تداعيات الوضع الراهن على ضوء توقيع على الاتفاق السياسي

الإمام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم
حزب الأمة القومي
الأمانة العامة
ندوة الأربعاء
تداعيات الوضع الراهن على ضوء توقيع على الاتفاق السياسي

كلمة رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي

24/7/2019م

بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي.

السلام عليكم وحمة الله
أرجو أن ترددوا معي:
– لا للردة لنظام الفساد
– لا.. للانقلابات العسكرية.
– نعم لأولويات السلام.
– نعم للتعافي الاقتصادي.
– لا للتمكين البائد.
– نعم للتحقيق المستقل عن الأحداث.
– نعم لعلاقات خارجية متوازنة.
– نعم لحسم الأمر في أسبوع.
أقول: سأفصل هنا إن شاء الله بعض معالم المشروع الوطني:
السودان وبحمد الله على طول تاريخه حظي ببركات في تاريخه القديم والجديد، وكان أمام كل محنة يجعل من المحنة فرصة ليخرج بها ولله الحمد سليماً.
والآن نحن أمام مرحلة تاريخية حساسة.
النظام المباد استدعى ضده في السودان انتفاضات وهبات وثورات تراكمت سبع مرات، وكان آخرها تلك الثورة التي أذهلت العالم بما فيها من قوة، وفدائية، وحماسة، وتضحية شبابية بنات وبنين، وكانت لذلك مكان إعجاب العالم كله.
حظيت هذه الثورة الأخيرة ببركات:
أولها: أن المواكب التي سارت في السادس من أبريل كانت مواكب هادرة.
ثانيها: أن القيادة العامة في الخرطوم لم تقف موقفاً عدائياً بل استضافت هذا السيل البشري.
ثالثاً: كان واضحاً أن اللجنة الأمنية وقد كانت معدة للقهر والبطش غيرت موقفها وانحازت للشعب.
رابعها: كذلك الدعم السريع الذي ابتدعه الرئيس المخلوع، لكي يكون صمام أمان له ضد الشعب وضد الجيش، غير موقفه وانحاز للشعب السوداني.
خامسها: استطاع هذا الظرف المبروك أن يجد تأييداً كبيراً ليس شعبياً داخل السودان فقط، ولكن حتى من سودان المهجر أو السودان بلا حدود في الخارج، وكذلك الرأي العام العربي والأفريقي والإٍسلامي والدولي، حتى عندما لم تستجب الدول في هذه المناطق استجابت شعوبها ورأيها العام بصورة قوية.
سادسها: أن شعبنا استطاع أن يحقق عبر أبنائه وبناته تضامناً أساسياً بحيث صارت الصورة: شعب واحد وجيش واحد.
هذا الموقف كان يتطلب منا ما ينبغي من حكمة، لأن الثورة عمل صحيح ومطلوب، ولكن في مرحلة ما ينبغي أن يحدث تزاوج بين الحماسة والحكمة. الناس عندما يهزوا شجرة ليتساقط النبق، نريد أن تكون هناك مواعين تجمع هذا النبق، وإلا ضاعت هذه المعاني. إذن كان من الضروري أن يصحب الثورية الدافقة الحكمة لكي نحقق ما نريد.
بدأ حوار بيننا في الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وبدأ بداية موفقة ولكن جاءت ظروف أدت إلى البطء الذي أدى إلى تغيير في موازين القوى، وعطل المسيرة، وكذلك انشغلنا ببعض الإجراءات التصعيدية في غير وقتها، وهذا أيضاً كان من دواعي الإبطاء. ومن دواعي الإبطاء الخطيرة أن الاعتصام التاريخي العظيم ووجه بفض دموي وحشي. صحيح حتى الآن لا نستطيع أن نقول من المسؤول، ولكن لا شك أن المجلس العسكري مسؤول عن حماية وأمن المواطنين، ونحن نتطلع لموقف حاسم: تحقيق مستقل، ونحن في حزب الأمة قد اقترحنا لجنة سداسية من ستة أشخاص مؤهلين، مستقلين، مبرأين من أي علاقة بالشمولية، قوميين يمكن إن شاء الله أن يكون تحقيقهم سليماً ومقبولاً ونزيهاً.
ولكن غياب الحسم أدى إلى مناورات ومراوغات، وصرنا إذن ضحية لهذا الإبطاء الذي صار للأسف بعض المخاطر التي غيرت عنا حصاد الثمار التي كانت متوقعة.
على كل حال مع كل هذه الظروف اتفق على إعلان سياسي نرجو أن يلتزم به الجميع، لأن فيه معاني جامعة لكل ما يريد شعبنا “الإعلان السياسي”.
كذلك من الأشياء التي عطلت المسيرة أن بعضنا، بعض مواطنينا، بعض حلفائنا في الجهبة الثورية اعتبروا أن حسم هذا الأمر بغيابهم فيه تهميش لهم، على كل حال قلنا لهم بوضوح ما تم الاتفاق عليه ليست فيه مصلحة لا لحزب ولا لجماعة بل للجميع، ونحن نلتزم بأنه عندما تتولى الحكومة المدنية أن تكون أولى أولوياتها العمل على السلام العادل الشامل.
السلام لا يكون مع فريق واحد من الفرقاء، ولكن يجب أن يكون مع جميع الذين يعنيهم أمر السلام، حتى يكون السلام عادلاً وشاملاً لا مثل اتفاقيات السلام الماضية التي كان النظام يعقدها مع هذا وذاك من الفصائل ثم ينتهي الأمر بعدم مخاطبة المشاكل التي أدت للنزاع، وحصر الأمر في محاصصة بين الأطراف المختلفة. هذا لن يتكرر. لا محاصصة بل سلام عادل شامل، يشمل هذا السلام العادل الشامل الجميع.
في أول اجتماع لنا في ظل المجلس القيادي أو المجلس المركزي للحرية والتغيير قلنا لهم بصورة واضحة: يا أيها الإخوة لا بد من الإسراع في حسم الموقف، الخريف على الأبواب، وهناك من يتبرص بالثورة، وهناك من يصيبها في مصالحه: ناس سرقوا ونهبوا ووضعوا مصالحهم هذه فوق مصلحة الوطن، ليس في السودان فقط، بل أيضاً في ماليزيا ودبي والعالم كله أقاموا العمارات وأقاموا الفنادق وعملوا الرصائد، قاموا بنهب الشعب السوداني. وكان الراحل الزبير محمد صالح قال: نحن أتينا من خلفية فقراء، إذا رأيتمونا بنينا العمارات واتخذنا السيارات والأبراج فاحكموا علينا بالفساد، وقد رأيناها بصورة واضحة داخل السودان.
ولذلك كان كلامنا لهؤلاء الإخوة يا أخونا لا داعي للمماحكات، ولا داعي للتأخير، ولا للتعطيل، ندعونا نحسم الأمر بسرعة حتى نتبع الإعلان السياسي بالوثيقة الدستورية، ونقيم الحكومة المدنية وفيها مجلس سيادة مشترك، ومجلس مدني، وقضاء مستقل، وفيها تحقيق في الأحداث مستقل، وفيها مشاركة بالإضافة للحرية والتغيير، كذلك الذين عارضوا النظام حتي لا يكون هنالك إقصاء.
هذه الأمور ينبغي أن نحسمها ولكن للأسف هذا تعطل وتأخر ما أدى إلى ظرف فيه الشعب السوداني بصفة عامة صار يستنكر هذا التأخير، والظروف لا تسمح بغياب حكومة في البلاد لمدة أربعة أشهر، ولا بد من إنهاء هذا الوضع وبسرعة لأن الأمور تنتظر هذا الحل وهذا الحسم.
البعض يطالبون بالمدنية، والمطلوب ليس المدنية فقط، بل مدنية ملتزمة بالسلام كأولوية، وملتزمة بالتحول الديمقراطي لأنه يمكن أن تكون مدني وديكتاتور. الدكتاتورية ليست محصورة في العسكريين، ممكن الإنسان غير المساءل أن يفعل ما يحلو له.. هنالك أربعة شروط يجب أن تتوافر: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. ما لم تتوافر فإن كان في مقعد السلطة عسكري أو مدني هو دكتاتور.
الاتهام بأن هناك انقلاب الآن وقد أعلن المجلس العسكري بياناً بهذا، نقول: كنا نتوقع هذا وأنا قلت هذا في كل أوساطنا:
ومَنْ رَعَى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ
وقلنا “المال الهامل بعلم السرقة”، وقلنا: جماعة النظام المباد ما زالوا عندهم مال وسلاح وقدرات وكوادر والآن عندهم غبينة، ومجموع ذلك يعني محاولات للقيام بعمل مضاد. هذا لم يكن له علاج إلا بالإسراع الحاسم، وكلما طال الزمن تمددوا حتى صاروا يقولون: نحن أفضل لكم بدلاً عن هذه “الهيصة والجوطة”. طبعاً هم فرضوا على البلاد ثلاثين سنة من الفساد والاستبداد ويريدونا أن ننسى ليعطونا سنين أخرى من نفس البرنامج الذي أذوا به السودان.
المهم بدل البكاء الآن على اللبن المسكوب، نعتبر أن هذه المحاولة حتى إن لم تحدث سيحدث مثلها. لأنه ما دام هناك مال هامل سوف يأتي الحرامي. فلا بد أن نلم هذا المال الهامل، ولا يلمه إلا عمل حاسم: تنفيذ “الإعلان السياسي”، وقد علمت أن المفاوضون قد فرغوا من الوثيقة الدستورية، ينبغي بسرعة أن نلتزم بهذا كله لتقوم الحكومة المعنية، وطبعاً لهذه الحكومة أولويات: السلام، العافية الاقتصادية، التوازن في العلاقات الخارجية…إلخ.
لقد قدمنا مصفوفة من 24 بنداً، نرجو أن تقوم هذه الحكومة، ونحن لسنا طرفاً حزبياً فيها، بتنفيذ هذه الأشياء، لأن المطلوب من هذه الحكومة إعطاء أولوية للسلام، والسلام لا يعني فقط إخوتنا في أديس أبابا، بل أيضاً كل الذين اشتركوا في الحرب والممانعة العسكرية طرف فيه. كذلك لا بد لعملية السلام أن تشمل المصالحات القبلية فالقبائل عندنا في السودان الآن عندها غبائن وخلافات ومسلحة، ولا بد أن يشمل هذا الأمر. وهنالك الإدارة الأهلية، وقد ناشدناهم ألا يدخلوا في مسألة الانحياز وطالبناهم: كونوا لأنفسكم أنتم والطرق الصوفية مجلس أعيان كحكماء لتنصحوا الجميع دون انحياز لهذا أو ذاك.
هذا معناه أننا يجب أن نستعجل وهذا الكلام الذي قلته للمشاركين باسمنا في التفاوض: استعجلوا، استعجلوا حتى نتمكن من اجتياز هذه المرحلة، لأن أي تأخير “الطُوَل فيها الهُوَل”. أي تأخير سيأتي لنا بمؤامرات ومشاكل لأن الغبائن متوافرة، ومن عنده إمكانيات وغبينة سيحاول يعرقل بصورة أو بأخرى.
ونرجو أن يكون هناك تحقيق عادل ليس انتقاماً، ينال كل الذين أجرموا بالمحاولة الانقلابية، وكذلك كما قلت تحقيق عادل مستقل حول الأحداث الدامية التي وقعت في البلاد في الثالث من يونيو الماضي لأن هذه الأمور مهمة جداً (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .
هذا بجملته يمثل في رأينا المشروع الوطني، لا بد من الاستعجال بتنفيذ هذا المشروع الوطني. ولكن إذا صار بعضنا يماحق ويلاوي ويناور يمكن أن نحتكم للشعب. نضع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية ونقول يا أهلنا في السودان هلموا لاستفتاء أيدوا أو عارضوا. حتى لا يحمل أحد ضدنا فيتو، فيتو ضد الشعب مافي، الشعب يكون هو السيد فوق كل سيد.
ونقول لإخوتنا في المجلس العسكري: راعوا الانضباط والضبط الأمني، ونحن إن شاء الله نراعي المحافظة على مشارع الحق في الشارع السوداني. هنا في العاصمة وفي الأقاليم وفي خارج السودان.
حزب الامة الآن وضع خطة استنهاض استثنائية: تعبوية، تنظيمية، إعلامية، دبلوماسية وخارجية، هذه الخطة متعددة الأبعاد نحن الآن عازمون على تنفيذها بأقوى صورة ممكنة. وليحرص الإخوة في المجلس العسكري على الضوابط الأمنية أثناء هذه الفترة القادمة ونحن إن شاء الله مع حلفائنا سنحرس مشارع الحق في السودان داخلياً وخارجياً.
نسأل الله التوفيق،،
والسلام عليكم.

ملحوظة: ألقيت الكلمة شفاهة وقام المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بتفريغها من تسجيل بالفيديو.