رسالة ذكرى الانتفاضة الشعبية 6 رجب/ أبريل “فتبينوا”

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة ذكرى الانتفاضة

الشعبية 6 رجب/ أبريل

“فتبينوا”

 

 الإمام الصادق المهدي

 

6/4/2018م

 

  1. النظام الحاكم في السودان استولى على السلطة بانقلاب ماكر أخفى هويته خداعاً.

الانقلاب العسكري غدر لأن منفذيه قد اقسموا على حماية الدستور. وقد قال الشيخ الألباني عن الانقلاب العسكري أنه خطة ماكرة مخالفة للنهج الإسلامي.

أقام الانقلاب نظام حكم عازل للآخرين، واحتكر لحزبه السلطة والإعلام والمال العام في مخالفة تامة لشرعة (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ)[1].

منذ وقوع الانقلاب ولجسامة مشاكل البلاد كان موقفنا أن تتحد الكلمة الوطنية لمواجهة مشاكل البلاد، وأن يحققوا في أمر الحكم الذي وأدوه لمحاسبة من تثبت إدانتهم سياسياً أو مالياً. الانقلابيون سفهوا هذا الموقف الوطني واندفعوا في نهج حزبي بغيض.

الفترة التي قضاها الانقلابيون في السلطة اتسمت بإخفاقات كثيرة فصلناها في مقام آخر.

ههنا سأبين كيف أن النظام سلك سلوكاً دموياً جر إليه إدانات دولية تعرض لها السودان لأول مرة في تاريخه.

  1. اشتكى أهلنا في غرب السودان من التهميش خاصة في دارفور، واتهموا النظام الحاكم بالظلم خاصة في الانحياز لصالح المكون العربي في إقليم دارفور. هذا الانحياز استفز العناصر غير العربية الأفريقانية فهبوا لمقاومة النظام عسكرياً.

جند نظام الحكم بعض القبائل العربية البدوية لمواجهة هذا الرفض المسلح. اتجه النظام لتسليح وتدريب عناصر قبلية غير نظامية سلطها على القبائل التي حمل بعض أبنائها السلاح، فارتكب النظام عن طريقها مجازر وإحراق للقرى، ما جعل أكثر من مليوني شخص يفرون إلى معسكرات نزوح داخلي وخارجي.

  1. زرت على رأس وفد من حزب الأمة القومي ولايات دارفور في 23 – 25 يونيو 2004م، وأثناء الرحلة اجتمعنا بمجالس الأمن في الولايات، وبمجالس شورى القبائل. ولدى العودة للعاصمة عقدت مؤتمراً صحافياً قلت فيه إن النظام الحاكم قد ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وطالبت أن يتخذ النظام إجراءات لإنصاف الضحايا ومعاقبة الجناة. ونبهت لأنه إذا تقاعس النظام عن هذا الإجراء فإن المجتمع الدولي سوف يتدخل. وقد كان.
  2. ففي يوليو زار الأمين العام للأمم المتحدة ولايات دارفور، ثم أرسل بعثة تحقيق في دارفور. زارت تلك البعثة دارفور، وبعد الاطلاع على الأحوال رفعت تقريراً لمجلس الأمن اتهمت فيه الحكومة السودانية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما أدى لإصدار مجلس الأمن بالاجماع القرار رقم (1593) الذي بموجبه قرر إرسال 51 شخصاً من المسؤولين للمحكمة الجنائية الدولية.

وعلى ضوء معلومات وشهادات أخرى اتهم البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على ضوئها أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باستدعائه للمحاكمة.

قرارات مجلس الأمن اتخذت بالإجماع، ونتيجة لهذه الاتهامات صارت الدول المؤيدة للمحكمة الدولية تعامل البشير باعتباره هارباً من  العدالة. وترتب على هذا الموقف أن الوفود الدولية التي تزور السودان صارت تقابل مسئولين باستثناء رئيس النظام. وتعرضه للإهانات. وصاروا يعاقبون السودان ما دام الهارب من العدالة على رأسه. جمد الاتحاد الأوربي معونة تنموية سنوية للسودان مقدارها 350 مليون دولار. وعلى السودان دين خارجي تجاوز 50 مليار دولار والسودان ودول أخرى، 37 دولة، صنفت عالية المديونية وفقيرة لذلك تقرر إعفاء الدين ولكن السودان لم ينتفع بهذا البرنامج لأن تنفيذه لأية دولة يتطلب موافقة 55 دولة بالإجماع هي دول نادي باريس. أغلب هذه الدول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وما دام رأس الدولة السودانية هارب من العدالة فإعفاء الدين الخارجي على السودان غير وارد.

وصار البشير مطارداً حيثما ذهب تقدم منظمات مدنية مطالبة باعتقاله كما حدث في نيجيريا. ولدى زيارته إلى جنوب أفريقيا في يونيو 2015م قررت المحكمة الدستورية العليا اعتقاله ولكن رئيس جنوب أفريقيا –جاكوب زوما- هربه عن طريق مطار حربي. هذه المخالفة كانت ضمن خمسة عيوب أخذت على رئيس جنوب أفريقيا ما أدى لفقدانه ثقة حزبه وبالتالي فقدان مركزه في الرئاسة.

وفي مارس 2017م زار البشير الأردن، وتوقعت المحكمة أن يعتقل هناك، فالأردن عضو في نظام روما أي مؤيد للمحكمة الجنائية الدولية. وعندما أفلت البشير من الاعتقال صارت الحكومة الأردنية مساءلة أمام المحكمة الجنائية.

  1. ومع أن القوى السياسية في المعارضة طالبت جنوب أفريقيا باعتقاله، فإنني طالبت بألا يعتقل لا لعاطفة مع البشير، بل في ذلك الوقت بالذات كان نظامه يرفع قضية ضدي وعدد من زملائي ممن وقعنا على نداء السودان قبلها ببضعة أشهر بتهم تصل عقوبتها الإعدام، وكان اثنان منهم، دكتور أمين مكي مدني والسيد فاروق أبو عيسى، معتقلين بعد فصل قضيتهما عني بسبب وجودي بالخارج، أقول لا لعاطفة أو تعاطف لا يستحقه النظام العدائي، ولكن لما قد يترتب على ذلك من عدم استقرار في السودان وبنفس المنطق كنت قد بحثت مع هيرفيه لادسوس مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، إمكانية إيجاد معادلة قانونية لعدم اعتقاله خشية أن يكون ذلك سبباً في عدم استقرار في السودان. قال لي المسئول الأممي هذا ممكن إذا طالب به السودانيون ضحايا السياسات القمعية.

وعندما حدثت حركة مسلحة ضد العاصمة السودانية في مايو 2008م رفضنا ذلك لأننا نعتقد أن إسقاط نظام بالقوة سوف يؤدي لقيام نظام جديد يحمي نفسه بالقوة.

ويعلم كثيرون بمن فيهم أشخاص هم الآن أعضاء في نظام البشير أنهم قد لغموا الخرطوم في عام 1998م لإحداث تفجيرات كبيرة. لكنني رفضت ذلك وأُبطل العمل.

ولكن الحكمة الأبدية قائمة: “اتَّقِ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ”.

  1. الشخص الهارب من العدالة الجنائية الدولية لم يقدر ما فعلنا، واستمر يمارس جناياته على المواطنين الأبرياء وأنا منهم كيداً وعدواناً كالآتي:
  • في مايو 2014م وجهتُ نقداً لسلوك المليشيات القبلية التي وظفها النظام وارتكب تجاوزات نقدتها وطالبت بالتحقيق فيها لمحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا. بأمر كيدي مباشر من البشير فتح جهاز الأمن السوداني بلاغاً ضدي بأنني دعوت لإسقاط النظام بالقوة، وكان البلاغ تحت المادة 50 من القانون الجنائي لأن عقوبتها تصل للإعدام، مما يوجب بحسب قانون الإجراءات الجنائية اعتقال المتهم ليبقى محبوساً حتى نهاية محاكمته.

ما قلته من اتهام لأعمال المليشيات قاله آخرون من داخل النظام أمثال أحمد هارون والي شمال كردفان. بلاغ كيدي سقط في سلة المهملات.

  • في يناير 2013م أصدرت الجبهة الثورية وهي تكوين مشترك للأحزاب السودانية المسلحة مع بعض القوى السياسية ميثاق الفجر الجديد نحن رفضنا ذلك الميثاق لأنه اشتمل على إسقاط النظام بالقوة وعلى اعطاء المناطق المهمشة تقرير المصير. وفي أغسطس 2014م اجتمعنا مع قيادة الجبهة الثورية في باريس وأوضحنا لهم موقفنا من ميثاق الفجر الجديد. وبعد تداول في الأمر اقتنعوا بصحة موقفنا على أن تكون إقامة النظام الجديد بوسيلة حوار وطني باستحقاقاته أو انتفاضة سلمية. ونتيجة لهذا التوافق أصدرنا معاً إعلان باريس في 8/8/2014م. نص إعلان باريس مرفق. البشير لم يشأ أن يرحب بهذا الاختراق الوطني، بل أتى بفرية إذ قال إن إعلان باريس إنما اتخذناه غطاء لكي نقوم بحركة حربية لاحتلال مدينة الفاشر. اتهام كيدي آخر ليس له أي مبرر سوى تصعيد المكايدة والعداوة.
  • وفي ديسمبر 2014م في لقاء جامع في أديس أبابا قررنا توسيع إعلان باريس بتكوين نداء السودان، التزمنا بموجبه بإقامة نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل عن طريق حوار وطني باستحقاقاته، وقد حددناها، أو انتفاضة سلمية. ومنذ تكوين نداء السودان كان واضحاً أنه جبهة مدنية وأن للأحزاب المسلحة وضعاً خاصاً سوف يستمر إلى أن يبرم اتفاق سلام عادل شامل. ولكن العمل المشترك الملزم لجماعات نداء السودان هو عمل مدني خالٍ من العنف.

من جديد وجهت ضدي وزملائي من القوى المدنية والسياسية في النداء  اتهامات تصل عقوبتها الإعدام، واعتقل اثنان منهم، ووجهت لي نفس التهم، وبعد إجراء محاكمة فضحت النظام وعرت بطلان تهمه سقط البلاغ الكيدي.

  1. قوى نداء السودان لم تتخذ لنفسها هيكلاً محدداً ولكن منذ ثلاثة أعوام طلبوا مني أن ارأس جلساتهم.

النظام كان يواصل حواراته مع الفصائل المسلحة حتى بلغت أكثر من 16 مقابلة. وفي يونيو من عام 2011م توصل الطرفان لاتفاق طارئ عنوانه اتفاق نافع/ مالك. ولكن لأسباب لم تعلن رفضه البشير.

بعد فترة جمود في الحوار الوطني قررت الآلية الأفريقية الرفيعة برئاسة السيد ثامبو أمبيكي إحياء الحوار بين النظام ونداء السودان فقدمت لذلك خريطة الطريق التي دعمها مجلس السلم والأمن الأفريقي والأسرة الدولية.

قدمت خريطة الطريق في مارس 2016م وقع عليها النظام فوراً ولكننا وقعنا عليها في أغسطس من نفس العام بعد توضيحات رأيناها.

خريطة الطريق وثيقة بين النظام السوداني ونداء السودان بمكوناته المعلومة وقد حظيت بتأييد الاتحاد الأفريقي، الترويكا، والاتحاد الأوربي.

وعلى صعيد آخر أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم  2046 عام 2012م للحوار بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان.

وفي مسار مواز رعت الدوحة حواراً بين النظام السوداني وحركات دارفور المسلحة أدى هذا الحوار لاتفاقية الدوحة لكن حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة لم توافقا عليها.

كان واضحاً أن مجلس الأمن، ومجلس السلم والأمن الأفريقي، والترويكا، والاتحاد الأفريقي يعترفون بالحركات السودانية المسلحة، ولم تقل أية جهة إن هذه الحركات إرهابية والحركات نفسها لم ترتكب أية أعمال إرهابية.

والنظام السوداني الذي واصل الحوار معها ومع نداء السودان لم يتهم هذه الحركات بالإرهاب.

  1. في مارس 2018م اجتمع قادة نداء السودان وأعلنوا أن هدف  النداء هو إقامة نظام جديد وأن وسائلهم لتحقيق ذلك هي الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية.

وأكدوا أن نداء السودان جبهة مدنية تعمل بوسائل خالية من العنف. وبما أن بعض المكونات مسلحة فقد قرر المجتمعون أن المسلحين يلتزمون بالأهداف الخالية من العنف ولكن لديهم وضع خاص يديرونه خارج هياكل نداء السودان.

ولكي تتضح الرؤية قرر المجتمعون إصدار إعلان دستوري نصه مرفق.

وقرر المجتمعون انتخاب رئيس حزب الأمة القومي رئيساً للنداء.

تمنعت عن ذلك لأسباب أهمها أن هناك عناصر غائبة لا يجوز أن نقرر في غيابها.

قرر المجتمعون أنهم يمثلون نصاباً قانونياً وألحوا عليّ فقبلت نتيجة لإجماعهم كذلك لأن عدم وجود جبهة مخاطبة لنداء السودان يلزمنا اتخاذ هيكل محدد لنداء السودان.

هذا الموقف الواضح دفع البشير إلى موقف كيدي رابع، فأمر جهاز أمنه فتح بلاغ ضدنا محتواه الكيدي: أننا قررنا التنسيق مع الحركات المسلحة لإسقاط النظام بقوة السلاح وزعم أن هذا الإعلان ورد في البيان الذي أصدرناه. نص البيان موجود وواضح فيه عدم تأييد إسقاط النظام بالقوة فهذه من أكاذيب النظام.

نعم أكدنا أن هدفنا هو إقامة نظام جديد بإحدى وسيلتين هما: الانتفاضة السلمية والحوار الوطني باستحقاقاته.

إذن إنه بلاغ كاذب سجله جهاز أمن مأمور وإذا عرض علي قضاء مستقل مصيره أن يشطبه لما في حيثياته من أكاذيب.

أما مخاطبة المواطنين للتعبير عن رفض النظام بوسائل خالية من العنف فموقف صحيح لمعارضة سياسات النظام التي أوردت البلاد التهلكة. وهو منصوص عليه في الدستور.

  1. لا يستغرب من النظام أعدم 28 ضابط دون محاكمة: مذبحة رمضان، وأعدم ثلاثة مواطنين فيما بحوزتهم من دولارات، قتلى أبرياء بأية قاعدة حقانية، وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في دارفور وغيرها من مناطق السودان. الشيء من معدنه لا يستغرب.

الواجب علينا أن نكشف هذه الحقائق تصدياً لضلالات النظام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [2] .

  1. سوف نواجه افتراءات النظام على ثلاثة مستويات:
    • المستوى الأول قانوني، ونأمل أن تهرع كل العشيرة الحقانية السودانية، والعربية، والافريقة، والدولية محامون بلا حدود للتصدي بقوة الحق لافتراءات النظام السوداني.
    • والمستوى الثاني هو المستوى السياسي للتصدي لخطايا النظام ليهب أهل السودان في موقف موحد لنصرة الحق ودحض الباطل.
    • المستوى الثالث الدبلوماسي لكيلا يخدعهم هاربون من العدالة الدولية الجنائية بما يقدمون لهم من بيانات كاذبة.
  2. واضح لنا تماماً أن الموقف الذي أدى لفتح هذه البلاغات نتيجة انفعال شخصي بلا مشاركة ولا شورى.

إلى متى ينتظر المشاركون في هذا النظام وهم يشاهدون البلاد تدفع ثمناً غالياً نتيجة لهذه الانفعالات؟

أمام هذا الموقف الانفعالي المتكرر عليهم أن يحكموا ضمائرهم، وأن يقفوا موقفاً حازماً لسحب هذه البلاغات الانفعالية الكيدية أو أن يقرروا عدم المشاركة فيها فالساكت عن ذلك شيطان أخرس.

ها قد رمى الطائيَّ بالبخل مادرٌ              وعيَّر قسًّا بالفهاهة باقلُ

وقال السهى للشمس أنت ضئيلةٌ            وقال الدُّجى يا صبح لونك حائلُ

ولكن بصرف النظر عن الأدبيات فإن ما أقدم عليه النظام الانقلابي من بلاغات جنائية تحصد له الشوك.

لقد اجتهدنا أن نقنع الحركات المسلحة أن نحصر وسائل تحقيق أهدافنا السياسية في وسيلتين هما: الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية.

من شك في ذلك يقارن بين نص وثيقة الفجر الجديد 2013م، وإعلان باريس 2014م.

معنى البلاغات الأخيرة أن الحركات المسلحة السودانية هي حركات إرهابية، ما يعني لا حوار معها أي قفل باب الحوار معها، ومعناه أن أي احتجاجات مدنية شعبية ضد النظام أعمال إرهابية.

هذا معناه أن النظام قفل باب الحوار وقفل باب التحرك المدني السلمي ضده فلم يترك للمعارضين إلا بلغة شوارع أم درمان طالعونا الخلاء! لقد أضاع النظام بالحماقة ثمار ما غرسنا كما يفعل الجاهل عدو نفسه.

[1] سورة الشورى الآية (38)

[2]سورة الحجرات الآية (6)