الكتاب الأسود

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكتاب الأسود

 

الإمام الصادق المهدي

 

يوليو 2019م

 

 

محتويات

الفصل الأول. 4

30 يونيو 2019م:  إدانة موثقة للانقلاب الغشاش.. 4

الفصل الثاني: 11

شهادتي لله وللتاريخ على انقلاب 30 يونيو 11

الفصل الثالث. 16

انقلاب يونيو ونظامه في ألواح التاريخ. 16

 

 

مقدمة

كتب الحبيب الإمام الصادق المهدي كثيراً عن مخازي النظام البائد، وصك في وصفه تسميات شاعت. مثلاً في التسعينات وصف النظام بارتكاب الموبقات السبع[1]، والمخالفات العشر.[2][3]. ومما صك في وصفه مقولة: كشكش، تسد كناية عن استخدامهم المال لشراء الولاءات، أو قوله: إن صافحتهم عد أصابعك، أو أنهم يؤشرون يميناً وينعطفون شمالاً، إلى آخر العبارات التي تصف غدر  النظام ومراوغته.

في الكتاب الحالي انتخاب لأدبيات ثلاث كتبها الحبيب في مناسبات مختلفة للحديث عن سجل النظام الأسود، آخرها الكلمة التي أعدها للندوة التي أزمع حزب الأمة القومي إقامتها بداره مساء يوم المليونية المقامة في ثلاثينية الانقلاب المشؤوم في 30 يونيو 2019م وعدد فيها ثلاثين من مخازي النظام البائد، وهي تشكل الفصل الأول من هذا الكتاب.

الفصل الثاني عبارة عن الشهادة التي قدمها مكتوبة لوكيل النيابة الذي استدعاه كشاهد اتهام في القضية المرفوعة ضد عمر البشير وآخرين لخرقهم الدستور وقيامهم بالانقلاب.

أما الفصل الثالث فهو ورقة كتبها وطبعت في كتيب في مايو 2015م بعنوان “انقلاب الإنقاذ في ألواح التاريخ”.

هذه الكتابات تجمل جوانب الغدر وأوجه المخازي في أداء النظام المخلوع منذ قيامه غشاً، نقدمها للقاريء والقارئة لتبيان خريطة الهدم التي اتبعها ذلكم النظام، بأمل أن يصح العزم ببصيرة على إعادة البناء، والله ولي التوفيق.

المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

30 يونيو 2019م

 

 

الفصل الأول

30 يونيو 2019م:  إدانة موثقة للانقلاب الغشاش

 وتجديد عزيمة الشعب نحو الحرية والخلاصª

 

كان اليوم يوماً عظيماً. أسجل له ثلاثة معانٍ مهمة لمن يعتبر: الأول: غضبة على انقلاب يونيو، الثاني: إدانة للعنف في التصدي للتعبير الحر السلمي، والثالث: تأكيد أن الثورة حققت عودة الروح للهمة الشعبية ما جعلها خزينة طاقة شعبية متفجرة في وجه كل اغتصاب للحقوق الوطنية. فالاعتصام أمام القيادة العامة فض بطريقة عمدته أيقونة خالدة، وانداحت معالمه على كل الوطن داخل حدوده وخارجها.

أقول أولاً: إن انقلابات بلادنا الثلاثة استدعت ضدها ثورات مدنية ثلاث في 1964م، و1985م، و2019م. وأوقدت ضدها أربعة حركات مقاومة مسلحة في 1963م، 1983م، 2003، و2011م. هذا دليل على حيوية شعبنا وإستعداده لرفض الطغيان بالوسائل المدنية والوسائل المسلحة.

أقول ثانياً: إن الانقلابات المشئومة الثلاثة قد تدرجت في السوء من الأٌقل سوءً إلى الأوسط سوءً إلى الاسوأ مطلقاً.

ابدأ حديثي مخاطباً النظام الذي أقامه انقلاب 30 يونيو: أعوامك الثلاثين العام يخازي العام في السوء والإجرام. وأوثق هذه المساوئ في ثلاثين خطأ وخطيئة أعددها لا لمجرد التشفي ولكن للعبرة في تاريخنا ولاعتبار كل الشعوب الأخرى لكيلا تقع فيما وقعت فيه بلادنا. ثلاثون خطأ وخطيئة بيانها:

انقلاب 30 يونيو تأسس على الغش بخديعة السجن حبيساً والقصر رئيساً. وأقسم صاحب القصر هذا لكل من سأله أن هذا الانقلاب وطني ولا صلة له بأي حزب سياسي. غش يعزل أصحابه من أمتنا. كما قال نبي الرحمة: “مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا”.[4]

  1. أسس النظام لإعلام كذوب رمى التجربة الديمقراطية بمساوئ ليست فيها وادعى لنفسه على طول عمره فضائل ليست فيه مسخراً الإعلام الصحافي والإذاعي والفضائي للترويج للأكاذيب.
  2. واتخذ النظام نهجاً إقصائياً يولي محاسبيه ويطرد الآخرين ويفرض برنامجه الحزبي المنكفئ على كافة الناس ما جعل كافة القوى السياسية الجنوبية تجمع على أن هذا يجعلهم مواطنين من درجة دنيا فأجمعوا على المطالبة بتقرير المصير في أكتوبر 1993م
  3. ونفس النهج الإقصائي الحزبي المنكفئ هذا هو الذي أشعل حروب الهامش الأهلية في 2003م، و2011م.
  4. أجهض الانقلاب المؤتمر الدستوري المزمع في 18/9/1989م المتجه نحو حل سلمي قومي لمشكلة الجنوب دون حاجة لتقرير المصير ودون حاجة لتدخل لرافع أجنبي وزعم حسم الأمر بالتصعيد العسكري تحت مسمى الجهاد وانتهى به الأمر لإبرام اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م التي حققت عكس مقاصدها لما في هياكلها من عيوب فلم تحقق الوحدة الجاذبة ولا السلام ولا التحول الديمقراطي. عيوب كشفناها في بيان “اتفاقية السلام يناير 2005م ومشروع الدستور الانتقالي 2005م في الميزان” الصادر في مايو 2005م، والنتيجة تقسيم الوطن.
  5. واتسم هذا النظام بنهج دموي بفهم أن السودانيين جبناء تردعهم الإخافة لذلك كان إعدام ثلاثة أبرياء في مخالفة لأمر إداري لامتلاكهم دولارات، وإعدام 28 من ضباط القوات المسلحة دون محاكمة عادلة.
  6. تطبيق هذا النهج الدموي جعل النظام يواجه كافة هبات البلاد الست في 1990م، و1996م، و1998م، و2006م، و2011م، و2012م، و2013م بعبارة اطلق النار لتقتل. وكان هذا ما أراده النظام لاعتصام السادس من إبريل 2019م داعمين هذا التوحش بفتوى مالكية كاذبة، الإمام مالك[5] برئ منها وإن قال بها فقيه مداهن للسلاطين، توحش مناقض للرسالة المحمدية: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[6].
  7. نتيجة لهذه الوحشية وما صحبها من مظالم صار عُشر سكان البلاد مكدسين في معسكرات نزوح معتمدة على دعم خارجي، وصارت البلاد تحت رحمة يوناميد لحماية المواطنين من حكومة بلادهم.
  8. ونتيجة لهذه الوحشية لا سيما في إقليم دارفور الكبرى صارت البلاد تحت تحقيق دولي أدى على مراحل لإصدار 62 قرار مجلس أمن أغلبها تحت الفصل السابع ضد نظام الحكم الباغي. هذا سجل من المخازي غير مسبوق في أية دولة من دول العالم.
  9. والخزى الأكبر أن عدداً كبيراً من الحكام بموجب القرار الدولي 1593 وعددهم 51 محولين بإجماع مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية منهم أربعة أعلنت اسماؤهم على رأسهم رئيس الانقلاب.
  10. نهج النظام الانقلابي الاقتصادي يضارع في الخزى والسوء نهجه الأمني. ففي البداية أعلن النظام نهج الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، نهج تسلط فيه على أموال المواطنين وأفسد النظام المصرفي بما سمى المصرفية الإسلامية ونهجها أكثر استغلالاً من سعر الفائدة التقليدي. وبعد فشل هذا النهج الاقتصادي العبثي امتثل النظام لتوجيهات النظم المالية الدولية، ولكنها طبقت في إطار نهج سياسي غير مقبول/ وفي النهاية مهما قدم اقتصاديون للنظام من برامج تقوم على ثلاثية خفض المصروفات/ ودعم الإنتاج، وتشجيع الاستثمار، لم يتمكن النظام من تحقيق أية إصلاحات اقتصادية وانتهى به الأمر لحالة انهيار اقتصادي غير مسبوق.
  11. كنا في في العهد الديمقراطي قد أعلنا شركة شفرون الأمريكية التي اكتشفت البترول في السودان (وصرفت مليار دولار في هذا العمل ولكن لأسباب أمنية وأخرى متعلقة بتدني أسعار البترول توقفت الشركة عن الاستمرار في عملها) أعلناها أن تستأنف عملها في ظرف مدة محددة أو تتخلى عن الامتياز الممنوح لها. وعندما انتهت المدة رفعت شفرون يدها عن الامتياز واستطاعت السلطة الانقلابية أن تجد بدائل استطاعت استخراج البترول. إيرادات البترول السوداني في الفترة 1999م – 2011م تقدر بمبلغ 60 مليار دولار على الأقل، صرفت بطرق فاسدة في أولويات خاطئة وفي ممارسات فاسدة فلم تحقق التأثير الإيجابي على الاقتصاد الوطني، وسوف يكشف قانون “من أين لك هذا” مدى النهب الذي بدد تلك الإيراداتِ. تبديد مدخلات البترول من أهم مخازي النظام الاقتصادية.
  12. ومفسدة كبيرة أخرى تتعلق بتمليك أجانب لأراضٍ سودانية بمساحات كبيرة مع أن قانون الأراضي في العهد الديمقراطي يمنع تمليك أجانب للأرضي السودانية. كان هذا التمليك كذلك على حساب مواطنين مستحقين لها.
  13. معلوم أن المجال الاقتصادي يقسم على ملكية الدولة وملكية القطاع الخاص والقطاع التعاوني. ولكن النظام بالمحاباة للمحاسيب نفذ مشروع خصخصة معيب، وكذلك بالمحاباة في كل الممارسات كالعطاءات والإعفاءات كون قطاعاً خصوصياً يملكه محاسبيه وتملكه جهات أمنية ويملكه مسؤولون وأقاربهم. هذا القطاع الخصوصي كان له أسوأ الأثر في عدم تطبيق المعايير المالية والاقتصادية السليمة.
  14. ومن اسوأ الممارسات المالية التي دمرت قيمة العملة الوطنية اللجوء لضخ العملة دون غطاء، الذي جعل الكتلة النقدية في البلاد تزن في عهد النظام أكثر من ثلاثة آلاف في المائة مما سبقه، فتدهورت قيمة العملة الوطنية التي كانت 12 جنيهاً للدولار فصارت 70 ألف جنيهاً للدولار.
  15. الحروب الأهلية، والقمع الأمني، والانهيار الاقتصادي ثلاثية جعلت السودان طارداً حتى صار عدد السودانيين اللاجئين يساوي ربع السكان. لقد كان السودانيون يتجهون للخارج لعقود مغتربين أو لعلاج أو لتعليم أو للتسوق أما ظاهرة اللجوء الحاشد للخارج فهو نتيجة مباشرة للعوامل الطاردة المذكورة.
  16. الفساد الذي مارسه النظام صنفه من الخمس دول الفاسدة في العالم في نظر منظمة الشفافية العالمية، وصار معروفاً لدى الذين يقدمون على الاستثمار في السودان أن للمسئولين السودانيين طلباً خاصاً لإكمال المعاملات.

قال المرحوم الزبير محمد صالح[7] نحن أبناء أسر فقيرة فإن رأيتمونا ملكنا العمارات والسيارات فاحكموا علينا بالفساد. نقول لهم نعم رأيناكم قد نهبتم الأموال الطائلة ما سوف يكشفه قانون “من أين لك هذا”، وسوف نسعى مع حكومات البلاد التي أخفيتم فيها مسروقاتكم لرد المنهوبات لأهلها في السودان.

  1. وأفسد النظام مؤسسات الدولة: الخدمة المدنية، والخدمة الدبلوماسية، والمنظمات النظامية خاصة القوات المسلحة من الكلية الحربية إلى كافة القيادات. شردتم الأكفاء لأنهم ليسوا من حزبكم وعينتم الموالين بلا كفاءة. لقد صار عدد المشردين الأكفاء بعشرات الآلاف/ سلبتم حقوقهم وأفسدتم سمعتهم وأصيبوا بأضرار مادية ومعنوية.
  2. الانقلاب العسكري في حد ذاته جريمة مكتملة الأركان قال عنه الإمام الألباني[8] أنه نهج مارق مخالف لنهج الإسلام، وهو اعتداء مسلح على مدنيين عزل يستحق أن يضاف للجرائم الأربع المستحقة المساءلة الجنائية الدولية.

إنه نهج أدانه عرابه في حياته بل أدانه أغلبية المفكرين الذين ساندوه في البداية. شهد شاهد من أهلها.

  1. ومن أخزى مخازي انقلاب 30 يونيو والنظام الذي أقامه ما الحق بالشريعة الإسلامية من تشويه. أبو بكر [9] رضى الله عنه عندما بويع قال: “ولِّيتُ عليكم ولست بخيركم (ولاية بشرية في سقيفة بني ساعدة)، فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني (المساءلة)، الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ (الشفافية)، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، والضَّعيف فيكم قَوِيٌّ عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ (سيادة حكم القانون). هذه الرباعية هي مفردات النظام الديمقراطي. وقال عمر[10] رضى الله عنه: “من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه تغِرَّةً أن يُقْتَلا”[11]. إن انقلاب 30 يونيو والنظام الذي أقامه استولى على السلطة بالقوة والخداع، وأسس حكمه على حزب حاكم عازل للآخرين وألزم الناس طاعته بالقهر. وما طبقه باسم الإٍسلام من ممارسات في الزكاة والنظام المصرفي طبقت بصورة مناقضة لمقاصد الشريعة. لقد صارت التجربة السودانية الإسلاموية عورة يعترف بعوارها دعاة النهج الإسلامي في كل مكان. ويرجى من الذين ناصروا هذه التجربة باسم الإسلام الاعتراف بعيوب التجربة والالتزام بمراجعات أساسية لتأهيل أنفسهم في مشروع بناء الوطن.
  2. لقد ركز النظام المخلوع على تكوين حزب حاكم سخر له موارد الدولة كأنه قطاع رسمي، ووظف كوادره في كافة مناصب الحكم، وأقام أجهزة ذات ولاء حزبي موالٍ لهم. إنها تجربة لا صلة لها بالإسلام بل مقيسة على تجارب الفاشستية والستالينية، واسوأ ما مورس في بعض دول أمريكا اللاتينية، هذه التجارب هي مرجعياته لا الإسلام.
  3. ومن مساوئ هذا النظام تطبيق قاعدة الإمبريالية[12] حتى صاروا إمبريالية داخلية، فانبروا للأحزاب السياسية الأخرى بحلها، ثم بعد إعادة تكوينها باختراقها بأفراد ألفت جيوبهم وكونت منهم حزيبات ضرار، وهو نفس النهج الذي اتبعوه في تمزيق الكيانات القبلية والكيانات الطائفية. إن النظام فتق كل الرتق الاجتماعي في السودان.
  4. ومن أهم مخازي النظام المخلوع استغلال التباين الإثني في السودان. إن للسودان تكويناً متنوعاً: عربي، زنجي، نوبي، نوباوي، بجاوي، وهو بحق أفريقيا مصغرة تستوجب إدارة حكيمة لهذا التنوع على نحو ما شرحنا في كتابنا: (الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك) الصادر في عام 2014م. كل الحركات السياسية التي أسست فكرها على استغلال هذا التنوع آثمة. والنظام الانقلابي استغل هذا التنوع بصورة مجرمة تستوجب علاجاً حاسماً لا سيما في مشروع بناء السلام والمشروع العادل بين المركز والهامش.
  5. عقد النظام عدداً كبيراً من اتفاقيات السلام في وجه الحروب الأهلية التي أشعلتها سياساته الإقصائية، ولكن طبق تلك الاتفاقيات بصورة حصرتها في المحاصصة دون إزالة أسباب النزاع.

وفي وجه كل محاولة لإيجاد مخرج أعرض النظام وأصر إصراراً. أجهض اتفاقية السلام، وأجهض مشروع التراضي الوطني، وأجهض الاتفاق الإطاري 2011م، وأعرض عن مشروع التطوير لنظام جديد قدمناه له في مارس 2011م، وأجهض نتائج حواره الداخلي المعيب أصلاً، ودمر خريطة الطريق التي رعاها مجلس السلم والأمن الأفريقي برعاية ثامبو أمبيكي[13]، وقفل الباب أمام كل اختراق لصالح الوطن، فعندما صدر إعلان باريس في أغسطس 2014م وحمل رسالة اتفاق بين قوى مركز وقوى هامش وقوى مدنية وقوى مسلحة عزموا على الالتزام بوحدة السودان، وبالعمل من أجل نظام جديد بوسائل خالية من العنف؛ رفض الإعلان، ولكي يستر هذه العورة إدعى أن هذا الإعلان غطاء لخطة احتلال الفاشر! كذبة كسائر الأكاذيب. وعندما هيكل نداء السودان أوضاعه بصورة نظمت عمله والتزامه بخريطة الطريق وانتخبني رئيساً له فقد النظام صوابه وسجل ضدي عشرة بلاغات جنائية عقوبة خمسة منها الإعدام؛ مع أن القراءة الوطنية لهذا الإجراء تبشر بأن هذا الانتخاب تأكيد للنهج السلمي والوطني الوحدوي.

كان نهجه أصدق مثل للعبارة القرآنية: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[14]. وكان لآخر لحظة في وجوده من كان تدبيره في تدميره.

  1. كان للسودان خدمة مدنية مشرفة، لا سيما حكم إقليمي لا مركزي وحكم محلي ديمقراطي وإدارة أهلية توظف الولاء القبلي للإدارة والأمن. النظام الآثم انبرى للإدارة الأهلية ممزقاً الولاءات وممزقاً الأسر، وجاعلاً كل مستويات الإدارة خاضعة لمقياس الولاء الحزبي. خطة مناقضة تماماً للمصلحة الوطنية ومحصورة في المصلحة الحزبية.

وهو نفس النهج الذي أفسد به الحركة النقابية ومنظمات المجتمع المدني.

  1. وأفسد النظام التعليم في كل مراحله: التعليم العام والفني والعالي، وأخضعه في كل جوانبه لنهج أيديولوجي فطير، وأورث السودان عبئاً ثقيلاً للإصلاح التعليمي.
  2. وهو نفس التخريب الذي مارسه النظام في كافة مؤسسات البلاد: مشروع الجزيرة، والسكة حديد، والطيران، والبحرية.
  3. الأنشطة الرياضية في السودان ثمرة لعطاء شعبي كبير وناجح، تصدى له النظام وأخضعه لاختراق حزبي أفقد الرياضة الاعتراف الدولي وجعلها وجهاً من وجوه الاستمالة الحزبية.
  4. واتبع النظام علاقات إقليمية كذوبة تقوم على مراوغة انتهازية جعلت البلاد تفقد سمعتها وتعامل بمقاييس الرشوة والتقلب بين الموائد بلا مبادئ.
  5. دولياً وضع النظام البلاد في قائمة رعاية الإرهاب، وحرمها من برنامج إعفاء الدين العام للدول الفقيرة ذات المديونية العالية، وتحول النظام لمن يداهن الأمريكان وفي نفس الوقت يخاطب الروس لحمايته منهم ويفقد مصداقيته في المجالين.

ختاماً أقول: ترك النظام المخلوع لبلادنا تركة مثقلة وضعنا دراسة علمية لإزالة آثارها الفادحة نأمل أن تجد قبولاً قومياً، وأن تستهدى بها الحكومة المدنية الملتزمة بالسلام وبالتحول الديمقراطي المزمعة، ولكن أقولها بوضوح: لقد ترك النظام المخلوع لنا شعب السودان تركة تَنُوءُ مفاتيحها بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ، ولا سبيل لمواجهتها بنجاح إلا بوحدة وطنية قوية تضم القوى السياسية والمدنية والمقاومة المسلحة والقوات النظامية لا سيما القوات المسلحة.

إذا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قومٌ                    فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِم

نحن في حزب الأمة القومي ومع حلفائنا في نداء السودان أولاً، ثم قوى إعلان الحرية والتغيير ثانياً، ثم كافة القوى التي عارضت النظام المخلوع ثالثاً، ثم المراجعين لأنفسهم من الآخرين رابعاً، سوف نبذل أقصى جهدنا لإخراج السودان من المستنقع عبر فترة انتقالية ناجحة لا بمدتها ولكن بإنهاء مهامها وتنفيذ استحقاقات النزاهة للانتخابات الحرة لكي يمارس الشعب حقوقه المسلوبة في اختيار حكامه لأول مرة بعد الثلاثين عاماً الجدباء.

إننا نستبشر بقبول الجميع المبادرة الآفروأثيوبية، ونرجو أن تؤدي لفتح وطني مبين، ونكرر مناشدتنا للمجلس العسكري الالتزام بكفالة الحريات العامة.

كان حشد اليوم عظيماً وغالباً سلمياً ومنضبطاً، ولكن وقع عنف ونداء إلى القصر في مخالفة لأهداف الحشد، ولتجنيب العنف ما يوجب التحقيق والمساءلة لكيلا ينحرف الموقف إلى مواجهة مؤذية للتطورات الإيجابية.

إننا نترحم على شهداء اليوم وندعو للجرحى بالشفاء العاجل، ومع رفض المجلس للجنة التحقيق الدولية حول مأساة الثالث من يونيو نكرر مطالبتنا بلجنة تحقيق مستقلة تضم ذوي اختصاص وأهلية، وبراءة من أية شبهات تعاون مع الشموليات، مكونة من: عسكري، وشرطي، وطبيب، ومختص بالعنف ضد المرأة، وقاض: خمس سودانيين مؤهلين ومقبولين قومياً، ولا مقبولية للجان تحقيق الخصم والحكم. ويجب أن يضاف لمهام هذه اللجنة المستقلة التحقيق في أحداث 30 يونيو 2019م ومساءلة الجناة.

 

الفصل الثاني:

شهادتي لله وللتاريخ على انقلاب 30 يونيو ©

 

التعريف الأشهر للديمقراطية أنها حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب.

القوى السياسية ذات الأيديولوجيات الراديكالية من اليمين أو اليسار يائسة من استقطاب الشعب لأجنداتها، لذلك تتجاوز عبارة بواسطة الشعب وتدعي التعبير عن مصلحة الشعب.

القوات المسلحة في البلدان الديمقراطية العريقة كونت بصورة تضمن ولاءها للنظام المدني الحاكم ملكياً كان أو جمهورياً، وصار امتثالها للحكم المدني هذا جزء من عقيدتها العسكرية.

في البلدان التي احتلتها القوى الإمبريالية حرص الإمبرياليون على تكوين القوات المسلحة بصورة فيها فجوة بينها وبين الكيانات المدنية، وهذا هو النهج الذي اتبع في تكوين قوة دفاع السودان بعد الانقسام بين دولتي الحكم الثنائي وما كان من ثورة 1924م.

الحركة المصرية عام 1952م بدأت حركة ولكنها فيما بعد تبنت برنامجاً ثورياً. ونهجها هذا غرس بذرة دور ثوري للقوات المسلحة في المنطقة تحت شعار الضباط الأحرار.

ولكن في السودان الذي وقعت فيه ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة كان المحرض للانقلاب في 1958م و1969م، و1989م فاعلاً حزبياً سياسياً.

الحركات السياسية ذات البرامج الراديكالية في منطقتنا أدركت حقيقة أن الانقلاب العسكري سوف يتبنى شعاراتها في مرحلة الانقلاب ولكن سوف يحرص الانقلابيون على احتكار القرار السياسي ما يؤدي لتناقض بين المحرض المدني والمنفذ العسكري، ويطيح المنفذ بالمحرض. هذا ما اكتشفه المحرضون السياسيون في انقلابات السودان الثلاثة.

وانطلاقاً من حقائق التجارب المماثلة نشر المفكر البعثي الأستاذ منيف الرزاز كتابه “التجربة المرة”، ونفس المعنى أكده لي في لقاء مباشر الأستاذ ميشيل عفلق  في بغداد في عام 1988م.

وفي يناير 1989م أجمع ممثلون لحركات أخوانية على ضرورة تجنب محاولات تطبيق الشريعة بواسطة الانقلابات العسكرية ونشر الأستاذ عبد الله النفيسي هذا القرار في كتاب بعنوان “الحركة الإسلامية، رؤية مستقبلية: أوراق في النقد الذاتي”. وقديماً قال أبو الطيب[15]:

وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ          تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا

بعد هذه المقدمة أقول:

  1. كنت قد كونت حكومة جديدة في 15 مايو 1988م بعنوان “حكومة الوفاق الوطني” ضمت مع حزب الأمة الحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة القومية الإسلامية وأربعة أحزاب أخرى صغيرة، وكان الحليفان الرئيسيان معنا خصمين، وصار الاتحاديون يزايدون في قضية السلام وصار الأخوانيون يزايدون في قضية تطبيق الشريعة. وكنا في حزب الأمة نقول للطرفين نعم للسلام بوفاق قومي، ونعم لتطبيق الشريعة بوفاق قومي.

وفي نهاية عام 1988م زارني في مكتبي بطلب منه الأستاذ أحمد سليمان[16] وقال لي حضرت إليك بمبادرة شخصية، ولكنني اعتبرته رسولاً من حزبه، قال: أنت تعلم أننا وأنتم جادون في تطبيق الشريعة ولكن الاتحاديين يراوغون، دعنا نتفق ونعدل الدستور لتصير أنت رئيساً للجمهورية ونطبق الشريعة ونواجه المعارضة الاتحادية إذا اقتضى الأمر بأية وسائل. قلت له هذا الخيار غير متاح بالوسائل الدستورية أما بأية وسائل أخرى فغير مقبول. انتهت المقابلة ولكن بعد ذلك صار الأخوانيون يخونون الاتحاديين ويعتبرون سعيهم لتحقيق السلام على حساب الدين والوطن. هكذا اضطرب الجسم السياسي السوداني.

  1. في أوائل عام 1989م انسحبت حامية ليريا القريبة من جوبا بصورة انهزامية. وكرئيس وزراء استنكرتُ هذا الانسحاب مما أدى لاجتماع في غرفة العمليات حضره القادة العسكريون وشخصي وبعض الوزراء. وقدم مسئول العمليات ومسئول الاستخبارات شرحاً للموقف وعللوا الانسحاب بضعف المعدات وبتدهور الروح المعنوية نتيجة الخلافات السياسية في الخرطوم.

بعد التنوير صعدت إلى منصة التنوير وقلت لهم هذا التنوير غير صحيح، وعددت الإمكانات العسكرية التي كانت في حامية ليريا، وذكرت لهم أن ليريا محصنة جبلياً وأن ثمة خمسة أسباب هي التي تؤدي للأداء العسكري المهزوم هي:

  • المعدات الموجودة لا تستخدم بكفاءة.
  • الاستخبارات العسكرية مشغولة بملاحقة الضباط لا بملاحقة العدو.
  • العدو يستخدم أسلوب حرب العصابات ما يتطلب أسلوباً مناساً لذلك لا أسلوب الحرب التقليدي.
  • نحن نعلم أين معسكرات العدو ولكن لم نقم بعمل هجومي ضده بل نترك له الهجوم وندافع.
  • لا يوجد توجيه معنوي وبيان لماذا نقاتل العدو؟

قلت للحاضرين أجيبوا على السؤال هل ما قلت صحيح أم لا؟ تقدم مسئول عسكري رفيع وقال: ما قلته صحيح.

قلت لهم: إذن اجتمعوا وقدموا نقداً ذاتياً للأداء العسكري، وحددوا المطلوب للإصلاح ونحن على استعداد للإستجابة.

اجتمعوا بعد ذلك ولكن قال لهم قائل من قياداتهم يجب ألا نسمح لرئيس الوزراء أن يساءلنا عسكرياً بل يجب أن نسائله سياسياً. اتفقوا على هذه الحيلة وكتبوا مذكرة فبراير 1989م الشهيرة.

  1. كثير من القوى السياسية تجاوبت مع المذكرة لحاجة في نفوسها، ولكنني اعتبرتها مذكرة غير موضوعية، ومع ذلك رأيت أن أحفظ للقوات المسلحة ماء وجهها، وقمت بإجراءات احتوت الأزمة دون مساس بالنظام الدستوري في البلاد. وبعد احتواء الأزمة طلب رئيس هيئة الأركان فتحي أحمد على ونائبه مهدي بابو نمر أن يقابلاني، وفي المقابلة قالا لي: جئنا لنشكرك على الطريقة الجيدة التي تعاملت بها مع مذكرتنا ولنا طلبان هما: الأول: ألا تدخل الجبهة الإسلامية القومية في التكوين الحكومي، والثاني: ألا تسند وزارة الدفاع للسيد صلاح عبد السلام. ثم قلت لهما: لدى التحضير لمذكرتهم التي توعدتم فيها الحكومة قمتم بتنوير القيادات ما حضرهم لاحتمال تدخل عسكري وهذا يمكن أن يستغله آخرون، نحن على استعداد لحماية النظام الدستوري فافهما ذلك. قالا لي لا حاجة لذلك ونحن على استعداد تام فلا تستطيع نملة أن تتحرك. قلت لهما هذا معناه أن نطمئن لاستعداد القوات المسلحة لمنع أية حركات مضادة؟ قالا نعم.

قلت لهما أما الطلب الثاني فللعلم السيد صلاح سيظل وزيراً لشئون الرئاسة. أما الطلب الأول فليس من حقكم فلا تتدخلا فيه. الجبهة سوف تدخل الحكومة إذا قبلت برنامجها وإلا فلا. وأرجو اعتبار هذا الطلب كأنه لم يقدم. ولكيلا يرشح هذا الطلب بصورة غير صحيحة أبلغت به د. حسن الترابي[17] للعلم.

  1. استطاعت الحكومة الديمقراطية أن تحقق إنجازات عددناها في مجالاتها ولكن:

اقتصادياً: كان النمو إيجابياً بنسبة 12% وقد كان على عهد الدكتاتورية الثانية ناقص 12%. وكان عام 1988م عام إنتاج صناعي كبير وأكبر إنتاج زراعي في تاريخ السودان.

سلامياً: تأسيساً على إعلان كوكادام واتفاقية الميرغني[18]/ قرنق[19] بعد إزالة التحفظات عليها اتفق على مؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م بلا تدخل أجنبي وبلا حاجة لتقرير المصير.

سياسياً: أمكن تجاوز أزمات مظاهرات السكر في ديسمبر 1988م وأزمة مذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989م دون عنف ودون مساس بالنظام الدستوري.

بل عندما قدم وزير المالية الميزانية وطلب التصويت صوت معها كل أعضاء الجمعية التأسيسية بالاجماع. منظر لم يشاهد في أي برلمان حر في العالم.

كان وزير المالية د. عمر نور الدائم يجلس بالقرب مني. قلت له هذا المنظر يجلب لنا الحسد، إنه منظر مسحور وضحكنا. كان هذا في مساء يوم 30 يونيو 1989م.

أعضاء الجبهة الإسلامية القومية وعددهم 20% من الأعضاء لم يصوتوا بل غابوا عن الجلسة لأنهم كانوا قد عزموا على الانقلاب المشؤوم.

  1. بعد تلك الجلسة التاريخية ذهبت إلى منزلي بودنوباوي وفي الفجر كنت على فراش الصلاة جاءني بعض أولادي ليقولوا لي المنزل مطوق بعساكر وكانت تعليماتهم اعتقالي. قررت أن أغادر المنزل المطوق وخرجت، والمدهش برغم القوة المدججة وتفتيشهم الدقيق خرجت وكأنما أغشي عليهم فلم يعترضني أحد، ومشيت على طول الطريق حتى وصلت لاستراحتي بالقرب من دار الأمة. ثم اختفيت في منزل بأم درمان. وقلت للأخ عبد الرحمن فرح الذي كان على اتصال بي سأختفي حتى أعلم إن كان الانقلاب بتدبير أجنبي فسوف أعمل على مقاومته عسكرياً، وإن كان سودانياً فسوف أتعامل معه بالوسائل المدنية، وأثناء الاختفاء ظننت أن الانقلاب سوداني وكتبت لقيادته مذكرة قلت فيها إن مشاكل السودان لم تصنعها الأحزاب السياسية ولكم أن تحاكموا كل من يثبت ضلوعه في جريمة، وأدعوكم لحوار فمعكم القوة ومعنا الشرعية لإيجاد مخرج سلمي قومي للبلاد.

كانت المذكرة في جيبي عندما اعتقلت لأنني غيرت موقعي من أم درمان للخرطوم.

وفي صباح 5/7/1989م اعتقلت إلى سجن كوبر حيث سجنت قيادات كل القوى السياسية.

  1. في الساعة 2 صباحاً من يوم 2/10/1989م أخذت على سيارة محجوبة بالجرائد إلى منزل صغير معزول ومظلم إلا لمبة واحدة حمراء. كانت الفكرة في هذا المشهد إرعابي. وداخل المنزل عرضوا على شريطاً سجلته امرأة تدعي أنها على صلة بي، ولمزيد من الترهيب أجلسوني على مقعد من ثلاثة قوائم لكيلا استقر في جلستي، وواجهني ثلاثة أشخاص أحدهم بزي عسكري وشرعوا معي في تحقيق لمحاكمة ميدانية. وبعد هذا الارعاب الحسي والمعنوي قال متحدثهم حضرنا لك كاميرا الفيديو هذه، فإذا سجلت أن الديمقراطية فشلت فسوف تنقذ نفسك فهل نبدأ التسجيل؟ قلت لهم: الديمقراطية لم تفشل بل أجهضت، أجهضها المتآمرون عليها. وعددت محاسن وإنجازات الديمقراطية الثالثة ثم قلت لهم أنتم سوف تفشلون فشلاً ذريعاً وإن أردتم تسجيل ذلك فافعلوا.

أسقط في يدهم وقرروا إعادتي لسجن كوبر في زنزانة الإعدام. وفي الطريق لكوبر ركب معي ثلاثة شبان من سفهاء القوم لعل الفكرة أن يستفزوني ويهددوني بقولهم أية “دروة” أفضل لنذهب اليها؟ وتباروا في شتم الإمام المهدي والإمام عبد الرحمن وأبي. لعل التكتيك أن أثور عليهم وأضاربهم وربما أذوني أو قتلوني نتيجة لذلك. ولكنني سكتُّ طول الرحلة إلى أن انتهت إلى زنزانة إعدام في سجن كوبر.

في صباح اليوم التالي في الزنزانة جاءني كمندان السجن بزيه الرسمي وقال لي: جئتك برسالة من وزير الداخلية: نفذ ما طلبه المحققون منك وإلا فقد حصلنا على وسائل تعذيب من إيران سوف  تطبق عليك. قلت له: أنت موظف سجون مرتبط بقانون وتلبس زياً رسمياً ألا تستحي أن تنقل مثل هذه الرسالة الإرهابية؟ اذهب لوزير الداخلية وقل له الجواب لا.

وبعد ساعات جاءني شرطي سجون بزيه الرسمي وقال لي: أنا معك وسوف أفعل ما تأمر به. شكرته على ذلك وقلت له احضر لي ورقة وقلم وسأكتب رسالة احملها لزوجي السيدة سارا[20]. جاء بالورقة والقلم وكتبت لها تفاصيل ما حدث كله وقلت لها هذا ينشر على أوسع نطاق.

دهش المتآمرون وبسرعة أوقفوا خطتهم وأعادوني لزملائي في سجن كوبر. هنالك عكفت على كتابي من داخل السجن بعنوان “الديمقراطية في السودان: راجحة وعائدة” راجحة بالمقارنة بالدكتاتورية وعائدة حتماً. فالسودانيون يقابلون الطغاة بالانتفاضة المدنية وبالمقاومة المسلحة، لذلك كل الانتفاضات المدنية ضد الطغاة كما كان في 19164م وفي 1985م وكل حروب المقاومة المسلحة كذلك كانت ضد نظم الطغيان في 1963م وفي 1983 وهلم جرا.

أثناء الحبس كتبت كتابين الأول بعنوان “الديمقراطية راجحة وعائدة” والثاني بعنوان “تحديات التسعينات” ونشر الكتابان عام 1990م بعد أن هربا من داخل الحبس. في كتاب “تحديات التسعينات” قلت بعد سقوط حائط برلين سوف ينتقل الاستقطاب بين غرب وشرق إلى شمال جنوب العالم، وبما أن جنوب العالم يعاني ضعفاً استراتيجياً وعسكرياً فسوف تلجأ حركات أهلية لأسلحة الضرار الشامل مثل الهجرة غير القانونية، والتطرف والإرهاب وهلم جرا. وقد كان.

  1. بعد عامين من الحبس نصف عام في السجن والباقي في الإقامة الجبرية التقاني حسن بيومي[21] أحد ضباط الأمن الذين لقوا تدريباً في أمريكا وقال لي انقلاب يونيو كان سوداني الوجه وأمريكي التدبير. وذكر لي أن المخابرات الأمريكية تدرس تصرفات القوى السياسية وضمن لعبة الأمم يقدرون أن الإسلامويين لا يقامون إغراء السلطة ولذلك هيأوا لهم المشهد عن طريق ضباط سودانيين معروفين بولائهم لهم منذ أيام نقل الفلاشا. والهدف هو أن تفشل التجربة تحت الشعار الإسلامي كما فشلت التجربة تحت شعار القومية العربية.

وربما وجد سبب آخر. فبعد زيارتي لليابان جئت ببرنامج شراكة إستراتيجية مع اليابان واتفقنا أن ترسل اليابان بعثة فنية لإحصاء موارد السودان الطبيعية وعمل برنامج شامل لتنميتها: منا الموارد واليد العاملة التي سوف يدربونها ومنهم رأس المال والتكنولوجيا.

وكنت قد عرضت اتفاقاً مع الصين لتطوير قدراتنا الدفاعية، لدى تنوير مجلس الوزراء بهذه البرامج قال لي الحبيب عمر نور الدائم: جبهات غربية لن تسمح لنا بذلك فبوصلتنا يجب أن تبقى متجهة غرباً لا شرقاً!

  1. انقلاب يونيو1989م خيانة عظمى مكتملة الأركان لتقويض النظام الدستوري. وأثناء الحكم الانقلابي ارتكبت جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما أدى لطلب قيادته للمحكمة الجنائية الدولية. جرائم بادرنا بالإعلان عنها بعد زيارتنا لدارفور الكبرى في يونيو 2004م، وعندما قابلتنا بعثة مجلس الأمن فيما بعد عقلت معلوماتنا وتبنتها بعد التأكد من صحتها عندما زارت البعثة دارفور الكبرى

الانقلاب بتدبير مدني وتنفيذ عسكري، المدنيون يساءلون عن خرق الشرعية وتقويض الدستور بموجب القانون الجنائي، والعسكريون ملزمون بالدستور وبالقانون العسكري ويساءلون عن أية تصرفات تناقض هذه الالتزامات.

وكما اتضح منذ محاكمات نيورنبرج لا يحق للمنفذ أن يحتج بالأمر من سلطة أعلى لتنفيذ ما يخالف الدستور والقانون.

نظام روما الذي بموجبه كونت المحكمة الجنائية الدولية يعاقب جنائياً على أربعة جرائم ينبغي أن تضاف إليها للمساءلة الجنائية جريمة خامسة هي جريمة الانقلاب العسكري على نظام دستوري ديمقراطي.

فهذا النوع من أساليب تكوين الحكومات وصفه الإمام الألباني بأنه مارق على نظام الحوكمة في الإسلام. وهو بمقاييس منظومة حقوق الإنسان المعتمدة عالمياً يناقض مطالبها العادلة.

  1. ومع أنني لم أكن حاكماً منفرداً بل ضمن ائتلاف فقد صب الانقلابيون جام غضبهم على شخصي وذكر لي أحد أصدقائهم قولهم إننا سلبنا الصادق سلطة ولم نسلبه شرعية فخياره أن يعترف بشرعيتنا بالانضمام إلينا أو نقضي عليه، وقد حاولوا بعد أن عجزوا عن ضمنا إليهم اغتيالات معنوية بأساليب كثيرة، واغتيالاً قانونياً فإلى آخر عهدهم فتحوا ضدي عشرة بلاغات عقوبة بعضها الإعدام.
  2. مع كل هذه الغبائن فنحن نتطلع لأن تكون الدولة السودانية دولة القانون وسنجد إنصافنا عند الله وفي رحاب القانون (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰۖ)[22].

 

 

الفصل الثالث

انقلاب يونيو ونظامه في ألواح التاريخ§

  1. في الفكر الجيوسياسي الأمريكي الحديث عدد من المدارس، أصحابها منهم كتاب مستنيرون أمثال بول كنيدي[23] الذي يقول لو وضعنا أنفسنا في مكان بلدان الشرق الأوسط لجعلتنا ظروف الظلم نتصرف كما يتصرفون[24]، واستيفن والت[25] وجون مير شايمر[26] اللذان يستنكران نفوذ اللوبي الإسرائيلي في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط، وجراهام فوللر الذي يتحدث عن عالم افتراضي بلا إسلام ويرى أن شعوب المنطقة المعنية مهما كانت عقيدتهم الدينية سوف تدفعهم شعورهم بالمظالم التي فرضت عليهم لتصرفات كما يحدث الآن.

مقابل هذه الرؤية توجد مدارس أخرى: ليو شتراوس[27] وهو مهاجر من ألمانيا النازية دعوته هي حاجة أمريكا لأيديولوجية تفرد يتماسك حولها المجتمع وتبث نفوذها في العالم.

وبرنارد لويس المهاجر إلى أمريكا والذي صاغ عبارة صدام الحضارات، وهو يرى أن الإسلام دين شرير ولا إنساني، ويرى أن المسلمين ضد الحضارة الغربية من حيث هي غيرة من نجاحها وفشل حضارتهم. هذه المدرسة هي زاد الإسلاموفوبيا[28] في الغرب وترى أن العدو الذي ينبغي أن يواجهه الغرب سيما بعد أفول الاتحاد السوفيتي هو العالم الإسلامي.

السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط تبلورت بعد الحرب الأطلسية الثانية (1939-1945م). إن تتبع مواقف الأحزاب الأمريكية يظهر اختلافاً بين نهج الحزبين: الجمهوري والديمقراطي، فالفرق واضح بين سياسة دونالد ريقان[29] الجمهوري وجيمي كارتر[30] الديمقراطي، هذا الاختلاف أكثر وضوحاً بين جورج بوش الابن[31]  الجمهوري الذي أغرق بلاده في حروب امبريالية في منطقة الشرق الأوسط وباراك أوباما[32] الذي اجتهد في نقض حماقات سلفه الخارجية وعمل على سحب قوات بلاده من أفغانستان والعراق وأمسك عن غزو ليبيا وسوريا وطبع علاقات بلاده مع كوبا ويوشك أن يطبعها مع إيران.

إسرائيل منذ تأسيسها قادها حزب العمال، ولكن منذ السبعينات من القرن الماضي اتجه حكامها يميناً فانحازت سياساتها لحزب الليكود وأحزاب يمينية متطرفة، وكانت إسرائيل تعتبر الحليف الموثوق به في الشرق الأوسط للولايات المتحدة في وجه النفوذ السوفيتي وفي وجه تمدد الحركات الوطنية، والقومية، والإسلامية، التي تتطلع لاستقلال قرارها من أية تبعية.

  1. لدى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989م بدا كأن الغرب قد يستغنى عن دور إسرائيل كشرطي للمصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك تعددت الأصوات في اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي التي تنذر بأن الخطر القادم على المصالح الأمريكية والحضارة الغربية هو “الأصولية الإسلامية”. هذا الفهم جمع بين اليمين الإسرائيلي وقوى المحافظين الجدد التي سيطرت على جناح مهم في الحزب الجمهوري الأمريكي.

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران في 1979م وما كان لها من أصداء في العالم الإسلامي اهتمت أجهزة الاستخبارات الغربية بالتعامل مع ظاهرة “الأصولية الإسلامية”.

نشرت في السبعينيات روايات غربية تتخيل سيناريوهات للتعامل مع “الأصولية الإسلامية” والعمل على احتوائها، وكان أكثر هذه السيناريوهات “ذكاءاً” أن الذي سوف ينسف مشروع الأصولية الإسلامية هو أن يستولى دعاتها على السلطة في بعض بلدان المسلمين، ويفشلون في تحقيق شعاراتهم البراقة، وفي تلبية مطالب شعبهم، ما يؤدي لفشلهم، ويحصل للشعار الإسلامي ما حصل للشعار القومي العربي من إخفاق.

وسيناريو آخر قال به استخباراتيون هو تقويض الدولة الوطنية في بلدان الشرق الأوسط عن طريق تفكيك مؤسسات الدولة الحديثة أو تشجيع تيارات الولاءات الموروثة الطائفية، والإثنية، لاشتباكات تمزق النسيج الاجتماعي وتؤدي لحركات انفصالية. هذا السيناريو شرحه بالتفصيل في مرحلة لاحقة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي دختر[33]  في محاضرة ألقاها في تل أبيب في عام 2008م، قال: إن الدول الوطنية العربية بشكلها الحالي مكونة بأسس غير طبيعية، والمطلوب تفكيكها على أسس دينية، وطائفية، واثنية، وعدد الدويلات المنتظر ظهورها لخلافة تلك الدول. السودان مرشح ضمن هذا السيناريو للتقسيم على خمس دويلات: دولة جنوب السودان، ودولة دارفور، ودولة في شرق السودان، ودولة في جبال النوبة، ودولة لشمال ووسط السودان.

ما يهمني هنا هو الصلة بين هذا المخطط وانقلاب 30/6/1989م في السودان.

  1. لا توجد أية مبررات موضوعية لقيام انقلاب يونيو 1989م، فالنظام الديمقراطي الذي كان يحكم السودان نجح في وضع خريطة طريق لمؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م لإبرام اتفاقية سلام شامل ليس فيها دور أجنبي، وليس فيها مطلب لتقرير المصير، ونجح في جمع الكلمة حول مشروع تأصيل إسلامي يراعي التنوع، والتدرج، وحقوق المواطنة المتساوية، ونجح في القضاء على النمو الاقتصادي السالب الموروث من عهد الطغيان المايوي وتحقيق نسبة نمو عالية مقدارها في عام 1989م تساوي 12,5%، واستطاعت الحكومة الديمقراطية التصدي للمقاطعة الأمريكية واستقطاب تعاون مؤثر مع كافة حلفاء الولايات المتحدة الذين دعموا ميزان المدفوعات وميزانية التنمية بحوالي 3 مليار دولار، بل استطاعت الحكومة الديمقراطية وضع خطة مع اليابان لشراكة تنموية شاملة، ومع الصين لنقل تكنولوجياً عسكرية في مجال الأسلحة الثقيلة والدفاع الجوي.

وبعد مذكرة القوات المسلحة للحكومة في فبراير 1989م، وهي مذكرة كيدية خالية من أي مبرر موضوعي ولكنا تعاملنا معها بصورة أبطلت مفعولها الضار وكلفنا السيد ميرغني النصري[34] عضو مجلس رأس الدولة المستقل أن يدعو كافة القوى السياسية للاتفاق على برنامج قومي لمواجهة مشاكل البلاد صفاً واحداً، وقد كان. وبموجب برنامج القصر هذا تكونت حكومة وحدة وطنية (مارس 1989- يونيو 1989م). حكومة حظيت بتأييد برلماني منقطع النظير (80% من النواب). ومن سجلات الحكومة الديمقراطية عبر الفترة كلها من (1986-1989م) إنها واجهت أهم أزمات تعرضت لها البلاد وهي أزمة السيول والأمطار غير العادية في أغسطس 1988م، وأزمة مظاهرات ضريبة السكر في ديسمبر 1988م وأزمة مذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989م، واجهتها الحكومة الديمقراطية بكفاءة عالية، وفي إطار النظام الدستوري، دون اللجوء لأية إجراءات استثنائية.

المشكلة الوحيدة في وجه هذه النجاحات أن حكومة الرئيس السابق حسني مبارك[35] كانت غير راضية عن إلغاء الحكومة الديمقراطية لاتفاقية الدفاع المشترك، وهي اتفاقية أدخلت السودان منذ العهد المايوي طرفاً في الحرب الباردة، بينما موقفنا كان حيادياً من تلك الحرب، وهو موقف للمصلحة الوطنية، لأن هذا الانحياز جعل حلف عدن (اليمن الجنوبية، أثيوبيا منغستو[36]، وليبيا القذافي[37]) يدخل داعماً للحركة الشعبية في حربها ضد السودان. وكان نجاح التجربة الديمقراطية مؤرقاً للنظام في مصر، وعلى طول العهد الديمقراطي كانت دلائل عداوة نظام الرئيس السابق حسني مبارك للسودان الديمقراطي ظاهرة، كإيوائهم لجعفر نميري[38]  وعدم تسليمه لمحاكمته في الخرطوم.

إن لحكومة الرئيس السابق حسني مبارك في ذلك الوقت تحالفاً مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريقان، والتي كانت بدورها كانت غير راضية عن تجربة ديمقراطية حريصة على استقلال القرار الوطني، وعلى التخلي عن التسهيلات العسكرية التي كانت يمنحها لها النظام المايوي المنحاز لمعسكرها في الحرب الباردة.

هاتان الحكومتان كانتا بوضوح ضد نجاح التجربة الديمقراطية في السودان، وتعملان بكل الوسائل الخفية والإعلامية لتقويض التجربة الديمقراطية السودانية.

دلائل عدم رضا حكومة الرئيس السابق حسني مبارك عن نجاح التجربة الديمقراطية في السودان كثيرة – مثلاً- صنعوا لنا أزمة بلا مبرر في اختيار عضو مجلس رأس الدولة الاتحادي خلفاً للسيد محمد عبد الله يس، وكذلك أزمة بلا مبرر في إخراج الاتفاق على اتفاقية الميرغني قرنق كما اعترف لي بذلك صراحة الشريف زين العابدين الهندي.

وكذلك كان واضحاً عدم رضا الخارجية الأمريكية والدليل على ذلك قطع المعونات التي كانوا يدفعونها لنظام مايو، ونقل سفارتهم لحين من الخرطوم إلى نيروبي بحجة عدم الأمان في الخرطوم التي كانت أكثر أمناً من نيروبي بما لا يقاس، كما كانوا لا يرضون  بأي شيء يغضب حليفتهم حكومة الرئيس السابق حسني مبارك كما اعترفت في وقت لاحق السيدة كونداليسا رايس[39] في محاضرة في جامعة القاهرة في عام 2005م إذ قالت: نحن لستين عاماً وقفنا مع النظم الدكتاتورية لمصلحة رأيناها على حساب الديمقراطية!

لذلك عندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989م اختفيت لأعرف حقيقية أهو سوداني محض أم هو تدبير أجنبي فإن كان كذلك واصلت الاختفاء لمقاومته وإن كان سودانيا خالصاً ظهرت وأقدمت على حوار معه. وبعد أسبوع من الاختفاء حسب معلوماتي يومئذٍ قررت الظهور ومخاطبة النظام بمذكرة وجدوها في جيبي عندما اعتقلت في يوم الأربعاء 5 يوليو 1989م ستة أيام بعد الانقلاب.

وبعد إطلاق سراحي في أبريل 1992م صرحت بأنني عندما اكتشفت أن الانقلاب سوداني محض اتجهت للحوار معه، عندئذٍ قال لي أحد كبار ضباط الأمن السوداني في عهد مايو وكان من الذين نالوا تدريباً مع هيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية: ليس صحيحاً أن هذا الانقلاب سوداني محض بل خططت له الاستخبارات الأمريكية وكانت حلقة الوصل بين القوات المسلحة وقيادة الجبهة الإسلامية القومية صاحبة الانقلاب جماعة من الضباط العلمانيين[40] ذوي العلاقة الخاصة مع الاستخبارات الأمريكية، والدليل على ذلك أن هؤلاء الضباط قد نالوا وظائف عالية بعد نجاح الانقلاب، كما أن حكومة الرئيس السابق حسني مبارك والحكومة الأمريكية رحبت بالانقلاب وساعدته في الأشهر الأولى كما كان واضحاً.

  1. الجبهة الإسلامية القومية ذات المرجعية الأخوانية وجدت منا هي ومسمياتها السابقة معاملة ودية للغاية لم تعهدها التنظيمات ذات المرجعية الاخوانية في أي مكان في العالم. صحيح بعد تحالفهم مع السيد جعفر نميري في برنامجه الزائف المعروف بقوانين سبتمبر 1983م ساءت العلاقة بيننا، وبعد انتخابات 1986م جلبوا أموالاً طائلة من التنظيم العالمي الأخواني أو حلفائه في الخليج وصاروا بهذا الدعم، ودعم من الرئيس العراقي السابق صدام حسين[41]، صاروا أغنى حزب سوداني، ونشروا 7 صحف، ووجدوا في المجال الديمقراطي فرصة للتوسع بصورة كبيرة، واستغلوا الحريات الديمقراطية للقيام بحملة شرسة ضد الحكومة الديمقراطية. إذن حظهم تحت النظام الديمقراطي كان كبيراً سواء شاركوا في الحكم أو قادوا المعارضة، وكان قادتهم يقولون إن الديمقراطية هي سياسة الأنبياء.

ونشأت داخل الحركات ذات المرجعية الاخوانية مخاوف من اتخاذ وسائل انقلابية لتنفيذ برامجها، هذا ما جاء واضحاً في اجتماع عقدته المنظمات ذات المرجعية الاخوانية في عام 1989م، كما أن كل أصحاب الأجندات السياسية الذين اختاروا الوصول إلى أهدافهم بالطريق الانقلابي ندموا وأعلنوا خطأهم. حدث هذا في السودان على لسان السيد عبد الله خليل[42] في انقلاب 17 نوفمبر 1958م، وشقيت به قيادة الحزب الشيوعي السوداني التي تحالفت مع انقلاب 25/5/1969م، وسجل خطأ الاستعانة بانقلابات لخدمة أجندة سياسية وفكرية الدكتور السوري منيف الرزاز[43] في كتابه الشهير “التجربة المرة”، لذلك كنت استبعد أن تقدم قيادة الجبهة الإسلامية القومية على انقلاب يدخلها في متاهات خاسرة مع أن حظها في النظام الديمقراطي كان كسبياً.

فيما بعد تعللوا للإقدام على الانقلاب بأنهم كانوا يسابقون انقلابين آخرين بعثيين، نعم هنالك للأسف نزعة لدى كثير من العقائديين أن الديمقراطية اللبرالية لا تمنحهم فرصة للسلطة فيختارون الانقلاب وسيلة لذلك، فإذا شعرت الجبهة الإسلامية القومية بخطر على الديمقراطية فالنهج الصحيح التعاون مع الحكومة لحماية الديمقراطية التي يؤيدونها مبدئياً ويرون أن حظهم في الكسب السياسي فيها كبير. وتعللوا أن قيادة القوات المسلحة لا سيما بمذكرة فبراير 1989م كانت تطالب باستبعاد الجبهة الإسلامية القومية من الحكومة. نعم بعد أن أمكننا احتواء آثار تلك المذكرة قابلني السيدان فتحي أحمد علي[44] ومهدي بابو نمر[45] ليشكروني على الطريقة الجيدة كما قالوا التي تعاملنا بها مع المذكرة ولكن لهما مطلبين هما ألا تسند وزارة الدفاع للسيد صلاح عبد السلام[46]  وألا يشمل التكوين الوزاري المزمع الجبهة الإٍسلامية القومية، أثناء حكومة الوفاق الوطني جرت مساجلات خلافية بين قيادة الجبهة الإسلامية القومية ووزير الدفاع يومئذ السيد عبد الماجد حامد خليل[47] حول أولوية وكيفية تحقيق السلام، وكان للسيد عبد الماجد صلة بمن كتبوا مذكرة القوات المسلحة، قلت لفتحي ومهدي: هذا الأمر لا يخصكما فاسحبا هذا الطلب وسأتعامل معه كأنه لم يقدم، قلت لهما هنالك حوار في القصر يقوده السيد ميرغني النصري وكل القوى السياسية السودانية مشتركة فيه وأتوقع أن يصدر عنه برنامج سياسي قومي، كل الذين يشاركون في ذلك البرنامج سوف يشتركون في الحكومة القومية المزمع تكوينها. والجبهة الإسلامية سوف تشترك في الحكومة إذا أيدت ذلك البرنامج. قبلا نصحي وانتهى الأمر. وبعد ذلك أخبرت قيادة الجبهة الإسلامية ما جرى وقلت لهم إنني أعتبره كأن لم يكن، وهي فكرة لدى بعض القيادات العسكرية ولا تمثل رأياً مجمعاً عليه داخل القوات المسلحة.

قال لي الخبير الأمني ليفسر لي سبب إقدام الجبهة الإسلامية القومية على مغامرة الانقلاب: إن المخابرات الأمريكية تدرس تصرفات القوى السياسية والحكومات الافتراضية ضمن ما يسمونه “لعبة الأمم” الذي شرح مضمونه السيد مايلز كوبلاند[48] في كتابه بعنوان “لعبة الأمم”، ومن النتائج التي استنتجوها عن الجبهة الإسلامية القومية أنها لا تقيم للديمقراطية وزناً وأنها متعطشة للسلطة بأية وسيلة وأنها قد حبست نفسها في برنامج من بند واحد وهو التطبيق الفوري للشريعة الإٍسلامية. لذلك يمكن أن يندفعوا في القيام بانقلاب وسوف تكون تركيبة القوى الانقلابية، والتناقض بين البرنامج الأحادي هذا ومطالب الحركة الجنوبية، والإقدام على السلطة دون أية تحضيرات مناسبة والتناقض مع الواقع الإقليمي والدولي عوامل كفيلة بإخفاق التجربة باسم الإسلام، وهو الهدف المراد تحقيقه.

وفي تقدير الاستخبارات الأمريكية وحليفها اليمين الصهيوني أن فرض أجندة إسلاموية حزبية على مجتمع متعدد الأديان، ومتعدد الطوائف، ومتعدد الثقافات سوف يفشل باسم الإسلام فيدمر بريق الشعار الإسلامي كما حدث للتجربة القومية العربية. وأن هذه الأجندة الأحادية من شأنها أن تفكك البلاد، وهذا هو المطلوب.

تتبع ما جرى للإسلام وللسودان نتيجة لتجربة انقلاب يونيو 1989م يصل لأن التجربة شوهت الشعار الإسلامي تماماً، وصارت لدى المفكرين والناشطين الإسلاميين مضرب المثل للإخفاق، ولدى غيرهم صارت شاهداً لعدم صلاحية المرجعية الإسلامية في الشأن العام وصحة ما يقولون به وهو النهج العلماني.

وتتبع سياسيات النظام الانقلابي يظهر كيف حقق برنامج تفكيك السودان.

  1. عندما استولى الانقلاب على السلطة وجد مشروع سلام وشيك يبرمه مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م، مشروع ليس فيه تقرير مصير وليس فيه دور لجهات أجنبية، ولكنهم ركلوا هذا المشروع واندفعوا في شيطنة سياسة العهد الديمقراطي ظلماً، وحولوا وصف الاقتتال بأنه جهاد لأعداء الله الكافرين وسوف يقضون عليهم بالحسم القتالي، هذا النهج كان برداً وسلاماً على الحركة الشعبية لتحرير السودان، قال لي د. جون قرنق لولا أن يساء الفهم لاقترحت أن نقيم تماثيل لقادة النظام الانقلابي في جوبا لأن سياساتهم جلبت لنا تأييداً دولياً وكنسياً لا يقدر بثمن.

النظام يدعو لحمل السلاح ضده، فرئيسه قال إنهم أخذوا السلطة بالقوة ومن يريدها عليه أن يسعى لها بالقوة. لاحقاً عندما تراجعوا وتغيرت اللغة للحوار، قال الرئيس إنهم يعترفون فقط بمن يحمل السلاح ولا يتحاورون إلا مع من يحمل السلاح، وهذا حدث بالفعل، فاتفاقياتهم تمت مع حملة السلاح وبرعاية دولية، بينما تعاملوا مع القوى السياسية المدنية باستخفاف وبطشوا بها. الغريب أن السيد/ مني أركو مناوي[49] دعوه للحوار ثم خاصموه ثم دعوه للحوار، وهو يحمل السلاح؛ لكنه عندما وقع على إعلان باريس الذي يدعو للحل السياسي طلبوه بالإنتربول!!

وبعد فترة من التهريج بشعارات الجهاد تراجع النظام وأبرم اتفاقية عام 2005م، الاتفاقية حظيت بدعم إقليميي ودولي كبير ما أوهم النظام أنه اكتسب شرعية دولية بموجبها، وحظيت بدعم كثير من القوى السياسية السودانية، ولكننا في حزب الأمة كشفنا عورات تلك الاتفاقية بكتاب صدر بعنوان: (اتفاقية السلام يناير 2005 ومشروع الدستور أبريل 2005م في الميزان).

كان واضحاً أن الاتفاقية لن تجعل الوحدة جاذبة بل الانفصال جاذباً.

وكان واضحاً أن الاتفاقية أبقت على بنود مهمة معلقة فثلاثة بروتوكولات هي: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، قنابل موقوتة من شأنها تجديد الحرب.

أما ما وعدت به الاتفاقية من حريات عامة فالنص جيد ولكن التطبيق مربوط بإجراءات تشريعية عبر برلمان يسيطر عليه الحزب الحاكم الذي جعل تلك النصوص معلقة في الهواء.

النتيجة أن اتفاقية السلام (2005) خريطة طريق لفصل الجنوب ولإنتاج “جنوب” جديد يواصل الاقتتال من أجل انفصالات أخرى.

  1. عندما وقع انقلاب 30 يونيو لم تكن في دارفور بندقية واحدة موجهة ضد الحكومة الولائية ولا المركزية، بل كانت المشاكل محصورة في صراع قبلي على الموارد، ونهب مسلح ومطالب تنموية وخدمية، وعندما وقع الانقلاب وجد تحضيراً لمؤتمر في دارفور لمعالجة تلك المشاكل المحدودة. النسيج الاجتماعي كان معافىً، ولم يوجد حاجز اليوم الإثني بين قبائل دارفور. كانت دارفور إقليماً واحداً يحكمه حاكم مقبول من كل أهلها (المرحوم د. عبد النبي علي أحمد[50] وبعده د. التجاني السيسي)[51]. كذلك فوز المرحوم أحمد عبد القادر حبيب في انتخابات 1986م في مركز الرزيقات (الضعين) وهو زغاوي.

اندفع النظام الانقلابي في سياسات هدفها تغيير النسيج الاجتماعي في دارفور لصالح أجندته الأحادية، سياسات أفرزت ردود فعل مضادة أدت فيما بعد عام 2000م لتكوين أحزاب سياسية مسلحة بعنوان حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وبعد حادث الهجوم على مطار الفاشر الجمعة 25 أبريل 2003م، صنف النظام حركات المقاومة المسلحة إثنياً واتجه لتجنيد المكون الاثني الآخر في دارفور (العرب) لمحاربتها. هكذا تعززت النظرة التي روج لها د. جون قرنق: أن المشكلة في السودان ليست جهوية بين شمال وجنوب، بل اثنية بين عرب وأفارقة.

عندما اندلعت المقاومة المسلحة في دارفور بعد عام (2002)م كانت النصيحة الأجنبية لهم: “ركزوا على اتفاقية السلام مع الجنوب”، أما دارفور فمسألة داخلية احسموها بسرعة وكفاءة” اعتبر النظام هذا ضوءاً أخضر ليفعلوا في دارفور ما يشاؤون ما جعلهم خاصة عن طريق المليشيات القبلية يرتكبون التجاوزات التي راكمت ضد النظام قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وذهبت بقيادة النظام للمحكمة الجنائية الدولية.

سمع الرئيس العراقي السابق صدام حسين حديثا من السيدة ابريل قلاسبي[52] فسره بأنه ضوءً أخضر لغزو الكويت، وكان ما كان، نفس الرأي أو “النصيحة” التي جعلت النظام الانقلابي يخوض في دارفور خطة الأرض المحروقة.

هذه الخطة عمقت الاستقطاب الاثني في دارفور وحولت دارفور إلى قضية حقوق لإنسان الأولى في العالم.

خطة اليمين الأمريكي المتحالف مع اليمين الصهيوني هي أن حماية أمن إسرائيل تعتمد على تفوق إسرائيل العسكري على جميع جيرانها مجتمعين، وعلى المدى البعيد لا يحافظ على بقاء إسرائيل دولة يهودية إلا تفكيك الدول العربية.

فتفقد الدول وحدتها الوطنية مفرقة دينياً، وطائفياً، وإثنياً. ويفقد الفضاء العربي وحدته القومية.

هذه الأهداف وسائل تحقيقها ليست الغزو العسكري المباشر بل نوع آخر من الحرب وسائله: تدمير مؤسسات الدولة الوطنية، وتفكيك وحدة شعبها إثنياً، ودينياً، وطائفياً، عوامل تؤدي في النهاية لنتائج التقسيم والانفصال.

  1. كأن النظام الانقلابي السوداني ” أخذ مقاولة” لتحقيق هذا البرنامج في السودان:
  • اتفاقية سلام نيفاشا هي خريطة طريق للانفصال الذي تحقق في 2011م.
  • بعد انفصال الجنوب تركت ملفات أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق معلقة وبقيت الفرقتان 9 و10 من الجيش الشعبي شمال حدود 1956م بين شمال السودان وجنوبه، وتجمعت نذر الاقتتال كما توقعنا ولاحت فرصة لتجنبها بموجب اتفاق إطاري (مالك[53]/ نافع[54]) في يونيو 2011م، اتفاق يتناقض مع مشروع التفكيك لذلك أجهض واندلعت الحرب الأهلية معلنة تقرير المصير هدفاً.
  • اشتعلت الحرب الأهلية في دارفور بشدة منذ 2003م وفي عام 2006م لاحت فرصة حقيقية لإبرام السلام فقد أفلحت وساطات دولية بقيادة نيجيرية في عام 2006م في ترتيب محادثات سلام بين حكومة السودان (المؤتمر الوطني) وحركتي المقاومة المسلحة في دارفور وهما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في أبوجا في شهر مايو 2006م، وكان يقود فريق الحكومة المرحوم مجذوب الخليفة[55]. ومع أن العلاقة بيننا وبين النظام يومئذٍ كانت في أسوأ حالاتها اتصل بنا د. مجذوب وطلب مقابلتي فدعوته للعشاء معي في أبريل 2006م. قال لي أنا سوف أسافر لأبوجا لمحادثات سلام دارفور ورأيت أن أستشيرك رغم الظروف. قلت له يا أخي نحن ضدكم (لسنا ضد الوطن) من الناحية السياسية لو وجدناكم في نار لكان من حقنا سياسياً أن نزيدكم وقوداً. لكننا كوطنيين نريدكم أن تنجحوا في وقف الحرب فإن الضحايا من الجانبين أخوتنا، وأهل دارفور عانوا ما لا يطاق. أنصحك بثلاثة إن قلتها لهم أؤكد لك أن يقبلوها ويبرم السلام هي: الأولى: فيما يتعلق بالإقليم واحد أم ثلاثة، وفيما يتعلق بالمشاركة في رئاسة الدولة، وفيما يتعلق بإدارة الحواكير، وفيما يتعلق بحدود دارفور مع سائر ولايات السودان راجعوا ما اتخذتم من تغييرات وعودوا بالحالة لما كانت عليه عام 1989م قبل الانقلاب. هذه واحدة.

والثانية: فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين من أهل دارفور التزموا لهم بتعويضات فردية (ما خسره الأفراد) وجماعية (ما دمر من المنشآت) على أن يعودا لقراهم الأصلية آمنين. هذه الثانية.

والثالثة: أن يتخذ قرار بأن يكون نصيب أهل دارفور في السلطة والثروة بنسبة حجم السكان، وأن ينص على هذه الالتزامات في الدستور.

قال لي: لا نستطيع قبول هذه النصيحة لأنها تتعارض مع ثوابت “الإنقاذ” ومع ثوابت اتفاقية السلام 2005م. قلت له إذن احتفظوا بأبقاركم المقدسة ولكن لن يتحقق السلام. وعلمت من مفاوضين في المحادثات أنه لو وافقت الحكومة على هذه الآراء لأمكن إبرام اتفاقية سلام لدارفور في مايو 2006م. قال لي ذلك د. خليل إبراهيم[56] رحمه الله والفريق إبراهيم سليمان[57].

الشاهد، إن الاتفاقيتين المبرمتين في أبوجا في مايو 2006م، وفي الدوحة في يوليو 2011م، لم تحققا إلا اتفاقاً جزئياً واستمرت الحرب، حتى يومنا هذا. سياسات النظام التي تبرم اتفاقيات سلام ناقصة لا تخاطب أسباب النزاع الحقيقية وتواصل الحرب باعتماد أساسي على التباين الاثني إنما تعزز من المطالب الانفصالية.

  • في شرق السودان وجدت منذ الخمسينيات حركة جهوية مطلبية (مؤتمر البحة) ولكن لم تكن هناك بندقية واحدة موجهة ضد الحكومة المركزية، هذا الوضع تغير في عهد النظام الانقلابي واندلع عمل مسلح في جبهة شرق السودان ووجد ملجأ لوجستياً في إريتريا وفي يوليو 2006م أبرمت اتفاقية سلام الشرق برعاية إريترية في أسمرة، الاتفاقية كالعادة محملة بالوعود ومدعمة بالمحاصصة ولكنها لم تخاطب الأسباب الحقيقية للنزاع. والنتيجة أن السلام المبرم هش وكل الدلائل تشير إلى انهياره الوشيك.
  • في نوفمبر 2011م تكونت الجبهة السودانية الثورية وضمت في صفوفها الحركات الدارفورية المسلحة، والحركة الشعبية (الشمالية) وآخرين بهدف تحرير البلاد من النظام الحاكم بالوسائل الثورية، وتحقيق تقرير المصير للمناطق المهمشة.
  • الحركة السياسية الديمقراطية السودانية تعمل على إقامة نظام حكم جديد يحقق السلام العادل الشامل ويقيم نظاماً عادلاً في إدارة التنوع وعادلاً في إنصاف أهل المناطق السودانية جميعاً في سودان عريض ديمقراطي وعادل.

وفي أغسطس عام 2014م اتفقت قوى سياسة سودانية مرجحة: حزب الأمة والجبهة الثورية بموجب إعلان باريس، لو أن النظام الانقلابي في الخرطوم يزن الأمور بالوطنية أو حتى بالعقل لقبل إعلان باريس لا سيما في مبادئ: وقف إطلاق النار، والعمل من أجل النظام الجديد بوسائل سياسية، والتخلي عن مطلب تقرير المصير لمطلب سودان واحد عادل.

ولكن النظام بوعي منه أو بغير وعي منه مدفوع في اتجاه تفكيك السودان، لذلك رفض إعلان باريس، ولأنه رفض لا يعقله وطني التمس أكاذيب لتبرير الرفض بأنه إعلان بمساعدة إسرائيلية، وعندما اتضح زيف الاتهام جاء بكذبة أكبر بأن إعلان باريس غطاء لعمل لاحتلال الفاشر ثم التحرك ضد الخرطوم! كيف يمكن لمثل هذا العمل أن يكون سرياً، وكيف يعقل ذلك حتى من الناحية العسكرية البحتة؟

أكاذيب يبرر بها النظام سيره في اتجاه تفكيك الوطن.

  • وبعد إعلان باريس استطاع الوسيط الأفريقي السيد أمبيكي أن يوقع مع كافة الأطراف السودانية، بمن فيهم ممثلي (7+7) المحاورين في ظل نظام الخرطوم، أن يوقع مع الجميع إطاراً للحوار من 8 نقاط في سبتمبر 2014م، ثم اعتمد اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي كل التطورات الايجابية في شأن الحوار السوداني في اجتماعه رقم (456)، واقترح المجلس الدعوة للقاء جامع في أديس أبابا للتحضير للحوار الوطني في نهاية مارس 2015م، ثم اتسعت جبهة المستقبل الوطني بموجب نداء السودان في أديس أبابا في ديسمبر 2014م، ودخلت الحكومة الألمانية على الخط لتسهيل المهام وإنجاح المؤتمر المقترح بعقدها للقاء برلين في فبراير 2015م. كل ذلك استعداداً للقاء التحضيري، ولكن هيهات! فبعد أن وافق النظام الانقلابي على حضور الاجتماع دون شروط مسبقة وكذلك وافقت قوى نداء السودان وفوضت ممثليها، تغيب النظام مؤكداً استمراره في برنامج تفكيك الوطن، أو لأن الله يحاسبه على سوء نواياه وسوء أعماله: (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[58].

هكذا حقق النظام السوداني أعلى درجة من تمزيق النسيج الاجتماعي السوداني وتحقيق أعلى درجة من الاستقطاب في الجسم السياسي السوداني.

  1. كانت كفاءة النظام الانقلابي في تدمير مؤسسات الدولة الوطنية في السودان عالية للغاية:
  • بدأ النظام بمذبحة القضاء فطرد القضاة الملتزمين بالمهنة واخضع القضاء لكوادره الحزبية.
  • كذلك أبعد من الخدمة المدنية العناصر الملتزمة بحياد مهنتها ووضع قيادة الخدمة المدنية مركزياً وولائياً في أيدي كوادره الحزبية.
  • وهجم على الإدارة الأهلية بمشروع الموالاة الحزبية والتدجين فأفقدها احترامها الذي هو أساس سلطتها.
  • وبصورة واضحة خرب النظام كافة مؤسسات الاستثمار الاقتصادي الوطني: المشاريع المروية، والسكة حديد، والنقل البحري، والنقل الجوي، النقل النهري.
  • وعندما أتاحت ظروف معلومة استغلال بترول السودان ما حقق للميزانية دخلاً لمدة 10 سنوات لا يقل عن (6-10) مليار دولار سنوياً وكان بالإمكان أن تحقق للبلاد طفرة تنموية، فإن النظام تفنن في تبديدها بصورة أشبه ما تكون بحالة الوارث الطائش.

النظام في عقد البترول أهمل الزراعة، وحطّم البنيات التحتية للمشاريع المروية (مثال مشروع الجزيرة). اعتمد النظام على استيراد الغذاء (2,4 بليون دولار أمريكي في 2014م). هاجر الناس من الأرياف المنتجة للمدن المستهلكة وتركزوا في الخرطوم. استيراد القمح ارتفع من ربع مليون طن في 1988م إلى أكثر من 2 مليون طن في 2014م وهذه أيضاً سياسة أمريكية: أن تعتمد الشعوب في غذائها على القمح المستورد.

نحن ندرس الآن وسوف ننشر حجم الإيرادات النفطية التي دخلت الخزينة السودانية وفيم صرفت، وسوف ننشر الحقائق إن شاء الله. قال لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في وقته: “هنالك أنابيب خفية تنقل مداخيل الإيرادات النفطية لجيوب الفاسدين”، ما حدث في السودان في هذا الصدد سوف يثبت صدق هذه العبارة.

  • زعم الانقلاب في بيانه الأول مزاعم كثيرة حقق عكسها تماماً، ومن تلك المزاعم الاهتمام بدعم القوات المسلحة.

العسكرية تقوم على تراتبية هرمية محكمة من الجندي إلى القيادة، هذه التراتبية يحكمها قانون القوات المسلحة كقوات نظامية ولوائح عسكرية وتقاليد محكمة، الهدف الأول: هو تجريد القوة من أية انتماءات ذاتية تتعارض مع الولاء للمؤسسة العسكرية، والهدف الثاني: هو تحقيق الضبط والربط بصرامة، ما لم تتحقق هاتان الصفتان فلا يمكن لقوة أن تسمى نظامية. ابتعاد القوات المسلحة من الانتماء الحزبي وخضوع الترقيات لدورات ومؤهلات محددة من لوازم هذا الانضباط. الانقلابيون حتما يخرقون هذه القواعد، ويلتزمون خطاً سياسياً حزبياً معيناً بموجبه يفصلون من الخدمة من لا تنطبق عليهم هذه الصفة، ويعبثون بالترقيات وفق الهدف السياسي فتصبح الترقيات فارغة من مضمونها العسكري.

أكفأ ضباط وصف ضباط القوات المسلحة السودانية اليوم خارج الخدمة داخل السودان وخارجه، والألقاب التي منحت لكثير من الملقبين حالياً ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد!

الدستور السوداني لعام 2005م الذي حظي بدرجة من المشاركة نص على أن يكون جهاز الأمن القومي لجمع المعلومات، ولتحليلها، ولتقديم المشورة ولا يقوم بأية مهام تنفيذية. تعديلات أو تشويهات الدستور الصادرة في يناير 2015م ألحقت قوات الدعم السريع بقيادة جهاز الأمن وسمتها قوة نظامية. إن لعبارة “نظامية” استحقاقات غير متوفرة في هذه القوة التي كونها مقاولو أنفار مقابل كذا جنيه للرأس، ويعطي مقابل الخدمة مبلغ كذا جنيه، خالية من انضباط الجندية لذلك حيثما وجدوا أثاروا غضب المواطنين سكان المنطقة فيطلبون إبعادهم فوراً.

هذه القوة ليست لها عقيدة قتالية جامعة كالقوات النظامية، لا يربطها إلا عصبية قبلية ومنفعة مالية، وتدريبهم وتأهيلهم وتكوينهم لا يمكنهم من ممارسة القتال بالضوابط المعروفة، تزجهم للقتال قيادة  سياسية لم تعد مهتمة بتجاوز القانون الإنساني الدولي لأنها مطلوبة للعالة الجنائية الدولية، فكأنما سلوكها يقول:

أنا الغَريقُ فَما خَوْفي من البَلَلِ!

وأخطر ما في الأمر هو أنهم يحشدون بمفاهيم تحريض اثني إن الذين يقاتلونهم هم من الاثنية الأخرى في السودان! هذا النهج فيه العيوب الآتية:

  • أنه يخل بالتوازن القبلي في البلاد داخل القبائل العربية وبينها وبين القبائل الأفريقانية.
  • إنه ينشر السلاح بصورة غير مسبوقة فما يصرف من سلاح للقوات النظامية يرد حتما بعد المهمة، ولكن ما يصرف لهم من سلاح لا يرد بل من حقهم أن يحتفظوا بأية أسلحة غنموها في القتال.

هكذا انتشر السلاح بصورة هائلة في البلاد.

  • المهام التي يقومون بها هي مهام القوات المسلحة ما أدى لتغييب القوات المسلحة عن دورها
  • هذه القوى لا تخضع لأية ضوابط فلا زعيم القبيلة ولا غيره يراقبها ما أدى لظاهرة أمراء الحرب ذوي الأجندات السياسية، حتى عندما يقودهم ضباط من القوات المسلحة فكلمتهم غير نافذة ولا يوجد ما ينبغي من تآلف بين الضابط وجنوده.

لقد ظن بعض الناس أن نقدنا لهذه القوة سببه عداء لها، هذا غير صحيح فنحن نعتبرهم أهلنا بأكثر من معنى، ولكنا نشفق عليهم إن الذين يستغلونهم في أغرضهم السياسية مهما أعطوهم من أموال لن يحموهم من الملاحقات الجنائية الدولية التي تقود إليها أعمال قتالية غير منضبطة، كما أن هذا الاستغلال يعرضهم لاكتساب عداوات مع عشائر يشاركونهم الإقليم وينبغي أن يسود بينهم الاحترام والتراحم.

ومن مساوئ هذه الممارسات أن انتشار السلاح بغير انضباط سيجعل الأفراد يعتبرون رزقهم تحت ظل سلاحهم وينفرون من أي عمل مدني لكسب المعايش بمقولة “بالكلاش نعيش بلاش”.

إن السلاح المنتشر الآن في البلاد مع وجود عصبيات قبلية، وغياب كوابح الانتماءات القومية التي أضعفها النظام، وسلطة الإدارات الأهلية التي دجنها النظام يؤدي إلى اقتتال مستمر لسببين، الأول: عدم وجود انضباط تنظيمي أو سياسي، والثاني: عدم إمكان جمع السلاح فكل اتفاقيات السلام التي أبرمت أوجبت جمع السلاح ولكن هذا صار مستحيلاً بل سياسات النظام زادت من انتشار السلاح .

والمؤسف حقاً أن كوادر النظام بعد أن ضعف تنظيمهم السياسي وتفكك لعناصره الأولية صارت تستنصر بالولاءات القبلية بل تدعم عشائرها بالمال والسلاح ليكونوا لهم سنداً في صراعهم على المناصب.

القتال الآن ممتد بصورة نشطة أو محتملة على 14 جبهة في غرب السودان هي: المعاليا والرزيقات، والمعاليا والحمر، والرزيقات والهبانية، الرزيقات والمسيرية، البرتي والزيادية، المحاميد وبني حسين، السلامات والقمر، الفلاتة والهبانية، الفلاتة والمساليت، أولاد هيبان وأولاد سرور، الزيود وأولاد عمران، والسلامات والفلاتة، والبنى هلبة والقمر.. هذه القبائل من أخلص أهل السودان ومن قاموا بدور مرموق في حركة تحرير وتوحيد السودان الأولى – المهدية- وفي حركة تحرير السودان الثانية: الحركة الاستقلالية. وعلينا جميعاً أن نعمل بكل الوسائل على عقد الصلح بينهم وسنفعل ولكن مسؤولين في النظام يؤججون الاقتتال خدمة لإطماعهم وتصديقاً لمقولة أن مشكلة دارفور قبلية وليست سياسية كما صار يدعي نظام الخرطوم.

النتيجة الكبرى هي أن قوى الهيمنة الدولية بتحريض صهيوني استغلت أطماع قوى متعطشة للسلطة للاندفاع ببرنامج إسلامي الشعارات دون مراعاة للواقع ودون دراسة للإخفاق باسم الشعار الإسلامي للرد على مقولة الإسلام هو الحل، واستغلاهم لطرح أجندة حزبية إسلاموية في بلد متعدد الأديان، والاثنيات، والثقافات، بصورة فوقية مستفزة لتحريك تيارات الطرد من المركز الانفصالية.

كل من يؤيد النظام الحالي في السودان أو يعطيه شرعية إنما يتحمل معه وزر هذا التدمير للوطن السوداني.

وحتى إذا لم يفعل الرافضون لهذا النظام أي شيء ضده فإن قيادة النظام سوف تظل ملاحقة دولياً وغير مقبولة شريكاً في أية مشروعات لإعفاء الدين الخارجي على السودان وحجمه 48 مليار دولار، وغير مقبولة شريكاً في مفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية التي تكلف البلاد 750 مليون دولار سنوياً، وغير مستحقة للدعم التنموي الأوربي الذي يخسر السودان بسببه 350 مليون دولار سنوياً وليس مؤهلة لرفعها من قائمة الدولة الداعمة للإرهاب، وتتحاشى الوفود الدولية مقابلة رأس الدولة عند زيارتها للخرطوم، في صفعة لكرامة الدولة وسيادتها.

وسيظل النظام مستنزفاً في حروب مستمرة بقوة الدفع الكامنة، وسيظل النظام معزول شعبياً، وسيظل النظام معزول دولياً.

في ظروف العجز الاقتصادي وارتفاع الدين والعقوبات الاقتصادية والحظر المصرفي والعزلة الدولية، ستتفاقم المشكلة الاقتصادية. وهناك مؤشرات أن الموقف الأمريكي، الذي كان يتبنى السلام بالقطاعي أو الاتفاقيات الثنائية والجزئية مع فصائل المقاومة المسلحة لتقسيم البلاد، تبدل لأن تجربة انفصال الجنوب كانت فاشلة، ولأن استمرار النظام أصبح مهدداً للمصالح الأمريكية في المنطقة (تهديد استقرار دولة الجنوب، خلق بيئة مواتية لتفريخ الإرهاب).

هذه العوامل وحدها قادرة لإحداث تفجير داخل النظام حتى إذا تقاعد رافضوه.

  1. إن وقوع إطاحة بهذا النظام من داخله ولأسباب موضوعية ذكرنا بعضها وارد بأكثر مما يتوقع كثيرون، ولكن هذا النوع من التغيير غير مأمون العواقب.

لذلك صار الواجب الوطني الآن ودون أي تأخير أن يتنادى كل الذين أدركوا جسامة المخاطر التي يقود النظام بها المصير الوطني، إن يتنادوا لتكوين جبهة عريضة تضم جماعة إعلان باريس، ونداء السودان، وكافة القوى المنسحبة من حوار 7+7 العقيم، وغيرهم من الذين شدهم الهدف نحو نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

هذه الجبهة العريضة ينبغي أن تجمع بين مكوناتها وحدة الهدف لا وحدة الصف، وحدة المسيرة لا وحدة المسار، لتحتفظ التكوينات المختلفة بنظمها مع الإقبال على تكوين آلية تنسيقية جامعة بأي اسم مختار اقترحنا له “جبهة قوى المستقبل الوطني” ونقترح أن يتفق الجميع على ميثاق وطني يحدد معالم السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل ونظام الحكم الانتقالي المنشود، ويحدد أسس دستور الحكم الجديد والطريقة المثلى لكتابته.

سنواصل العمل مع الجميع لتحقيق هذه الأهداف الوطنية ونرجو أن تكتمل هذه المهمة في ظرف شهرين حتى نبشر أهلنا في السودان وخارج السودان في حشود شعبية كبيرة بالصباح الجديد لسودان المستقبل العريض.

  1. الشعب السوداني سدد لنظام الخرطوم ضربة قوية بالقوة الناعمة في انتخابات 2015م العبثية، كانت اللطمة الأولى هي ما خسره النظام نتيجة الهروب على الهروب من منبر أديس أبابا المحضور أفريقياً ودولياً ثم لطمة تعرية النظام في الانتخابات.

والمطلوب الآن الانتقال من حملة أرحل الناجحة، لحملة اعتصم، واضرب (من الإضراب العام)، ثم انتفض وتحضير كافة متطلبات نجاح الانتفاضة التوأم الثالث لأكتوبر 1964م ورجب/ أبريل 1985م.

الأسرة الدولية لن تكون ولا ينبغي أن تكون شريك لنا في خريطة الطريق للانتفاضة الشعبية السلمية وغير المستنصرة بالأجنبي، وفي الإطار الأفريقي، والأوربي، والتوريكا، بل كافة القوى الملتزمة بمنظومة حقوق الإنسان الدولية فإنهم يتطلعون لبرنامج يمكنهم أن يعلنوا تأييده لتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

أرجو أن نخاطبهم بلسان واحد إننا على استعداد لحوار وطني جاد باستحقاقاته، واستحقاقاته هي:

أولاً: أن يعلن النظام من طرف واحد أن إطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ اتفاقية الإغاثة الإنسانية الثلاثية، وكفالة الحريات العامة، ووقف إطلاق النار، والاستعداد لقبول مراقبة دولية لتنفيذ ذلك.

ثانياً: أن يجتمع مجلس الأمن والسلم الأفريقي ويتبنى إعلان مبادئ للسلام والاستقرار في السودان إعلان مبادئ السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وأن يجدد ثقته في آلية الوساطة الأفريقية بعد تقويتها وتوسيع مشاركتها، وأن يتبنى الاعتراف المتبادل بين الطرف الحكومي السوداني والطرف الوطني المطالب بنظام جديد بالصورة التي يقررها هؤلاء، وأن يوصي المجلس باجتماع الطرفين السودانيين في مؤتمر قومي دستوري لإبرام اتفاقية سلام عادل وشامل، ومرحلة حكم انتقالي، ونظام حكم ديمقراطي للبلاد، وأن يوصي إذا تحقق ذلك أن يقترح معادلة لمسألة المحكمة الجنائية الدولية توفق بين العدالة الجنائية والعدالة الوقائية، وأن يوصي المجلس بأنه في حالة اتفاق أهل السودان على مشروع السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل تعفى ديون السودان الخارجية، وترفع العقوبات الاقتصادية، ويفرج عن الدعم التنموي للسودان ويرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب لتتمكن إدارة السودان القومية من بناء السلام وبناء الوطن.

توصيات مجلس الأمن والسلم الأفريقي هذه التي يصدرها في اجتماع محضور ترفع كتوصيات لمجلس الأمن ليتخذ المجلس بها قراراً تحت الفصل السابع.

حينئذ فقط يمكن لقوى المستقبل الوطني بكل مكوناتها الدخول في حوار وطني جاد.

هذا السيناريو يكن أن نقبله إذا قرره مجلس الأمن ولكنه ليس في يدنا ولكن الذي هو في يدنا هو الانطلاق من تعرية النظام في الانتخابات الأخيرة إلى المراحل المتقدمة: اعتصم، اضرب، و انتفض وهي خطوات من القوة الناعمة أثبتت حملة أرحل جدواها.

ومن جانبي قدمت بين يديكم اجتهاداً أرجو أن يحظى باهتمامكم راجياً أن يشحذ همتنا الوعد: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[59].

وكما قال الهادي آدم:

إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ     يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِم

[1]  الموبقات  هي: اعتقال كافة قيادات البلاد الفكرية والسياسية والنقابية والأكاديمية. إعدام 28 ضابطا دون محاكمة تذكر. إعدام 3 أشخاص في مخالفة أحكام العملة المتغيرة. إقامة سجون خاصة للمحبوسين السياسيين لترويعهم (بيوت الأشباح). تعذيب المعارضين السياسيين حتى الموت أو التعويق بالعاهات. اتباع سياسة الأرض المحروقة في مناطق العمليات الحربية ضد مواطنين مناوئين. تشريد اكثر من 15 ألف شخص من الخدمة المدنية والقوات النظامية لأسباب سياسية.

[2]  المخالفات العشر هي: القيام بانقلاب عسكري باسم الإسلام، إقامة دولة بوليسية ضوابطها وضعية باسم الإسلام، إجراء بيعة بعدية أي بعد ممارسة السلطة، إعدام أشخاص في غير جريمة حدية، إعدامهم في أموال يملكونها وان خالفت اللوائح المالية، جمع الزكوات وصرفها دون الضوابط الشرعية، تسمية الإجراءات الأمنية ضد مواطنين جهاداً، عقد حفلات زفاف في منازل القتلى (الشهداء) للتزامن مع زفاف الحوريات في الجنة، مصادرة أملاك المخالفين سياسيا دون إجراء محاكمات عادلة، نشر الآيات والأحاديث في الطرقات كإعلانات، والفتوى بأن كل مسلم بنص القرآن يجب أن يكون إرهابي للآية : (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ). (سورة الأنفال الآية 60).

[3] سورة الانفال الآية (60)

 ª  كلمة أعدت للمشاركة في الندوة التي أعلن عنها حزب الأمة القومي لتقام مساء يوم المليونية 30 يونيو بداره بأم درمان، ولكن رفعت بسبب قفل الشوارع وتعذر وصول المتحدثين.

[4]  رواه مسلم

[5]الإمام مالك (93- 179هـ/ 712- 795م): هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر. إمام المدينة. من أبرز أئمة الحديث.

[6]  سورة الأنبياء الآية رقم (107)

[7] الزبير محمد صالح (1944 – 1998م): سياسي وعسكري سوداني، أحد أفراد ثورة الإنقاذ الوطني، والنائب الأول للرئيس المخلوع عمر البشير، توفى إثر حادث سقوط طائرة في نهر السوباط.

[8]  أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني (1914 – 1999م)، من أهم الفقهاء المسلمين المعاصرين.

[9]  أبو بكر الصديق (51 ق.هـ/573م- 8 جمادي الآخرة 13هـ). بويع بالخلافة يوم وفاة النبي (ص) سنة 11 للهجرة.

[10]  عمر بن الخطاب (40 ق. هـ- 23 هـ)، أمير المؤمنين.

[11]  رواه البخاري وأحمد.

[12]  الإمبريالية أو التسلطية (Imperialism) هي سياسة توسيع السيطرة أو السلطة على الوجود الخارجي عن طريق السياسية أو الاقتصاد. وتطلق على الدول التي تسيطر على دول مستضعفة أو دول كانت موجودة ضمن إمبراطوريات الدولة المسيطرة وقد بدأت الامبريالية الجديدة بعد عام 1860م عندما قامت الدول الأوربية الكبيرة باستعمار الدول الأخرى.

[13] تابو إيمبيكي (ولد 18 يونيو 1942م):  رئيس جنوب أفريقيا السابق، رئيس الاتحاد الافريقي سابقا، شغل مؤخراً رئيس آلية الوساطة الإفريقية رفيعة المستوى من قبل الاتحاد الافريقي لحل قضايا السودان الداخلية والمشاكل مع جارته جنوب السودان.

[14] سورة الليل الآيات (8، 9، 10)

©  شهادة كتبت لله والتاريخ في 20/6/2019م لتقدم للنيابة كشهادة في القضية المرفوعة ضد عمر البشير في نفس اليوم.

[15]  أبو الطيب المتنبي (303هـ/915م- 354هـ/965م) يعد أعظم شعراء العربية على الإطلاق لما في شعره من حكم خالدة ومن كشف لخبايا النفس وخلجاتها.

[16] أحمد سليمان، المحامي (14/1/1934م- 31/3/2009م) خريج كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة. من مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني ومن قادة الجبهة المعادية للاستعمار. فصل من عضوية الحزب الشيوعي عام 1970، تقلد عدة مناصب وزارية وعمل سفيراً للسودان في عدد من العواصم. انضم للجبهة الإسلامية القومية بعد انتفاضة رجب/ أبريل 1985م.

[17] حسن عبد الله الترابي (فبراير 1932 – مارس 2016م، الدكتور، الشيخ، سياسي بارز وأستاذ سابق بكلية القانون جامعة الخرطوم، انضم لتنظيم الإخوان المسلمون وصار من أبرز قياداته. انشق التنظيم لاحقاً إلى جناحين أحدهما بقيادته بمسمى جبهة الميثاق الإسلامي، ثم إبان الديمقراطية الثالثة بمسمى الجبهة الإسلامية القومية التي دبرت بقيادته انقلاب 30 يونيو 1989م، ودخل سجن كوبر للتمويه، أطلق سراحه وصار الأمين العام للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم ورئيساً للبرلمان، في 2000م حدثت مفاصلة بينه وبين المشير البشير رئيس النظام، وفي العام 2001م انشق الحزب وصار أمينا عاما للمؤتمر الشعبي الذي عارض النظام البائد ثم حاوره وتحالف معه ضمن خطته التي رفضتها المعارضة.

[18]  محمد عثمان الميرغني، السيد، مرشد الختمية وراعي الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ وفاة والده السيد علي الميرغني في 1968، تقلد رئاسة الحزب في 1986م، دعم النظام المايوي وأيده وشارك فيه حزبه بوزراء وبعضوية في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. وكان حزبه مشاركاً في حكومة (الإنقاذ) حتى خلعها في أبريل 2019م، بعد أكثر من عقد ونصف قضاها في المعارضة حيث اعتقل بكوبر بعد الانقلاب مباشرة، ثم هاجر للمنفى الاختياري وترأس التجمع الوطني الديمقراطي.

[19]  د.جون قرنق ديمابيور (23 يونيو 1945م- 30 يوليو 2005م) زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ تكوينها في 16 مايو1983م،  والنائب الأول لرئيس الجمهورية في السودان ورئيس حكومة جنوب السودان لأيام منذ 9 يوليو 2005 وحتى وفاته في حادث طائرة غامض.

[20]  سارا الفاضل محمود (نوفمبر 1933-6 فبراير 2008م) زوجة المؤلف الثانية (تزوجا في 24 فبراير 1963م) وزميلته في العمل العام وابنة عمته عائشة عبد الرحمن المهدي. وأول سودانية تتلقى تعليمها الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية، كانت قيادية بحزب الأمة ومساعدة رئيس الحزب لدى وفاتها.

[21] هو العميد معاش حسن بيومي مساعد مدير الأمن في عهد الرئيس السوداني السابق محمد جعفر نميري.

[22] سورة المائدة الآية (8)

  • قدم الحبيب الإمام الصادق المهدي هذه الورقة التي طبعت في كتيب في مايو 2015م.

[23]  بول كنيدي: المؤرخ و السياسي الأمريكي وأستاذ التاريخ بجامعة (ييل) الأميركية، مؤلف كتاب ” سقوط الدول الكبرى” الصادر عام 1988م.

[24]  بول كنيدي، كما يرانا الآخرون، رسائل للمحرر نشرت في صحيفة وول استريت جورنال (الطبعة الشرقية) نيويورك في  5/ أكتوبر/2001م

[25]  ستيفن والت: أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد.

[26]  جون مير شايمر:  أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو.

[27] ليو شتراوس Leo Strauss (1899-1973م): ولد لأبوين يهوديين متدينين بألمانيا وانتقل للعيش في الولايات المتحدة عام 1938، كان أستاذا للفلسفة في جامعة شيكاغو في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

[28] الفوبيا أو الرهاب مرض نفسي يعني الخوف الشديد والمتواصل من شيء أو شخص أو حالة ما. وحينما تضاف كلمة فوبيا في اللفظ تعني الخوف المرضي أو الرهاب منه. الإسلاموفوبيا تعني الخوف المرضي من الإسلام.

[29]  رونالد ريغان:  (ولد 1911)- الرئيس الأمريكي في الفترة (1981-1988م)  الحزب الجمهوري.

[30]  جيمي كارتر: (ولد 1924) الرئيس الأمريكي في الفترة ما بين 1977-1980م- الحزب الديمقراطي..

[31] جورج واكر (دبيلو) بوش George W. Bush (الابن) (ولد 6 يوليو 1946)، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الثالث والأربعون (2001 -2009).

[32] باراك حسين أوباما (ولد 4 أغسطس 1961م) الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض.

[33] آفي ديختر Avi Dichter (ولد 1952م): سياسي إسرائيلي كان عضواً في الكنيست عن حزب كاديما شغل منصب رئيس الشاباك، ووزير الأمن الإسرائيلي سابقا، يشغل الآن منصب وزير الجبهة الداخلية.

[34]  ميرغني النصري (1927- 2010م ) لترجمته الرجاء مراجعة هوامش الفصل الأول.

 [35]   محمد حسني السيد مبارك (ولد في 4 مايو 1928): الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية (1981-  فبراير 2011م)، تنحى عن الحكم على إثر ثورة 25 يناير في 11 فبراير 2011م، قدم للمحاكمة العلنية بتهمة قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير، أدين وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد يوم السبت 2 يونيو 2012م، وضع في 22/8/2013م تحت الإقامة الجبرية وفي 29 نوفمبر 2014م تمت تبرئته وأطلق سراحه.

[36]   منقستو هايلي مريم  (1937م) أبرز ضابط الطغمة العسكرية الشيوعية التي حكمت إثيوپيا (1974- 1987م) ورئيس جمهورية إثيوپيا الديمقراطية الشعبية (1987- 1991م)،  أشرف على الإرهاب الأحمر الإثيوپي (1977–1978م) ضد معارضة حكمه، فر إلى زمبابوي في عام 1991م، حكم غيابيا بتهمة الإبادة الجماعية.

[37]  معمر القذافي (العقيد القذافي) (1942 – 2011م). حكم ليبيا لأكثر من 42 سنة، تمت الإطاحة بحكمه بعد قيام ثورة 17 فبراير 2011م الليبية واغتيل من قبل الثوار في 20 أكتوبر 2011م.

[38]  جعفر محمد نميري (1930-2009)، المشير، للتعريف به الرجاء الرجوع لهوامش الفصل الأول.

[39]  كوندوليزا رايس 14 نوفمبر 1954م:  وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة (2005 – 2009م)، ومستشارة للأمن القومي  (2001 – 2005م).

[40]  العلمانية ترجمة على غير قياس لكلمة secularism، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية  saecularis وتعني دنيوي أو زماني، أي راجع للعالم المشاهد والآن بدون العودة للدين، فهي على اشتقاق من عالم أو دهر وليس من علم.

[41]  صدام حسين عبد المجيد التكريتي (1937 –2006): رابع رئيس لجمهورية العراق (1979م – 2003م).  دخل في حرب مع إيران (1980 –  1988) ثم غزا الكويت في 2 أغسطس عام 1990 ما أدى إلى نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991م، بعدها  ظل العراق محاصراً دولياً حتى احتلت بالكامل عام 2003 من قبل القوات الأمريكية بحجة امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل ووجود لتنظيم القاعدة، تم القبض عليه في ديسمبر 2003م في عملية سميت بالفجر الأحمر، ومن ثم تمت محاكمته بالإعدام ونفذ  في 30 ديسمبر 2006م.

[42]  عبد الله خليل (1892-1971م):  من مؤسسي حزب الأمة وكان أول سكرتير عام للحزب، وكان رئيسا للوزراء عن حزب الأمة في أول حكومة بعد  الاستقلال.

[43]   منيف الرزاز (1919- 1986م) سوريا:  أحد القيادات القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وضع تحت الإقامة الجبرية بتهمة اشتراكه في المؤامرة ضد الرئيس صدام حسين ومات في سجنه، له عدة مؤلفات.

[44] فتحي أحمد علي، (1939م- 1997م ): فريق أول ركن بحري، قائد عام لقوات الشعب المسلحة  السودانية من (7/6/1988-  29/6/1989م)، مقدم مذكرة الجيش الشهيرة قبل انقلاب يونيو 1989م.

[45]  الفريق اول مهدي بابو نمر: رئيس هيئة الأركان حتى يونيو 1989م في حكومة الديمقراطية الثالثة.

[46]  صلاح الدين عبد السلام خليفة المهدي (15/5/1930- 2006م) تخرج ضابطا في القوات المسلحة السودانية ثم استقال في 1959م وعمل بشركة أجيب ثم بالقطاع الخاص. كان من قيادات حزب الأمة ورئيس هيئة الضبط ورقابة الأداء منذ تكوينها في 2003م حتى وفاته.

[47]  عبد الماجد حامد خليل (ولد 1/1/1935م):  للتعريف به الرجاء الرجوع لهوامش الفصل الأول

[48]   The Game of Nations: The Amorality of Power Politics – May 15, 1970,  Miles Copeland

[49]  سليمان أركو مناوي الشهير ب”مني” (مواليد 1968 كتم، شمال دارفور)، الآن قائد فصيل حركة تحرير السودان، جزء من الجبهة الثورية السودانية، وقع مع النظام السوداني في مايو 2006م اتفاقية سلام أبوجا وصار كبير مساعدي الرئيس السوداني، ولكن الاتفاقية لم تعمر حيث عاد للمقاومة المسلحة.

[50]   د. عبد النبي علي أحمد (1951- 2008م) مليط، له دكتوراه في الهندسة المدنية، حكم دارفور (1988م) إبان الديمقراطية الثالثة، أمين عام حزب الأمة القومي منذ 2003م حتى تاريخ وفاته.

[51]   د. التجاني سيسي (1953م) زالنجي، ابن الدمنقاوي (سيسي محمد اتيم) “اعلي سلطة أهلية ” بإدارة الفور، دكتوراة في الاقتصاد، تولي حكم دارفور (1988-1989م) في حكومة الديمقراطية الثالثة، رئيس حركة التحرير والعدالة نصب رئيساً لسلطة دارفور الإقليمية إبان توقيعه لوثيقة الدوحة لسلام دارفور مع حكومة الإنقاذ.

[52]   April Glaspie أبريل قلاسبي (ولدت 26 أبريل 1942م)، دبلوماسية أمريكية سابقة، السفيرة الأميريكية لدى العراق في 1991م

[53]  مالك عقار من مواليد باو بولاية النيل الأزرق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال.

[54]  نافع علي نافع أحمد (ولد 1948م) شندي، شغل سابقا مدير جهاز الأمن  العام، مدير جهاز الأمن الخارجي، من قادة الإنقاذ الذين تم إعفاؤهم من مواقعهم القيادية في العام الماضي.

[55]  د. مجذوب الخليفة  (1952-2008م) طيبة الخواض،المستشار السابق للرئيس السوداني عمر حسن البشير، كان مسؤول ملف دارفور وترأس المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاق أبوجا في مايو عام 2006.

[56]  خليل إبراهيم : (ت الأحد 25 ديسمبر 2011م) ولد بقرية الطينة شمال دارفور، طبيب وسياسي سوداني وقائد حركة العدل والمساواة إحدى فصائل المقاومة المسلحة الدارفورية المنضوية في الجبهة الثورية. اغتيل على يد القوات المسلحة السودانية اثر قصف جوي في منطقة ود بندة في ولاية شمال كردفان.

 [57]   الفريق ركن إبراهيم سليمان حسن: من الفاشر، وزير دفاع ووالي أسبق لشمال دارفور، وعضو برلماني، طالب الحكومة بالابتعاد عن الحل العسكري في دارفور في 2010م.

[58] سورة الليل الآيات (8، 9، 140)

[59]  سورة  الرعد الآية (11)