوير الشعر الفصيح والدارج وفي تطوير أدب المدائح وفنون الطباعة والخط العربي وغيرها. كما أدخلت المهدية ثقافة الإتقان وهي لازمة لأي عمل فني، من هنا كان منشور الخط وإحسانه، والدعوة لعمارة ثابتة بالطوب في أم درمان وغير ذلك. ولكن المهدية اتخذت مواقف محرمة لآلات المعازف المختلفة لنفس الأسباب التي ذكرت حول التحريم في عصور الانحطاط الإسلامي، خاصة وقد كانت الفنون تستخدم رديفا للملذات والمجون والشهوات في العهد التركي، تدل على ذلك الروايتان التاليتان:

  • يروى أن غردون المسيحي المتزمت حينما جاء للخرطوم في مهمته الأولى كحاكم للاستوائية، وحينما زار الخرطوم، أعد له استقبال من قبل رئيسه حكمدار السودان حينها، اختتم برقصات قامت بأدائها مجموعة من الفتيات العاريات، تحولت في نهاية الأمر إلى ممارسة جنسية جماعية مكشوفة، فترك غردون الحفل في حالة من القرف والاشمئزاز[84].
  • ويروي أحد الأوربيين مستهجنا كيف أن عباس أغا مأمور بربر أقام لهم مأدبة غذاء في عام 1837م (أي قبل حوالي أربعين عاما من مأدبة استقبال غردون الشبيهة) وأنه أثناء الأكل “كانت الراقصات يرقصن على إيقاع الدربكة والكمنجة ذات الوتر الواحد وبعد الفراغ من الأكل بدأت الراقصات يثنين في تهتك” ثم أردف “سوف لن أكون امتهنت هذه الرقصة إذا ما استنكرتها كنوع من المتعة ممعن في الوقاحة والتهتك”.[85]

فاتخذت المهدية موقفا متشددا من الفنون في شكلها الشائع آنذاك، ولكنها أبقت على الغناء والإنشاد نفسه واستخدمته بكفاءة في نصرة الدعوة.

أما المهدية في طورها الثاني فقد كان الإمام عبد الرحمن المهدي إمام الدين الذي أسهم بإضافة تاريخية في بعث الدعوة المهدية في طورها الثاني بالالتزام بالعقيدة وسلامة العبادات ولكنه عدل مفهوم الزهد من التجرد إلى إفراغ القلب من سلطان المادة وجعلها سلاحا في اليد، وعدل مفهوم الجهاد من الفهم الهجومي إلى فهم دفاعي تعززه تربية جهادية متزنة[86]، والذي كان بجهاده المدني أبا لاستقلال السودان. والذي اختار موقفا وسطا في الإسلام بين الانكفاء في الماضي والاستلاب في الوافد فاتخذ موقفا توفيقيا محددا ومستندا لمقولة الإمام المهدي (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال).. أقول كان الإمام عبد الرحمن بهذا النهج التجديدي مجددا في الموقف من الفن.

لقد طور كثيرا من الفنون التشكيلية كالصناعات الجلدية واهتم بالموسيقى ودورها في مخاطبة المشاعر وكون فرقة الجزيرة أبا الموسيقية. وكان يهتم بالزي والمائدة الحسنة وكان يسوي بيده العمائم التي تلاث بلا ذوق فيعدلها، وإذا بلغه أن فلانا بنى بيتا جميلا يزوره ويثني على صاحبه، وكان راعيا للشعراء حتى أن غالبية شعراء السودان بالفصحى والعامية مدحوه. وكان راعيا لرواد الحقيبة  هذه الحقيقة وثقها عبيد عبد الرحمن في رثائه للإمام عبد الرحمن إذ قال:

آويتنـا ودنيتنــــا           وناديتنــــا بأسمانا

ولميـت شقة الفرقـة       القبيـــــل قاسمانا

أيادي نعمتك فــــي         كـــل شيء مقاسمانا

بان في وجوهنا خيرها    وشارة الشرف واسمانا

كنت رجانا يا مولانـا       كنت عــــــزانا

في وجـودك وجــود        ذاتنا وحياتنا مــزانا

من بعدك نفــوسنــا        تسربلـــت أحـزانا

ومن بعدك عقولنا تحير   ت واتغيــرت أوزانا

الدين والفن في السودان الحديث:

في مرحلتي الحكم الشمولي في السودان جرت محاولات لإخضاع الثقافة ومن بينها الفن لأدلجة محددة. في أوائل عهد مايو الاشتراكية العلمية كانت آلات القمع تعمل في كافة حقول العمل الفني والثقافي وفي المؤسسات التعليمية التي تعد الفنانين بكافة أنواعهم من  فصولات تعسفية للأساتذة والطلاب، ووسائل التنكيل للمخالفين من سجون، وتشريد، وحروب إعلامية. كان ذلك التعسف لأسباب قهرية وضعية لحماية الدولة البوليسية العلمانية، ثم أنه اختلط في أواخر أيام مايو بالهوس الديني الإسلاموي المصاحب لإعلان قوانين سبتمبر 1983م المتمسحة بالشريعة الإسلامية،  حيث شاعت التفسيرات الدينية  المحرمة للفنون، وقد كانت إدعاءات مايو الإسلاموية سببا في هجمات متكررة على الفنون بأنواعها وعلى الثقافة حيث تم حرق عدد كبير من الكتب المتهمة. لقد سبب التوجه النميري الإسلاموي ضيرا كبيرا على الفنون شبيها بما أتته طالبان في أفغانستان بعدها، مثلا، و”تحت مظلة القوانين الإسلامية -وتحت جنح الظلام- هاجم بعض المهووسين الدينيين تمثال المهاتما غاندي بأم درمان وحطموه إربا أربا”[87] وكذلك إزالة تمثالي الشهيدين القرشي وبابكر عبد الحفيظ من مكانهما أمام مكتبة جامعة الخرطوم[88]. إن تلك التوجهات الخاطئة قد أعطت التشدد الإسلاموي ضد الفنون زخما وأنعشت حركته.

وفي عهد “الإنقاذ” جرت محاولة مماثلة لصالح الواحدية الإسلاموية، وذكر بعض التشكيليين السودانيين أن الإنقاذ تبنت إحدى المدارس الفنية التشكيلية السودانية التي ظهرت منذ غرة الثمانينات- مدرسة الواحد- التي تتطلع لصهر الثقافات السودانية وتوحدها حول كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. مدرسة الواحد فيها تطلع مشروع لأن يتبع الفن العقيدة، وقراءة لأثر العقيدة الإسلامية على فنون الشعوب التي اعتنقتها وأثر ذلك على الحضارة الإسلامية[89]. وهنالك مدارس تشكيلية أخرى تحلل الفن وتمارسه بناء على رؤى معينة للهوية. فهناك مثلا مدرسة الخرطوم في الفن التشكيلي التي نشأت في خمسينيات القرن العشرين والتي تنطلق من مفردات “الخلوة” من الخط العربي والشرافة بإضافة رموز نوبية أفريقية، مشابهة مدرسة الغابة والصحراء الأدبية التي ازدهرت في ستينيات القرن العشرين وما تلاها في الحديث عن الهجنة العربية الإفريقية في الهوية السودانية.

هذه المدارس لها ما يبررها داخل البيئات التي تنتمي إليها، ولدى الأشخاص الذين اعتنقوها، ولا ضير فيها بل يجب أن يكون لها مطلق الحرية في التعبير عن أفكارها والتبشير بها والدعوة  بسيادتها عبر التلاقح الثقافي الطوعي (المثاقفة)، ولكن المرفوض هو الحديث عن حقيقة فنية أو ثقافية واحدة في السودان يتم التطلع لتحقيقها عبر الفرض الثقافي، بقوة وسلطان الدولة.. وقد كان الفرض الثقافي أظهر وأبلغ أثرا في ظل “الإنقاذ”، التي حاولت نفي كافة الاجتهادات الفنية خارج عباءة رؤيتها الأحادية للدين.

لقد احتوى دستور السودان لعام 1998م “الإنقاذي” على مادتين: المادة 12 (العلوم والفنون والثقافة) وفيها أن الدولة “تعمل على تشجيع الفنون بأنواعها وتسعى لترقية المجتمع نحو قيم التدين والتقوى والعمل الصالح”. والمادة 18 (التدين) ونصها: “يستصحب العاملون في الدولة والحياة العامة تسخيرها لعبادة الله، يلازم المسلمون فيها الكتاب والسنة، ويحفظ الجميع نيات التدين، ويراعون تلك الروح في الخطط والقوانين والسياسات والأعمال الرسمية.

دستور 1998م يدعو للحاكمية لله (المادة 2)، وقد بينا في مجالات أخر أن هذه الدعوة التي نشأت في ظروف تشدد ديني هندوسي مضاد للمسلمين، اتخذها العديدون لتقديس اجتهاداتهم الدينية ولجعل دولهم الظالمة فوق القانون[90].   هذه النصوص تؤكد توجيه العطاء الفني بالاجتهادات الدينية “الإنقاذية” الأحادية التي لا يتفق معها غالبية المسلمين في السودان، وقد أتت تأكيدا لقياسات إدارية موجودة أصلا وسارية المفعول منذ سنين “الإنقاذ” الأولى. من ذلك تعيين المحاسيب للمناصب القيادية في مؤسسات الفن، والجامعات، وأجهزة الإعلام.وحل اتحادات الكتاب والفنانين مثل اتحاد الكتاب السودانيين. وإنشاء منظمات بديلة لتلعب دورا في تحفيز الفن الديني برؤية “الإنقاذ” وأهلها[91].

علينا التخلي عن أية محاولة لاعتماد مدرسة فنية معينة وإتاحة حرية الإبداع وحمايتها متخذين موجهات عامة لصالح التأصيل دون انكفاء والانفتاح على الآخر الحضاري والفني دون تبعية، والاهتمام بالفن من حيث هو مع حرص تربوي وإعلامي لاحتواء المدارس التي توظف الفن للتفسخ والانحلال.

 

الهوامش

 

المراجع

 

المراجع العربية

  1. ابن هشام: السيرة النبوية ، المكتبة التوفيقية- القاهرة.
  2. ابن حزم المحلى
  3. أبو الفرج الأصفهاني: كتاب الأغاني، دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر 1976.
  4. أبو حامد الغزالي “الإمام”: إحياء علوم الدين– الجزء الثاني كتاب آداب السماع والوجد.
  5. أبو صالح الألفي الفن الإسلامي: أصوله فلسفته مدارسه  دار المعارف- القاهرة- الطبعة الثالثة (بدون تاريخ)
  6. آلان مورهيد: النيل الأبيض ترجمة محمد بدر الدين خليل.
  7. الصادق المهدي: جدلية الأصل والعصر– دار الشماشة للنشر- الخرطوم- 2001م.
  8. الصادق المهدي: نداءات العصر 2002م.
  9. الصادق المهدي: العلمانية: الجذور والأبعاد– “محاضرة” بجامعة الخرطوم 1982م.
  • الصادق المهدي: الحضارات الإنسانية تصارع أم تحاور “محاضرة” بجامعة النيلين 2003م.
  • الصادق المهدي: الإسلام وحقوق الإنسان في السودان دار الأمين- القاهرة 1999م.
  • الصادق المهدي: والثوابت القومية والوحدة الوطنية محاضرة في قاعة الصداقة يوليو 2002م.
  • الصادق المهدي: عبد الرحمن الصادق إمام الدين مكتبة مدبولي- القاهرة 2002م.
  • روبن نيلالاند: حروب المهدية- ترجمة دكتور عبد القادر عبد الرحمن.
  • ريتشارد هل: على تخوم العالم الإسلامي – الجزء الثاني. (ذكر مكان وتاريخ الطبع. د. فدوى عبد الرحمن علي طه).
  • عز الدين إسماعيل”دكتور”: الأسس الجمالية في النقد العربي دار الفكر العربي- 1992م.
  • قرشي محمد حسن: قصائد من شعراء المهدية المجلس القومي لرعاية الآداب والفنون- الطبعة الأولى 1974م.
  • محمد إبراهيم أبو سليم: الآثار الكاملة للإمام المهدي. دار جامعة الخرطوم للنشر- 7 أجزاء- 1986م.
  • محمد عمارة: الإسلام والفنون الجميلة دار الشروق – القاهرة- الطبعة الأولى 1991م.
  • يوسف القرضاوي الغناء في الإسلام (موقع الموسوعة الإسلامية على الإنترنت) : موقع المقال هو:

 

 

مراجع إنجليزية

 

  1. Idowu, E. Bolaji, African Religion: A Definition , Maryknoll. Orbis Books, 1975.
  2. Khalid AlMubarak Muslim Fundamentalism and Arts: The Dismantling of the Higher Institute of Music and Drama in the Sudan. In:  حيدر إبراهيم علي (إعداد) التنوع الثقافي وبناء الدولة الوطنية في السودان – القاهرة 1995م.

 

 

 

 

[1] المعجم الأوسط

[1]  رواه البخاري –وأبو داؤود وأحمد

[2]  سورة الفاتحة الآية 4.

[3] من تعليق الأستاذ الطيب محمد الطيب

[4] من تعليق بروفسير يوسف فضل حسن

[5] أنظر في ذلك االدكتور عز الدين إسماعيل الأسس الجمالية في النقد العربي– دار الفكر العربي- 1992م – ص 50

نفسه [6] ص 17

[7]  عز الدين إسماعيل الأسس الجمالية في النقد العربي ، سابق  ص 15

[8]  August Comte (1798-1857) فيلسوف فرنسي منشئ مدرسة الإيجابية Positivism باعتبارها دين بديل للعالم، ويؤكد أن هدف المعرفة هو وصف الظواهر المشاهدة وليس التساؤل عن وجودها من عدمه، وقد صاغ مصطلح علم الاجتماع sociology كمفهوم بديل للأخلاق عما اعتبره “هرطقات” الدين!.

[9]  نجيب محفوظ، ولد(1912) روائي مصري شهير تحصّل على جائزة نوبل للآداب سنة 1988.

[10]  سورة الغاشية الآيات 21- 22.

[11]  Henry Louis Mencken (1880- 1956م) صحفي أمريكي شهير في زمانه. وكان منكين يصف في حديثه التطهريين puritans.

[12]  رواه الإمام أحمد في مسنده- من حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ

[13]  رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة

[14]  سورة الضحى الآية 11

[15]   رواه مسلم، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، وأحمد- موسوعة الحديث الشريف

[16]  سورة الأعراف الآية 32

[17]  سورة لقمان الآية 6.

[18] للتوسع في بيان أحاديث تحريم الفنون أنظر : محمد عمارة الإسلام والفنون الجميلة دار الشروق – القاهرة- الطبعة الأولى 1991م

[19]  أخرج هذا الحديث البخاري وأحمد والدارمي

[20]  سورة الشعراء الآية 224.

[21]  هذا ما أنشده عليه الصلاة والسلام يوم حنين- أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي

[22]  ورد البيت في صحيح البخاري- كتاب المناقب- موسوعة الحديث.

[23]  سورة الشعراء الآية 227.

[24]  رواه أحمد في مسنده

[25]  القرطبي  ( 578- 671هـ/ 1182-1274 م): هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الخزرجي الأنصاري القرطبي. أبو عبد الله من أهل قرطبة وإليها نسبته. أشهر تصانيفه: (الجامع لأحكام القرآن) المعروف بتفسير القرطبي.

[26]  البخاري (الإمام) (194- 256هـ/ 809- 869م): محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بزدويه البخاري الجعفي، إمام أهل الحديث وصاحب “الجامع الصحيح” المعروف بصحيح البخاري.

[27] رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي

[28]  أحمد بن حنبل (164- 241هـ/ 781-855 م ): هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المروزي البغدادي، اصله من مرو. ولد في بغداد ثم رحل إلى الكوفة والبصرة والشام والحجاز واليمن طالبا للحديث، تفقه على الشافعي ثم اجتهد لنفسه، من تصانيفه “المسند” من الصحاح، من الأئمة الأربعة.

[29] مسند أحمد

[30]  البخاري (الإمام) (194- 256هـ/ 809- 869م): محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بزدويه البخاري الجعفي، إمام أهل الحديث وصاحب “الجامع الصحيح” المعروف بصحيح البخاري.

[31] صحيح البخاري

[32]  النسائي (215- 303هـ/ 830- 915م): هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي، من مدينة نسا بخراسان، استوطن مصر ثم الرملة بفلسطين، صنف (السنن الكبرى) المعدودة في الصحاح.

[33] سنن النسائي

[34] رواه أحمد وابن ماجة

[35]  الغزإلى (أبو حامد) (450- 505هـ/ 1058- 1111م): هو محمد بن محمد بن أحمد الغزإلى الطوسي، درس فقه الشافعية ثم تعمق في دراسة الفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) متشككا في قيمة العلم وبراهينه المنطقية ولكنه بعد ذلك حاول رد الاعتبار للعقل أساسا للعلم كما جاء في كتابه (إحياء علوم الدين).

[36] الإمام الغزالي إحياء علوم الدين سابق

[37] أنظر موسوعة الحديث- الكتب التسعة

[38] ابن حزم المحلى

[39] ابن حزم المحلي – دار الفكر

[40] نفسه

[41] نفسه

[42] شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661- 728هـ/ 1262-1327م): أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، وتيميه هي والدة جده الأعلى محمد، ولد بحران، وفي السابعة من عمره انتقل مع والده إلى دمشق هربا من التتار، وأثناء فتح عكا جاهد بسيفه ضد التتار. توفي مسجونا بقلعة دمشق.

[43] ابن قيم الجوزية (10 صفر691- 23 رجب 751هـ/ فبراير 1292- سبتمبر 1350م) الإمام – تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، هو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، زُّرعي،  ثم الدِّمشقي، الشهير بـابن قيم الجوزية. توفي  ودفن بدمشق.

[44]  الغزإلى (أبو حامد) (450- 505هـ/ 1058- 1111م): هو محمد بن محمد بن أحمد الغزإلى الطوسي، درس فقه الشافعية ثم تعمق في دراسة الفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) متشككا في قيمة العلم وبراهينه المنطقية ولكنه بعد ذلك حاول رد الاعتبار للعقل أساسا للعلم كما جاء في كتابه (إحياء علوم الدين).

[45]  محمد عمارة الإسلام والفنون الجميلة– دار الشروق- القاهرة الطبعة الأولى 1991م. الحديث  رواه مسلم، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، وأحمد- موسوعة الحديث الشريف

[46] شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661- 728هـ/ 1262-1327م): أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، وتيميه هي والدة جده الأعلى محمد، ولد بحران، وفي السابعة من عمره انتقل مع والده إلى دمشق هربا من التتار، وأثناء فتح عكا جاهد بسيفه ضد التتار. توفي مسجونا بقلعة دمشق.

[47]  محمد عمارة الإسلام والفنون الجميلة– دار الشروق- القاهرة الطبعة الأولى 1991م ص

[48]  الغزإلى (أبو حامد) (450- 505هـ/ 1058- 1111م): هو محمد بن محمد بن أحمد الغزإلى الطوسي، درس فقه الشافعية ثم تعمق في دراسة الفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) متشككا في قيمة العلم وبراهينه المنطقية ولكنه بعد ذلك حاول رد الاعتبار للعقل أساسا للعلم كما جاء في كتابه (إحياء علوم الدين).

[49] شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661- 728هـ/ 1263-1328م)- أنظر الهامش أعلاه.

[50]  محمد عمارة- سابق

[51]  موقع الدراسة على الإنترنت هو:

[52]  الماوردي (364-450هـ/ 975- 1058م): هو علي بن محمد بن حبيب البصري، كان معتزليا في الأصول وشافعيا في الفروع.

[53]  الماوردي (364-450هـ/ 975- 1058م): هو علي بن محمد بن حبيب البصري، كان معتزليا في الأصول وشافعيا في الفروع.

[54]  سورة سبأ الآية 13

[55] عمارة- سابق ص 130

[56]  متفق عليه.

[57]  رواه البخاري مسلم والنسائي وأحمد موسوعة الحديث حديث رقم 5494.

[58]  رواه أحمد في مسنده- موسوعة الحديث حديث رقم24908.

[59]  متفق عليه.

[60]  متفق عليه.

[61]  رواه البخاري ومسلم و النسائي وأحمد موسوعة الحديث حديث رقم6044.

[62] عمارة سابق ص 133- 135

[63]  محمد عبده –الشيخ (1266- 1323هـ/1849- 1905م) هو محمد عبده بن حسن خير الله، من آل التركماني، تعلم بالأزهر وتصوف وتفلسف وعمل بالتعليم وله عدد من المؤلفات، كان مستشارا في محكمة الاستئناف ثم مفتيا للديار المصرية (سنة 1317 هـ) توفي بالإسكندرية، ودفن بالقاهرة. من كبار رجال التجديد في الإسلام.

[64] نفسه ص 138- 139 و أبو صالح الألفي الفن الإسلامي  ص 79- 83

 [65] ما ورد حول آراء الشيخ محمد رشيد رضا واحتفاء الشيخ شلتوت في كتاب أبو صالح الألفي – سابق ص 83- 85

[66]  د. مصطفى عبده أثر العقيدة في منهج الفن الإسلامي

[67] أنظر أبو صالح الألفي الفن الإسلامي ص 68

[68]  نفسه ص 86

[69]  ابن هشام السيرة النبوية ، المجلد الأول- ص 218، المكتبة التوفيقية- القاهرة. ص 218

[70]  الغزإلى (أبو حامد) (450- 505هـ/ 1058- 1111م): هو محمد بن محمد بن أحمد الغزإلى الطوسي، درس فقه الشافعية ثم تعمق في دراسة الفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) متشككا في قيمة العلم وبراهينه المنطقية ولكنه بعد ذلك حاول رد الاعتبار للعقل أساسا للعلم كما جاء في كتابه (إحياء علوم الدين).

[71]  أبو حامد الغزالي الإمام، إحياء علوم الدين– الجزء الثاني كتاب آداب السماع والوجد. الكتاب الثامن من ربع العادات، ص 275- المكتبة التجارية الكبرى- مصر

[72]  عبد الله بن عباس (3 قبل الهجرة- 68هـ/619-688م): الصحابي الكبير، هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي. كان فقيها عليما بأنساب العرب والمغازي والوقائع توفى بالطائف.

[73]  انظر، أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر. 1976م.

[74]  من حديث عمر بن الخطاب، رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأبو داؤد وأحمد والنسائي.

[75] نفسه

[76]  أنظر : محمد إبراهيم أبو سليم الآثار الكاملة للإمام المهدي، وأيضا  قرشي محمد حسن قصائد من شعراء المهدية المجلس القومي لرعاية الآداب والفنون- الطبعة الأولى 1974م.

[77]  أنظر الصادق المهدي: في كتب جدلية الأصل والعصر– دار الشماشة للنشر- الخرطوم- 2001م، نداءات العصر 2002م، ومحاضرات: العلمانية: الجذور والأبعاد– محاضرة بجامعة الخرطوم 1982م،   الحضارات الإنسانية تصارع أم تحاور 2003م.

[78]  سورة آل عمران الآية 113.

[79]  سورة البقرة الآية 62.

[80]  هو أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي. (ت 7 هـ/ 628م)  شاعر جاهلي حكيم. كان تاجرا وقد اطلع في أسفاره على الكتب القديمة ولبس المسوح تعبدا. كان من الحنفاء في الجاهلية.

[81]  رواه البخاري في كتابه: أحاديث الأنبياء- موسوعة الحديث حديث رقم: 3187.

[82] Idowu, E. Bolaji, African Religion: A Definition  , Maryknoll. Orbis Books, 1975-

[83]   سورة النحل الآية  125,

[84]  روبن نيلالاند حروب المهدية- ترجمة دكتور عبد القادر عبد الرحمن  ص 46 والقصة رواها أيضا مورهيد عن ستراتشي وتحدث عن الحفل الراقص الذي “اختلط فيه الجنود بشابات عاريات تماما كن يرقصن في حلقة ويحفظن الإيقاع،.. وأخيرا استبدت النشوة باقنصل النمسوي فألقى بنفسه بين الراقصين في حمية مهتاجة، ولاح كأن الحاكم العام يوشك أن يتبعه وهو يصيح طربا” آلان مورهيد النيل الأبيض ترجمة محمد بدر الدين خليل ص 73

[85] ريتشارد هل على تخوم العالم الإسلامي ج 2 ص 44

[86] أنظر : الصادق المهدي عبد الرحمن الصادق إمام الدين في: الطيب ميرغني شكاك، ويوسف فضل حسن، ومحمد إبراهيم أبو سليم (تحرير) الإمام عبد الرحمن المهدي مكتبة مدبولي- القاهرة 2002م

[87]  khalid alMubarak Muslim Fundamentalism and Arts: The Dismantling of the Higher Institute of Music and Drama in the Sudan  في:حيدر إبراهيم علي (إعداد) التنوع الثقافي وبناء الدولة الوطنية في السودان القاهرة 1995- ص 110- 111

[88]  من تعليق الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه

[89] الذين يقولون بتبني الدولة لمدرسة الواحد يدللون بالمساحة التي وجدها منظر المدرسة الأول “الدكتور أحمد عبد العال” في أجهزة الإعلام المختلفة فهو مثلا مصمم الكثير من الشعارات كشعار تلفزيون السودان، وقد تقلد إدارة كلية الفنون الجميلة فترة طويلة، بيد أن الدكتور عبد العال ينفي ذلك مؤكدا أنه قادري الطريقة وأنه ابتدأ التنظير في مجال الفن الإسلامي وعلاقته بالتوحيد بشكل سابق للإنقاذ وأنه لا يعلم تبنيا لمدرسة الواحد في الإنقاذ. يقول الدكتور عبد العال: “إن المتأمل في مجمل ما كتبه صاحب هذه السطور من أوراق ومباحث ومجمل ما قدمه من إنجاز تشكيلي في التلوين والنحت والتصميم القرافيكي يدرك في سهولة ارتباط تجربته بالمعاني التوحيدية..وهذا أمر لا صلة له بالأنظمة السياسية في السودان جديدها وقديمها”- من تعليق الدكتور احمد عبد العال. وتبقى المدرسة اجتهاد مقدر، مع استنكار أي محاولة لتنبي المدارس الفنية وفرضها على يدي نظام قهري إن ثبت أن ذلك قد حدث.

[90]  أنظر الصادق المهدي: حقوق الإنسان في السودان دار الأمين- القاهرة 1999م، والثوابت القومية والوحدة الوطنية محاضرة في قاعة الصداقة يوليو 2002م.

[91]  إن الإنقاذ في دستور 2005 تخلت عن هذين النصين، وهذا لا يعني أن دستور 2005 خلا من العيوب، فعيوبه سار بذكرها الركبان، أنظر كتابي: اتفاقية السلام ومشروع الدستور الانتقالي في الميزان- القاهرة- 2005م،