القدس محور وحدة إسلامية

الإمام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

المؤتمر الثاني والثلاثين للوحدة الإسلامية

24-26 نوفمبر 2018م

 

تحت عنوان: القدس محور وحدة إسلامية

 

الإمام الصادق المهدي

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد-

أجزل الشكر للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، لدعوتي لحضور المؤتمر الثاني والثلاثين للوحدة الإسلامية تحت عنوان: القدس محور وحدة الأمة.

 

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي، وأبنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 

إن لهذا المؤتمر أهمية خاصة، وكنت حريصاً على حضوره فحالت دون ذلك أسباب متعلقة بأوضاع بلادنا السودان لذلك اعتذرت عن الحضور لينوب عني أخي في هيئة أنصار الله د. عبد الرحيم آدم محمد، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الرباط ويلقي خطابي لحضراتكم.

أقول:

أمتنا اليوم ممزقة في تناقض مع التوجيه الرباني (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[1]. تمزق أتاح أوسع الفرص لأعداء الأمة استغلالها وإهدار مصالحها المعنوية والمادية.

استجابة للتوجيه الرباني، وسداً لمنافذ تدابير أعداء الأمة ينبغي استشعار الخطر المصيري والتحرك دعوة وعملاً لتحقيق الخطوات العشرين الآتي بيانها:

أولاً: التعامل مع المذاهب الفقهية السنية والشيعية كما قال حكماء الأمة أمثال الشيخ محمود شلتوت رحمه الله: “إن الإسلام لا يوجب على أحد اتباع مذهب معين. بل نقول: لكل مسلم الحق في أن يقلد أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة. ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ولا حرج عليه في ذلك”. وأضفت ولا حرج للاجتهاد فيها استجابة لمطالب الزمان والمكان والحال.

ثانياً: هنالك اختلاف حول قراءة أحداث التاريخ. واختلاف حول ولاية الأمر بين الخلافة والإمامة، اختلافات أفرزت التنابذ بالألقاب الممنوع شرعاً: روافض ونواصب. هذه الخلافات صحبت تاريخ أمتنا منذ الفتنة الكبرى، ولا يرجى حسمها بالقوة الناعمة ولا بالقوة الخشنة، والحكمة تتطلب التعايش معها واعتبارها مما يدخل في قوله تعالى: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[2].

ثالثاً: وفي أمر الولاية يحق لكل شعوب الأمة أن تتخذ لنفسها دساتير لولاية الأمر على أساس الشورى والمشاركة، والمناصحة أي المساءلة، والصدق أي الشفافية، وتطبيق الأحكام على الكافة أي سيادة حكم القانون.

رابعاً: هنالك ثوابت ملزمة للمسلم ينبغي الالتزام بها هي: التوحيد، والنبوة، ومكارم الأخلاق، والمعاد، والأركان الخمسة.

خامساً: هنالك واقع ينبغي أن نراعيه هو وجود شيعة في بلاد أغلبيتها سنية. ووجود سنة في بلاد أغلبيتها شيعية. في هذه البلدان ينبغي أن تكفل للجميع حقوقٌ متساوية إيمانية وإنسانية ودستورية، وضبط الحوار بين شرائح الأمة بالتي هي أحسن، وبالتوجيه الرباني: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ)[3].

سادساً: امتناع كافة شرائح الأمة عن التكفير المتبادل، وعن التنابذ بالألقاب وعن الاستنصار بغير المسلمين على بعضهم بعضاً.

سابعاً: بموجب هذه الأسس الستة نعمل على قفل منافذ الاستقطاب العدائي والالتزام بالتعايش السلمي بين مكونات الأمة.

ثامناً: هذا الاستقطاب والاستنصار بالآخر غير المسلم هو الذي أدى للحرب العراقية الإيرانية “1980- 1989م” الحرب التي أضرت بأطرافها ولم تحقق لأي منهم أية مكاسب. واستغلتها قوى الهيمنة الدولية لتعميق شرخ الأمة على نحو ما قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه “نصر بلا حرب”: “هذه الحرب هي ما نتمناه ونتمنى ألا ينتصر أحد أطرافها”.

تاسعاً: الحرب الجارية في اليمن الآن منذ عام 2015م هي نسخة مماثلة من نزاع داخلي شد إليه تدخلاً خارجياً، والنتيجة تدمير اليمن واستمرار احتراب لن يحسم أمراً. ما يوجب وقفها فوراً. والعمل على مصالحة بين أهل اليمن واستنفار كل الإمكانات لإعادة بناء اليمن.

عاشراً: ومن نتائج الاستقطاب المؤذية والجالبة لكافة أشكال التدخلات الخارجية، التدخلات السياسية والعسكرية ذات المكون الطائفي، والإقدام على عزل دولة قطر وما أدى إليه من تفرقة داخل دول مجلس التعاون الخليجي واستقطاب إقليمي، وهي عوامل تؤكد استمرار المواجهات وإلحاق كافة أطرافها بالضرر.

المطلوب هنا الإقدام على وضع حد لكافة وجوه الاقتتال والعزل والتعايش الوفاقي بين الكافة.

حادي عشر: الاستقطاب الحاد العدائي فتح المجال لتدخلات قوى الهيمنة الدولية، بل للاستنصار بالعدو المغتصب للحقوق الإسلامية والعربية. هذا التدهور في أوضاع الأمة جعل إسرائيل تعتبر أن العداء الداخلي بين أجنحة الأمة قد حل محل العداء لها فانطلقت تزيد من التوسع في بناء المستوطنات على الأراضي المحتلة، وتقنن الهوية اليهودية لدولتها ما جعل كل الآخرين مواطنين من درجة دنيا.

نفس العوامل جعلت الولايات المتحدة تتخلى عن أية حياد بين الدولة الظالمة والمظلومين، وتضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية ذات الشأن.

هذا الخلل لا يصححه إلا كسب الأمة لعافيتها بموجب الخطى المذكورة أعلاه، ورفض كافة الخطوات العدوانية الإسرائيلية، والمواقف الأمريكية المؤازرة لها، وتأكيد الأمة بصوت واحد أن القدس صنو الحرمين في مقدسات المسلمين، وتقف الأمة صفاً واحداً في الدفاع عنها.

إن الخطى المذكورة هنا هي استحقاقات وحدة الأمة في الدفاع عن مبادئها ومصالحها.

ثاني عشر: ينبغي اتخاذ موقف عملي لإبرام معاهدة أمن وتكامل تنموي ثلاثي الأضلاع: عربي، إيراني، تركي، هذا التحالف الأمني ينبغي أن يصنف إسرائيل عدواً للأمة لا يجوز التعامل معها إلا إذا ردت الحقوق المغتصبة لأهلها.

ثالث عشر: ينبغي العمل على تكوين جبهة دولية تدعم تنفيذ القرارات الدولية بشأن القدس وسائر القرارات الدولية الأخرى.

رابع عشر: بعضنا انخدع بقوة إسرائيل واعتبارها حقيقة مصيرية يتطلب الواقع التعامل معها. هذا وهم فإن إسرائيل تكوين هش تتناوشه التناقضات المختلفة، لقد صدر العام الماضي كتاب مدروس لكاتب إسرائيلي بعنوان: “إلى متى تبقى إسرائيل: التهديد الداخلي” بقلم قريق كارلستروم، تطرق هذا الكتاب للتناقضات المدمرة للكيان الإسرائيلي. وقال أحد المفكرين اليهود، إيزايا برلين: إن إسرائيل سوف تندفع منتصرة إلى الهاوية.

خامس عشر: والموقف الأمريكي نفسه في غاية الهشاشة فقد استعدت هذه الإدارة حلفاءها الذين تمسكوا بإلزامية القرارات الدولية. كذلك أدت انتخابات السادس من نوفمبر 2018م إلى فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب المسؤول عن إجازة الميزانيات ومراجعة السياسات الخارجية والدفاعية، ويرجى تصديهم لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الحالية.

سادس عشر: إن وحدة الأمة حول مبادئها المصيرية ومصالحها المشروعة هي التي سوف تشكل  ضغطاً قوياً على إسرائيل ما سوف يساهم في تفجير التناقضات الداخلية، ويرفع روح المقاومة المشروعة لعدوانها، فالمقاومة أثبتت إقدامها المحمود وتستوجب تأييدها بكل الوسائل.

سابع عشر:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ                عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

إن تمزق الأمة يوهن شأنها، ويغري تيارات اليمين المتعصب للاستهتار بمصالح المسلمين والتحالف مع أعدائهم.

ثامن عشر: مؤتمرنا هذا لن يحقق كل المطلوب لإزالة فرقة الأمة، ولكنه يستطيع تقديم التشخيص الصحيح ورسم معالم العلاج المطلوب وهي الخطى الأولى نحو الفجر الجديد.

تاسع عشر: بناء على النقاط المذكورة هنا يرجى كتابة وثيقة يوقع عليها المؤتمرون ويفتح باب التوقيع عليها للأفراد والهيئات وترسل لكل الدول الإسلامية وتناشد للإلتزام بما فيها.

عشرون: ولمتابعة تنفيذ محتوى هذه الوثيقة يرجى تكوين مجلس حكماء يعمل في شكل سفارة عن الأمة.

 

وهذا والله ولي التوفيق.

 

[1] سورة الحجرات الآية (10)

[2] سورة الحج الآية (69)

[3] سورة النحل الآية (125)